البشير يتهم جهات «مجهولة» بشن حرب نفسية واقتصادية ضد السودان

قال إنه غير مهتم بالانتخابات الرئاسية المقبلة والجنائية الدولية

البشير يتهم جهات «مجهولة» بشن حرب نفسية واقتصادية ضد السودان
TT

البشير يتهم جهات «مجهولة» بشن حرب نفسية واقتصادية ضد السودان

البشير يتهم جهات «مجهولة» بشن حرب نفسية واقتصادية ضد السودان

شن الرئيس السوداني هجوماً عنيفاً على أعداء،لم يسمهم، قال: إنهم يستهدفون بلاده، ويسعون لإلحاق هزيمة اقتصادية ونفسية بها، وتعهد بحمايتها والحفاظ على راية حكمه الإسلامي، وقلل من أهمية إعادة ترشيحه في الانتخابات الرئاسية المزمعة عام 2020. ودعا لتكوين كتائب حرب إلكترونية ونفسية لمواجهة استهداف حكمه.
وقال الرئيس عمر البشير في كلمته لقوات الدفاع الشعبي شبه النظامية بالخرطوم أمس، إن الأعداء و«قوى الشر» يحاولون تركيع السودان، ويشنون حرباً اقتصادية ونفسية عليه، وتوعد بهزيمتهم - دون أن يسميهم - في الميادين كافة، وأضاف: «حشدوا كل قوى الشر فهزمناهم، باتجاهنا إلى الله وتمسكنا به»، وتابع: «لن نسجد ولن نركع إلاّ لله، ونحن جاهزون لكل الاحتمالات».
ويواجه السودان منذ بداية هذا العام، أوضاعاً اقتصادية متدهورة، أدت لارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية، وعلى رأسها الخبز الذي تضاعفت أسعاره، وإلى انخفاض غير مسبوق في سعر الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، ما أثر هو الآخر على الأوضاع في البلاد.
ورأى البشير أن التدهور الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، والانخفاض غير المسبوق لقيمة العملة السودانية مقابل العملات الأجنبية «محاولة لأخذ السودان بالإجراءات الاقتصادية»، وتعهد بحماية البلاد وضرب كل «فاسد ومتآمر».
وأثارت الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها السلطات في موازنة عام 2018 غضباً شعبياً ضد الغلاء، ونظمت قوى المعارضة عددا من المظاهرات الاحتجاجية عرفت باحتجاجات الخبز، واجهتها سلطات الأمن بالغاز المسيل للدموع والهراوات والاعتقالات.
ولا تزال سلطات الأمن تعتقل العشرات من القادة السياسيين، ونشطاء المجتمع المدني، والصحافيين والطلاب، وعلى رأسهم سكرتير الحزب الشيوعي السوداني محمد مختار الخطيب، ونائب رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة، ورئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، وآخرون، دون توجيه تهم لهم أو تقديمهم لمحاكمات.
وقطع البشير الذي كان يتحدث بلغة حماسية، بتحقيق السلام عن طريق الحوار، أو القوة، وقال: «لو جاءوا بالحوار فمرحباً، وإلاّ سنفرض السلام وهيبة الدولة بالقوة في كل المواقع»، وفي الوقت ذاته أبدى عدم اكتراثه للحملات التي تنادي بتعديل دستور البلاد، لمنحه حصة رئاسية ثالثة، بقوله: «الذين يتكلمون كثيراً عن انتخابات 2020، أنا لست مشغولاً بها».
وتعهد البشير بعدم ترك الأمر لحزبه المؤتمر الوطني، أو الحركة الإسلامية، أو المجلس الوطني، بل للشعب السوداني ليختار من يراه، وقال: «سأقف مع وأساعد وأناصر وأبايع من يختاره الشعب».
وجدد البشير التأكيد على مواصلة النهج الذي تسير عليه حكومته باستمرار حكم الإسلام، وفي ذات الوقت تحدى المحكمة الجنائية الدولية والحروب الاقتصادية ضد حكمه، وأضاف: «أساليبهم تعددت، مرة عمل عسكري، وأخرى دبلوماسية وسياسة، وأخرى اقتصادية، مثلما يستهدفونا بالمحكمة الجنائية ليسوقونا إلى لاهاي».
وأصدرت محكمة لاهاي مذكرتي قبض ضد الرئيس البشير، على اتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية في إقليم دارفور السوداني، منذ عام 2009. بيد أنه يرفض المثول أمام تلك المحكمة، واعتبرها أداة استعمارية تستهدف القادة الأفارقة، وأن بلاده ليست عضواً فيها.
ووصف البشير التحديات التي تواجه حكمة، بأنها محاولات لـ«كسر إرادة الشعب السوداني»، وقال: «محاولاتهم لن تزيدنا إلاّ قوة، ولن تزيدنا إلاّ تمسكاً بهذا المنهج الإسلامي».
ودعا إلى إعداد ما أطلق عليه «كتائب إنتاج، وكتائب حرب نفسية»، وقال: «نحن بحاجة لكتائب إنتاجية، وكتائب حرب نفسية وإلكترونية، لمواجهة الحرب النفسية التي تحاول هزيمة الشعب السوداني».
وأشاد البشير القوات المسلحة السودانية بكافة صنوفها، ووجه إشادة خاصة للقوات السودانية التي تقاتل في عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية بقوله: «قدموا النموذج المشرف للمقاتل السوداني، بشهادة كل من شاهدهم وعايشهم في مناطق العمليات».
وتعهد ببناء جيش سوداني قوي، مستعد للسلام والحرب معاً، وقال: «يجب أن نكون مستعدين لردع كل من يحاول مس هذه البلاد، وعلى القوات المسلحة أن تكون مستعدة لحراسة البلاد في الحرب والسلام».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.