مظاهرة حاشدة في أثينا احتجاجاً على تسوية حول اسم مقدونيا

تظاهر مئات آلاف اليونانيين أمس في وسط العاصمة أثينا أمس تعبيراً عن معارضتهم للتسوية التي تطرحها حكومة أليكسيس تسيبراس حول الاسم الذي يجري النقاش حوله لدولة مقدونيا المجاورة. وأطلق المتظاهرون في ساحة سينتاغما هتافات مثل «مقدونيا يونانية!»، و«مقدونيا هي اليونان» و«لن نرحل قبل إنصافنا!»، فيما رفع علم يوناني ضخم في الساحة بوسط العاصمة.
وشارك في المظاهرة الكثير من العائلات والمتقدمين في السن وعدد من الشخصيات بينها رئيس الوزراء اليميني المحافظ السابق من حزب «الديمقراطية الجديدة» أنتونيس ساماراس، الذي كان وزيرا للخارجية عندما نشب الخلاف على الاسم في 1991. إلى جانب رؤساء بلديات وكبار رجال الدين وضباط الجيش. وألقى الخطيب الرئيسي في التجمع المؤلف الموسيقي ميكيس ثيودوراكيس البالغ الثانية والتسعين من العمر، كلمة طالب فيها باستفتاء حول الاسم، مؤكداً أن «مقدونيا كانت يونانية، وهي اليوم كذلك، وستبقى يونانية إلى الأبد». وتابع مؤلف موسيقى فيلم زوربا الشهيرة في الكلمة التي ألقاها من كرسي متحرك ودامت نصف ساعة: «لطالما ناضلت من أجل وحدة الشعب اليوناني. علينا أن نواجه هذه المشكلة الكبرى متّحدين يداً واحدة». وأكد بطل النضال ضد الديكتاتورية العسكرية في اليونان بين 1967 و1974 أن «الدفاع عن حقوق الشعب لا يعني نزعة قومية»، داعيا المتظاهرين إلى «عدم الإذعان للترهيب» غداة تعرض منزله في الوسط التاريخي للعاصمة للتخريب بعد ظهر أول من أمس.
وهذه المظاهرة هي الثانية خلال 15 يوما حول موضوع اسم مقدونيا، وهي إلى حد كبير من تنظيم وتمويل جاليات يونانية في الخارج ونواد لعسكريين متقاعدين وجمعيات كنسية وثقافية من مقدونيا اليونانية. وأراد المنظمون مشاركة أكثر من مليون شخص، أي ثلاثة أضعاف المشاركين في مظاهرة 21 يناير (كانون الثاني) الماضي في سالونيكي، عاصمة مقاطعة مقدونيا اليونانية. وآنذاك تحدث المنظمون عن مشاركة ما بين 400 ألف إلى 500 ألف شخص.
وأمس، أقلت نحو 2500 حافلة المتظاهرين من شمال اليونان، كما نقلت عبارتان المشاركين الوافدين من جزيرة كريت. وارتدى البعض أزياء تراثية وأبرزها بزة القوات اليونانية التي قاتلت البلغار في مقدونيا في مطلع القرن العشرين.
وقال آليا ساريليس من يونانيي المهجر الذي أتى من الولايات المتحدة للمشاركة في المظاهرة إن «مقدونيا يونانية فقط لا غير. يريدون سرقة التاريخ وعلينا النضال كي يعلم العالم بأسره بذلك».
وما زالت قضية اسم مقدونيا بلا حل، منذ أصبحت الجمهورية اليوغوسلافية السابقة، مستقلة في 1991. وتعتبر أثينا أن اسم مقدونيا جزء من تراثها الثقافي. ويتخوف اليونانيون من أطماع لدى سكوبيه في أراض شمال اليونان، بعدما أعلنت أحقيتها بهذه التسمية وبارتباطها بتاريخ الإسكندر الأكبر المولود في إقليم مقدونيا اليوناني الحالي. إلا أن الحكومة اليونانية يمكن أن تقبل في إطار بعض الشروط، باسم يتضمن كلمة مقدونيا، مثل مقدونيا الشمالية أو مقدونيا العليا، الأمر الذي يرفضه المتظاهرون. وينشط مبعوث الأمم المتحدة حول هذه المسألة ماتيو نيميتز بين العاصمتين. وقال يوم الثلاثاء الماضي في أثينا إنه «حان وقت اتخاذ القرار».
وأكدت الحكومة أن المظاهرات لن تؤثر على عزمها إيجاد حل لمشكلة اسم مقدونيا، لتعزيز الاستقرار في منطقة البلقان. وقال أليكسيس تسيبراس إن «عدم التوصل إلى حل، لا يخدم مصلحتنا الوطنية».
ومنذ 1993 تمكنت مقدونيا من الانضمام إلى الأمم المتحدة باسم «الجمهورية اليوغوسلافية السابقة لمقدونيا». لكنها لا تستطيع الانضمام في هذا الوضع، لا إلى الاتحاد الأوروبي ولا إلى الحلف الأطلسي، بسبب اعتراض اليونان.
وعلى جانبي الحدود الحالية، تجاوبت الحكومتان على ما يبدو مع الجهود المبذولة؛ إذ أعلن رئيس الوزراء المقدوني زوران زئيف، في دافوس أواخر يناير الماضي الموافقة على إلغاء تسمية «الإسكندر الأكبر» لمطار سكوبيه الدولي، والطريق السريعة الرئيسية في البلاد. وكشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «بالس» مؤخراً لصالح تلفزيون «أكشن 24» رفض 59 في المائة من اليونانيين لورود كلمة مقدونيا في الاسم الذي سيعتمد لهذا البلد، مقابل 35 في المائة لا يأبهون لذلك.
وتساءلت الصحف اليونانية أمس حول التبعات الداخلية لهذه التعبئة، وكتبت صحيفة «أفغي» الموالية للحكومة أن «القومية أكثر خطورة من المخاطر الخارجية». واعتبرت صحيفة «كاثيميريني» الليبرالية أن المظاهرة «قد تولد وقائع جديدة على الساحة السياسية الداخلية». ويتهم حزب «الديمقراطية الجديدة» تسيبراس بإحياء هذا الجدل لدواع سياسية داخلية والتسبب بانقسام اليمين، لكن رئيس الوزراء رفض هذه الاتهامات، مؤكدا «لدي مسؤولية تجاه البلد» تكمن في حل هذا الملف. وشدد المتحدث باسم الحكومة ديمتريس تزاناكوبولويس في مقابلة أمس على «سعي الحكومة للتوصل إلى حل لمشكلة تضر بالبلد وبعلاقاته الدولية ودبلوماسيته منذ 25 عاما». ورأى نيكولاوس تزيفاكيس أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيلوبونيز (جنوب) أن «الكثيرين ينظرون إلى التغيير الحالي في السياسة (بهذا الشأن) من زاوية الأزمة الاقتصادية ويعتبرون أنه التنازل الذي طفح به الكيل».