الأردن في حاجة إلى 2.4 مليار دولار سنوياً لتمويل خطة الاستجابة للأزمة السورية

رئيس وزراء الأردن: فرص عودة أربعة ملايين نازح سوري إلى بلادهم لا تزال بعيدة

TT

الأردن في حاجة إلى 2.4 مليار دولار سنوياً لتمويل خطة الاستجابة للأزمة السورية

قال رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي: إن فرص عودة أربعة ملايين نازح سوري في جميع أنحاء العالم إلى بلادهم لا تزال بعيدة بعد مرور سبع سنوات على الأزمة.
وأضاف الملقي خلال اجتماع عقد أمس (الخميس) لإقرار خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية بالتعاون مع المجتمع الدولي، أنه حتى لو تحقق حل سلمي، فإن الأمر سيستغرق سنوات لإعادة بناء سوريا، وإعادة توطين السوريين. وهذا يعني أنه سيتعين على الأردن الاستمرار في تحمل التكاليف المتزايدة للأزمة ومواجهة التحديات المتزايدة للنسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلاد لعام 2018 وما بعده.
وأقرت الحكومة الأردنية بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة والدول المانحة خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية للأعوام الثلاثة المقبلة بقيمة 7.3 مليار دولار بمعدل نحو 4.‏2 مليار دولار سنوياً.
وأكد الملقي، أن الوضع في سوريا وأزمة اللاجئين التي لم يسبق لها مثيل باعتراف عالمي تعد أسوأ كارثة إنسانية واجهها العالم منذ الحرب العالمية الثانية؛ ما يشكل تهديداً متزايداً للأمن العالمي والتنمية والنمو الاقتصادي.
وقال: إننا في خضم أزمة إنسانية وتنموية ذات أبعاد عالمية يكون فيها مصير اللاجئين والبلدان التي تستضيفهم متشابكة، مضيفاً أن مستقبلاً آمناً وكريماً للاجئين السوريين بات يتطلب استثماراً متناسباً في منعة البلدان المضيفة لهم مثل الأردن والذي يشكل نموذجاً للعالم في استضافة اللاجئين والتعامل مع التبعات.
وأكد الملقي، أن الأردن ملتزم بالوفاء بالتزاماته الإنسانية، وبخاصة تجاه اللاجئين السوريين مثلما فعل دائماً مع أولئك الذين لجأوا للأردن لعقود طويلة، وفي تحمل أكثر من حصته العادلة من الاستجابة بالنيابة عن المجتمع الدولي الذي يجب أن يستمر في تقديم الدعم الكافي للأردن كجزء من المبدأ الدولي للتقاسم العادل للأعباء.
ولفت إلى أن خطة الاستجابة الأردنية 2018 - 2020 هي دعوة إلى المزيد من العمل الجماعي للاستجابة للأزمة، وهي تمثل خطوة أخرى نحو استجابة شاملة تربط بشكل فاعل بين حلول التكيف قصيرة الأجل والمبادرات الأطول أجلاً، الرامية إلى تعزيز القدرات المحلية والوطنية على الصمود.
وأكد، أن الأردن وصل إلى أقصى قدرته الاستيعابية من حيث موارده المتاحة، والبنية التحتية المادية والاجتماعية، وقدرة الحكومة الأردنية على تقديم الخدمات، لافتاً إلى أنه ومن دون الدعم المتواصل لشركائنا الرئيسيين، سيؤثر ذلك سلباً على قدرتنا على مواصلة تقديم الخدمات الأساسية للسوريين مع الحفاظ على مستويات الخدمة دون التأثير سلباً على المواطنين الأردنيين، أو المخاطرة بمكتسباتنا الإنمائية الوطنية.
ومن المرتقب أن تقوم الحكومة باعتماد الخطة الأردنية للاستجابة للأزمة السورية (2018 - 2020) كمرجعية لتحديد احتياجات الحكومة للحد من أثر استضافة اللاجئين السوريين ودعم المجتمعات المستضيفة ودعم الخزينة، وستقوم السفارات الأردنية في الخارج باعتماد الخطة في طلب الدعم والالتزام بمضمونها من قبل جميع الوزارات والمؤسسات الرسمية.
من جانبه، قال وزير التخطيط والتعاون الدولي الأردني عماد الفاخوري إن ميزانية الخطة قد خفضت بنحو 110 ملايين دولار، من 65.‏2 مليار دولار أميركي سنوياً في الخطة السابقة إلى ما معدله نحو 4.‏2 مليار دولار أميركي سنوياً للفترة 2018 - 2020.
ودعا المجتمع الدولي إلى توفير تمويل كافٍ من خلال دعم خطة الاستجابة الأردنية 2018 – 2020، وتأمين منح كافية وتمويل ميسر لتلبية احتياجات التمويل الملحة للموازنة في الأردن على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
وأكد على أهمية الاستمرار في توفير الدعم الدولي لخطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية، وقال: إن المجتمع الدولي قدم تمويلاً فعلياً لمشروعات خطة الاستجابة بنحو 7.‏1 مليار دولار أميركي في عام 2017 تشكل نحو 65 في المائة من متطلبات التمويل، مقارنة بنحو 62 في المائة في عام 2016.
وقال: إنه رغم أن هذا المبلغ يمثل رقماً قياسياً في تاريخ الخطة، فإن احتياجات ومتطلبات اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة الأردنية لا تزال تفوق كثيراً الدعم المالي الذي تلقاه الأردن. الأمر الذي حمّل الحكومة الأردنية أعباء تغطية الفجوة التمويلية للخطة؛ مما أدى إلى تفاقم نطاق الإنفاق المالي، وأثر سلباً على نوعية حياة الأردنيين والسوريين على السواء.
وبحسب الفاخوري، تم تطوير خطة الاستجابة الأردنية استناداً إلى نتائج التقييم الشامل الذي يحلل نقاط الهشاشة لكل من اللاجئين والمجتمعات الأردنية المضيفة، وكذلك تأثير الأزمة على الخدمات الاجتماعية الرئيسية، وهي التعليم والصحة وإدارة النفايات الصلبة والمياه والصرف الصحي.
وقال: قمنا بتحديث نظام إدارة المعلومات لتشمل التمويل المقدم من المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة والاتفاقات الثنائية في عام 2017؛ مما يجعل نظامنا قاعدة بيانات شاملة حقيقية، ونظاماً يتبع لجميع المشروعات المنفذة في إطار خطة الاستجابة.
وأضاف: إن جميع هذه المعلومات، التي يمكن استعراضها تبين الجهات الممولة والقطاع والشريك المنفذ، قد أصبحت الآن متاحة للجمهور على شبكة الإنترنت؛ مما يعزز الشفافية والمساءلة.
ومن حيث النتائج التي حققتها الخطة، قال الفاخوري: لقد تحقق الكثير خلال السنة الماضية، حيث تحسنت فرص الحصول على التعليم، وأصبح أكثر من 130 ألف من الفتيان والفتيات السوريين اللاجئين مسجلين حالياً في المدارس الحكومية في جميع أنحاء المملكة.
علاوة على ذلك، تم تقديم أكثر من 211 ألفاً من الخدمات في مجال الرعاية الصحية الأولية و91 ألفاً من خدمات الأمومة والطفولة للاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة. ووصلت برامج المساعدات النقدية إلى نحو 143 ألف لاجئ سوري و5.800 أردني شهرياً، في حين تلقت 18 ألف أسرة سورية مساعدات غير غذائية، وإصدار 87 ألف تصريح عمل للاجئين سوريين منذ مؤتمر لندن.
وحث الفاخوري الاتحاد الأوروبي على مراجعة القرار المتعلق بتبسيط قواعد المنشأ، وإعادة النظر في زيادة تبسيط إجراءاته من أجل تعظيم فوائد تبسيط قواعد المنشأ لصالح الصناعيين الأردنيين وجذب الاستثمارات.
من جانبه، أكد المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في الأردن، اندرس بيدرسن، أن المجتمع الدولي سيواصل العمل في شراكة وثيقة مع الحكومة الأردنية لتعزيز جهودها للاستجابة لاحتياجات الأسر والمجتمعات المستضيفة في الأردن، مع الحفاظ على أمن الأردن السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وأضاف إنه مع تغيير الأوضاع المحيطة بالأردن، وإنه يجب علينا مواءمة التغيرات، حيث يعرض عام 2018 مجموعة جديدة من التحديات التي تتواكب مع الأزمة السورية التي طال أمدها، ومن المنطقي أن الاستجابة للأزمة السورية في عامها السابع تكون مختلفة عما كانت عليه في السنوات الأولى. ولضمان استمرارنا في تقديم أفضل الخدمات للفئات المستضعفة، وفي الوقت نفسه الذي نعزز فيه الخطط والعمليات الوطنية، من المناسب تماماً، بل ومن الضروري، أن نراجع بصورة دورية الأنظمة والإجراءات التي نستخدمها للاستجابة للأزمة. لا ينبغي علينا أن نخشى التغيير، لكن علينا احتضان التغيير وتوجيهه.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.