«سيليكون فالي» حوّل الهاتف الذكي إلى أداة للإدمان

أصحاب الهواتف يفتحونها 80 مرة ويلمسون شاشاتها أكثر من ألفي مرة في اليوم

TT

«سيليكون فالي» حوّل الهاتف الذكي إلى أداة للإدمان

يفتح مستخدمو هاتف «آيفون» قفل هاتفهم 80 مرّة كلّ يوم، بمعدل خمس أو ستّ مرات في الساعة، إذا ما اعتبرنا أنهم يستخدمون هذه الأجهزة لـ12 ساعة يومياً. وهذا الرقم الذي أعلنته «آبل» لا يكشف كلّ شيء، لأن تفاعل الناس مع هواتفهم الذكية يفوق ما ذكر بكثير، حيث أظهرت دراسة أجرتها شركة «دي سكوت» للأبحاث أن الناس يلمسون شاشات هواتفهم بمعدل 2617 مرة في اليوم الواحد.

«إبداعات الإدمان»

هناك من يحافظ على هذا الهوس بحذر وإتقان، فيتلقى المستخدم إشعاراً لكلّ تغريدة جديدة، ورنّة لكلّ إعجاب على «فيسبوك»، حتى إن المخترعين وسعوا إبداعهم ليدفعوا بنا نحو الإدمان على استخدام تطبيقاتهم.
ويوماً بعد يوم، يزداد عدد المطورين الذين يقفون خلف التقنيات التي نستخدمها في حياتنا اليومية، ليعترفوا بالخطأ الذي ارتكبوه ويقروا بأنهم صنعوا وحوشاً.
لورين بريتشر، هو واحد من هؤلاء المخترعين الذين يعبّرون عن ندمهم، وفقا لموقع «وورلد كرانتش». وهو مخترع ميزة «اسحب للتحديث» عام 2009، التي اعتمدت أولاً من قبل «تويتر» بعد استحواذه على تطبيق «تويتي» الذي كان بريتشر يعمل عليه. اعتبر المخترع أخيراً في حديث لصحيفة «الغارديان» البريطانية أن الهواتف الذكية هي أدوات فعالة، ولكنها تجرّ إلى الإدمان.
وأضاف: «إن ميزة *اسحب للتحديث pull - to - refresh * تجرّ للإدمان، و(تويتر) أيضاً يجر إلى الإدمان. هذه الأشياء ليست جيّدة. ولكنني حين كنت أعمل عليها، لم أكن ناضجاً بما يكفي لأفكّر في هذا الأمر».
أما جاستن روزنستين، الذي شارك في اختراع زرّ الإعجاب في «فيسبوك»، يندم اليوم على عواقب ما وصفه «لمحات برّاقة من المتعة الزائفة». وتريستان هاريس، موظف سابق في «غوغل»، ويعتقد حالياً أن مصممي المنتجات يتلاعبون بنقاط الضعف النفسية لدى المستهلكين (عن قصد أو دون قصد)، بشكل لا يخدم مصلحتهم بهدف جذب اهتمامهم.

جاذبية التواصل والتفاعل

ولكن ما هي درجة المسؤولية التي يتشاركها مطورو التقنيات والتطبيقات؟ يقول جيلز ديمارتي إن عمله هو الوحيد إلى جانب الاتجار بالمخدرات الذي يتحدثون فيه عن كلمة «مستخدمين». ديمارتي هو المهندس المسؤول عن «تجربة المستخدمين» في وكالة «راتيو» ومقرها لوزان. وقال: «مع القليل من المبالغة، نحن نبيع نوعاً من الإدمان، إذ إنه يشبه المخدرات في بعض جوانبه، لأننا ببساطة نصنع منتجات تلبي حاجات المستخدمين، وإذا كان عملنا جيداً، سيعودون إلينا مرة أخرى. نحن نصنع حلقات سريعة وسهلة التعلّم، كميزة (اسحب للتحديث) تماماً. الهدف هنا هو أن يحصل المستخدم على اكتفاء صغير وسريع، كعرض محتوى جديد مثلاً».
يقارن نيكولاس نوفا، عالم اجتماع من جامعة «هيد» في جنيف، هذا التفسير بآلات القمار، ويقول: «تلعبون على شاشات مسلية، ولا تعرفون ماذا ستجدون وتأملون أن شيئا ما سيحصل، وأحياناً تحصلون فعلاً على جائزة رقمية. الهدف هنا هو الحفاظ على قوة التفاعل مع المستخدم قدر الإمكان. مطورو تطبيقات سيليكون فالي هم الرواد في هذا المجال، إلا أن هذه التقنيات تنتشر بسرعة كبيرة حول العالم».
في هذه الخبرات، يمتلك جميع مطوري التطبيقات الوصفات نفسها ولو بدرجات متفاوتة، ولكن أكثرهم فعالية هما «فيسبوك» و«غوغل». يشرح ديفيريس: «الإبداع الذي تتولاه الشبكات الاجتماعية في نشر المعلومات فعال جداً. يعرف موقع (فيسبوك) أن أعضاءه يخافون من تفويت منشور ما، ولهذا السبب، يشعرون برغبة في إمضاء وقت أطول على صفحات الأخبار الجديدة».
ويرى شون باركر، الرئيس المؤسس لـ«فيسبوك»، أن كلّ شيء محسوب بذكاء، إذ إن هدف الشبكات الاجتماعية كان وما زال أن تجيب على السؤال التالي: «كيف يمكننا أن نستهلك القدر الأكبر من وقتكم واهتمامك الكامل؟»، والجواب باختصار: عبر استغلال «نقاط الضعف في العقل البشري».
وقال باركر أخيراً: «نحتاج إلى تزويد الناس بالقليل من «المكافأة الذهنية» من وقت إلى آخر، لأن أحدهم ضغط إعجاباً أو كتب تعليقاً على صورة أو منشور أو ما إلى ذلك. هذا الأمر سيدفع الناس إلى المشاركة بمحتوى أكبر، مما سيجمع لهم المزيد من الإعجابات والتعليقات. إنها «حلقة التفاعل المؤثر اجتماعياً».
إلا أن «فيسبوك» ليس الوحيد، لأن شبكة «سنابتشات» تتضمن أيضاً ميزة تعرف بـ«سناب ستريك» التي تتعقّب وتيرة المحادثة مع الأصدقاء. فقد كشف تريستان هاريس أنهم سيطروا على نظرة ما يقارب الـ100 مليون شخص للصداقة. مثال آخر: قبل بضعة أشهر، اعترف مدير نيتفليكس ريد هايستينغز صراحة بالحيل التي تستخدمها خدمة الفيديو خاصته، وقال: «تحصلون على عرض أو فيلم تتوقون حقاً لمشاهدته، وينتهي بكم الأمر مستيقظين طوال الليل، أي أننا في الواقع نتنافس مع النوم».


مقالات ذات صلة

بدء تطبيق المرحلة الإلزامية الأولى لتوحيد منافذ الشحن في السعودية

الاقتصاد مقر هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية في الرياض (الموقع الإلكتروني)

بدء تطبيق المرحلة الإلزامية الأولى لتوحيد منافذ الشحن في السعودية

بدأ تطبيق المرحلة الإلزامية الأولى لتوحيد منافذ الشحن للهواتف المتنقلة والأجهزة الإلكترونية في السوق، لتكون من نوع «USB Type - C».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من اجتماع خلال منتدى حوكمة الإنترنت الذي عقد مؤخراً بالعاصمة الرياض (الشرق الأوسط)

تقرير دولي: منظومات ذكية ومجتمعات ممكّنة تشكل مستقبل الاقتصاد الرقمي

كشف تقرير دولي عن عدد من التحديات التي قد تواجه الاقتصاد الرقمي في العام المقبل 2025، والتي تتضمن الابتكار الأخلاقي، والوصول العادل إلى التكنولوجيا، والفجوة…

«الشرق الأوسط» (الرياض)
تكنولوجيا تتميز سمكة «موبولا راي» بهيكلها العظمي الغضروفي وأجنحتها الضخمة ما يسمح لها بالانزلاق بسهولة في الماء (أدوبي)

سمكة تلهم باحثين لتطوير نموذج مرشّح مياه صناعي!

طريقة تغذية سمكة «موبولا راي» تدفع باحثي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لتطوير أنظمة ترشيح فعالة.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا تعمل استراتيجيات مثل الأمن متعدد الطبقات واستخبارات التهديدات المتقدمة على تعزيز دفاعات الشركات السعودية (شاترستوك)

السعودية تسجل 44 % انخفاضاً في الهجمات الإلكترونية حتى نوفمبر مقارنة بـ2023

تواجه السعودية التحديات السيبرانية باستراتيجيات متقدمة مع معالجة حماية البيانات وأمن السحابة وفجوات مواهب الأمن السيبراني.

نسيم رمضان (لندن)
خاص تتضمن الاتجاهات الرئيسة لعام 2025 الاستعداد الكمومي وممارسات الأمن السيبراني الخضراء والامتثال (شاترستوك)

خاص كيف يعيد الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية تشكيل الأمن السيبراني في 2025؟

«بالو ألتو نتوركس» تشرح لـ«الشرق الأوسط» تأثير المنصات الموحدة والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية على مستقبل الأمن السيبراني.

نسيم رمضان (لندن)

هل أصبحنا على أعتاب مرحلة تباطؤ الذكاء الاصطناعي؟

هل أصبحنا على أعتاب مرحلة تباطؤ الذكاء الاصطناعي؟
TT

هل أصبحنا على أعتاب مرحلة تباطؤ الذكاء الاصطناعي؟

هل أصبحنا على أعتاب مرحلة تباطؤ الذكاء الاصطناعي؟

يوجه ديميس هاسابيس، أحد أكثر خبراء الذكاء الاصطناعي نفوذاً في العالم، تحذيراً لبقية صناعة التكنولوجيا: لا تتوقعوا أن تستمر برامج المحادثة الآلية في التحسن بنفس السرعة التي كانت عليها خلال السنوات القليلة الماضية، كما كتب كاد ميتز وتريب ميكل (*).

التهام بيانات الإنترنت

لقد اعتمد باحثو الذكاء الاصطناعي لبعض الوقت على مفهوم بسيط إلى حد ما لتحسين أنظمتهم: فكلما زادت البيانات التي جمعوها من الإنترنت، والتي ضخُّوها في نماذج لغوية كبيرة (التكنولوجيا التي تقف وراء برامج المحادثة الآلية) كان أداء هذه الأنظمة أفضل.

ولكن هاسابيس، الذي يشرف على «غوغل ديب مايند»، مختبر الذكاء الاصطناعي الرئيسي للشركة، يقول الآن إن هذه الطريقة بدأت تفقد زخمها ببساطة، لأن البيانات نفدت من أيدي شركات التكنولوجيا.

وقال هاسابيس، هذا الشهر، في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، وهو يستعد لقبول «جائزة نوبل» عن عمله في مجال الذكاء الاصطناعي: «يشهد الجميع في الصناعة عائدات متناقصة».

استنفاد النصوص الرقمية المتاحة

هاسابيس ليس الخبير الوحيد في مجال الذكاء الاصطناعي الذي يحذر من تباطؤ؛ إذ أظهرت المقابلات التي أُجريت مع 20 من المديرين التنفيذيين والباحثين اعتقاداً واسع النطاق بأن صناعة التكنولوجيا تواجه مشكلة كان يعتقد كثيرون أنها لا يمكن تصورها قبل بضع سنوات فقط؛ فقد استنفدت معظم النصوص الرقمية المتاحة على الإنترنت.

استثمارات رغم المخاوف

بدأت هذه المشكلة في الظهور، حتى مع استمرار ضخ مليارات الدولارات في تطوير الذكاء الاصطناعي. في الأسبوع الماضي، قالت شركة «داتابريكس (Databricks)»، وهي شركة بيانات الذكاء الاصطناعي، إنها تقترب من 10 مليارات دولار في التمويل، وهي أكبر جولة تمويل خاصة على الإطلاق لشركة ناشئة. وتشير أكبر الشركات في مجال التكنولوجيا إلى أنها لا تخطط لإبطاء إنفاقها على مراكز البيانات العملاقة التي تدير أنظمة الذكاء الاصطناعي.

لا يشعر الجميع في عالم الذكاء الاصطناعي بالقلق. يقول البعض، بمن في ذلك سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، إن التقدم سيستمر بنفس الوتيرة، وإن كان مع بعض التغييرات في التقنيات القديمة. كما أن داريو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة الذكاء الاصطناعي الناشئة، «أنثروبيك»، وجينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة «نيفيديا»، متفائلان أيضاً.

قوانين التوسع... هل تتوقف؟

تعود جذور المناقشة إلى عام 2020، عندما نشر جاريد كابلان، وهو فيزيائي نظري في جامعة جونز هوبكنز، ورقة بحثية تُظهِر أن نماذج اللغة الكبيرة أصبحت أكثر قوة وواقعية بشكل مطرد مع تحليل المزيد من البيانات.

أطلق الباحثون على نتائج كابلان «قوانين التوسع (Scaling Laws)»... فكما يتعلم الطلاب المزيد من خلال قراءة المزيد من الكتب، تحسنت أنظمة الذكاء الاصطناعي مع تناولها كميات كبيرة بشكل متزايد من النصوص الرقمية التي تم جمعها من الإنترنت، بما في ذلك المقالات الإخبارية وسجلات الدردشة وبرامج الكومبيوتر.

ونظراً لقوة هذه الظاهرة، سارعت شركات، مثل «OpenAI (أوبن إيه آي)» و«غوغل» و«ميتا» إلى الحصول على أكبر قدر ممكن من بيانات الإنترنت، وتجاهلت السياسات المؤسسية وحتى مناقشة ما إذا كان ينبغي لها التحايل على القانون، وفقاً لفحص أجرته صحيفة «نيويورك تايمز»، هذا العام.

كان هذا هو المعادل الحديث لـ«قانون مور»، وهو المبدأ الذي كثيراً ما يُستشهد به، والذي صاغه في ستينات القرن العشرين المؤسس المشارك لشركة «إنتل غوردون مور»؛ فقد أظهر مور أن عدد الترانزستورات على شريحة السيليكون يتضاعف كل عامين، أو نحو ذلك، ما يزيد بشكل مطرد من قوة أجهزة الكومبيوتر في العالم. وقد صمد «قانون مور» لمدة 40 عاماً. ولكن في النهاية، بدأ يتباطأ.

المشكلة هي أنه لا قوانين القياس ولا «قانون مور» هي قوانين الطبيعة الثابتة. إنها ببساطة ملاحظات ذكية. صمد أحدها لعقود من الزمن. وقد يكون للقوانين الأخرى عمر افتراضي أقصر بكثير؛ إذ لا تستطيع «غوغل» و«أنثروبيك» إلقاء المزيد من النصوص على أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بهما، لأنه لم يتبقَّ سوى القليل من النصوص لإلقائها.

«لقد كانت هناك عائدات غير عادية على مدى السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، مع بدء تطبيق قوانين التوسع»، كما قال هاسابيس. «لكننا لم نعد نحصل على نفس التقدم».

آلة تضاهي قوة العقل البشري

وقال هاسابيس إن التقنيات الحالية ستستمر في تحسين الذكاء الاصطناعي في بعض النواحي. لكنه قال إنه يعتقد أن هناك حاجة إلى أفكار جديدة تماماً للوصول إلى الهدف الذي تسعى إليه «غوغل» والعديد من الشركات الأخرى: آلة يمكنها أن تضاهي قوة الدماغ البشري.

أما إيليا سوتسكيفر، الذي كان له دور فعال في دفع الصناعة إلى التفكير الكبير، كباحث في كل من «غوغل» و«أوبن أيه آي»، قبل مغادرته إياها، لإنشاء شركة ناشئة جديدة، الربيع الماضي، طرح النقطة ذاتها خلال خطاب ألقاه هذا الشهر. قال: «لقد حققنا ذروة البيانات، ولن يكون هناك المزيد. علينا التعامل مع البيانات التي لدينا. لا يوجد سوى شبكة إنترنت واحدة».

بيانات مركبة اصطناعياً

يستكشف هاسابيس وآخرون نهجاً مختلفاً. إنهم يطورون طرقاً لنماذج اللغة الكبيرة للتعلُّم من تجربتهم وأخطائهم الخاصة. من خلال العمل على حل مشاكل رياضية مختلفة، على سبيل المثال، يمكن لنماذج اللغة أن تتعلم أي الطرق تؤدي إلى الإجابة الصحيحة، وأيها لا. في الأساس، تتدرب النماذج على البيانات التي تولِّدها بنفسها. يطلق الباحثون على هذا «البيانات الاصطناعية».

أصدرت «اوبن أيه آي» مؤخراً نظاماً جديداً يسمى «OpenAI o1» تم بناؤه بهذه الطريقة. لكن الطريقة تعمل فقط في مجالات مثل الرياضيات وبرمجة الحوسبة؛ حيث يوجد تمييز واضح بين الصواب والخطأ.

تباطؤ محتمل

على صعيد آخر، وخلال مكالمة مع المحللين، الشهر الماضي، سُئل هوانغ عن كيفية مساعدة شركته «نيفيديا» للعملاء في التغلب على تباطؤ محتمل، وما قد تكون العواقب على أعمالها. قال إن الأدلة أظهرت أنه لا يزال يتم تحقيق مكاسب، لكن الشركات كانت تختبر أيضاً عمليات وتقنيات جديدة على شرائح الذكاء الاصطناعي. وأضاف: «نتيجة لذلك، فإن الطلب على بنيتنا التحتية كبير حقاً». وعلى الرغم من ثقته في آفاق «نيفيديا»، فإن بعض أكبر عملاء الشركة يعترفون بأنهم يجب أن يستعدوا لاحتمال عدم تقدم الذكاء الاصطناعي بالسرعة المتوقَّعة.

وعن التباطؤ المحتمل قالت راشيل بيترسون، نائبة رئيس مراكز البيانات في شركة «ميتا»: «إنه سؤال رائع نظراً لكل الأموال التي يتم إنفاقها على هذا المشروع على نطاق واسع».

* خدمة «نيويورك تايمز»