غليان عدن يودي بحياة 15 شخصاً... وولد الشيخ يعرض التدخل للمصالحة

بن دغر وصف الهجوم بـ«الانقلاب» وبأنه في مصلحة إيران والحوثي

جانب من اجتماع مجلس الوزراء اليمني الطارئ الذي عقده بعد الاشتباكات (سبأ)
جانب من اجتماع مجلس الوزراء اليمني الطارئ الذي عقده بعد الاشتباكات (سبأ)
TT

غليان عدن يودي بحياة 15 شخصاً... وولد الشيخ يعرض التدخل للمصالحة

جانب من اجتماع مجلس الوزراء اليمني الطارئ الذي عقده بعد الاشتباكات (سبأ)
جانب من اجتماع مجلس الوزراء اليمني الطارئ الذي عقده بعد الاشتباكات (سبأ)

أحبطت قوات الحكومة اليمنية أمس في العاصمة المؤقتة عدن ما عدّته هجوما مسلحا على مقار حكومية يقوده عناصر تابعون لما يسمى «المجلس الانتقالي الجنوبي»، فيما أدت المواجهات التي شملت مناطق متفرقة من المدينة واستخدمت خلالها الدبابات والمدفعية، إلى مقتل 15 شخصا على الأقل، وجرح العشرات، قبل أن تؤول الأمور مساء إلى الهدوء النسبي مع استمرار التوتر والانتشار العسكري الكثيف.
وأمر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بوقف فوري لإطلاق النار وعودة القوات إلى ثكناتها، في حين وصف رئيس الحكومة اليمنية أحمد عبيد بن دغر الهجوم بأنه «محاولة للانقلاب على الشرعية»، وقال إن الأوضاع تتجه نحو «مواجهة عسكرية شاملة» لن يستفيد منها سوى الميليشيات الحوثية وإيران.
وغرد وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي الدكتور أنور قرقاش بالقول إن موقف بلاده من الأحداث «واضح ومبدئي في دعمه للتحالف العربي الذي تقوده السعودية، ولا عزاء لمن يسعى للفتنة».
في غضون ذلك، عرض مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن المنتهية ولايته إسماعيل ولد الشيخ التدخل لحل النزاع المسلح الذي تفجر في عدن أمس.
وقال في بيان إنه يتابع «بقلق بالغ التطورات السياسية والأمنية في عدن، والتي ساهمت في زعزعة الأمن والاستقرار في المدينة، وأدت إلى وقوع كثير من القتلى والجرحى بما في ذلك في صفوف المدنيين».
ودعا ولد الشيخ «كافة الأطراف إلى تهدئة الأوضاع وممارسة أقصى درجات ضبط النفس والاحتكام للحوار والممارسات السلمية كأساس وحيد لحل الخلافات بين الأطراف» وأكد «استعداد الأمم المتحدة الدائم للمساعدة في حل الخلافات في هذا الوقت الحرج الذي يعيشه اليمن».
وكانت قيادة التحالف الداعم للشرعية في اليمن أصدرت بيانا رسميا أول من أمس ومن قبل الاشتباكات، دعت خلاله كل الأطراف إلى «التهدئة وضبط النفس والتمسك بلغة الحوار الهادئ»، وأكدت على «أهمية استشعار الجميع للمسؤولية الوطنية لتوجيه دفة العمل المشترك مع التحالف لاستكمال تحرير الأراضي اليمنية من ميليشيا الحوثي الإيرانية».
وطالب التحالف بعدم «إعطاء الفرصة للمتربصين لشق الصف اليمني أو إشغال اليمنيين عن معركتهم الرئيسيّة باعتبار ذلك التزاما سياسيا وإنسانيا وأخلاقيا لا يمكن التراجع عنه، وتلافي أي أسباب تؤدي إلى الفرقة والانقسام وتقويض مؤسسات الدولة».
وحاولت منذ الصباح قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي التقدم نحو القصر الرئاسي والسيطرة على المؤسسات والمواقع الحكومية في المدينة، قبل أن تتصدى لها ألوية الحماية الرئاسية وتخوض معها اشتباكات متفرقة في أكثر من منطقة بالمدينة.
وأدت المواجهات التي استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والدبابات إلى إغلاق مطار عدن الدولي ومغادرة الطائرات المدنية الموجودة في المدرج، في حين أقفلت المدارس أبوابها والمؤسسات الحكومية في ظل التوتر الأمني والمخاوف المتصاعدة من توسع المواجهات.
وكان «المجلس الانتقالي» أمهل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أسبوعا لإقالة الحكومة الحالية، وهدد باستخدام أنصاره لإسقاطها بالقوة، مبديا في بيان له رفض أي وجود سياسي أو عسكري لأبناء المحافظات الشمالية في الجنوب بمن فيهم النواب والوزراء.
وأعلنت وزارة الداخلية اليمنية في بيان رسمي بعد ظهر أمس أن الأمور باتت تحت سيطرتها الأمنية، ودعت المواطنين إلى ممارسة حياتهم الطبيعية وعدم الانجرار وراء الإشاعات، في حين أمر رئيس الحكومة اليمنية أحمد عبيد بن دغر بوقف المواجهات المسلحة فورا وعودة القوات إلى ثكناتها.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية (سبأ) إن بن دغر أمر «نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري، وقائد المنطقة العسكرية الرابعة اللواء الركن فضل حسن، ومدير أمن عدن اللواء شلال شائع، وقادة الألوية والوحدات العسكرية والأمنية، بوقف إطلاق النار وعودة جميع القوات إلى ثكناتها دون قيد أو شرط».
وأفادت الوكالة أن أمر وقف إطلاق النار الذي أصدره رئيس الحكومة، جاء تنفيذا للتوجيهات الصادرة عن الرئيس عبد ربه منصور هادي «المبنية على محادثاته مع قادة التحالف العربي». وتضمنت التوجيهات الرئاسية «وقف إطلاق النار فوراً، وأن تعود جميع القوات إلى ثكناتها، وإخلاء المواقع التي تم السيطرة عليها صباحا من جميع الأطراف دون قيد أو شرط».
وقال شهود إن القوات التابعة لعيدروس الزبيدي سيطرت في مديرية خور مكسر على مبنى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وهو قيد الإنشاء، قبل أن تجبرها القوات الحكومية على الانسحاب منه، وأضاف الشهود أن اشتباكات عنيفة شهدها محيط معسكر «جبل حديد» وسط قصف بالدبابات من قبل ألوية الحماية الرئاسية الموالية للحكومة.
ووصف بن دغر ما يجري في عدن بأنه «انقلاب على الشرعية ومشروع الدولة الاتحادية»، محذرا من «تمزيق اليمن»، بحسب ما جاء في بيان له نشرته المصادر الرسمية للحكومة نقلا عن صفحته على «فيسبوك».
وقال رئيس الحكومة اليمنية، الذي بقي أمس مع أعضاء حكومته في القصر الرئاسي في حالة انعقاد دائم لمتابعة تطورات الأوضاع: «لا ينبغي لكل شريف في اليمن الصمت على ما يجري في عدن من ممارسات ترقى إلى درجة الخطورة القصوى وتمس أمن عدن وأمن مواطنيها، وأمن واستقرار ووحدة اليمن».
وأضاف: «في غياب الإرادة الوطنية، هناك في صنعاء يجري تثبيت الانقلاب على الجمهورية، وهنا في عدن يجري الانقلاب على الشرعية ومشروع الدولة الاتحادية».
واتهم رئيس الحكومة اليمنية قادة المعارضة المسلحة في عدن بأنهم بدأوا أمس «يتحركون عسكرياً، باستحداث نقاط عسكرية جديدة والهجوم على معسكرات الشرعية، (بالتزامن) مع ماكينة إعلام هائلة».
بدورها، أعلنت منظمة «أطباء بلا حدود» الدولية، في تغريدة على حساب مكتبها باليمن على «تويتر»، أنه بعد ساعات من الاشتباكات في عدن، وصلت حصيلة الإصابات التي استقبلها المستشفى التابع لها، إلى 86 جريحاً، بالإضافة إلى 4 قتلى بينهم سيّدة مع 6 من أسرتها سقطوا إلى جوارها جرحى جراء تعرض سيارتهم للقصف أثناء الاشتباكات.
وأفادت مصادر طبية في عدن لـ«الشرق الأوسط» بأن 15 قتيلا على الأقل وصلت جثثهم إلى مستشفيات المدينة، وتوقعت أن تزيد حصيلة القتلى نظرا لوجود إصابات خطيرة بين العشرات من الجرحى الذين سقطوا في المواجهات.
واندلعت شرارة المواجهات صباحا - بحسب شهود ومصادر أمنية - من حي خور مكسر الحيوي، الذي حاول «المسلحون الانفصاليون» أن يحشدوا إليه أنصارهم في ميدان «العروض»، وذلك قبل أن تتوسع إلى مناطق أخرى شمال المدينة وشرقها.
وبحسب مصادر محلية وشهود، فقد أغلقت قوات ألوية الحماية الرئاسية الطرق المؤدية إلى خور مكسر والقصر الرئاسي في منطقة معاشيق جنوب عدن، ونشرت دبابات وعربات عسكرية في أحياء المعلا وكريتر والمنصورة والشيخ عثمان، واشتبكت مع قوات المعارضة التي حاولت السيطرة على مقر «اللواء الثالث حماية رئاسية» في منطقة جبل حديد، وسط قصف عنيف بمدافع الهاون والدبابات.
وقبل حلول المساء باتت الأمور أكثر هدوءا مع سماع إطلاق نار متقطع في بعض الأحياء، بالتزامن مع انتشار كثيف لقوات الحماية الرئاسية في مقابل عربات عسكرية ومسلحين موالين للمحافظ السابق عيدروس الزبيدي يرابطون على الطريق المؤدية إلى منطقة البريقة وبعض أحياء خور مكسر وعلى الطريق البحرية، طبقا لما أفاد به شهود.
وأكدت مصادر عسكرية يمنية لـ«الشرق الأوسط» بأن قوات الجيش اليمني التابعة لقيادة المنطقة العسكرية الرابعة ومقرها عدن بقيادة اللواء فضل حسن، إضافة إلى قوات الأمن التي يقودها مدير أمن المدينة شلال شايع، لم تنخرط في المواجهات.
ورحب قادة ما يعرف بـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» ببيان التحالف العربي الداعي إلى التهدئة، وقال قادته في بيان قبيل المواجهات أمس إنهم «ملتزمون بالنهج السلمي في المطالبة بتغيير الحكومة وبالشراكة في محاربة العدو المشترك وإنهاء الانقلاب المتمثل في (الميليشيات الحوثية الإيرانية)».
وعدّ القادة الانفصاليون أن تصعيدهم أمس يندرج في الإطار السلمي، وأنهم يؤكدون على تجنب الاحتكاك العسكري وأي مظاهر مسلحة في الجنوب مع الحرص على عدم المساس بمؤسسات الدولة.
إلى ذلك وقف اجتماع استثنائي مصغر للحكومة اليمنية برئاسة بن دغر على التطورات الأمنية التي شهدتها عدن واعتبرها «استهدافا للشرعية ممثلة بالرئيس هادي» وامتدح الاجتماع موقف قوات «الحزام الأمني» لعدن والمنطقة العسكرية الرابعة لعدم مشاركتها في المواجهات.
ونقلت وكالة (سبأ) الحكومية عن الاجتماع أنه «أكد أن الأعمال التخريبية التي بدأت صباح أمس من قبل المجلس الانتقالي، إنما استهدفت الشرعية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية، وأن مطلب إسقاطه إنما يستهدف إسقاط الشرعية».
وقالت الوكالة أن الاجتماع شدد «على ضرورة العودة إلى المرجعيات حلاً للأزمة، واستكمال تنفيذ ما تبقى من المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وتطبيق القرار الأممي رقم 2216».
وأضافت أن مجلس الوزراء «حيا البيان الصادر عن قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن، وناقش العواقب السلبية، التي قد يترتب عليها تدهور الأوضاع في العاصمة المؤقتة عدن، بسبب ما أقدمت عليه العناصر الخارجة على النظام والقانون للمجلس الانقلابي».


مقالات ذات صلة

الحكومة اليمنية ترحب ببيان السعودية إزاء التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة

الخليج منظر عام للعاصمة اليمنية المؤقتة عدن (رويترز)

الحكومة اليمنية ترحب ببيان السعودية إزاء التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة

رحّبت الحكومة اليمنية بالبيان الصادر، الخميس، عن وزارة الخارجية السعودية، وما تضمّنه من موقف إزاء التطورات الأخيرة في محافظتي حضرموت والمهرة.

«الشرق الأوسط» (عدن)
الخليج السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

شددت الخارجية على أن «الجهود لا تزال متواصلة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه»، معربة عن أمل المملكة في تغليب المصلحة العامة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)

السعودية تُرحب بـ«اتفاق مسقط» لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن

رحبت السعودية بالاتفاق الذي وُقّع عليه في مسقط لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، وعدته خطوةً مهمةً تُسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج أسرى يلوِّحون بأيديهم لدى وصولهم إلى مطار صنعاء في عملية تبادل سابقة (أرشيفية- رويترز)

أطراف النزاع في اليمن يتفقون على تبادل 2900 محتجز

أكد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن أطراف النزاع في اليمن اختتمت، الثلاثاء، اجتماعاً استمر 11 يوماً في سلطنة عمان.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
العالم العربي الجماعة الحوثية أظهرت تحدياً لمختلف القوى الدولية رغم ما تعرضت له من هجمات (أ.ب)

عقوبات قاصرة... الحوثيون يُعيدون رسم خريطة التهديد

رغم تجديد العقوبات الدولية عليهم، يُعزز الحوثيون قدراتهم العسكرية ويحولون التهديد المحلي إلى خطر إقليمي على الملاحة والأمن الدوليين مع تحالفاتهم العابرة للحدود.

وضاح الجليل (عدن)

مقتل عنصر من «الدفاع» السورية بإطلاق نار في حلب

أشخاص يسيرون على طول طريق في حلب بعد موافقة «قسد» على خفض التصعيد الأسبوع الماضي (رويترز)
أشخاص يسيرون على طول طريق في حلب بعد موافقة «قسد» على خفض التصعيد الأسبوع الماضي (رويترز)
TT

مقتل عنصر من «الدفاع» السورية بإطلاق نار في حلب

أشخاص يسيرون على طول طريق في حلب بعد موافقة «قسد» على خفض التصعيد الأسبوع الماضي (رويترز)
أشخاص يسيرون على طول طريق في حلب بعد موافقة «قسد» على خفض التصعيد الأسبوع الماضي (رويترز)

أفادت قناة «الإخبارية» السورية، السبت، بمقتل عنصر من وزارة الدفاع إثر إطلاق نار من قبل مجهولين في حلب.

يأتي ذلك غداة إصابة عنصر من قوى الأمن الداخلي السوري جراء هجوم لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) استهدف حاجزا لوزارة الداخلية السورية في محيط حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب.

وأعلن قائد الأمن الداخلي في محافظة حلب، العقيد محمد عبد الغني، عن وقوع خرق جديد من قبل قوات "قسد" للاتفاقات المبرمة، مؤكدا أن الاستهدف وقع أثناء قيام عناصر الحاجز بمهامهم في تنظيم حركة المدنيين بمنطقتي الشيخ مقصود والأشرفية، مما أسفر عن إصابة أحد العناصر بجروح. بحسب ما أورده موقع «تلفزيون سوريا» على الإنترنت اليوم.

وأشار عبد الغني إلى أنه تم التعامل مع مصادر النيران وفق القواعد العسكرية المعتمدة، فيما جرى إسعاف الجريح ونقله لتلقي العلاج.

ووجه قائد الأمن الداخلي تحذيرا لقوات «قسد» في الحيين، مؤكدا أن استمرارها في خرق الهدن والاعتداء على النقاط الأمنية «سيقابل باتخاذ الإجراءات اللازمة»، مع تحميلها المسؤولية الكاملة عن أي تصعيد أو تداعيات تنتج عن هذه الانتهاكات.

وأكد عبد الغني أن الدولة السورية تواصل جهودها للحفاظ على التهدئة وحماية المدنيين، في إطار مسؤولياتها عن حفظ الأمن في المحافظة.


أنفاق ومنصات صواريخ… استحداثات حوثية تحاصر سكان إب

غبار تسببت به أعمال حفر وتفجيرات حوثية في مديرية السياني بمحافظة إب (إكس)
غبار تسببت به أعمال حفر وتفجيرات حوثية في مديرية السياني بمحافظة إب (إكس)
TT

أنفاق ومنصات صواريخ… استحداثات حوثية تحاصر سكان إب

غبار تسببت به أعمال حفر وتفجيرات حوثية في مديرية السياني بمحافظة إب (إكس)
غبار تسببت به أعمال حفر وتفجيرات حوثية في مديرية السياني بمحافظة إب (إكس)

تشهد محافظة إب اليمنية استحداثات عسكرية حوثية متواصلة منذ أسابيع، بحفر أنفاق وخنادق عميقة وشق طرقات جديدة، وتحويل عدد من المرتفعات إلى مواقع عسكرية معززة بأسلحة متنوعة، وسط العزلة التي تعيشها، في حين يحذّر خبراء عسكريون من أن تكون هذه التحركات وسيلة للتمويه على نشاط عسكري آخر.

وواصلت الجماعة الحوثية استحداثاتها العسكرية في عدد من مرتفعات محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء)، منذ أكثر من شهر، في جبال مديريات السياني وذي السفال والسبرة، وأرفقت ذلك بإجراءات أمنية مشددة في الطرقات، ومنعت السكان من الاقتراب، وإيقاف واختطاف عددٍ غير معروف منهم، بتهمة التصوير أو مراقبة تلك الأعمال.

وذكر سكان في المنطقة أن الجماعة الحوثية استحدثت، خلال الأيام الماضية، منصة صواريخ في معسكر لها في جبل المهلالة في منطقة النقيلين ضمن مديرية السياني، جنوب المحافظة، في حين استنكر الأهالي خداع القادة والمشرفين الحوثيين لهم، بادعاء أن تلك الإنشاءات تهدف إلى تقوية شبكات الاتصالات، في حين أدت إلى الإضرار بشبكات المياه الريفية وانقطاعها عن قرى في مناطق واسعة.

وتمنع الجماعة السكان من التنقل عبر الطرق القريبة من المعسكر، أو رعي المواشي جواره، وفي مناطق أخرى أوقفت عدداً ممن حاولوا الاقتراب من الإنشاءات دون علمهم بإجراءاتها، قبل أن تفرج عنهم، وأغلقت جميع الطرق المؤدية القريبة من مواقع أنشطتها.

القيادات الحوثية في إب أوهمت السكان أن الاستحداثات العسكرية لتقوية شبكات الاتصالات (إعلام حوثي)

ويتوقع عبد الرحمن الربيعي، الباحث العسكري والسياسي اليمني، أن يكون أحد أهداف الأنشطة العسكرية الحوثية في محافظة إب هو التمويه، في حين لم تتوقف عن الحشد والتجهيز في مختلف الجبهات القابلة للاشتعال في أي وقت.

احتمالية التمويه

يقول الربيعي لـ«الشرق الأوسط» إن هناك حاجة ملحة لدى الجماعة الحوثية للأنشطة العسكرية الميدانية مثل بناء التحصينات والمناورة بالقوات وحشد المقاتلين لتلبية احتياجات طارئة وعملياتية، وهو ما يشمل مختلف الجبهات والمناطق الخاضعة لسيطرتها التي تطوقها القوات الموالية للحكومة الشرعية من كل الاتجاهات.

ويوضح أن الحالة المعقّدة التي تعيشها الجماعة بعد مصادرة كميات كبيرة من الأسلحة المهرّبة إليها واستهداف المنشآت الحيوية التي كانت تدر عليها الأموال وعزلتها السياسية، قد تدفعها إلى التمويه والإيحاء بتنفيذ عمليات عسكرية في اتجاه محدد، فيما هي تنشط سراً في اتجاه آخر مختلف تماماً، وتسعى لتنفيذ هجمات على جبهات بعيدة عن مواقع هذه الاستحداثات.

الجماعة الحوثية تعاني تراجعاً في الإيرادات بعد الضربات الأميركية والإسرائيلية على مواقعها (أ.ف.ب)

وتأتي هذه الإنشاءات ضمن حركة تحصينات واسعة لجأت إليها الجماعة في عدة مرتفعات وسلاسل جبلية وتكوينات جغرافية مختلفة، وتركزت، أخيراً، في محافظة إب والمناطق التي تسيطر عليها من محافظة تعز (جنوب غرب).

وأكّدت المصادر أن الجماعة كلّفت القيادي علي النوعة الذي عيّنته وكيلاً للمحافظة، بالإشراف على إنشاء طريق جديد يربط بين مديريتي السياني وذي السفال، مرجحة أن يكون خطاً لإمداد مواقع الجماعة ويسهّل تحركاتها في المنطقة المعقدة جغرافياً.

واقتحم قياديون ميدانيون في الجماعة، خلال الأسبوع الماضي، مسجد ومركز الفرقان للقرآن الكريم في منطقة محطب في المديرية، وطردوا الطلاب والطالبات منه، تمهيداً لتحويله إلى ثكنة عسكرية، ومركز لتحركات عناصرهم في المنطقة طبقاً لإفادات السكان.

قيادات حوثية تزور مركزاً لتحفيظ القرآن في إب للاستيلاء عليه وتحويله إلى ثكنة عسكرية (إعلام محلي)

ومنذ أشهر تنقل الجماعة أسلحتها إلى مخازن جديدة داخل أنفاق في تضاريس جبلية شديدة الوعورة، بعد استهداف مخابئها ومواقعها بهجمات جوية أميركية، رداً على هجماتها على الملاحة في البحر الأحمر.

اختناق وحصار

أدت الهجمات الأميركية التي استمرت قرابة شهرَين، منذ مارس (آذار)، وحتى مايو (أيار) الماضيين، إلى تدمير مواقع وأسلحة ومخازن ومنشآت تستخدمها الجماعة لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، وسقوط قيادات عسكرية، تكتمت الجماعة على مقتل العديد منهم، قبل أن تعلن تشييعهم أواخر الأسبوع الماضي.

وحسب الباحث العسكري الربيعي، فإن الجماعة تعيش حالة من القلق والترصد، وتتوقع حدوث عمليات عسكرية ضدها في أي لحظة، خصوصاً بعد ما تكبدته من خسائر بسبب الهجمات الأميركية والإسرائيلية على مواقعها، إلى جانب الاختناق السياسي والعزلة التي تعيش فيها، وفشل مساعيها للعودة إلى خوض مسار سياسي.

الخبراء العسكريون يحذّرون من أن تكون الأنشطة الحوثية في إب تمويهاً لتصعيد في جبهة بعيدة (أ.ف.ب)

من جهته، يبدي الكاتب باسم منصور خشيته من أن تكون هذه الاستحداثات مقدمة لمزيد من الانتهاكات التي تطول سكان محافظة إب، خصوصاً أنها بدأت بإجراءات مشددة ضدهم، ومنعتهم من ممارسة أنشطتهم المعتادة.

ويحذّر منصور، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، من أن تستخدم الجماعة تحركاتها العسكرية في إب مبرراً للتوسع في نهب الأراضي ذات الملكية العامة أو الخاصة، خصوصاً أنها قد جعلت المحافظة ساحة لنفوذ وثراء العديد من قياداتها من خلال السطو على الممتلكات، وأشاعت الانفلات الأمني فيها لإحكام سيطرتها عليها.

ويؤكّد أهالي المحافظة أن أعمال الحفر توسعت، خلال الأيام الماضية، لتشمل مواقع حاكمة في جبل الحيزم وجبل عميد الداخل في مديرية السياني، إلى جانب تلّ في منطقة السبرة.


العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
TT

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)

توالت التطورات الميدانية والسياسية في المحافظات الشرقية من اليمن، على وقع التصعيد العسكري الذي ينفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، ما دفع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى طلب تحالف دعم الشرعية في اليمن للتدخل عسكرياً لحماية حضرموت.

وتقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس الانتقالي الداعي للانفصال عن شمال اليمن يستغل الظروف الناجمة عن وساطة التهدئة السعودية - الإماراتية للتوسع عسكرياً، على الرغم من أن الوساطة مستمرة، وهدفها إنهاء الصراع سلماً من خلال انسحاب قوات المجلس الانتقالي من حضرموت والمهرة، وعودتها إلى معسكراتها خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطة المحلية.

وفي هذا السياق، صرّح مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، رشاد العليمي، أُطلع، إلى جانب عدد من أعضاء المجلس وأعضاء مجلس الدفاع الوطني، على مجمل الأوضاع في محافظة حضرموت، بما في ذلك العمليات العسكرية التي وصفها بـ«العدائية» التي نفذها المجلس الانتقالي خلال الساعات الأخيرة، وما رافقتها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين.

العليمي طلب تدخلاً عسكرياً من تحالف دعم الشرعية لحماية حضرموت (سبأ)

واعتبر المصدر أن هذا التصعيد، المستمر منذ مطلع الشهر الحالي، يمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض، فضلاً عن كونه تقويضاً مباشراً لجهود الوساطة التي تقودها السعودية والإمارات، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، بهدف خفض التصعيد وانسحاب قوات المجلس الانتقالي من محافظتي حضرموت والمهرة.

وبناءً على هذه التطورات، تقدم العليمي - وفق المصدر الحكومي - بطلب رسمي إلى قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، لاتخاذ كافة التدابير العسكرية اللازمة لحماية المدنيين في محافظة حضرموت، ومساندة القوات المسلحة اليمنية في فرض التهدئة، وحماية جهود الوساطة السعودية - الإماراتية، مجدداً دعوته لقيادة المجلس الانتقالي إلى تغليب المصلحة العامة ووحدة الصف، والامتناع عن مزيد من التصعيد غير المبرر.

المجلس الانتقالي الجنوبي اتخذ إجراءات عسكرية أحادية في حضرموت والمهرة (إ.ب.أ)

وفي السياق ذاته، قالت المصادر الرسمية اليمنية إن العليمي رأس اجتماعاً طارئاً لمجلس الدفاع الوطني، بحضور 3 من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورئيسي مجلسي النواب والشورى، ورئيس الحكومة، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت، لمناقشة تداعيات الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي، وانعكاساتها الخطيرة على الأمن الوطني والإقليمي.

واطلع الاجتماع - بحسب الإعلام الرسمي - على تقارير ميدانية بشأن الانتهاكات التي طالت المدنيين في حضرموت والمهرة، وصولاً إلى الهجمات الأخيرة في وادي نحب، التي عدّها المجلس «مخالفة صريحة» لجهود التهدئة، وتمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

وأكّد مجلس الدفاع الوطني دعمه الكامل للوساطة التي تقودها السعودية، مشدداً على ضرورة عودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف.

تحذير من العواقب

على وقع هذه التطورات، كانت السعودية أعادت رسم خطوط التهدئة شرق اليمن، عبر بيان واضح صادر عن وزارة الخارجية، شدّد على رفض التحركات العسكرية الأحادية، والمطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة.

وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الموقف تُرجم ميدانياً بتوجيه ضربة جوية تحذيرية في حضرموت، حملت رسالة مباشرة بعدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة.

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت في إطار الردع الوقائي، محذرة من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أكثر صرامة، في مؤشر على انتقال الرياض من سياسة الاحتواء السياسي إلى ضبط ميداني حاسم لحماية الاستقرار.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي بياناً حاول فيه تبرير تحركاته، معتبراً أنها جاءت استجابة لـ«دعوات شعبية»، ومعلناً انفتاحه على التنسيق مع السعودية، رغم وصفه الضربة الجوية بأنها «مستغربة».

ويرى مراقبون أن أي تنسيق محتمل لن يكون مقبولاً إقليمياً ما لم يبدأ بإنهاء التصعيد، وخروج القوات، وتسليم المعسكرات، والعودة إلى طاولة الحوار، دون فرض الأمر الواقع بالقوة.

منطق الوهم

يحذر سياسيون يمنيون من أن تعنت المجلس الانتقالي وإصراره على عسكرة حضرموت، رغم الجهود الصادقة التي تبذلها السعودية والإمارات، يلحق ضرراً فادحاً بالقضية الجنوبية العادلة نفسها، عبر اختزالها في المدرعات والنقاط العسكرية، بدل تحويلها إلى مشروع سياسي قابل للحياة.

ويستدعي هذا السلوك مقارنات إقليمية مؤلمة، أبرزها تجربة حميدتي وميليشيات الجنجويد في السودان، التي اعتمدت السلاح والإرهاب لتنفيذ أجندات خارجية، وكانت النتيجة خراب المدن وانهيار الدولة. كما يستحضر نموذج جنوب السودان، الذي وُلد من رحم الصراع المسلح، لينتهي إلى دولة منهارة وصراعات داخلية مفتوحة.

رغم إقرار اليمنيين بعدالة القضية الجنوبية فإن المجلس الانتقالي يحاول أن يستغلها للتصعيد شرقاً (أ.ب)

ويؤكد خبراء أن المجتمع الدولي لا يعترف إلا بالدول والمؤسسات، لا بالميليشيات، وأن تجربة «أرض الصومال» مثال واضح على عزلة المشاريع التي تُفرض بالقوة، مهما طال أمدها. كما أن فشل محاولات انفصال كتالونيا عن إسبانيا يبرهن أن العالم لا يشرعن الانفصال الأحادي خارج الدولة والدستور.

ويجمع محللون على أن حضرموت أكبر من أن تكون غنيمة لميليشيا مناطقية (إشارة إلى هيمنة مناطق بعينها على قرار المجلس الانتقالي)، وأعمق من أن تُدار بالعنف والسلاح، وأن أي محاولة لجرّها إلى الفوضى تمثل جريمة بحق مكاسب الجنوب وفرصه السياسية.

ويرى مراقبون أن عسكرة حضرموت خطوة غير عقلانية، تعكس إصراراً على فرض الأمر الواقع بأدوات الترهيب ذاتها، التي يدّعي المجلس الانتقالي محاربتها، في تحدٍّ صريح لرغبات المجتمع الدولي الداعية إلى ضبط النفس، والحفاظ على استقرار الجنوب واليمن عموماً.

وكان البيان السعودي شدّد على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تكون عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة، بما يحفظ وحدة اليمن ومركزه القانوني، ويمنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.