عشائر الطوائف تتقاسم مغانم النقل في «الضاحية»

الدولة تكافح المخالفات... والسائقون يلوذون بتكتلات مناطقية

حملة أمنية لملاحقة المخالفات أوقفت 5 آلاف حافلة (صفحة الفان رقم 4)
حملة أمنية لملاحقة المخالفات أوقفت 5 آلاف حافلة (صفحة الفان رقم 4)
TT

عشائر الطوائف تتقاسم مغانم النقل في «الضاحية»

حملة أمنية لملاحقة المخالفات أوقفت 5 آلاف حافلة (صفحة الفان رقم 4)
حملة أمنية لملاحقة المخالفات أوقفت 5 آلاف حافلة (صفحة الفان رقم 4)

لم يكن الحديث عن التحديات القانونية التي تواجه الدولة اللبنانية، يتطرق قبل أشهر بشكل جدي إلى قطاع حافلات النقل الصغيرة في الضاحية الجنوبية لبيروت. فقد تحول هذا القطاع في السابق، إلى عبء على أي خطة أمنية تكافح التمادي بالمخالفات منذ عشرين عاماً، بالنظر إلى أن العاملين فيه يمثلون شرائح مناطقية وطائفية، وباتوا تكتلات خاصة، تحميهم المنظومة العشائرية. واللافت أن هناك ما يشبه «تقاسم المغانم» بين السنة والشيعة، لجهة تقسيم خطوط النقل التي يرتادها السائقون.
وتتمثل المخالفات القانونية، بقيادة حافلة نقل ركاب صغيرة، لا تحمل لوحة عمومية، أو رفعت من قوائم الخدمة. كما أن سائقيها لا يحملون رخصة سير عمومية تؤهلهم للعمل على خط نقل الركاب. فضلاً عن تأجير الحافلات لسائقين أجانب لا يحق لهم العمل عليها.
لكن هذا التمادي في المخالفات، تبدّل منذ خمسة أشهر، حين بدأت حملة جدية لتوقيف مخالفي القانون، أثمرت في العام 2017 عن توقيف نحو 5 آلاف مركبة مخالفة، بينها قسم كبير من حافلات نقل الركاب الصغيرة، كما تواصلت الحملة منذ مطلع العام، حيث باتت القوى الأمنية أكثر تشدداً.
ففي منطقة بئر العبد في مدخل الضاحية الشمالي، اختفت زحمة السير فجأة قبل أسابيع إثر حملة أمنية أفضت إلى توقيف 35 حافلة في يوم واحد، بعد أن حجزتها، كما قالت مصادر معنية لـ«الشرق الأوسط»، فيما غُرّم السائقون بمبلغ 200 ألف ليرة (135 دولارا تقريباً) لقيادة مركبة لا تحمل لوحة عمومية. وأُوقف سائقون لا يحملون رخصة قيادة عمومية. ونُقلت الحافلات إلى مواقف خاصة.
وإذ تمثل هذه الحملة رادعاً فاعلاً لقمع المخالفات في الضاحية، لا تخفي المصادر أن الحملة تشددت منذ مطلع العام الجديد، وأنها طالت كافة الأماكن في المنطقة، وتزامنت مع حملة أوسع في الأشهر الماضية لملاحقة المطلوبين وتوقيفهم، بعدما كانت المنطقة ملاذا لمطلوبين خلال السنوات الماضية.
غير أن الحملات الأمنية السابقة، لم تطل المخالفات المتعلقة بالحافلات الصغيرة التي ذاع صيتها، وباتت مادة للتندّر بين اللبنانيين حين يأتي الحديث على «الفان رقم 4» مثلاً، لجهة سلوكيات السائقين في معرض منافستهم على الزبون، أو المزاحمة على الطريق. واكتسب «الفان رقم 4» شهرته، من كونه يعبر على خطوط التماس السابقة، من الضاحية إلى عمق المدينة في منطقة الحمراء. ويتميّز سائقو تلك الحافلات بأنهم كانوا يخالفون القانون في مناطق الضاحية، ويتقيدون به لدى وصولهم إلى المدينة، حيث يعتبر حضور الدولة أقوى.
ويظهر من ملاحقة هذا الملف في الضاحية، أن «الفان رقم 4»، مجرد جزء من معضلة. فسائقو حافلات النقل، هم عبارة عن تكتلات بشرية محمية باعتبارات مناطقية وطائفية وعائلية وعشائرية. فإذا كان الأغلب من سائقي «الفان رقم 4» هم من عشيرة زعيتر، فإن سائقي الحافلات التي تعمل على خط جسر المطار باتجاه مرفأ بيروت، يتحدرون من منطقة عرسال (شرق لبنان). وكما يغلب على سائقي أحد الخطوط على شرق الضاحية من آل مشيك، فإن خط خلدة – الكولا، يعمل عليه سائقون يتحدرون من منطقة شبعا (جنوب شرقي لبنان).
اللافت أن أغلب السنة يتكتلون للعمل على خط (عرسال وشبعا)، كما أن أغلب الشيعة المتحدرين من البقاع في شرق لبنان يعملون على خط (رقم 4) داخل الضاحية وفي شرقها، رغم أن هناك استثناءات. أما سائقو الحافلات في المنطقة الممتدة من حي السلم (عمق الضاحية) إلى المشرفية (مدخلها الشمالي)، فيتحدرون من عائلات وعشائر نازحة من البقاع ويغلب عليهم الشيعة.
يقول سائق حافلة في الضاحية لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك ما يشبه الاتفاق بين السائقين، بعدم «اقتحام» خطوط لا يعملون عليها. ثمة ما يشبه الاتفاق الضمني على «تقاسم المغانم» في مناطق العمل. وهؤلاء، يضيف السائق، «محميّون ببيئتهم الطائفية أو العائلية أو المناطقية، ولا يسمحون للغريب بالدخول على الخط».
يُطبّق هذا الواقع إلى حدّ كبير. وتتكتل العائلات على خطوط محدودة، كما يتكتل أبناء المناطق في خطوط أخرى. قليلاً ما يخترق السائقون تلك المنظومة، وغالباً ما تصطدم محاولات الاختراق بردود فعل عنيفة، تصل إلى حدود التشاجر. واللافت أن بعض الخطوط، تجمعها محطات انطلاق محددة، يديرها أشخاص ينظمون الرحلات، وغالباً ما يكونون نافذين ومدعومين.
وبعد الأزمة السورية، ونزوح عدد كبير من السوريين إلى لبنان، بات من ضمن سائقي الحافلات الصغيرة، سوريون، علما بأن القانون اللبناني يمنع من لا يحمل رخصة قيادة مركبات عمومية لبنانية من العمل. لكن هؤلاء يتجنبون مناطق تواجد القوى الأمنية تفاديا لتوقيفهم وتغريمهم.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.