لم يكن الحديث عن التحديات القانونية التي تواجه الدولة اللبنانية، يتطرق قبل أشهر بشكل جدي إلى قطاع حافلات النقل الصغيرة في الضاحية الجنوبية لبيروت. فقد تحول هذا القطاع في السابق، إلى عبء على أي خطة أمنية تكافح التمادي بالمخالفات منذ عشرين عاماً، بالنظر إلى أن العاملين فيه يمثلون شرائح مناطقية وطائفية، وباتوا تكتلات خاصة، تحميهم المنظومة العشائرية. واللافت أن هناك ما يشبه «تقاسم المغانم» بين السنة والشيعة، لجهة تقسيم خطوط النقل التي يرتادها السائقون.
وتتمثل المخالفات القانونية، بقيادة حافلة نقل ركاب صغيرة، لا تحمل لوحة عمومية، أو رفعت من قوائم الخدمة. كما أن سائقيها لا يحملون رخصة سير عمومية تؤهلهم للعمل على خط نقل الركاب. فضلاً عن تأجير الحافلات لسائقين أجانب لا يحق لهم العمل عليها.
لكن هذا التمادي في المخالفات، تبدّل منذ خمسة أشهر، حين بدأت حملة جدية لتوقيف مخالفي القانون، أثمرت في العام 2017 عن توقيف نحو 5 آلاف مركبة مخالفة، بينها قسم كبير من حافلات نقل الركاب الصغيرة، كما تواصلت الحملة منذ مطلع العام، حيث باتت القوى الأمنية أكثر تشدداً.
ففي منطقة بئر العبد في مدخل الضاحية الشمالي، اختفت زحمة السير فجأة قبل أسابيع إثر حملة أمنية أفضت إلى توقيف 35 حافلة في يوم واحد، بعد أن حجزتها، كما قالت مصادر معنية لـ«الشرق الأوسط»، فيما غُرّم السائقون بمبلغ 200 ألف ليرة (135 دولارا تقريباً) لقيادة مركبة لا تحمل لوحة عمومية. وأُوقف سائقون لا يحملون رخصة قيادة عمومية. ونُقلت الحافلات إلى مواقف خاصة.
وإذ تمثل هذه الحملة رادعاً فاعلاً لقمع المخالفات في الضاحية، لا تخفي المصادر أن الحملة تشددت منذ مطلع العام الجديد، وأنها طالت كافة الأماكن في المنطقة، وتزامنت مع حملة أوسع في الأشهر الماضية لملاحقة المطلوبين وتوقيفهم، بعدما كانت المنطقة ملاذا لمطلوبين خلال السنوات الماضية.
غير أن الحملات الأمنية السابقة، لم تطل المخالفات المتعلقة بالحافلات الصغيرة التي ذاع صيتها، وباتت مادة للتندّر بين اللبنانيين حين يأتي الحديث على «الفان رقم 4» مثلاً، لجهة سلوكيات السائقين في معرض منافستهم على الزبون، أو المزاحمة على الطريق. واكتسب «الفان رقم 4» شهرته، من كونه يعبر على خطوط التماس السابقة، من الضاحية إلى عمق المدينة في منطقة الحمراء. ويتميّز سائقو تلك الحافلات بأنهم كانوا يخالفون القانون في مناطق الضاحية، ويتقيدون به لدى وصولهم إلى المدينة، حيث يعتبر حضور الدولة أقوى.
ويظهر من ملاحقة هذا الملف في الضاحية، أن «الفان رقم 4»، مجرد جزء من معضلة. فسائقو حافلات النقل، هم عبارة عن تكتلات بشرية محمية باعتبارات مناطقية وطائفية وعائلية وعشائرية. فإذا كان الأغلب من سائقي «الفان رقم 4» هم من عشيرة زعيتر، فإن سائقي الحافلات التي تعمل على خط جسر المطار باتجاه مرفأ بيروت، يتحدرون من منطقة عرسال (شرق لبنان). وكما يغلب على سائقي أحد الخطوط على شرق الضاحية من آل مشيك، فإن خط خلدة – الكولا، يعمل عليه سائقون يتحدرون من منطقة شبعا (جنوب شرقي لبنان).
اللافت أن أغلب السنة يتكتلون للعمل على خط (عرسال وشبعا)، كما أن أغلب الشيعة المتحدرين من البقاع في شرق لبنان يعملون على خط (رقم 4) داخل الضاحية وفي شرقها، رغم أن هناك استثناءات. أما سائقو الحافلات في المنطقة الممتدة من حي السلم (عمق الضاحية) إلى المشرفية (مدخلها الشمالي)، فيتحدرون من عائلات وعشائر نازحة من البقاع ويغلب عليهم الشيعة.
يقول سائق حافلة في الضاحية لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك ما يشبه الاتفاق بين السائقين، بعدم «اقتحام» خطوط لا يعملون عليها. ثمة ما يشبه الاتفاق الضمني على «تقاسم المغانم» في مناطق العمل. وهؤلاء، يضيف السائق، «محميّون ببيئتهم الطائفية أو العائلية أو المناطقية، ولا يسمحون للغريب بالدخول على الخط».
يُطبّق هذا الواقع إلى حدّ كبير. وتتكتل العائلات على خطوط محدودة، كما يتكتل أبناء المناطق في خطوط أخرى. قليلاً ما يخترق السائقون تلك المنظومة، وغالباً ما تصطدم محاولات الاختراق بردود فعل عنيفة، تصل إلى حدود التشاجر. واللافت أن بعض الخطوط، تجمعها محطات انطلاق محددة، يديرها أشخاص ينظمون الرحلات، وغالباً ما يكونون نافذين ومدعومين.
وبعد الأزمة السورية، ونزوح عدد كبير من السوريين إلى لبنان، بات من ضمن سائقي الحافلات الصغيرة، سوريون، علما بأن القانون اللبناني يمنع من لا يحمل رخصة قيادة مركبات عمومية لبنانية من العمل. لكن هؤلاء يتجنبون مناطق تواجد القوى الأمنية تفاديا لتوقيفهم وتغريمهم.
عشائر الطوائف تتقاسم مغانم النقل في «الضاحية»
الدولة تكافح المخالفات... والسائقون يلوذون بتكتلات مناطقية
عشائر الطوائف تتقاسم مغانم النقل في «الضاحية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة