حمزة بن لادن... «القاعدة» بحلّتها الجديدة

في ضوء التطورات الإقليمية والدولية

حمزة بن لادن في حفل زواجه بإيران («الشرق الأوسط»)
حمزة بن لادن في حفل زواجه بإيران («الشرق الأوسط»)
TT

حمزة بن لادن... «القاعدة» بحلّتها الجديدة

حمزة بن لادن في حفل زواجه بإيران («الشرق الأوسط»)
حمزة بن لادن في حفل زواجه بإيران («الشرق الأوسط»)

في مطلع عام 2018 تستمرّ الحلقة المفرغة للتنظيمات المتطرفة التي يصعب اجتثاثها بشكلٍ تام، يتقدّم تنظيم إرهابي فيما يتراجع آخر وهكذا دواليك. ففي الحين الذي تدهورت فيه قدرات «داعش» التنظيمية والعسكرية بشكلٍ كبير نتيجة انكباب الجهود الدولية للتخلص من وجوده الفعلي في العراق وسوريا، يسعى تنظيم القاعدة للنهوض من جديد واستقطاب المتطرفين من مختلف أنحاء العالم من أجل ضمّهم للتنظيم بقالبه الجديد.
تظهر مساعٍ نحو استرداد نفوذ تنظيم القاعدة من خلال الترويج لنجل مؤسس التنظيم حمزة بن لادن الذي يمتلك جاذبية ونفوذاً وشعبية قد تفوق تلك التي يمتلكها زعيم القاعدة أيمن الظواهري الذي خفت وهج التنظيم أثناء زعامته ليصبح أشبه بالجعجعةٍ دون تأثير عمليّ، وقد كانت خطابات الظواهري أكثر تأثيرا كرجلٍ ثانٍ في التنظيم في فترة قيادة أسامة بن لادن لـ«القاعدة»، وذلك يعود إلى قوة سيطرة التنظيم في ذلك الوقت قبل أن يحصل «داعش» على اهتمام العالم، سواء من خلال تهافت المنضمين أو محاربة السلطات الدولية له على اعتبار أنه العدو الأبرز.
ويتأرجح مستقبل هيمنة التنظيمات المتطرفة ما بين «القاعدة» و«داعش»، ففي الوقت الذي انهمك فيه التحالف الدولي بمهاجمة تنظيم داعش سعت القاعدة جاهدةً إلى استنهاض قواها وإعادة بريقها من جديد. تلك المؤشرات بدأت في السنوات الأخيرة للتنظيم إذ بذل جهوداً مضنية من أجل التسويق لحمزة بن لادن، وقد أدرجت السلطات الدولية اسمه بوصفه «إرهابياً دولياً»، ليصبح هناك احتمال جعله الوجه الجديد للتنظيم متبعاً خطى والده كشخص مؤهل للقيادة بتشبعه بمبادئ «القاعدة» وطموحه منذ صغره الانضمام لمعاركها، إذ أكد ذلك مراراً لوالده، وقد أثار حمزة موت ابنه «أسامة» أخيراً ليؤكد على سعيه إعادة مجد «القاعدة»، وإن أكدت هذه الحادثة أفول وتلاشي التنظيم بموت حفيد أسامة المسمى باسمه. في عام 2015 قدّم الظواهري حمزة بن لادن في تسجيل مرئي على اعتبار أنه بمثابة «ولادة أسد من عرين (القاعدة)»، وذلك ما يؤكد التوقعات حول وجود مخططات لـ«القاعدة» لاستغلال ذلك من أجل إبراز المظهر الجديد للتنظيم عبر وجه يافع طموح متحدث بإمكانه استقطاب مجندين من جيل الشباب ممن سمعوا بتاريخ أسامة بن لادن الأسطوري في عالم التنظيمات المتطرفة، الأمر الذي يتيح الفرصة لابنه كوريث للتنظيم أو كمتحدث باسمه ينهض به، ويعيد قولبته بما قد يتناسب مع متطلبات العصر الحديث، من أجل التمكن من التغلب على تنظيم داعش الذي طغى وجوده على الساحة بالأخص في بداياته، واتخاذ نهجه، من حيث الوصول إلى المستقطبين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والقدرة على التغلغل للآخرين، وإن تشددت السيطرة على العالم الإلكتروني وأصبح من الصعب تكثيف الوجود الإلكتروني للتنظيمات. وقد ظهر حمزة بن لادن في تسجيل صوتي بثته مؤسسة «السحاب» التابعة للتنظيم في 13 مايو (أيار) 2017، محاكياً والده في نبرة صوته وأسلوب حديثه مما قد يعزز من قدرته على التأثير على الآخرين.
وقد شدد بن لادن في ذلك المقطع على أهمية تكثيف العمليات التي تستهدف الغرب على اعتبارها من أعظم القربات وأجلّ العبادات، وذلك على نسق العهد الأولي للتنظيم، كما دعا أعضاء التنظيم بالثأر للمسلمين في العالم من خلال تحريضه على مهاجمة اليهود والأميركيين والغربيين وحتى الروس. وفي ذلك استدلال على أن يسعى حمزة بن لادن لأن يتخذ نهج والده وتنظيم القاعدة بشكل عام في تكثيف رسائله الإعلامية وخطاباته الموجهة للجمهور وإحاطة نفسه بهالة إعلامية قوية يتم عبرها استغلال قدرته على الإقناع والتأثير. وإن كانت المفارقة في نهج حمزة بن لادن في حثّ «الذئاب المنفردة» على تولي مهام الهجمات الإرهابية، وهو النسق ذاته الذي ينهجه تنظيم داعش، أو ما يشبه «حرب الوكالات للتنظيمات المتطرفة»، من خلال التحريض على القيام بهجمات عن بُعد، دون الحاجة إلى الوجود الجسدي في المكان ذاته. مما يختلف عن سبل والده في التخطيط التفصيلي من أجل تحقيق أهداف استراتيجية، إذ يركز حمزة هنا على مهاجمة «الآخر» الغربي الكافر دون اكتراث لماهية الطرق أو الأسلحة أو عدد المستهدفين، الأمر الذي يؤكد ما ذاع عن وجود خلاف ما بينه وبين القياديين الآخرين في التنظيم بمن فيهم الظواهري، سواء كان هذا الخلاف في استراتيجياته وأهدافه بالأخص، وأن العمليات العشوائية التي ينتهجها الأفراد تقلِّل من مدى أهمية الهجمات وتجعلها متخبطة عشوائية، بغض النظر عن مدى سهولتها واعتبارها أفضل طريقة براغماتية لتحقيق الأهداف في ظل التركيز العالمي على الإرهاب السيبراني والشبكات المتطرفة. فيما يتمحور الخلاف الآخر في مدى أهلية حمزة بن لادن لأن يتسلَّم زمام قيادة «القاعدة»، لا سيما أنه لم يعش التجربة الفعلية للتنظيم. يظل استغلال وجود حمزة بن لادن مجرد احتمال إن لم يُستغَلّ كقالب جديد للتنظيم فمن الممكن أن يظل مجرد رمز تاريخي للتنظيمات المتطرفة دون وجود فعلي على الساحة بمعنى أن يستمر على الوضع الراهن الرتيب.
وإن تمت مقارنة التنظيمات المتطرفة في مدى متانة آيديولوجيتها وقدرتها على التأثير على الآخرين، فإن التهديد المستقبلي يأتي لا محالة من قبل التنظيم الأم بمعنى «القاعدة» وليس من تنظيم داعش، لا سيما أنه ينطلق من مبادئ أكثر رسوخاً من تخبُّط «داعش». فأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وحدها تُعدّ بداية عهد جديد انقسم فيه العالم إلى قطبين؛ قطب يدعم التطرف وآخر يناوئه. فيما انحسرت رمزية تنظيم داعش من بعد قضاء دول التحالف على خلافته المزعومة في الموصل والرقة، وإن استمرّ في قدرته على استقطاب المتطرفين من كل حدب عبر شبكاته القوية. فيما عرف تنظيم القاعدة بسعيه لكسب «أفئدة وعقول» المحيطين بهم ومعرفة ما ينقصهم من احتياجات، والسعي في تحقيقها، بما في ذلك إعادة بناء البنى التحتية للمدن التي تقع تحت سيطرته، ويختلف تنظيم داعش عن ذلك باعتباره أكثر شراسة في إلغائه للآخر ليمتد ذلك للمسلمين، ويستهدف أماكن التعبد بشكلٍ عام لمجرد وجود مناسبة دينية في أماكن للتجمع يسهل استهدافها من أجل حصد أكبر عدد من الضحايا، ونشر الذعر من خلال البطش بالآخرين.
ويعكس الصراع على النفوذ الدولي ما بين «داعش» و«القاعدة» السعي نحو استجلاب تحالفات مع تنظيمات وجماعات أخرى سواء في أماكن النزاع أو حتى في مناطق أخرى مثل أفريقيا. وقد انتشرت أقاويل جاءت بعد البث المسموع لحمزة بن لادن حول تمركزه في سوريا لم يتم تأكيدها أو نفيها، وذلك من أجل استغلال فرصة مهاجمة التحالف الدولي لـ«داعش»، وشروع «القاعدة» في السعي نحو كسب المعارضين لنظام بشار الأسد ومحاولة الحصول على تحالفات والتأسيس لـ«قاعدة» للمجاهدين فيها، بعد أن اتضح استحالة تنظيم داعش الاستمرار في تلك المنطقة، والاستفادة من انعدام الأمن والاستقرار السياسي فيها من أجل ملء الفراغ الموجود. وإن كان يصعب إيجاد مكان ثابت للتنظيمات المتطرفة بشكلٍ عام، إذ من السهل إيجادها من خلال الأنشطة الإلكترونية للمتطرفين، واستهداف أماكن وجودهم عسكرياً أو عبر غارات جوية إن أتاحت المنطقة الجغرافية التي تمركز فيها الإرهابيون ذلك. إذ إن معرفة أماكن سيطرة التنظيمات مثل وجود تنظيم القاعدة في اليمن سهّل عملية استهداف عناصره، كما حدث مع قائد تنظيم القاعدة في شبوة مجاهد العدني الذي قتل في غارة جوية مع مرافقيه حذيفة العولقي وأبو ليث الصنعاني عبر غارة جوية بطائرة أميركية دون طيار. فيما ذاع صيت «القاعدة» في المغرب العربي إضافة إلى جماعات أخرى تبنت فكر «القاعدة» في سيناء مثل جماعة «المرابطون» و«جند الإسلام» فيها، إضافة إلى حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، فيما فضلت جماعات أخرى الانضمام لـ«داعش» مثل جماعة بوكو حرام التي كانت من قبل قد أعلنت ولاءها لـ«القاعدة» باسم جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد.
بشكلٍ عام تستدعي المؤشرات الآنية ترجيح استمرارية «داعش»، وإن ضعف واحتمال هيمنة «القاعدة» في حال ظهوره بمظهر جديد أو بزوغ تنظيم آخر جديد مسيطر، لا سيما أن الاضطراب السياسي لا يزال مستمراً في عدة مناطق من الشرق الأوسط، إذ يصعب التخلص من التنظيمات المتطرفة بالطريقة العسكرية التقليدية التي ركَّزت على القضاء على معاقل التنظيم، وإن قلص ذلك من قدراته، إذ بإمكانه إيجاد معاقل أخرى أو تحويل عملياته لتصبح سيطرة على العمليات الإرهابية عن بعد كمساعي تنظيم داعش إنشاء خلافة إلكترونية.
الأمر الذي يعكس مدى صعوبة اجتثاث تنظيم متطرف، كما حدث مع تنظيم القاعدة الذي استمرّ على مر سنوات كثيرة على الرغم من ضعفه وخفوت بريقه، إلا أن التنظيم لم يتلاشَ تماماً وإنما تذبذبت عملياته حتى أصبحت هناك مؤشرات لنهوضه مرة أخرى. فوجود مناطق نزاع واضطراب سياسي من جهة، ووجود أقليات مسلمة تشعر بالاضطهاد من جهة أخرى، كل ذلك يعزز من قدرة مثل هذه التنظيمات على التأثير واستقطاب المؤيدين. إضافة إلى وجود مسببات أخرى أبرزها تعالي صوت اليمين في الغرب، وظهور أصوات وتوجهات تؤيد قرارات تثير غضب الرأي العام مثل قرار الرئيس الأميركي ترمب نقل عاصمة إسرائيل إلى القدس، مما قد يعزز من قدرة المتطرفين استثارة المتعاطفين لأخذ الثأر لذلك. وعلى النسق ذاته، يصعب اختفاء تنظيم داعش، بالأخص مع سهولة القدرة على انضمام أي شخص يحمل فكراً متطرفاً لهم مما يتيح له العمل في الخفاء معهم. فيما من الوارد أن تظهر تنظيمات متطرفة جديدة بقالب آخر يلفت الأنظار بالأخص بعد أن وصلت التنظيمات الأخرى مرحلة الضعف. النقطة الأهم التي تدفع التطرف للاستمرار تكمن في صعوبة قدرة السلطات القضاء على الآيديولوجية المتطرفة بشكلٍ تام بالأخص إن استمرت مسبباتها، ويلزم من أجل ذلك وضع استراتيجيات تسعى لاجتثاث الفكر المتطرف وحيثياته.


مقالات ذات صلة

عاصمة مالي تستعيد الهدوء بعد الوقوع في قبضة «كوماندوز القاعدة»

أفريقيا من الانفلات الذي رافق الهجومين في شوارع العاصمة المالية (إ.ب.أ)

عاصمة مالي تستعيد الهدوء بعد الوقوع في قبضة «كوماندوز القاعدة»

«جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» أصدرت بيانا قالت فيه إن الهجوم يأتي انتقاماً لمئات المجازر والمذابح التي ارتكبتها هذه الطغمة الحاكمة وحلفاؤها الروس بحق شعبنا»

الشيخ محمد (نواكشوط)
آسيا حمزة بن لادن (أرشيفية)

هل حمزة بن لادن على قيد الحياة؟

عاد حمزة بن لادن، نجل الزعيم الراحل لـ«القاعدة»، المقتول في باكستان، إلى الظهور في أفغانستان، حسب ادعاءات الاستخبارات الغربية.

عمر فاروق (إسلام آباد ) «الشرق الأوسط» (لندن)
تحليل إخباري تخريج دفعة جديدة من مقاتلي «داعش خراسان» من «معسكر حقاني» في أفغانستان (متداولة)

تحليل إخباري لماذا يزداد الاعتقاد بأن هجوماً مثل «11 سبتمبر» قد ينطلق من أفغانستان؟

تعتقد المنظمات الدولية التي تراقب أفغانستان والدول المجاورة لها والحكومة الباكستانية وأجهزة الاستخبارات أن أفغانستان أصبحت مرة أخرى مركزاً للإرهاب الدولي.

عمر فاروق (إسلام آباد )
تحقيقات وقضايا فشلت محاولتا التواصل بين نظام صدام وبن لادن لكن اتهامات التعاون طاردت العراق (أ.ف.ب)

11 سبتمبر... ماضٍ أدمى العراق وحاضر يهدد أفغانستان

فقدت ذكرى هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على الولايات المتحدة، أهميتها مع مرور السنين، لكن آثارها لا تزال حية في منطقة الشرق الأوسط وجوارها.

غسان شربل (لندن) كميل الطويل (لندن)
خاص مقاتلون مع حركة «طالبان» في ولاية بادخشان شمال البلاد 1 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

خاص معسكرات أفغانية تثير مخاوف من «عودة القاعدة»

مع حلول ذكرى هجمات 11 سبتمبر، يبدو تنظيم «القاعدة» عازماً على إعادة بناء صفوفه وإنشاء معسكرات ومدارس دينية في أفغانستان، وهو أمر يثير قلقاً أممياً واضحاً.

كميل الطويل (لندن)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».

عاجل الجيش الإسرائيلي يعلن القضاء على «قائد شبكة حماس» في جنوب سوريا