شاشة الناقد

The Post

إخراج: ستيفن سبيلبرغ
ممثلون: توم هانكس، ميريل ستريب، سارا بولسون، بروس غرينوود، أليسون بري
تقييم: ****

«الصحافة موجودة لخدمة الشعب وليس الحكام»، تردد ميريل ستريب هذه العبارة في واحد من المشاهد التي تواجه فيه القرار المصيري: هل توافق على نشر مستندات حكومية سرية وصلت إلى يد رئيس تحرير صحيفتها، كما يرغب هو، أو تصدر أمراً يرضي المؤسسات المصرفية وتلك الحكومية التي تريد حجب هذه الوثائق عن الرأي العام؟ العبارة واحدة من تلك التي ترشدها إلى الطريق الذي اختارته: نشر الوثائق وتحمل تبعية ذلك بكل جرأة.
هذا ما يرد في فيلم ستيفن سبيلبرغ الجديد «ذا بوست» الذي لا يدور فقط عن ناشرة صحيفة «ذا واشنطن بوست» والقرار الحاسم الذي كان عليها اتخاذه، بل عن المواجهة بين واشنطن ونيويورك. بين مركز الرئاسة السياسية ومركز الإعلام الأميركي الذي وُلد حراً بفرض من الدستور. عن الصراع بين حرية الصحافة والأمن القومي وكيف يمكن للأولى الانتصار على الثانية عندما تتمسك بحق الأميركي في المعرفة مقابل الرغبة في إخفاء الحقائق عنه.
«ذا بوست» أقوى وأهم فيلم سياسي أنجزه المخرج ستيفن سبيلبرغ. هنا نجد توم هانكس (جيداً كالعادة) يدير الصحيفة التي تبحث عن المتاعب لأن المتاعب من حقها. يصله نبأ تهديد الحكومة لـ«ذا نيويورك تايمز» عن نشر وثائق سرقها موظف حكومي اسمه دانيال إلسبيرغ سنة 1969 حول حقيقة الحرب الفيتنامية. كان عاد بدوره من رحلة عسكرية لاستكشاف الحقائق وشهد واحدة من المواجهات التي خسر فيها الأميركيون جنوداً. الفيلم يبدأ هناك لفترة قصيرة ثم ينتقل إلى الوزير روبرت ماكنمارا يستوضح رأي إلسبيرغ حين عودتهما من فيتنام. هذا يقول له إلسبيرغ أن الوضع سيء. يتبنى ماكنمارا هذا الرأي، لكن ما إن تحط طائرته في أرض أميركية يعلن للصحافة أن الوضع أفضل ما يكون.
الصفحات المسروقة تروي كيف توغلت السياسة الأميركية في تلك الحرب منذ عقود وكيف أن رتشارد نيكسون لن يحاول الخروج منها حتى لا يخسر ماء وجهه. لكن الفيلم، وبإدارة ماهرة من المخرج، يومئ بكل تلك التفاصيل التي قد تغيب عن البعض: الصحافي الصغير لا حساب له في صنع القرار الذي يجد نفسه طرفاً فيه. التوتر بين الناشرة وبين رئيس التحرير قائم قبل اندلاع المواجهة بينهما وبين رجال الأعمال الذين يخافون على مصالحهم في الصحيفة وكذلك بينهما وبين السياسيين.
في مجمله فيلم يمشي بحرفية سريعة وغالباً متقنة (بعض تصميم حركات الممثلين في المشاهد الداخلية مفتعلة) وفي كليته انتصار للصحافي على السياسي في بلاد أعطت كليهما حرية العمل.