رحيل صاحبة أشهر ملصق داعم لعمل المرأة

ناعومي باركر (تايم)
ناعومي باركر (تايم)
TT
20

رحيل صاحبة أشهر ملصق داعم لعمل المرأة

ناعومي باركر (تايم)
ناعومي باركر (تايم)

رحلت منذ أيام صاحبة أشهر ملصق نسائي منذ أربعينيات القرن الماضي، الأميركية ناعومي باركر فرايلي عن عمر يناهز 96 عاماً، والتي توفيت السبت الماضي، بحسب «بي بي سي».
واشتهرت باركر بصورتها التي تحمل جملة «يمكننا أن نفعل ذلك» التي قالتها لحث المرأة على دخول سوق العمل بقوة في وقت الحرب العالمية الثانية.
وكانت تلك الصورة تروج لعمل النساء خلال الحرب العالمية الثانية لفترة طويلة في المصانع الأميركية خلال عام 1943 لمكافحة الغياب وتثبيط دعوات الإضراب.
ولدت فرايلي، بمدينة تولسا بولاية أوكلاهوما عام 1921، وكانت الطفلة الثالثة من ثمانية أطفال، ويعمل والدها مهندساً في التعدين، ووالدتها ربة منزل، وانتقلت الأسرة من بلدة إلى بلدة، وفقا لأعمال التعدين التي يعمل بها والدها، إلى أن استقروا في ألاميدا.
وعملت ناعومي مع شقيقها إبان الحرب العالمية الثانية في محطة نافال الجوية في ألاميدا وكانت من أوائل النساء اللاتي تم تعيينهن بمهنة «ميكانيكي»، في ورشة الطائرات البحرية خلال الحرب العالمية الثانية، وذلك بعد هجوم الجيش الياباني على مرفأ بيرل هاربور قرب هاواي.
وفي بداية الأربعينات، التقط المصور بيتسبرغ هوارد ميلر، لقطة لعاملة ترتدي قميصا أزرق، وتربط شعرها بشريط أحمر ذي نقط بيضاء صغيرة. ثم استعان بتلك اللقطة في ملصق وهي ترفع ذراعها بقوة لتظهر عضلات ساعدها. لتصبح بعدها رمزا لعمل المرأة ومواجهتها ظروف الحرب، وتشجيعها على خوض سوق العمل حتى في أصعب المهن.
ومن يومها، أصبح ملصق باركر واحداً من أشهر الملصقات التي تدعم حقوق المرأة وتعتبر رمزا قويا لوجودها في سوق العمل وتحدي الصعاب.



جاهدة وهبه تضيء ليل المدينة... على مقام الطرب والحب

المطربة والمؤلفة الموسيقية اللبنانية جاهدة وهبة (إدارة أعمال الفنانة)
المطربة والمؤلفة الموسيقية اللبنانية جاهدة وهبة (إدارة أعمال الفنانة)
TT
20

جاهدة وهبه تضيء ليل المدينة... على مقام الطرب والحب

المطربة والمؤلفة الموسيقية اللبنانية جاهدة وهبة (إدارة أعمال الفنانة)
المطربة والمؤلفة الموسيقية اللبنانية جاهدة وهبة (إدارة أعمال الفنانة)

ليل المدينة حالك، ومعظم الطرق مطفأةٌ مصابيحُها، لكنّ صوت جاهدة وهبة قنديلٌ للعتمة. تقتبس من سعد الله ونّوس لتعلن: «نحن محكومون بالأمل»، ولا تودّع جمهورها المحتشد في مسرح «كركلّا» من دون أن تصدح «لا تلتفت إلى الوراء» من شعر غونتر غراس.

«الوراء» هو تلك السنوات الكئيبة والمخيفة التي عبرت على لبنان. تريد الفنانة أن تمحوها بتعويذة صوتها. ترنو إلى «وطنٍ كان وما زال منارة الثقافة والفن»، وفق ما تقول لـ«الشرق الأوسط». لذلك، فهي تكثّف حفلاتها منذ بزغ نور أملٍ صغير على بلاد الأرز.

احتضن الحفل مسرحُ كركلّا في العاصمة اللبنانية بيروت (إدارة أعمال الفنانة)
احتضن الحفل مسرحُ كركلّا في العاصمة اللبنانية بيروت (إدارة أعمال الفنانة)

بعد حفلٍ حاشد في «كازينو لبنان»، مطلع مارس (آذار)، بمناسبة يوم المرأة، اعتلت جاهدة وهبة الخشبة من جديد ضمن أمسية حملت عنوان «في رحاب القصيدة والمقام»، وتزامنت مع احتفاليات عيد الفطر في بيروت. المقاعد ممتلئة ومنهم مَن لا يمانعون الإصغاء إليها وقوفاً. جاء المحبّون من أماكن بعيدة ومن أجيال متعددة.

ضمّت المطربة اللبنانية صوتها إلى نغمات المعهد الوطني العالي للموسيقى، «الصرح الذي أعدّه بيتي الثاني والمكان الذي تشكّلت فيه معرفتي وذائقتي الموسيقية»، وإلى الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق – عربية بقيادة المايسترو أندريه الحاج. الفرقة مكتملة النصاب: جوقة المعهد وعازفو الأوركسترا بآلاتهم الكثيرة، تتوسّطهم وهبة وبين حبالها الصوتيّة أوركسترا موازية، تتنقّل بين الطرب والكلاسيكيات والأناشيد والأغاني العاطفية والقصائد الصوفيّة.

اختارت للبداية إحدى أصعب ثنائيّات القصيدة والمقام، فافتتحت الحفل بأغنية «سكن الليل» للسيّدة فيروز من شعر جبران خليل جبران، وألحان محمد عبد الوهاب. تتراوح القدرات الصوتيّة بين أقصى الطبقات وأقصى الإحساس. لا تستنسخ وهبة الأغنية كما قدّمها مغنّيها الأصليّ، بل تضيف إليها وتثريها بأدائها.

وكلّما استحضرت أحد عظماء الموسيقى العربية، مثل وديع الصافي في «رح حلّفك بالغصن يا عصفور»، أو أسمهان في «يا حبيبي تعالى الحقني»، سكبت المطربة اللبنانية الكثير من هويّتها الخاصة. كأنّ كلاسيكيات الأغنية تنبعث من صوتها تُحَفاً جديدة.

قاد الأوركسترا الوطنية الشرق عربية المايسترو أندريه الحاج (إدارة أعمال الفنانة)
قاد الأوركسترا الوطنية الشرق عربية المايسترو أندريه الحاج (إدارة أعمال الفنانة)

تأخذ وهبة استراحةً قصيرة من الموسيقى لترحّب بالجمهور من رسميين وإعلاميين ومُحبّين. وبحِرص مَن تريد الأفضل لوطنها تقول: «أنا مستعدّة لمدّ يد العون إلى كل المؤسسات التي تُعنى بالثقافة في لبنان. الثقافة تحمينا من الغوغائية والهمجية». تعيد تأكيد ذلك في حديثها السريع مع «الشرق الأوسط» بعد الحفل: «في زمن التحدّيات الكثيرة، يبقى صوت الفن أعلى من الضجيج، ومساحة مضيئة في وجه العتمة والعنف». تدعو زملاءها الفنانين والمثقفين إلى التعاضد من أجل إعلاء شأن الثقافة في لبنان، «مهد الجمال والحرية والإبداع».

ومن حب الوطن إلى الحب المطلق مع شعرِ ابن الفارض... «زدني بفرط الحب فيك تحيّرا»، يخرج الصوت ابتهالاً، زاهداً ومرصّعاً في آن. تُلحق وهبة تلك الوقفة المتصوّفة بقصيدة طلال حيدر «يا ريت فيّي إنهدى». هنا تتّسع مساحات الدلال واللعب على الطبقات، ويتلاقى ذلك مع اللعب على الكلام الذي يحترفه الشاعر.

جاهدة وهبة: «الثقافة تحمينا من الغوغائية والهمجية»... (إدارة أعمال الفنانة)
جاهدة وهبة: «الثقافة تحمينا من الغوغائية والهمجية»... (إدارة أعمال الفنانة)

ليست جاهدة وهبة مطربة فحسب، بل إنها تؤلّف معظم أغنياتها وتلحّنها. وقد خُصّص الجزء الأكبر من حفل «القصيدة والمقام» للأعمال التي لحّنتها بنفسها. أهدت بيروت إحدى أجمل القصائد التي نُظمت في حب تلك المدينة، بحِبر الشاعرة لميعة عباس عمارة... «يا بنتَ سبعة آلافٍ وما برحت صبيّةً تشتهي الدنيا مقبّلَها». ولم يكد التصفيق يهدأ في القاعة، حتى اشتعل من جديد عندما صدحت «إذا الشعب يوماً أراد الحياة» لأبي قاسم الشابّي. كأنها باختيار هذا النشيد، تحثّ أبناء بلدها على الابتسام للقدر بعد انجلاء الليل.

لا الأناشيد تعصى على وهبة ولا التهويدات. وعندما يحين موعد العشق مع «أرض الغجر» من شعر ماجدة داغر وألحان شربل روحانا، يستحيل الفراقُ أملاً، واللوعةُ شمعةً.

ساعة ونصف الساعة من الغناء المتواصل لم تقاطعها سوى آهات الجمهور وتصفيقهم وبعض الدموع. وكلّما علا التصفيق انخفض رأس وهبة باحترامٍ وخفَر، كسنبلةٍ مكتنزةٍ بالألحان وأبيات الشعر. بينها وبين قائد الأوركسترا والعازفين ومغنّي الكورس، التناغم جليّ. لا تنسى أن تحيّيهم بين أغنيةٍ وأخرى.

ولأنّ الغناء ألوان وحنجرة جاهدة وهبة تحمل قوسَ قزحٍ منها، وقفةٌ مع الأغنية الفرنسية ورائعة إديث بياف «Non je ne regrette rien» ونسختها المعرّبة «ما بندم ع شي». تدعو الحاضرين لمرافقتها غناءً، تمازحهم، ثم تنفصل عن الواقع لتتجلّى على سجيّتها.

ويتواصل الصعود على نغمات «ما طلبت من الله»، وهي من شعر أحلام مستغانمي وألحانها... «ما طلبتُ من الله في ليلة القدْرِ سوى أن تكون قدَري وسِتري، سقفي وجدران عمري وحلالي ساعة الحشرِ».

تتّسع المساحة المفردة للأنثى في أعمال جاهدة وهبة، من الشاعرات اللواتي تعاونت معهنّ، مروراً بالأيقونات اللواتي أعادت أغانيهنّ، وليس انتهاءً بأنها فرضت نفسها ملحّنة، في زمنٍ وبقعةٍ جغرافية غالباً ما يقتصر فيهما التلحين على الذكور. من ألحانها وشعر سعاد الصباح غنّت «قل لي»، قبل أن تودّع الجمهور بإحدى أجمل أغاني أرشيفها «لا تلتفت إلى الوراء».

وهبة متوسطةً رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى هبة القواس ومنسقة قسم الغناء الشرقي في المعهد عايدة شلهوب (إدارة أعمال الفنانة)
وهبة متوسطةً رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى هبة القواس ومنسقة قسم الغناء الشرقي في المعهد عايدة شلهوب (إدارة أعمال الفنانة)

وعندما وقف الجمهور مطالباً بالمزيد، عادت وهبة إلى الخشبة لتختم الأمسية باستعادة لـ«هذه ليلتي» لأم كلثوم من شعر جورج جرداق وألحان محمد عبد الوهاب.

تَعِد بأنّ المواعيد مع الطرب والشعر ستتجدّد لتضيء ليل المدينة: «قدرُنا أن نواصل الحلم، فالحلم لا يُقهر وأن نواجه الظلام بالحب، وبالمعرفة، وبالفن».