زوايا وكتاتيب مصرية في دائرة الاتهام

وزير الأوقاف وصف بعضها بأنها مرتع لنشر الأفكار المتطرفة

بعض الزوايا مقامة أسفل بناياتٍ بعضها مخالف لقوانين البناء، وتُدار بلا رقيب ({الشرق الأوسط})
بعض الزوايا مقامة أسفل بناياتٍ بعضها مخالف لقوانين البناء، وتُدار بلا رقيب ({الشرق الأوسط})
TT

زوايا وكتاتيب مصرية في دائرة الاتهام

بعض الزوايا مقامة أسفل بناياتٍ بعضها مخالف لقوانين البناء، وتُدار بلا رقيب ({الشرق الأوسط})
بعض الزوايا مقامة أسفل بناياتٍ بعضها مخالف لقوانين البناء، وتُدار بلا رقيب ({الشرق الأوسط})

تقف الزوايا والكتاتيب التي تنتشر في القاهرة وغيرها من الأقاليم المصرية، في مرمى الاتهامات، وذلك بعدما تسلل إليها عناصر من جماعة «الإخوان» التي تعدها مصر تنظيماً إرهابياً، وغيرها من تنظيمات العنف، وهو ما يؤثر على أوضاعها الشرعية والقانونية على الساحة.
يقول المراقبون في مصر، إن بعض الزوايا والكتاتيب والتي ترفع شعار تحفيظ القرآن، ومعظمها بلا رخصة قانونية، وتعمل تحت مظلة تكوين اجتماعي يتسم بالميل إلى التدين، أصبح يشكل بؤر خطر، خصوصاً وسط ما تلوّح به التنظيمات الإرهابية من إغراءات مادية وخدمات تقدمها للمترددين عليها.
من جهته، أكد وزير «الأوقاف» المصري الدكتور محمد مختار جمعة، أن «بعض الزوايا استخدمتها الجماعات الإرهابية خلال السنوات الماضية لنشر الأفكار المتطرفة». فضلاً عن رصد تقارير رقابية رسمية أكدت انطلاق فتاوى التكفير من داخل بعضها.
يأتي هذا، وسط حالة الحرب التي يخوضها الجيش المصري وأجهزة الشرطة على الجماعات المتشددة خصوصاً في سيناء. وعلى الرغم من قرار السلطات المصرية منع الصلاة في الزوايا الصغيرة، التي تقل مساحتها عن 80 متراً؛ فإن هذا القرار تم خرقه، ولا تزال الزوايا المقامة في الحواري والأزقة بالمناطق الشعبية خصوصاً في القاهرة الكبرى والإسكندرية، تقام داخلها الصلاة وتقدِّم دروساً وخطباً.
ونجد في مسافة لا تزيد على 250 متراً مربعاً، من 3 إلى 4 زوايا، مقامة أسفل بناياتٍ بعضها مخالف لقوانين البناء، وتُدار بلا رقيب، ولا أحد يعرف هل يقتصر دورها على أداء الصلوات، أم يتعداه لبث خطاب الكراهية؟
رسمياً، لا يوجد حصر بهذه الزوايا والمساجد الصغيرة، لأنه كل يوم تتم إقامة مسجد أو زاوية؛ لكن هناك إحصائيات غير رسمية تُقدرها بنحو 120 ألف مسجد صغير وزاوية، لا تتبع وزارة «الأوقاف» (المسؤولة عن المساجد)؛ لكن أغلبها يخضع لإشراف الأهالي أو بعض جماعات الإسلام السياسي.
وفي مارس (آذار) عام 2016، قضت محكمة مصرية بأحقية «الأوقاف» في ضم جميع المساجد الأهلية الصغيرة والإشراف عليها، لإبعادها عن السياسة، وقال مصدر في «الأوقاف»، فضل عدم ذكر اسمه لحساسية موقعه، لـ«الشرق الأوسط»: إن «الحكم الهدف منه المساعدة على حماية الشباب والأطفال من الجماعات المتطرفة... لكنه لم يتم تطبيقه على أرض الواقع».
ويرى مراقبون أن «بعض الزوايا تتبع جماعة دينية محددة تتولى الإنفاق على كل شيء بداخلها، بدءاً من النظافة، وانتهاءً براتب الخطيب الذي يشبع عقول الشباب والصغار بفكر تلك الجماعة، ليشبوا مؤيدين لها وطيعين للقيام بما يُطلب منهم... وهذه الزوايا تتبع إما الإخوان، وإما الجماعة الإسلامية، وإما جماعات متشددة مثل تنظيم (أنصار بيت المقدس) أو (ولاية سيناء) الذي بايع (داعش) عام 2014 وينشط بقوة في شبة جزيرة سيناء».
وسبق أن وضعت الدولة المصرية، إجراءات مشددة على المساجد منذ سقوط حكم «الإخوان» عام 2013، وقصرت الخطب والدروس على الأزهريين، ووحدت موضوع خطبة الجمعة، ومنعت أي جهة غير «الأوقاف» من جمع أموال التبرعات، وتعاقدت مع شركات حراسة لتأمين وحماية المساجد بهدف التصدي لدعاة التشدد والتطرف؛ لكن المراقبين أكدوا «وجود دعاة متشددين ما زالوا يعتلون بعض منابر الزوايا، ويروجون لخطابات تحرض على الكراهية».
وقال وزير «الأوقاف» في سياق حديثه، إن «مصر لن تسمح ببناء الزوايا مستقبلاً»، مشيراً إلى أن الزوايا الموجودة حالياً سيقتصر دورها على أداء الصلاة فقط، أما الدروس الدينية وتحفيظ القرآن فسيكون مقصوراً على المسجد الجامع».
الوزير المصري طالب المحافظين في أقاليم مصر بعدم إصدار أي ترخيص بناء للزوايا، والتراخيص فقط للمسجد الجامع، لافتاً إلى أن المسجد الجامع سيكون بمثابة مركز ديني تُقدم فيه خدمات التوعية والدروس الدينية وتحفيظ القرآن وصلاة الجمعة.
وسبق أن قرر وزير «الأوقاف» في وقت سابق حظر إقامة صلاة الجمعة في الزوايا وقصرها فقط على المساجد الكبرى؛ بل قرر غلقها نهائياً؛ لكن المصدر في «الأوقاف» قال إن «ذلك لم ينفَّذ على أرض الواقع، لصعوبة حصر هذه الزوايا»، لافتاً إلى أن «كثيراً منها ما زال يقيم صلاة الجمعة ولم يتم غلقه».
ويبرر بعض المراقبين ذلك بقولهم، إن تطبيق قرار غلق الزوايا والمساجد الأهلية بالغ الصعوبة، لسيطرة الجمعيات الشرعية على بعض هذه الزوايا، فضلاً عن أنصار جماعة «الإخوان»، وقرار وزير «الأوقاف» منذ صدوره عام 2014 لم ينفَّذ بشكل كبير، لأن الوزارة لا تمتلك الإمكانيات الكافية لغلق هذه الزوايا.
كان حكم سابق لمحكمة القضاء الإداري في الإسكندرية، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، قد أكد في حيثياته أن القانون عهد إلى وزارة «الأوقاف» مهمة إدارة المساجد والزوايا والإشراف عليها بعد تسليمها وضمها إليها، وذلك ضماناً لقيام هذه المساجد برسالتها في نشر الدعوة الإسلامية، وأنه على ضوء التجارب المريرة التي عاشتها مصر جراء استغلال التيارات الدينية للزوايا في جذب الشباب والبسطاء، نجم عن ذلك بث روح الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد، التي أدت إلى التنابز اللفظي والعنف المادي، وأظهر التطرف الديني الذي تسبب في ضياع كثير من أرواح المواطنين نتيجة لتطرف الفكر المتشدد.
وأضاف حكم المحكمة أنه «لا يجوز مطلقاً استخدام منابر الزوايا لتحقيق أهداف سياسية».
ودخل مجلس النواب (البرلمان) على خط أزمة خطاب بعض الزوايا، وقال الدكتور عمر حمروش، أمين اللجنة الدينية بمجلس النواب لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجماعات الإرهابية تركز على الزوايا في القرى والنجوع، التي هي بعيدة عن مراقبة المسؤولين في الحكومة، لتنشر أفكارها».
وأشار النائب أسامة شرشر، عضو مجلس النواب، إلى أن بعض الحضانات والكتاتيب أصبحت متنفساً للجماعات الإرهابية لنشر الأفكار المتطرفة بين الأطفال لاستهداف الشباب في المستقبل.
بينما أكد النائب بكر أبو غريب، عضو مجلس النواب لـ«الشرق الأوسط»، أن الزوايا لا تخضع حتى الآن لأي جهة رقابية، وبعضها مفارخ للأفكار المتطرفة فكرياً ودينياً واجتماعياً وثقافياً.
لكن أبو غريب رفض غلق الزوايا والمساجد الصغيرة؛ بل اقترح ترخيصها على وضعها الحالي، وتحسين مستوى المرافق والمباني بها، وتعيين خطباء لها للجمعة وإلقاء الدروس الدينية، واختيار من يقومون على شؤونها ليكونوا مسؤولين أمام الحكومة، وفقاً للضوابط القانونية.
ورغم إعلان وزارة «الأوقاف» اعتمادها رسمياً لـ2215 كُتاباً لتحفيظ القرآن عقب تقنين وضعها القانوني وتعيين محفّظين بها؛ فإن هناك عشرات لم يتم تقنين أوضاعها حتى الآن.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، افتتحت «الأوقاف» 88 مدرسة قرآنية جديدة في المساجد الجامعة، ليصل إجمالي المدارس القرآنية إلى 589 مدرسة، وذلك في إطار اهتمام الوزارة بخدمة القرآن الكريم وتيسير حفظه بالمجان للأطفال والكبار.
في غضون ذلك، قال الخبير الأمني الاستراتيجي، اللواء محمد قدري لـ«الشرق الأوسط»، إن «الهدف من سعي الجماعات الإرهابية للتأثير على الأطفال داخل بعض الزوايا هو إعداد جيل جديد يتم تعليمه ليكون نواة المستقبل، خصوصاً أنه يتم تلقين الأطفال الآيديولوجيات المتطرفة في سن مبكرة جداً».
مضيفاً أن «التنظيمات ترى في الأطفال وسيلة لضمان الولاء على المدى البعيد، حيث يعد الأطفال صيداً ثميناً بسبب استغلال حسن نيتهم وضعف مداركهم؛ لأن عقولهم كلوح أبيض يمكنهم نقش عقيدتهم الدموية عليه كما يشاءون».
تجنيد الأطفال في الزوايا، أثار مخاوف السلطات المصرية، بسبب إحصائيات رصدتها تقارير عالمية، تؤكد أن نسبة العمليات الانتحارية التي شارك بها الأطفال المجندون من قبل تنظيم داعش الإرهابي ارتفعت في يناير عام 2016 إلى 3 أضعاف النسبة التي كانت عليها في نفس الشهر من عام 2015.
وأصدرت الحكومة المصرية في هذا الصدد قراراً وزارياً في أبريل (نيسان) الماضي، بغلق مراكز تحفيظ القرآن، في مسعى لعدم توظيفها للناشئة وتجنيدهم مبكراً لصالح بعض الجماعات أو التيارات المتشددة.
وقال المصدر نفسه في «الأوقاف»، إن «الكتاتيب تعتمد على غير المؤهلين، فكان لا بد من قرار يجفف منابع الإرهاب، سواء في المساجد الرسمية أو المساجد التابعة للجمعيات الأهلية».
وتشرف عشرات الجمعيات الأهلية على مراكز تحفيظ القرآن والكتاتيب في مختلف محافظات مصر، وتنشط بشكل أساسي في الإجازة الصيفية، ويقول أحمد توفيق، أحد المترددين على الزوايا لـ«الشرق الأوسط»، إن «الزوايا لها أهمية كبرى لجميع الأسر، وإذا كان بعضها له أهداف خاصة باستغلال الأطفال؛ إلا أن البعض الآخر منها يفتح أبوابه للصلاة ولتحفيظ القرآن وتقديم المساعدات والدروس الدينية المفيدة».



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».