«أصداء رؤى من الماضي»... معرض في مصر لفنان الكاريكاتير العالمي صاروخان

33 لوحة تجسد حقبة الستينات والسبعينات من القرن الماضي

لوحات عرضت في المعرض («الشرق الأوسط»)
لوحات عرضت في المعرض («الشرق الأوسط»)
TT

«أصداء رؤى من الماضي»... معرض في مصر لفنان الكاريكاتير العالمي صاروخان

لوحات عرضت في المعرض («الشرق الأوسط»)
لوحات عرضت في المعرض («الشرق الأوسط»)

«التاريخ يعيد نفسه»، مقولة تنطبق على كثير من الأحداث السياسية والاجتماعية التي نعيشها، ويعتبر الفن خير مؤرِّخ لها، خصوصاً ريشة فنان الكاريكاتير صاروخان التي عالجت القضايا والأحداث الساخنة ورصدتها بشكل لحظي، وعندما نشاهدها الآن في معرض استعادي بـ«غاليري المسار» في الزمالك بمصر، نشعر وكأنّها تجسد الحالة الآن.
«أصداء رؤى من الماضي» هو عنوان المعرض الذي تحتضنه قاعة المسار للفن المعاصر، وهو المعرض الثاني للفنان العالمي الراحل ألكسندر صاروخان (1898 - 1977) الذي افتتح الأربعاء في 10 يناير (كانون الثاني) ويستمر حتى 19 فبراير (شباط) المقبل. يأتي هذا المعرض بعد 44 سنة على رحيله، ويختلف عن المعرض السابق «الكوميديا السياسية» الذي كان بمثابة بانوراما تصف المشهد السياسي بمصر في أربعينات القرن الماضي، ليكون بمثابة نافذة على حقبة الستينات والسبعينات. ترصد لوحات صاروخان في المعرض الجديد أحداثاً سياسية مرحلية بتاريخ مصر وسياستها الداخلية والخارجية، إلى جانب رصده للأحداث الشرق أوسطية والعالمية ما بين عامي 1957 إلى 1977.
ويضم المعرض 33 عملاً أصلياً نادراً، وبنظرة على اللوحات نجدها تسرد للأحداث المتعاقبة على صعيد الأوضاع السياسية في مصر والعالم إبان فترة رئاسة الزعيمين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات اللذين تحتفل مصر بمئوية مولدهما هذا العام. تكمن رمزية اللوحات في إسقاطها الماضي على الحاضر، فلا تزال كثير من القضايا التي سلّط عليها الضوء منذ عدة عقود تدور في دائرة النزاع ليومنا هذا.
في لوحة «طريق حقوق العرب» جسّد صاروخان الزعيمين الراحلين السادات وياسر عرفات بأنّهما يعدوان في طريق غير مُعبَّد تُقذَف عليهما الحجارة بأحجام مختلفة من قبل العدو الصهيوني، ولوحة أخرى تجسد السادات يحفر في الصخور موجهاً حديثه لعرفات والأسد: «إذا كان لديكما حل أفضل من هذا أرجو تنفيذه»، ولوحة ثالثة تجسد لبنان جسداً عليلاً هامداً تحاول مساندته الدول العربية، وغيرها من اللوحات التي تثير الشجون حول أحوال العالم العربي التي لم تتبدل بعد.
ويقول وليد عبد الخالق، صاحب غاليري المسار في القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: يسلط المعرض الضوء على جذور تصريحات الولايات المتحدة الأميركية الأخيرة بخصوص القدس والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي ومحنة السلام بالشرق الأوسط، وأزمة نزع الأسلحة النووية، ودور الأمم المتحدة تجاه هذه الأحداث التي اندلعت حينذاك، وقد سجّلها الفنان بريشته وبرؤيته التحليلية الخاصة عن مستقبلها التي نجد البعض منها لا يزال مطروحاً على الساحة العالمية اليوم.
يمتاز صاروخان ببصمة فنية تميِّز أعماله ويلعب لديه الخط الواضح القوي دوراً أساسياً في بناء ملامح وجه «الشخصية» التي يرسمها، كذلك في تصميم باقي ملامح الجسد. في الفترة المليئة بالأحداث السياسية ابتكر شخصية «المصري أفندي» التي تصوِّر الطباع المصري في مواجهة الأحداث بقالب نقدي ينمّ عن الوعي والذكاء.
في شهادته عن المعرض، كتب الفنان فاروق حسني وزير ثقافة مصر الأسبق: «ارتبط اسم الفنان القدير صاروخان بقرّاء الصّحف المصرية منذ العشرينات، ولمدة تزيد على الخمسين عاماً. لقد طالع قراء الصحف رسومه الكاريكاتيرية في كل من (روزاليوسف)، و(آخر ساعة)، و(أخبار اليوم)، و(الأخبار)، فضلاً عن عدد من الصحف الصادرة باللغات الفرنسية والإنجليزية والأرمينية في مصر». ويضيف: «وفد صاروخان إلى مصر ضمن آلاف الأرمن. حيث الملاذ الآمن والمساواة في الفرص. وأصبح مرموقاً في الأوساط الجماهيرية والصحافية والسياسية والفنية لرسومه اللماحة وأسلوبه المتميز في الرسم الكاريكاتيري. انصهر صاروخان في البيئة المصرية وأصبح وطنياً غيوراً ورسّخ لفنه موقعاً مركزياً في تاريخ فناني الكاريكاتير المصريين».
أمّا الدكتور مصطفى الرزاز فيقول: «صاروخان... أحد الرواد من أصحاب التميز الفريد في فن الكاريكاتير المصري. شخصية جمعت بين المعايشة واختراق المناخ السياسي والاجتماعي والإعلامي في مصر طوال 50 سنة من حياته، وعَبَّر عن قضايا الوطن الذي اختاره والذي احتضنه، كما عبر عن قضايا العالم المضطرب إبان الحرب العالمية الثانية من منظور إنساني عالمي في مقابل التعبير عن أحوال السياسة والديمقراطية المصرية ما قبل ثورة يوليو (تموز) 1952، خصوصاً في الفترة من 1946 إلى 1952. وأصبح كتابه الذي أصدره في أعقاب الحرب بعنوان هذه الحرب، بمثابة وثيقة عالمية فريدة من نوعها تلك الحرب التي استشرف نتائجها وتحمس لها في رسومه القوية التي حملت رأيه ورؤيته في نقد الفاشية والنازية ومؤازرة قادة الحلفاء، خصوصاً في مجلة القافلة التي كان يصدرها بالفرنسية في مصر».
وُلِد صاروخان في 1 أكتوبر (تشرين الأول) 1898 ببلدة أردانوش، وهي بلدة أرمنية في القوقاز، ثم انتقل مع والديه إلى مدينة باطوم على شاطئ البحر المتوسط، وهناك تلقّى تعليمه في مدرسة روسية. وفي عام 1909، انتقل مع أسرته إلى إسطنبول، حيث واصل دراسته في مدرسة مخيتاريان الأرمنية؛ وفي عام 1915، أنهى دراسته فيها، وبعد فترة الحرب العالمية الأولى واجهت صاروخان مصاعب كثيرة، فاضطر أن يعمل مترجماً للغات الروسية والتركية والإنجليزية في الجيش البريطاني للحصول على قوته اليومي.
بعد دراسته للفن في أكاديمية الفنون بفيينا، انتقل ليعيش في مصر عام 1923، تلبية لدعوة محمد التابعي أحد الناشرين المصريين ليعمل في مجلة تدعى «الجريدة المصورة»، وعلى الرغم من أنّه لم يصدر من هذه المجلة سوى عددين، فإنّ هذه الرحلة حدّدت مصير الرسام الشّاب الذي اتخذ من مصر وطناً ثانياً له حيث لمعت موهبته، وأصبح فيما بعد رائد الكاريكاتير السياسي فيها. ومنذ لحظة انتسابه إلى مجلة «روزاليوسف» في 1927 توصل إلى أسلوبه الكاريكاتيري المميَّز من خلال رسوماته على صفحات تلك الجريدة الأسبوعية، وفي عام 1934 انتقل إلى دار «آخر ساعة»، واستمر يعمل مع الصحافي محمد التابعي لمدة 12 سنة. وفي عام 1946 أصبح صاروخان رئيساً لقسم الكاريكاتير السياسي بصحيفة «أخبار اليوم»، ومنذ عام 1952 عمل في صحيفة «الأخبار» بالوظيفة ذاتها، واستمر في عمله بهاتين الصحيفتين حتى مماته في أول يناير 1977.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».