السرد الروائي ما بعد صدام... رحيل النص

أغلب الذين تصدوا للكتابة الجديدة جاءوا من خارج المشهد الأدبي

الحلة عاصمة السخرية - تحت سماء الشيطان - عشرون شتاء - المكاريد
الحلة عاصمة السخرية - تحت سماء الشيطان - عشرون شتاء - المكاريد
TT

السرد الروائي ما بعد صدام... رحيل النص

الحلة عاصمة السخرية - تحت سماء الشيطان - عشرون شتاء - المكاريد
الحلة عاصمة السخرية - تحت سماء الشيطان - عشرون شتاء - المكاريد

ربيع 2003 أطاحت هزة مجتمعية بمقياس التحول الاجتماعي الكبير بنظام حديدي، هو نظام صدَّام حسين، قوامه الخوف والرعب والخشية من مشاهدة النفس في مرآة الصدق، فجميع الأشياء مراقبة وتخضع للتقارير التي تؤدي إلى الأقبية السرية والموت بلا محاكمة.
التحوّل الدراماتيكي الذي أزاح «جمهورية الخوف» في العراق، بدا وكأنه نهاية حقبة التكتم المضني، واستبداله بالانفتاح على مختلف المستويات، ومنها مستوى الأدب والفن عبر تهشيم الشكل الخارجي لطبيعة النص، وفق ضرورة المتن الحكائي، لا سيما في عالم السرد. حدث ذلك، ليس بانسحاب الأسماء التي وقفت مندهشة إزاء هذا الانزياح، بل من خلال كل الذين تصدوا لذاكرتهم بحرية تامة، وتوق للبوح خارج محددات النص السردي دون الالتفات إلى الدرس النقدي القديم. والملاحظ أن أغلب الذين تصدوا للكتابة الجديدة قدموا من خارج المشهد الأدبي متدرعين بأسمائهم فقط، دون دعاية مسبقة أو نشر في صحف أو مجلات، وهذه واحدة من مظاهر رحيل شكل النص التي ندافع عنها في هذه المقالة. ولا ننسى هنا الإشارة إلى أن ما خدم هذا الاتجاه هي عملية تسويق النص عبر توفر إمكانية الطباعة ضمن سياق تجاري متاح للجميع في سوق مفتوحة بلا أبواب. ثم إن تلك النصوص لم تتجه نحو الإسفاف، بل تولدت ذائقة ثقافية سياسية، إن جاز التعبير، ساعدت في إصدار الكثير من الكتب المؤثرة دون الخضوع للرقابة التي أضرت كثيراً بالكتابة منذ بداية بزوغ عالم الطباعة في العراق.
نعم، ثمة رأي يقول: إن الرقابة في الأيام الأخيرة لنظام صدام لم تعد فاعلة بسبب أن ما يطبع متشابه ويسير مع الجدار، وبرزت في المشهد كتابات الرئيس نفسه في الحقل الأدبي مثل «زبيبة والملك» حتى «اخرج منها يا ملعون» تحت اسم مؤلف مجهول «رواية لكاتبها» في إشارة لمسخ الأسماء، وجعلها غير ذات أهمية والاكتفاء بالإشارة للمتن الممسوخ والمتكرر لكتابة لا تكشف ولا تنير، إنها فقط تشير إلى السذاجة في الطرح، وتدوير نفايات الأفكار في تشابه يفضي إلى لا شيء.

الخروج من عنق المجايلة
إزاء المتغيرات العسكرية وسقوط نظام البعث، انفتحت أبواب العراق على مصاريعها بكل الاتجاهات، وسكنت فورة العوز والفقر في جانب البوح والتعبير، وصعدت نبرة التعبير المباشر، وتزايد عدد الصحف - مع غياب الرقيب كذلك - والفضائيات والإذاعات، وخرجت الجموع من أقبيتها إلى الشوارع تعبر عن مكنوناتها، أما الكتابة الحقيقية التي تبحث في جذور الماضي تحت ضوء الحاضر فإنها وقفت مرتبكة من القوالب القديمة، في القصة أو الشعر أو الرواية، أو مبحث اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي أكاديمي متخصص، فحصل الزحاف الجديد المتمثل بخلط كل ذاك القديم وفق واقع جديد بآليات مختلفة في البوح والانتقال إلى التعبير الصادق والخروج إلى الضوء دون خلفية سابقة في المشهد الأدبي أو الصحافي. وأصبح للوجوه الجديدة الحضور الكافي، وهي تجترح طريقاً جديداً في تفاصيل متن السرد، بعيداً عن الأشكال الأدبية واختلافاتها الجيلية (نسبة إلى الأجيال الأدبية العراقية) حتى توقف السجع بعد الألفين، حيث كانت المجايلة تعني الاختلاف في طريقة الكتابة وفق عالم النقد، فهذا أدب واقعي يتبعه القص الواقعي والشعر والمسرح، وهذا أدب تجريبي في الستينات في كل المجالات، وهذا سبعيني يقترب من اليومي في التناول، وهذا ثمانيني حاصره التوجه التعبوي وارتحال الكثير من المبدعين إلى خارج العراق هرباً من البطش والحفاظ على النوع، وهذا تسعيني يغترف من كل الذين سبقوه، ولكن بتسويق أقل، والاعتماد في أغلب الأحيان على الاستنساخ. كل هذا التنوع والاختلاط والتوقف عن الكتابة لأغلبهم ثم بزوغ المتغير الهائل في زوال صدام استدعى أو شكّل النصوص الجديدة في المتن والتغير الشكلي برمته ليصنع أسماء جديدة.

كتّاب جدد
أكثر ما يهمنا في متابعة النصوص الجديدة، كتّابها الذين حضروا المقاعد الأمامية في المشهد الكتابي - لا نستطيع القول الأدبي أو الفني - وسوف نمر على بعضهم، معتذرين للآخرين لعدم إمكانية حصر كل ما نشر، إضافة إلى تمثيل هذا الشكل الجديد بطريقة السرد، باعتبار المؤلف شاهداً على مرحلة.
في كتاب المؤلف قيس حسن «تحت سماء الشيطان... مفكرة شخصية لأربعة عقود عراقية» يتجلى الهروب من الخطاب المتوارث، والانزياح إلى أساسيات السرد الحديث في الاقتراب من القارئ بصيغة جديدة هو ما عمد إليه حسن في الكتابة خارج متن التجنيس الأدبي، رغم الانحياز إلى منطقة المذكرات، ولكن ليس بروح المنتهي من الأيام، وكأن التجربة في نزعها الأخير كما كانت المذكرات تكتب في نهاية العمر، بل هي الشروع ببداية التفكير في كشف المستور من الحكاية التي عاشها أيام الصمت ومحاولة الهرب وطريقة تشكل البشر وسط فضاء والتواءات التشوه. وحسن لا يخجل من قول الحقيقة، أي لم ينخرط في المعارضة رغم عدم الاقتناع بالنظام، بل تتبع خيط اعترافاته ومشاهداته لكيفية تشكل حيوات الآخرين، وهو يعبر الحدود هارباً من الخدمة الإلزامية في الجيش إلى إيران عبر إقليم كردستان.
فيما ينقل لنا الكاتب حمودي نشمي في كتابه «عشرون شتاءً»، وهو الطبيب والضابط المجند، تجربته المضنية في تحمل حياة لا يقوى على تجرعها الإنسان الذي يجنح للمدنية: «بدأنا بصفوف منتظمة، قامات منتصبة، رؤوس مرفوعة، نفوس ذليلة وأمعاء فارغة، نمرُ أمام منصة الاستعراض وكبار الضباط يتوسطهم علي حسن المجيد وزير الدفاع، وهو مزهو بتخريج كوكبة من الضباط الأشاوس الجياع الذين سيلقنون العدو الدروس، وأي دروس؟!».
أما الكاتب نوفل الجنابي فينتقل من عالم السيناريو إلى نسق التأليف الجديد في كتابه «الحلة... عاصمة السخرية».
في ظل انبثاق الكتابة الجديدة التي خرجت من التشكل الجديد للجنس الأدبي، حيث يبدو العنوان الفرعي التابع للرئيسي -الحلة- مفتوحاً على قراءة سسيولوجية متفحصة للحيوات البشرية، وأثرهم في تشكل الحياة الاجتماعية إزاء مواجهات قاهرة ومرة لاضطهاد سياسي يقود البشر لمصائرهم دون أن يستطيعوا التحكم بنهايتها، وهم يتمسكون بالأمل.
إننا إزاء هذه النماذج المنتقاة، نشهد سرداً معاكساً للتأليف التقليدي، الذي يتكئ على آلية السيناريو التي تقطع أوصال السرد، وصولاً إلى التشويق المنشود، باعتماده على السرد الموصول بالتاريخ اليومي لرواية المخبوء من الحكي في زمن الخوف. وبذلك يحقق السرد الجديد شكله الخاص في الكتابة والتلقي يذكرنا بدرس جعفر الخليلي في سردياته الخمسينية المبكرة خارج سرب القص التقليدي والإيفاء بإيصال المتن الحكائي، وفق الحدث المؤثث بزمنه الاجتماعي الذي حصل في أوانه.
نتيجة لهبوب رياح التغير، وبفضل الخبرة المتراكمة، أضاف كتاب عراقيون من الداخل، ومن المهجر، إضافات جنحت نحو المذكرات، أو البوح الذاتي، وكانت ظاهرة عدم استيعاب النص الشعري أو السرد تتفشى في ثنايا كتاباتهم، فكانت إسهامات الكاتب محمد غازي الأخرس في كتابه «المكاريد»، وخضير الزيدي في أسطرة الواقع اليومي ونبش «سكراب» الحياة العراقية، وإظهار المسكوت عنه في الكراجات ودفاتر الخدمة العسكرية والمقاهي وحكايا العجائز إلى ضوء السرد الحديث، ورشيد هارون في متابعة دواخل النفس البشرية المسحوقة، وكشف عوالم المقابر الجماعية في كتاب «أذكر أني»، ومن المهجر فوزي كريم و«مراعي الصبار» وشوقي عبد الأمير في «يوم في بغداد» ورياض رمزي في «الديكتاتور فناناً» وهم يكشفون عمق المسكوت عنه في نقل تفاصيل تاريخية يشتركون بها مع مجايليهم، مما أثار الكثير من الجدل في بعض التفاصيل الصغيرة ومدى مصداقيتها.
النص الجديد يحتاج إلى قراءة نقدية لترسم شكله السردي الحديث، حتى لا يبدو ابناً عاقاً للسرد العراقي. لأن الكتابة نوع من التخفيف عن الهم أو هي حبل الإنقاذ خشية السقوط في هاوية التاريخ.
* كاتب وشاعر عراقي



كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.