صحراء الربع الخالي... مستودع الحياة الفطرية... والماء والطاقة

عبَرها توماس وفيلبي وثسيجر بين عامي 1930 و1950

ولفريد ثسيجر
ولفريد ثسيجر
TT

صحراء الربع الخالي... مستودع الحياة الفطرية... والماء والطاقة

ولفريد ثسيجر
ولفريد ثسيجر

لم تكن الزيارة الاستثنائية - التي نظمها «الأمير البترولي» عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز لمثقفي دول «أوبك»، بمناسبة انعقاد قمتها الثالثة في الرياض قبل عشرة أعوام (2007)، ومن ضمن البرنامج زيارة حقل «الشيبة» التابع لـ«أرامكو السعودية»، على الطرف الشرقي للربع الخالي المحاذي لسلطنة عُمان ودولة الإمارات، لم تكن لتُمحى من الذاكرة، فلقد كان البرنامج كله في كفة، وما شاهدته المجموعة في محيط حقل الشيبة، ومعهم كاتب هذا المقال، في كفة أخرى.
قال منظم جولة المثقفين: «حرصنا على أن تصل بكم الطائرة قبل غروب الشمس، كي تتمكنوا من صعود قمم نفود الرمل العالية، وتُشاهِدوا مغيبها الأخّاذ. إنها لحظة ستبقى في ذاكرتكم، فبقيت فعلاً رغم مرور عقد من الزمن على المناسبة.
في أواخر الشهر الماضي، تكرر المشهد بوجه آخر، بزيارة الطرف الغربي المقابل من الربع الخالي، مما يلي نجران ووادي الدواسر، على بعد نحو سبعمائة كيلومتر من الرياض العاصمة، في موقع يُسمى «محمية عروق بني معارض» البالغة مساحتها اثني عشر ألف كيلومتر مربع، وهي إحدى أكبر المحميات العشرين الطبيعية والصحراوية والبحرية التابعة لهيئة الحياة الفطرية السعودية (والمعلومات عنها متاحة في موقع الهيئة ومطوياتها).
كانت زيارة استثنائية أخرى بكل المقاييس، لمجموعة من أعضاء مجلس الشورى القدامى من محبي الاكتشافات والرحلات والآثار، يتوزع الشكر لحسن تنظيمها بين هيئة السياحة والتراث الوطني (صاحبة النزل الصحراوي الفريد داخل المحمية) وهيئة الحياة الفطرية (راعية المحمية الصحراوية البديعة)، وزميلهم د. زياد بن عبد الرحمن السديري، الذي دأب على استضافة هذه الرحلة السنوية لزملائه منذ بدأت فكرتها قبل عشرين عاماً، فكان أن قضوا فيها ثلاثة أيام خيالية بلياليها جابوا فيها أرجاء المحمية وما حولها من الآثار والوديان والتكوينات الطبيعية، وقضوا أماسيها بالمسامرات والندوات تحت ضوء القمر، وبجوار الدفء المنبعث من حطب السّمْر المجلوب من خارج المحمية، وسط جو قاريّ بارد ليلاً دافئ نهاراً.
وقبل الحديث عن الربع الخالي (المعروف بمساحاته الصحراوية الشاسعة، الواقع في الزاوية الجنوبية الشرقية من الجزيرة العربية يقع معظمه في السعودية وتحاذي الإمارات وعُمان واليمن أطرافه الشرقية والجنوبية بمساحة إجمالية تقدر بستمائة وخمسين ألف كيلومتر مربع، بما يقارب ثلث مساحة السعودية، ويُعتقد أنه ثاني أكبر صحراء في العالم) لا بد من التعريج على قرية تراثية تاريخية مطمورة مجاورة، نوَهت بها كتابات الهمداني ورحلات فيلبي الاستكشافية المبكرة، ثم قام على أثر ذلك فريق علمي أثري من قسم التاريخ والآثار بجامعة الملك سعود بقيادة د. عبد الرحمن الأنصاري باستكشاف حفرياتها، منذ ثلاثين عاماً، فاكتشف التنقيب من القرية نحو نصفها، وهي لا تزال تنتظر من هيئة الآثار، ومن الجامعة، مزيداً من الحفريات واستظهار النقوش والخدمات السياحية، فيما يمكن النظر إليها باعتبارها من أهم المحميات الأثرية في جنوب السعودية، يعود تاريخها إلى مملكة كندة العربية الجنوبية التي امتد نفوذها إلى نجد شمالاً قُبيل ظهور الإسلام.
أما صحراء الربع الخالي، ذلك المستودع المتنوِّع بعمقه الحضاري والإنساني، وبحياته الفطرية الحيوانية والنباتية المحمية من الرعي والصيد، وبثروته الاستراتيجية برماله المتحركة، وبمخزونه المائي عبر القرون، وبأوديته وتكويناته الطبيعية الصحراوية العجيبة التي تغري بإقامة رياضات التزلج على الرمل والراليات العالمية التي لم تستثمر بعدُ، فكان من أشهر من عبَره توماس وفيلبي وثسيجر بين عامي 1930 و1950 ثم تلتهم رحلات علمية سعودية وأميركية جيولوجية وبيئية عدة، وقد أنجز أخيراً طريق بري من اتجاهين يربط لأول مرة بين شرق السعودية وغرب سلطنة عُمان مباشرة بطول ستمائة كيلومتر، مروراً بحقل الشيبة الآنف الذكر، ويختصر المسافة بين البلدين بأكثر من ألف كيلومتر، لو كان المرور بينهما عبر الإمارات أو اليمن.
صدرت عن الربع الخالي كتب جغرافية وأنثربولوجية عدة، لعل من أهمها وأشملها ما ألفه فيلبي عام 1931 بعنوان «الربع الخالي» الذي ترجمه صبري محمد حسن، ثم أعادت مكتبة «العبيكان» نشره عام 2001 بترجمة حسن عبد العزيز أحمد، وهناك كتب تطرقت إلى الربع الخالي من خلال دراسة إنسان الجزيرة العربية أو عبر الاقتصاد أو الطبيعة والمناخ. لكنه يبقى، من خلال الدراسات الجيولوجية والمسوحات الجيوفيزيقية، ورغم بُعدِه الجغرافي عن الخدمات، وقسوة ظروفه المناخية، مستودع الاقتصاد الواعد لمستقبل الدول الأربع المحيطة به، خصوصاً فيما يتعلق بأمنها المائي وبثروة الطاقة والمعادن.
* إعلامي وباحث سعودي



«القاهرة للسينما الفرانكفونية» يراهن على أفلام عالمية تعالج الواقع

تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)
تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)
TT

«القاهرة للسينما الفرانكفونية» يراهن على أفلام عالمية تعالج الواقع

تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)
تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)

بالتضامن مع القضية الفلسطينية والاحتفاء بتكريم عدد من السينمائيين، انطلقت فعاليات النسخة الرابعة من مهرجان «القاهرة للسينما الفرانكفونية»، الخميس، وتستمر فعالياته حتى الثاني من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بعرض 75 فيلماً من 30 دولة فرانكفونية.

وشهد حفل الافتتاح تقديم فيلم قصير منفذ بالذكاء الاصطناعي، للتأكيد على أهمية تطويع التكنولوجيا والاستفادة منها في إطار تحكم العقل البشري بها، بجانب عرض راقص يمزج بين ألحان الموسيقار الفرنسي شارل أزنافور احتفالاً بمئويته، وموسيقى فريد الأطرش في ذكرى مرور 50 عاماً على رحيله.

وكرّم المهرجان المخرج المصري أحمد نادر جلال، والإعلامية المصرية سلمى الشماع، إلى جانب الممثلة إلهام شاهين التي تطرقت في كلمتها للتطور الذي يشهده المهرجان عاماً بعد الآخر، مشيدة بالأفلام التي يعرضها المهرجان كل عام من الدول الفرانكفونية.

وأكد رئيس المهرجان ياسر محب «دعم المهرجان للشعب الفلسطيني في الدورة الجديدة»، مشيراً إلى أن السينما ليست بمعزل عما يحدث في العالم من أحداث مختلفة.

وأوضح أنهم حرصوا على تقديم أفلام تعبر عن التغيرات الموجودة في الواقع الذي نعيشه على كافة المستويات، لافتاً إلى أن من بين الأفلام المعروضة أفلاماً تناقش الواقع السياسي.

جانب من الحضور في حفل الافتتاح (حساب إلهام شاهين على «فيسبوك»)

وشهد حفل الافتتاح كلمة للمستشار الثقافي للسفارة الفلسطينية بالقاهرة ناجي الناجي، أكد فيها على دور الفن في دعم القضية الفلسطينية، مشيداً بدور الأعمال الفنية المتنوعة في التعبير عن القضية الفلسطينية وعرض 14 فيلماً عنها ضمن فعاليات الدورة الجديدة للمهرجان.

وتضمن حفل الافتتاح رسالة دعم ومساندة للشعب اللبناني من خلال عرض الفيلم التسجيلي «ثالث الرحبانية» عن حياة وإبداعات الموسيقار اللبناني إلياس الرحباني، وحظي بتفاعل كبير من الحضور.

وقال المنتج الفلسطيني حسين القلا الذي يترأس مسابقة الأفلام الروائية والتسجيلية القصيرة لـ«الشرق الأوسط» إن «السينما ليست مجرد مشاهدة للأفلام فحسب، ولكن ربط بين الثقافات والحضارات المختلفة»، مشيراً إلى طغيان ما يحدث في غزة على كافة الفعاليات السينمائية.

ويترأس القلا لجنة التحكيم التي تضم في عضويتها الفنانة التونسية عائشة عطية، والفنان المصري تامر فرج الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «المهرجان ليس منصة فقط لعرض الأفلام السينمائية للدول الفرانكفونية، ولكنه مساحة للتعبير عن المبادئ التي تجمع هذه الدول، والقائمة على المساواة والأخوة والسعي لتحقيق العدل، الأمر الذي ينعكس على اختيارات الأفلام».

وعدّ الناقد الفني المصري أحمد سعد الدين، المهرجان «من الفعاليات السينمائية المهمة التي تهدف لتعزيز التبادل الثقافي مع 88 دولة حول العالم تنتمي للدول الفرانكفونية، الأمر الذي يعكس تنوعاً ثقافياً وسينمائياً كبيراً»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المهرجان يركز على استقطاب وعروض أفلام متنوعة وليس (الشو الدعائي) الذي تلجأ إليه بعض المهرجانات الأخرى».

وعبر عن تفاؤله بالدورة الجديدة من المهرجان مع أسماء الأفلام المتميزة، والحرص على عرضها ومناقشتها ضمن الفعاليات التي تستهدف جانباً ثقافياً بشكل بارز ضمن الفعاليات المختلفة.