فرنسا في مواجهة هجمات «داعش»

صيغة لتقارب الدين والسياسة في محاربة الإرهاب

إجراءات أمنية مشددة في باريس عقب سلسلة اعتداءات إرهابية في 2015 أدت إلى قتل 130 شخصاً وجرح أكثر من 180 («الشرق الأوسط})
إجراءات أمنية مشددة في باريس عقب سلسلة اعتداءات إرهابية في 2015 أدت إلى قتل 130 شخصاً وجرح أكثر من 180 («الشرق الأوسط})
TT

فرنسا في مواجهة هجمات «داعش»

إجراءات أمنية مشددة في باريس عقب سلسلة اعتداءات إرهابية في 2015 أدت إلى قتل 130 شخصاً وجرح أكثر من 180 («الشرق الأوسط})
إجراءات أمنية مشددة في باريس عقب سلسلة اعتداءات إرهابية في 2015 أدت إلى قتل 130 شخصاً وجرح أكثر من 180 («الشرق الأوسط})

أصبحت التقاليد والممارسات الدينية سمة بارزة في العالم المعاصر؛ ولم يعد الحديث عن الحداثة وما بعد الحداثة مرتبطاً بحقيقة انهزام الدين وانحساره أو موته. أكثر من ذلك، يطرح تعدد وتنوع الجماعات والتنظيمات الإرهابية المتطرفة، وقدرتها على التجنيد وتحديث فكرها وآليات تنظيمها واشتغالها، تساؤلات جوهرية عن النظريات التفسيرية لدور الدين سواء كانت أنثربولوجية أو منطلقة من علم الاجتماع الديني.
فرغم علو صوت الإرهاب في السنوات الأخيرة في الشرق الأوسط وأوروبا؛ فإن الدين والمؤسسات الدينية تلعب دوراً مهماً فيما يخص الوحدة الوطنية للدول المعارضة للإرهاب؛ غير أن هذا الدور الحاسم للدين لا يخص الدول العربية الإسلامية فحسب، بل تعداها اليوم، للجغرافية الأوروبية التي تكونت فيها الدولة على أسس علمانية مثل فرنسا، وبلجيكا، وإسبانيا.
ففي فرنسا، أدت مجموعة من الأحداث الإرهابية المتتابعة، لنشر الخوف والقتل، حيث أدى هجوم «داعشي» على «تشارلي ايبدو» في يناير (كانون الثاني) عام 2015 إلى قتل 12 شخصاً وإصابة نحو عشرة آخرين؛ كما أسفرت سلسلة من الاعتداءات الإرهابية مساء 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 بباريس عن قتل 130 شخصاً، وأكثر من 180 جريحاً. وبمرور السنة الثالثة على هجوم «تشارلي ايبدو»، كتب الرئيس السابق فرنسوا هولاند، في رسالة نشرها على صفحته على موقع «فيسبوك» الأحد، في 7 يناير الماضي: «لا يجب أن ننسى أي شيء من هذه الأيام الرهيبة»، مضيفاً: «فرنسا يمكن أن تكون فخورة بأنها تصرفت بكرامة عندما تظاهرت جماعياً في 11 يناير مع قادة العالم كله، تحت شعار حقوق الإنسان والحرية».
من جهته، يرى عالم علم اجتماع الدين الفرنسي فيليب بورتيي، أن النظر للدور الاجتماعي للدين في السياق المعاصر، يجب أن يخرج من عتمة النظرة التقليدية. ذلك أن المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية بفرنسا، لعبت مجتمعة دوراً مركزياً، في تلافي أي انشطار في المجتمعات المحلية المختلطة بالمدن الفرنسية؛ وتوفقت المنظمات الدينية، في الوقوف ضد نشر الصراع على أسس دينية هوياتية، في الجمهورية.
وهذا السلوك المتسامح دينياً، والمحارب للإرهاب، والمدعم للمصالحة والوحدة الوطنية، لم يعد ممارسة عابرة في المعركة مع التطرف. ويستدل فيليب بورتيي (مؤرخ وعالم اجتماع الدين، مدير الدراسات في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا باريس - السوربون، ومدير جمعية مجموعات الأديان، الدين، العلمانية بالمركز الوطني للبحوث العلمية)، بسلوك المنظمات الدينية الرئيسة الفرنسية، التي اختارت بإجماعها الرد على الهجمات الإرهابية على «تشارلي ايبدو» وهايبر هايد، أو بعد باتاكلان. فقد تجمعت هذه المنظمات في مسيرات، وعقدت مجالس جنائزية، وعزائية مشتركة، بشكل توافقي يراعي العقائد المختلفة. ورغم أن هذه أعمال ينظر إليها أنها رمزية، فإن مشاركة «رجال الدين»، والمنظمات الدينية إلى جانب رجال الدولة والسياسيين، الذين طلبوا من الطوائف تعزيز السلم المدني؛ يعتبر نقطة مهمة في مسار تحول الدين لداعم حقيقي، للتعددية والتعايش السلمي في الدولة الفرنسية العلمانية.
يضيف عالم اجتماع الدين فيليب بورتيي، أن هذا التوجه الجديد، كان واضحاً من السلوك المعبر عنه من مختلف الطوائف الدينية، بعد اغتيال الأب جاك هامل سنة 2016؛ حيث ميز الكاثوليك بين أقلية صغيرة من الإرهابيين، وبين المسلمين المجاورين لهم، والذين تربطهم بهم علاقة جيدة قبل وبعد الحادث الأليم. وفي هذا السياق، يمكن فهم كلمة الرئيس إيمانويل ماكرون يوم 8 يناير الحالي في الاحتفال بالذكرى الثالثة لحادث «تشارلي ايبدو»، وطلب الرئيس للسلطات الدينية المختلفة، الاستمرار على هذا النهج التعاوني ضد الإرهاب؛ كما شكرها على إسهامها في الوحدة الوطنية.
صحيح أن المجموعات الإرهابية في فرنسا وغيرها، لها خلايا نائمة مجندة من الشباب المسلم المتطرف، ولها قدرة على تنفيذ عمليات إرهابية. إلا أن معالجة إشكالية التعددية الدينية بأوروبا، من منظور الخبير فيليب بورتيي؛ يلزم أن يكون بعيداً عن الإسلاموفوبيا، وبخاصة أن الإرهاب والتعصب، لا يزالان مكونين هامشيين بفرنسا. ومن جهة أخرى، فإن الواقع أثبت أن التطرف والنزعة «الإرهابية» توجد في جميع الأديان؛ وهذه النزعة تتبنى «القطيعة» وترتبط بالآيديولوجية الراديكالية العدمية التي تبناها «القاعدة»، وبعده جماعة «داعش»، بزعامة أبو بكر البغدادي.
من جهته، يرى عالم اجتماع الدين، الإيطالي إنزو باتشي في كتابه «الإسلام في أوروبا – أنماط الاندماج»: «أن الإسلام في أوروبا مشكلة قائمة الذات، فلا وجود لبلد من بلدان القارة العتيقة لم يشهد لحظات توتر اجتماعي وسياسي، عندما طرحت على طاولة البحث مسألة الاعتراف العمومي بحقوق أداء العبادة والحرية الدينية فحضور هؤلاء الناس من وجهة نظر دينية، يثير ويؤجج انفعالات قوية، تبلغ أحياناً حد الصراعات الإيديولوجية المشحونة بعنف رمزي». وبما أن الوضع العام في تحول مستمر، فإن تقوية التعددية الدينية والتسامح الديني، أصبحت قضية عمومية، وتتعلق بالسياسات الرسمية والمدنية؛ ويشير إنزو باتشي، رئيس الجمعية العالمية لعلم الاجتماع الديني، وصاحب كتاب «سوسيولوجا الإسلام»، إلى ذلك بالقول: إن «الواقع الاجتماعي الديني الأوروبي بصدد التغير بشكل متسارع؛ وهو ما يفرض على كافة دول المجموعة إعادة النظر في قواعد اللعبة بغرض تنظيم العلاقات بين الكنائس والأقليات الدينية والدولة». فالإسلام ليس فاعلاً طارئاً على المنظومة الغربية الأوروبية؛ بل أصبح جزءاً فاعلاً، من نسقه المجتمعي والثقافي، بشكل لا يمكن القفز عليه، هوياتياً، أو حقوقياً أو مؤسساتياً.
من هنا، يطرح عالم الاجتماع الفرنسي، فيليب بورتيي، خطورة اعتبار المسيحية الكاثوليكية المكون الوحيد والمركزي للهوية الفرنسية. فالعمليات الإرهابية لـ«داعش» في السنوات الثلاث الماضية، أظهرت مقاومة دينية واسعة للفعل الإرهابي؛ لكنها أظهرت نوعاً آخر من المقاومة السلبية، ويتعلق بمنظور قطاعات معينة من السكان الكاثوليك للوحدة الوطنية، وهو منظور أقل انفتاحاً، ويرجع للماضي، ليعيد التأكيد على الدور والوزن الثقيل للكاثوليكية تاريخياً بفرنسا. يحدث هذا في الوقت الذي يعتقد الدكتور فيليب بورتيي أن هناك ارتفاعاً لظاهرة الإسلاموفوبيا في أوساط الذين لا يعتنقون أي ديانة.
من جهة ثانية، ينبه فيليب بورتيي لقضية طرح «الجذور المسيحية» لفرنسا، والذي ظهر في الخطاب السياسي منذ عشرين سنة؛ واليوم أصبحت، شعاراً تلخصه: «فكرة أن مجتمعنا يتميز «بجذور مسيحية» يجب الحفاظ عليها باعتبارها محوراً أساسياً لتراثنا».
وبالعودة للخطاب السياسي للرئيس الأسبق جاك شيراك، نجده يقول عن فرنسا إنها «الابنة الكبرى للكنيسة». وجاء بعده الرئيس نيكولا ساركوزي، الذي حمل ودافع بقوة عن فكرة «الجذور المسيحية» للجمهورية. وحتى رئيس الوزراء السابق آلان جوبيه اليميني المعتدل، ينقل في كتابه الذي أصدره مؤخراً، مقولة للرئيس السابق ساركوزي يقول فيها: «نحن مسيحيون، ولماذا يجب أن نخجل من ذلك»؟.
وصل لليسار الفرنسي هذا الخطاب الذي يعود للأصول التاريخية، وينتشر في وسط النخبة السياسية، وإن كان اليسار يعتقد أن المسيحية ثقافة يجب احترامها، هي وغيرها من الأديان في إطار تعزيز جانب الحرية في الدولة. لكن حسب فيليب بورتيي: «قد يحدث أن نذهب أبعد من ذلك، ففي افتتاح كاتدرائية كريتيل في عام 2015، تحدث وزير الداخلية برنارد كازينيوف عن الكاتدرائيات بأنها (تجسد عبقرية فرنسا)».
وبالعودة للتاريخ المعاصر، يقول المؤرخ وعالم اجتماع الدين بورتيي: «لم يكن هناك أي حديث تقريباً عن الجذور المسيحية منذ الستينات، وتظهر سلسلة من الاستطلاعات عودة هذا الموضوع إلى الرأي العام؛ بل إنه يتبع منحنى تصاعدياً في مواجهة الوجود الإسلامي الذي يؤكد نفسه ويصبح أحياناً مطالباً. إن الهجمات، قد تعزز بالطبع فكرة أن فرنسا وأوروبا مسيحية حصراً».
في الواقع، نجد أن البابا فرانسيس، يتحدث باعتدال كبير عن «الجذور المسيحية» في أوروبا. وهو يرى أن الكثير من الثقافات قد «صنعت» القارة العجوز، ووفقا له، لا يمكن للمرء أن يرفض استقبال المهاجرين تحت ذريعة «باتريمونياليست» التي تهدف إلى الدفاع عن الثقافة المسيحية في أوروبا. بالنسبة للبابا، فإن هذه «الجذور المسيحية» لا يمكن، على أي حال، تبرير حالة ووضع، الاستبداد أو الاستعمار».
من جانب ثالث، يرى فليبي بورتيي، أن تأثير ثقافة «داعش»، على الشباب الفرنسي المسلم ناتجة من غياب الحس بالانتماء للجماعة والدولة؛ فالنظام الثقافي الداعشي يهمش الفرد، وينظر لفرنسا والغرب عموماً باعتباره كتلة ثقافية مسيحية، مواجهة للإسلام. ولا يكتفي تنظيم البغدادي بهذا، بل يستدعي الحديث الآيديولوجي عن «الصليبيين»، وهي فكرة تشمل أولئك الذين يدعون أنهم ملحدون. ومن الواضح أن هذه الاستراتيجية، تجعل من الغرب الليبرالي والمسيحي عدواً، وجب قتاله. غير أن هذا ليس استراتيجية وحسب، وإنما ثقافة سائدة بالشرق الأوسط والتي تتبنى الطائفية، وتجد صعوبة في الاعتراف بالفرد من دون انتماء ديني. وهذا التقارب بين الثقافة والاستراتيجية، مبني على أسس دينية صلبة لا يمكن تجاوزها.
وحفاظاً على حالة التعاون بين الفاعلين الدينيين والدولة. يقترح عالم اجتماع الدين فيليب بورتيي، الاستفادة من تاريخ المواجهة الكاثوليكية للنموذج العلماني الفرنسي، والتي أدت إلى خلق مساومات بين الدين والدولة. وبما أن حاجة الدولة اليوم إلى المنظمات الدينية أصبحت ضرورية وأساسية، فإن بورتيي، يستعيد مقولة إميل بولا، التي «تؤكد أنه رغم محاولات ردم الهوة وخلق التقارب الفلسفي بين الحقل الديني الكاثوليكي والعلمانية؛ ورغم الاسترضاء المتبادل بين الكنيسة والدولة، فإن القطيعة بين الدوائر العلمانية، والدوائر الكاثوليكية ما زالت عميقة». وهذه الحالة لا تهدد الوحدة الوطنية، ومواجهة الإرهاب فقط، بل تشوش على بناء نموذج جديد للعلمانية، يراعي التحولات في النسق العام الأوروبي، وتحول فرنسا لدولة متعددة الأديان.
بكلمة، يلخص عالم اجتماع الدين والباحث في المؤسسة الوطنية للبحث العلمي، دور الدين في مواجهة الإرهاب بفرنسا، بالقول: «في حالة الأزمات، يحصل تقارب بين الدين والسياسة. كان هذا هو الحال خلال الحرب العالمية الأولى، وما يحصل اليوم لا يشكل انقطاعاً عما جرى تاريخياً. فقادة الطائفة اليهودية والمسيحية والإسلامية مصرون بقوة على قيم الجمهورية. لأن هذه الأخيرة هي حامية الطوائف. ولأن القيم الجمهورية هي القاسم المشترك لمنع المجتمع من التفتيت والصراع».
* أستاذ زائر للعلوم السياسية جامعة محمد الخامس الرباط



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.