السودان يتمسك برفع سعر الدولار الجمركي في ميزانية 2018

TT

السودان يتمسك برفع سعر الدولار الجمركي في ميزانية 2018

شكّلت الحكومة السودانية لجنة لزيادة الأجور للعاملين في القطاعين العام والخاص، لمقابلة الزيادات التي فرضتها ميزانية البلاد للعام الجاري، التي تضمنت رفع سعر الدولار الجمركي من 9 إلى 18 جنيهاً، وتخفيض الجنيه إلى مستوى 18 جنيهاً مقابل الدولار، الذي بلغ سعره، أمس، في السوق الموازية في الخرطوم، نحو 35 جنيهاً سودانياً.
في الوقت نفسه تمسكت الحكومة السودانية، أمس، بقرار رفع قيمة الدولار الجمركي إلى 18 جنيهاً، رغم ما خلّفه من زيادات في أسعار السلع الضرورية، طالت الخبز والكهرباء، ونحو 10 سلع استهلاكية وغذائية، آخرها السكر الذي ارتفع أمس، سعر جواله إلى 1100 جنيه، من سعر سابق بلغ 775 جنيهاً.
وفي حين حمّلت الحكومة ارتفاع الأسعار لـ«السماسرة» و«تجار السوق السوداء»، وأكدت أن معظم السلع الأساسية معفاة من الجمارك والرسوم في الميزانية، أعلن مجلس وزراء القطاع الاقتصادي في اجتماعه، أول من أمس، في مدينة الأبيض بغرب البلاد، أن «ميزانية 2018 شفافة وصادقة، وجاءت لتصحيح مسار اقتصاد الدولة، وليست لها علاقة بارتفاع الأسعار، بل إنها تحمل الكثير من البشائر لتحسين أوضاع معيشة المواطنين».
وقال الدكتور مجدي حسن يسن، وكيل وزارة المالية، خلال الاجتماع، الذي عقد لأول مرة خارج العاصمة الخرطوم، إن الحكومة مستمرة في التعامل مع السعر الجديد للدولار الجمركي حتى نهاية العام الحالي.
من جهته، نفى مبارك الفاضل المهدي نائب رئيس الوزراء للقطاع الاقتصادي ووزير الاستثمار، وجود علاقة بين الارتفاعات الأخيرة للأسعار في معظم السلع الواردة، والميزانية العامة للبلاد لعام 2018، مشيراً إلى أن الزيادات تمت بسبب الزيادة في سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار، الذي شهد، أمس، ارتفاعاً غير مسبوق، إذ بلغ 35 جنيهاً مقابل الدولار الواحد.
وأضاف المهدي أن هناك شبكة من التجار تسيطر على سوق العملات وتتحكم في الأسعار، لكن «بأسس غير واقعية». كما أكد استمرار الحكومة في إعفاء رسوم الوارد على جميع مدخلات الإنتاج، وتخفيض رسوم الوارد على قطع السيارات بنسبة 10 من 40%، موضحاً أن الحكومة وضعت عدداً من الإجراءات المشددة لضبط عملية الصادرات السودانية وزيادة إيراداتها، متوقعاً أن تصل الزراعية منها إلى ملياري دولار بنهاية هذا العام، مشيراً إلى أن بسط السيطرة على الأسواق «يحتاج إلى وقت وتعاون الجهات المختصة».
وحول إجراءات الحكومة لمعالجة ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، قالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الإجراءات تأتي في إطار المعالجات الاقتصادية على المستوى الاتحادي وكذلك على مستوى الولايات، وتشمل تدابير حاسمة للتسعير العشوائي للسلع، وإلزام جميع أصحاب المتاجر بوضع التسعيرة بديباجة في مواقع واضحة للتداول، والتوسع في نشر أسواق البيع المخفض الثابتة والأسبوعية والجمعيات التعاونية بالأحياء ومواقع العمل، وتوريد السلع إليها مباشرة من مواقع الإنتاج لمحاربة ظاهرة السمسرة والمضاربة في السلع.
وبينما شُكّلت لجنة من أصحاب العمل، واتحادات العمال، واللجنة الدائمة للأجور، لزيادة مرتبات العاملين في الدولة والقطاع الخاص، فإن قطاع الاقتصاديين في البلاد لا يعوّل عليها كثيراً في موازنة الأجور مع تكاليف المعيشة الحالية، والتي أشارت آخر الدراسات إلى أنها يجب ألا تقل عن 5800 جنيه سوداني في الشهر، بينما المرتبات أقل من ذلك كثيراً.
وقال البروفسور محمد الجاك، أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم، إن زيادة أجور العاملين بالدولة في كل النظريات الاقتصادية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بزيادة الإنتاج والإنتاجية، لجهة أن الزيادة النقدية في الأجور مهما كانت عالية ستكون ذات قوة شرائية ضعيفة، وذلك لقلة حجم السلع التي يمكن شراؤها بواسطة هذه الزيادة.
ورهن الجاك جدوى زيادة أجور العاملين في الدولة بتدخل الدولة لإحكام الرقابة على الأسواق السودانية، مع تحديد أسعار للسلع أقل من الأسعار السائدة في الأسواق، وذلك باستحواذها على كل الكميات الموجودة في الأسواق من السلع الضرورية وتوزيعها بالأسعار التي تحددها. كما أوضح أن تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي في مثل هذه الظروف تبرره وتسنده النظريات الاقتصادية المعتمدة عالمياً، مثمناً توجهات الدولة إلى زيادة أجور العاملين لمجابهة الغلاء والارتفاع في أسعار السلع الاستهلاكية، داعياً لدعم هذه الخطوة، إضافةً إلى زيادة الإنتاج، بتنشيط الجمعيات التعاونية على مستوى العمل والأحياء، والتوسع في مظلة التأمين الصحي والاجتماعي.
ونادى مراقبون ومحللون اقتصاديون سودانيون بإحياء وتفعيل جمعيات حماية المستهلك، للتصدي لمظاهر عدم التزام الحكومة بما جاء في الميزانية للعام الجاري 2018، فيما يتعلق بحماية المواطنين وتحسين مستواهم المعيشي.



بيانات الصين تظهر صعوبة التعافي و«تهديد ترمب» يلوح في الأفق

أبراج سكنية في مشروع تحت الإنشاء بمدينة نانجينغ شرق الصين (أ.ف.ب)
أبراج سكنية في مشروع تحت الإنشاء بمدينة نانجينغ شرق الصين (أ.ف.ب)
TT

بيانات الصين تظهر صعوبة التعافي و«تهديد ترمب» يلوح في الأفق

أبراج سكنية في مشروع تحت الإنشاء بمدينة نانجينغ شرق الصين (أ.ف.ب)
أبراج سكنية في مشروع تحت الإنشاء بمدينة نانجينغ شرق الصين (أ.ف.ب)

تباطأ نمو الناتج الصناعي في الصين في أكتوبر (تشرين الأول)، وما زال من المبكر جداً التنبؤ بتحول في قطاع العقارات المتضرر من الأزمة حتى رغم انتعاش المستهلكين؛ مما أبقى على الدعوات القوية لبكين لتكثيف حزمة التحفيز الأخيرة من أجل إنعاش الاقتصاد.

ومن المرجح أن تواصل البيانات الضخمة الضغط على صناع السياسات الصينيين وهم يستعدون لعودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، والذي تعهد بزيادة الرسوم الجمركية على السلع الصينية، وعيَّن صقوراً مناهضين للصين في حكومته، في إشارة مقلقة لثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وأظهرت بيانات المكتب الوطني للإحصاء، الجمعة، أن الناتج الصناعي الصيني نما في أكتوبر بنسبة 5.3 في المائة عن العام السابق، وهو ما يعني تباطؤاً من وتيرة سبتمبر (أيلول) البالغة 5.4 في المائة وفشلاً في تلبية التوقعات بزيادة 5.6 في المائة في استطلاع أجرته «رويترز».

ومع ذلك، ارتفعت مبيعات التجزئة، وهي مقياس للاستهلاك، بنسبة 4.8 في المائة في أكتوبر، متسارعة من وتيرة 3.2 في المائة في سبتمبر، وتمثل أسرع نمو منذ فبراير (شباط). وتم تعزيز نمو التجزئة من خلال عطلة استمرت أسبوعاً ومهرجان التسوق السنوي ليوم العزاب، والذي بدأ في 14 أكتوبر، وقبل عشرة أيام من نظيره العام الماضي.

وقدَّر مزود البيانات «سينتون» أن المبيعات عبر منصات التجارة الإلكترونية الرئيسية ارتفعت بنسبة 26.6 في المائة إلى 1.44 تريليون يوان خلال حدث يوم العزاب.

وقال زيشون هوانغ، الخبير الاقتصادي الصيني في «كابيتال إيكونوميست»: «تحسَّن اقتصاد الصين بشكل أكبر في بداية الربع الرابع، بفضل الإنفاق الاستهلاكي الأقوى من المتوقع. نعتقد أن الإنفاق المالي الأسرع سيدعم استمرار الانتعاش الدوري في النشاط خلال الأشهر المقبلة. لكن فوز ترمب يلقي بظلاله على التوقعات في المستقبل».

وقال المتحدث باسم المكتب الوطني للإحصاء، فو لينغ هوي، في إفادة صحافية، إن التدابير السياسية الأخيرة يبدو أنها كان لها تأثير اقتصادي إيجابي وأن المسؤولين سيواصلون تكثيف الدعم. وأضاف أن «التغييرات في العمليات الاقتصادية في سبتمبر وأكتوبر عززت ثقة الصين في تحقيق هدفها لعام 2024 للنمو الاقتصادي» بنحو 5 في المائة.

ومع ذلك، قال بعض خبراء الاقتصاد إنه من السابق لأوانه تحديد ما إذا كانت الشريحة الأخيرة من الدعم السياسي في سبتمبر كافية لدعم التعافي القوي.

وقال دان وانغ، الخبير الاقتصادي المستقل المقيم في شنغهاي: «يجب أن ينعكس تأثير التحفيز بالفعل في الاستهلاك؛ لأن البرنامج كان قائماً منذ بضعة أشهر. وهذا يعني أن جميع مبادرات التحفيز الأخرى الأكثر حداثة لم تظهر أي تأثير، بما في ذلك التحفيز السابق الذي ركز على الإسكان».

وقال المكتب الوطني للإحصاء إن مبيعات الأجهزة المنزلية ارتفعت بنسبة 39.2 في المائة في أكتوبر، مدفوعة بحملة مقايضة السلع الاستهلاكية.

وارتفع استثمار الأصول الثابتة بنسبة 3.4 في المائة في الأشهر العشرة الأولى من عام 2024 على أساس سنوي، مقابل ارتفاع متوقع بنسبة 3.5 في المائة، بينما نما بنسبة 3.4 في المائة في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى سبتمبر.

وقال شينغ زهاوبنج، كبير الاستراتيجيين في بنك «إيه إن زد»: «من ناحية العقارات، تظل الظروف ضعيفة»، مضيفاً أنه «لم تكن هناك تحسينات كبيرة في الاستثمار العقاري والمبيعات والأسعار».

وانخفض الاستثمار العقاري بنسبة 10.3 في المائة على أساس سنوي في الفترة من يناير إلى أكتوبر؛ مما أدى إلى تعميق الانخفاض بنسبة 10.1 في المائة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام.

ولكن المبيعات قلصت من الركود؛ وهو ما يشير ربما إلى أن التحفيز بدأ يضخ بعض الحياة في القطاع المحاصر، حتى وإن استغرق التعافي القوي بعض الوقت. وانخفضت مبيعات العقارات حسب مساحة الأرضية في الفترة من يناير إلى أكتوبر بنسبة 15.8 في المائة على أساس سنوي، وهو أبطأ من الانخفاض بنسبة 17.1 في المائة في الفترة من يناير إلى سبتمبر. ويوم الأربعاء، أعلنت السلطات عن حوافز ضريبية على معاملات المساكن والأراضي، والتي قال تشاو إنها تشير إلى «التزام بكين بمزيد من الاستقرار في سوق العقارات».

كما تسبب فوز ترمب في الانتخابات الأسبوع الماضي في إثارة القلق في الصين، حيث هدَّد الرئيس المنتخب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أكثر على واردات السلع الصينية؛ وهو ما قد يؤدي إلى فترة طويلة من عدم اليقين الاقتصادي وتأخير الانتعاش الذي طال انتظاره.

وقال خبراء اقتصاد في «غولدمان ساكس» في مذكرة، الجمعة، قبل إصدار البيانات: «نتوقع أن يخفض صناع السياسات الصينيون أسعار الفائدة بشكل كبير (بمقدار 40 نقطة أساس) ويوسعون العجز المالي المعزز بشكل ملموس (بمقدار 1.88 نقطة أساس من الناتج المحلي الإجمالي) في عام 2025»، مشيرين إلى المخاطر التي تشكلها إدارة ترمب على التعافي. وأضافوا أن «التوسع المالي متعدد السنوات سيكون ضرورياً لمواجهة الرياح المعاكسة المختلفة للنمو الدوري ومعالجة بعض التحديات الهيكلية متوسطة الأجل».

وكشف البنك المركزي الصيني عن أكبر حافز له منذ الوباء في سبتمبر. وفي الأسبوع الماضي، وافقت أعلى هيئة تشريعية في البلاد على حزمة بقيمة 10 تريليونات يوان (1.4 تريليون دولار) لتخفيف أعباء «الديون المخفية» للحكومات المحلية، بدلاً من ضخ الأموال مباشرة في الاقتصاد كما كان يأمل بعض المستثمرين.

ويقول المحللون إن سلسلة الإجراءات لن يكون لها سوى تأثير إيجابي متواضع على النشاط الاقتصادي في الأمد القريب. وقال هوانغ من «كابيتال إيكونوميكس»: «نعتقد أن الاقتصاد سيبدأ في التباطؤ مرة أخرى بحلول النصف الثاني من العام المقبل. وبحلول هذه النقطة، سيواجه المصنَّعون الصينيون أيضاً الرياح المعاكسة الإضافية المتمثلة في حرب تجارية ثانية مع ترمب».