سفير بريطانيا لدى ليبيا يغادر منصبه

TT

سفير بريطانيا لدى ليبيا يغادر منصبه

«عـزيزتي ليبيا»، هكذا عنون بيتر ميليت، السفير البريطاني لدى ليبيا، آخر مقالاته أول من أمس، مودعاً منصبه برسالة يغلب عليها الحزن والرومانسية.
وقال ميليت: «لقد مضى على صداقتنا عامان ونصف. لكن ها قـد حان الوقت لكي أغادر. فكما قالت جولييت لروميو (الفراق، يا لـَهُ من حـزن عـذب)، الوداعُ أمرٌ شاقّ، لكن يتوجب عليّ أن أمضي».
وعلى الرغم من أنه اعتبر التعرّف على ليبيا كان دائماً من دواعي سروره، لكنه لفت في المقابل إلى أنه «لم يكن سهلاً»، مشيراً إلى أنه «خلال الأشهر العشرة الأولى لم يكن متاحاً لي أن أضع قدمي في البلاد. وكوننا سفارة في المنفى فقد منعني ذلك من الالتقاء بالليبيين في ليبيا».
واعتبر ميليت أن عهد العقيد الراحل معمر القذافي، الذي حكم البلاد لنحو أربعة عقود: «شهد الكثير من الخلافات والمشكلات والكوارث». لكنه اعترف أيضاً بأن الآمال في مستقبل أفضل لليبيين بعد الإطاحة بالقذافي «لم تتحقق»، مضيفاً أنه «كلما ازدادت معرفتي بك، زادت مشاركتي لك في مشاعر الإحباط جرّاء ذلك».
ورأى ميليت أن «ليبيا تحتاج في المستقبل إلى تطور وليس إلى ثورة»، موضحاً أن «بناء الدولة من القاع إلى القمة سوف يستغرق وقتاً، ويتطلب أن يتكـوّن لدى الليبيين الإحساس بوحدة الهدف، والرغبة في التنازل من أجل الصالح العام للشعب».
كما رأى ميليت أنه من المحزن جداً أن الاتفاق السياسي الليبي لم يتم تطبيقه كما يجب، في إشارة إلى اتفاق الصخيرات المبرم في المغرب برعاية بعثة الأم المتحدة عام 2015. مشيراً إلى أن «ثمة مواد تم إهمالها وتواريخ لم يتم الالتزام بها». ومع ذلك، فقد اعتبر ميليت أن هذا الاتفاق «يظل هو الإطار المجدي الوحيد لحل الأزمة في ليبيا».
وفيما بدا كما لو أنه انتقاد لاعتزام البعثة الأممية إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في ليبيا قبل نهاية العام الحالي، قال السفير البريطاني: «الآن أسمع كلاماً عن انتخاباتٍ مبكرة... لكن من دون الترتيبات المناسبة، فإن الانتخابات لن تمثل حلاً سهلاً أو سريعا للأزمة»، معتبراً أن «عملية تسجيل الناخبين ستستغرق وقتاً، والترتيبات الأمنية ستتطلب تجهيزاً دقيقاً، وسيكون من الضروري إصدار قانون للانتخابات»، مشدداً على أنه «سيكون من الحتمي إجراء مصالحة سياسية أكبر، حتى يمكن للنتائج أن توحّد البلاد بدل تقسيمها، وحتى يقبل كل المشاركين بالنتائج».
ورداً على انتقادات له ولبلاده بالتدخل في الشأن الداخلي الليبي، قال ميليت: «لم تفتأ الأساطير حول المؤامرات البريطانية ضد ليبيا أن تثير دهشتي. لكن جميعها كلام فارغ بالطبع. والمزاعم بأن الحكومة البريطانية تدعم الإرهاب والتطرف، أو الإخوان المسلمين، أو أنها تريد تقسيم البلاد أو نهب ثروة ليبيا، كلها من نسج الخيال وليست حقائق».
واستطرد ميليت موضحاً: «الرسالة الجوهرية التي داومتُ على تكريرها باستمرار هي أن القرارات الخاصة بمستقبلك يعود تقريرها لكِ أنتِ، وليس للمجتمع الدولي».
واختتم بيتر رسالته مخاطباً ليبيا بقوله «الفراق أمرٌ صعب، وأنا أُقـدِمُ عليه بحزنٍ يغمرُ قلبي. سوف أواصل متابعة تقدمك، وكلي يقين بأن لديك الكثير من الأصدقاء في بريطانيا وحول العالم، الذي يريدون مساعدتك. أتمنى لكِ كل التوفيق في المستقبل».
وكان ميليت قد تعرض لانتقادات لاذعة من أحد الشباب خلال اجتماع عقده مؤخراً في ليبيا، حيث اتهم بالتدخل في شؤون ليبيا، والضرب بعرض الحائط مواثيق الأمم المتحدة ومجلس الأمن في هذا الصدد.
وتولى ميليت منصب سفير بريطانيا لدى الأردن عام 2011، كما تولى مناصب عدة في السلك الدبلوماسي البريطاني منذ انضمامه عام 1974، من بينها مدير الأمن في وزارة الخارجية البريطانية.
وتحدثت مصادر صحافية عن احتمال تعيين الخارجية البريطانية لفرانك بيكر، سفير بريطانيا السابق في العراق والكويت، سفيراً جديداً لدى ليبيا، خلفاً لميليت الذي انتهت مهمته.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».