وادي قاديشا: أكثر وديان لبنان روعة وخشوعا وينبض بإرث دفين

«اليونيسكو» أدرجته في لائحة التراث الإنساني العالمي عام 1998

صورة بانورامية للوادي
صورة بانورامية للوادي
TT

وادي قاديشا: أكثر وديان لبنان روعة وخشوعا وينبض بإرث دفين

صورة بانورامية للوادي
صورة بانورامية للوادي

عند المشي فيه، ثمة ما يدعوك للخشوع والتأمل؛ حيث سكون الوادي ورهبته وصمت الجبال والصخور الشاهقة، حتى يصعب عليك تخيل أن هناك مكانا بهذا المزيج المدهش من الجمال والغموض في منطقة الشرق الأوسط.
تنحدر، نحو قعر الوادي، الذي زاره الشاعر الفرنسي لامارتين وقال عنه: «لم يترك أي مشهد في نفسي انطباعا مماثلا، هذا المكان يجمع جمال الخطوط وعظمة القمم ودقة التفاصيل وتنوع الألوان».
إنه وادي قاديشا، أحد أعمق وديان لبنان، ويقع على بعد 121 كلم شمالي العاصمة اللبنانية بيروت، فيما المعابد المنحوتة في قلب الصخر النابض بحكايات الأقدمين، تبدو كأنها معلقة بين الأرض والسماء.
يقول خادم رعية الوادي الخوري حبيب صعب في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «الوادي ينقسم إلى مقلبين، الأول هو وادي قاديشا، ويمتد حتى دير مار أنطونيوس قزحيا، نزولا حتى الفراديس. والثاني، هو وادي قنوبين، ويمتد من مدافن البطاركة الموارنة، صعودا حتى الكرسي البطريركي الجديد في الديمان».
ويضيف: «تكثر في وادي قنوبين الكهوف والمغاور، وكذلك المزارات ومحابس الرهبان والكنائس والأديرة».
أما تسمية «قاديشا» فتعود إلى الجذور السامية التي تعني «القداسة»، مما جعله الوادي «المقدس» لكونه رمزا من رموز الطائفة المارونية المسيحية. وكان وجهة اعتكاف للمسلمين أيضا، كما ذكر الرحالة الأندلسي ابن جبير عندما زاره في القرن الثاني عشر.
ومن أهم معالم الوادي:
- مقر البطريركية المارونية منذ عام 1400م حتى 1790م.
- دير مار أليشا الشاهد على ولادة الرهبنة المارونية اللبنانية في عام 1695م.
- دير مار أنطونيوس قزحيا وهو مقر أول صحافة مكتوبة في لبنان في القرن الـ16.
- المركز الكاثوليكي الوحيد في الشرق قبل القرن الثامن عشر.
كما كان هدفا للحجاج القادمين من الغرب؛ حيث حفر البطاركة والقديسون صخوره لتتحول إلى مناسك ومغاور ومحابس متناثرة في دفتي الوادي على شكل معلقات.
يرتفع وادي قاديشا عن البحر 1500 متر، فيما يبلغ عمقه نحو 500 متر، تجد وأنت تمشي فيه عبر الدروب الصخرية القاسية كل ألوان الجمال، بدءا من زرقة النهر الذي يجري في أعماق الوادي، ومرورا بخضرة الأشجار التي تكسو جباله، ووصولا إلى بياض الضباب والسحاب الذي يجعل من قاديشا لوحة أسطورية بالغة الجمال!
هذا الوادي الساحر يختزن إرثا دينيا وثقافيا يعود إلى العصور الغابرة، قد يكون صعبا على القاصدين معرفة كيفية التجول في أرجائه دون دليل؛ لذا قام اتحاد بلديات قضاء بشري العام الماضي بنشر لوحات تدل على الكنائس والأديرة والصوامع والمغاور.
في أعماق هذا القفر الموحش المخضوضر، يسيل نهر قاديشا الذي ينبع من مغارة تقع عند أقدام «أرز الرب» التي تشرف عليها «القرنة السوداء»، أعلى قمم جبال لبنان.
يبدأ الوادي عند بلدة بشري، وهي مسقط رأس الشاعر اللبناني المبدع جبران خليل جبران، ويصب فيه عدد من الوديان الرافدة التي تجتمع مياهها فيه لتسيل باتجاه البحر، بعد أن يكون النهر قد عبر طرابلس وتحول فيها اسمه من نهر قاديشا إلى نهر «أبي علي».
وحظي الوادي باهتمام عالمي؛ حيث قامت منظمة اليونيسكو بإدراجه في لائحة التراث الإنساني العالمي عام 1998، وقامت بوضع صورته على غلاف عددها الصادر في أواخر 2014 وهي المرة الأولى التي يتصدر فيها غلاف المجلة موضوع يتعلق بلبنان.
واليوم تتوالى أعمال البحث والاستكشاف عن المغاور والمحابس في هذه المنطقة. ويستند متطوعو «رابطة قنوبين للرسالة والتراث» في بعض أعمال البحث، إلى الروايات الموروثة لأبناء الوادي والجوار، التي تشير إلى مواقع المعالم وخصوصيتها.
ففي 3 فبراير (شباط) 2014 وصل متطوعو الرابطة إلى موقع «مدفن القلاعي» بعد سعي امتد لسنتين، وهو معلق في الجرف الصخري شرق دير سيدة قنوبين، وواحد من المغاور والمحابس التي شهدت الحياة الروحية في جوار الدير المذكور.
وفي أواخر الشهر المذكور انكشف الموقع الذي يحتضن ثلاث مغاور ذات خصوصية متصلة بتراث الوادي البشري والعمراني، وهي مغارة «شير النحلة»، ومغارة «النحلة»، ومغارة «بركة بيت حبيب»، وقد حولها الإنسان بركة أو خزانا للري.
وإذ يشدد مسؤول الإعلام في الرابطة جورج عرب على أن الوصول إلى بعض المغاور المكتشفة كان صعبا جدا، يؤكد أن المرحلة التالية هي لإجراء الأبحاث العلمية لتحديد الحقبة التاريخية التي سكنها الإنسان، ولدراسة الحقبة الجيولوجية التي تشكلت فيها تلك المغاور.
ويشير الأب صعب إلى أن الأنظار تتجه اليوم نحو الكم الهائل من الاكتشافات لمغاور كانت مغمورة في الوادي، وهو مما ضاعف عدد الأماكن الأثرية والتراثية والتاريخية إلى أكثر من 50 مغارة، ومحبسة، ومكان تنسك.
وتضاف هذه الاكتشافات إلى لائحة المغاور المكتشفة في محيط الوادي، التي كان أبرزها مغارة «عاصي الحدث»، التي عثر فيها على جثث محفوظة طبيعيا، فضلا عن بقايا فخاريات وعملات قديمة، تعود إلى القرن الثالث عشر.
وانتقالا إلى المغاور الواقعة بين قنوبين والفراديس، نجد أن عددها ثلاث؛ أولها وأكبرها مغارة الغفران، البالغ علو فتحتها في التجويف الصخري الشاهق 16 مترا، بعرض أربعة أمتار، وفي داخلها ترسبات مائية متحجرة بأشكال رائعة متعددة الأحجام.
أما مغارة «الملاك» فتمتاز بترسبات مائية متحجرة بألوان زاهية، من الأزرق والأصفر والأخضر الداكن، فيما تستوقفك مغارة القربان، التي هي عبارة عن تجويف شاهق في شير صخري. حجارتها رملية، تتدرج أقسامها من الخارج إلى الداخل على شكل مذبح للصلاة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الوادي يأتي في طليعة مواقع السياحة الدينية في لبنان، ويقصده سنويا ما يزيد على 150 ألف سائح لبناني وعربي وغربي.



مصر تعوّل على «سوق السفر العالمي» لتنشيط السياحة

الجناح المصري في «بورصة لندن للسياحة» حظي بتفاعل الزوار (وزارة السياحة والآثار المصرية)
الجناح المصري في «بورصة لندن للسياحة» حظي بتفاعل الزوار (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر تعوّل على «سوق السفر العالمي» لتنشيط السياحة

الجناح المصري في «بورصة لندن للسياحة» حظي بتفاعل الزوار (وزارة السياحة والآثار المصرية)
الجناح المصري في «بورصة لندن للسياحة» حظي بتفاعل الزوار (وزارة السياحة والآثار المصرية)

تُعوّل مصر على اجتذاب مزيد من السائحين، عبر مشاركتها في فعاليات سياحية دولية، أحدثها «سوق السفر العالمي» (WTM)، التي افتتح خلالها وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي، جناح بلاده المُشارك في الدورة الـ43 من المعرض السياحي الدولي، الذي تستمر فعالياته حتى 7 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي بالعاصمة البريطانية لندن.

ووفق فتحي، فإن وزارته تركّز خلال مشاركتها بالمعرض هذا العام على إبراز الأنماط والمنتجات السياحية المتعدّدة الموجودة في مصر، واستعراض المستجدات التي تشهدها صناعة السياحة في مصر.

هدايا تذكارية بالجناح المصري (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ووفق بيان وزارة السياحة والآثار، فإن «الجناح المصري المشارك شهد خلال اليوم الأول إقبالاً من الزوار الذين استمتعوا بالأنشطة التفاعلية الموجودة به، والأفلام التي تُبرز المقومات المختلفة والمتنوعة للمقصد السياحي المصري، كما شهد اليوم الأول عقد لقاءات مهنية مع ممثّلي شركات السياحة والمنشآت الفندقية المصرية».

وتشارك مصر هذا العام بجناح يضم 80 مشاركاً، من بينهم 38 شركة سياحة، و38 فندقاً، بالإضافة إلى شركتَي طيران، هما: شركة «Air Cairo»، وشركة «Nesma»، إلى جانب مشاركة محافظتَي البحر الأحمر وجنوب سيناء، وجمعية «الحفاظ على السياحة الثقافية».

وصُمّم الجناح من الخارج على شكل واجهة معبد فرعوني، مع شعار على هيئة علامة «عنخ» (مفتاح الحياة)، في حين صُمّم الجناح من الداخل على شكل صالات صغيرة للاستقبال، بدلاً من المكاتب (Desks).

وتمت الاستعانة بمتخصصين داخل الجناح المصري؛ لكتابة أسماء زائري الجناح المصري باللغة الهيروغليفية على ورق البردي، وبشكل مجاني خلال أيام المعرض، بجانب عازفة للهارب تعزف المقطوعات الموسيقية ذات الطابع الفرعوني.

جانب من الإقبال على جناح مصر في «بورصة لندن» (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ويُعدّ «سوق السفر العالمي» معرضاً مهنياً، يحظى بحضور كبار منظّمي الرحلات، ووكلاء السياحة والسفر، وشركات الطيران، والمتخصصين في السياحة من مختلف دول العالم.

واقترح فتحي خلال لقائه بوزيرة السياحة اليونانية إمكانية «الترويج والتسويق السياحي المشترك لمنتج السياحة الثقافية في البلدين بعدد من الدول والأسواق السياحية، لا سيما أن مصر واليونان لديهما تكامل سياحي في هذا الشأن». على حد تعبيره.

واستعرض الوزير المصري المقومات السياحية المتعددة التي تتمتع بها بلاده، كما تحدث عن المتحف المصري الكبير، وما سيقدمه للزائرين من تجربة سياحية متميزة، لا سيما بعد التشغيل التجريبي لقاعات العرض الرئيسية الذي شهده المتحف مؤخراً.

فتحي خلال تفقّده للجناح المصري بـ«بورصة لندن» (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وتوقّع الوزير المصري أن تشهد بلاده زيادة في أعداد السائحين حتى نهاية العام الحالي بنسبة 5 في المائة عن العام الماضي، خلال مؤتمر صحافي عقده في المعرض، وأشار إلى أهمية السوق البريطانية بالنسبة للسياحة المصرية، حيث تُعدّ أحد أهم الأسواق السياحية الرئيسية المستهدفة، لافتاً إلى ما تشهده الحركة السياحية الوافدة منها من تزايد، حيث يصل إلى مصر أسبوعياً 77 رحلة طيران من مختلف المدن بالمملكة المتحدة.

وأكّد على أن «مصر دولة كبيرة وقوية، وتدعم السلام، وتحرص على حماية حدودها، والحفاظ على زائريها، وجعْلهم آمنين، حيث تضع أمن وسلامة السائحين والمواطنين في المقام الأول، كما أنها بعيدة عن الأحداث الجيوسياسية»، لافتاً إلى أن هناك تنوعاً في جنسيات السائحين الوافدين إلى مصر من الأسواق السياحية المختلفة، حيث زارها خلال العام الحالي سائحو أكثر من 174 دولة حول العالم.

الجناح المصري في «بورصة لندن» للسياحة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأعرب فتحي عن تفاؤله بمستقبل الساحل الشمالي المصري على البحر المتوسط، وما يتمتع به من مقومات سياحية متميزة، خصوصاً مدينة العلمين الجديدة، ومشروع رأس الحكمة بصفته أحد المشروعات الاستثمارية الكبرى التي تشهدها منطقة الساحل الشمالي، لافتاً إلى أنه من المتوقع أن يجذب هذا المشروع أكثر من 150 مليار دولار استثمارات جديدة، ويساهم في إضافة ما يقرب من 130 ألف غرفة فندقية.