لهجة ترمب الحربية «دفعت بيونغ يانغ إلى التهدئة»

رغم التلاسُن المستمرّ بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، منذ وصوله إلى الحكم، والزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون، على وقع تجارب بيونغ يانغ الصاروخية الأخيرة، بدَّل الاثنان نبرتهما في الأسابيع الأخيرة، وأظهرا مرونة واستعداداً لنزع فتيل الأزمة. لكن يرى خبراء مطلعون على الملف الكوري أن موافقة بيونغ يانغ على استئناف الحوار مع سيول قد تكون ناجمة جزئياً عن الخوف من أن تنفذ الولايات المتحدة التهديدات التي أطلقها الرئيس ترمب بشن حرب.
ويرى هؤلاء أنه مهما كانت القدرات الفعلية لكوريا الشمالية والإعلانات الصادرة عن أجهزتها الدعائية، فإن الخطاب الحربي للرئيس ترمب، ترك في نهاية الأمر أثراً لدى نخب النظام الكوري الشمالي، التي قد تكون حاولت خفض حدة التوتر بدافع القلق من احتمال حصول حرب، كما صرح خبير روسي التقى بعض المسؤولين في كوريا الشمالية.
وبعد سنتين من تصاعد التوتر في شبه الجزيرة الكورية، شهد الوضع فجأة هدوءاً بعد أول محادثات بين الكوريتين، الثلاثاء، ومع قرار بيونغ يانغ إرسال وفد إلى الألعاب الأولمبية الشتوية المرتقبة في الجنوب الشهر المقبل. وهذا ما كانت ترغب الصين في حدوثه، وهي حليفة كوريا الشمالية التي يهمها تجنب أي مجابهة عسكرية في المنطقة.
وقال مكتب رئيس كوريا الجنوبية مون جيه - إن، أمس (الخميس)، إن الرئيس الصيني شي جين بينغ رحب بالتقدم الأخير الذي أحرزته المحادثات، وذلك خلال مكالمة هاتفية مع مون. واتفق الجانبان على حل المشكلات عبر الحوار واستئناف المشاورات العسكرية لتجنب أي صراع قد يحدث بشكل عرضي. وقال البيت الأزرق الرئاسي في سيول، في بيان، كما نقلت عنه وكالة «رويترز»، إن شي عبر عن مساندته لموقف مون من أن التقدم في المحادثات الكورية يجب أن يسير (بالتوازي) مع نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة.
ألكسندر فورونتسوف مدير معهد دراسات الشرق في الأكاديمية الروسية للعلوم حضر، في نهاية السنة الماضية، عدة اجتماعات في بيونغ يانغ، كما كتبت الصحافة الفرنسية. وكتب، أول من أمس (الأربعاء)، على موقع «38 نورث» أنه اجتمع مع مسؤولين كوريين شماليين «كانوا يخشون أن تكون الولايات المتحدة تحضر ميدان المعركة لعملية عسكرية ضد الشمال». وأضاف: «لقد بدوا مندهشين فعلاً من أن الجنوب ليس مدركاً أن ترمب كان يمضي بحزم نحو الحرب».
وأكدوا أن بيونغ يانغ «لم يكن لديها أي أوهام» حيال هذا الأمر. وأشار إلى «قلق متزايد» في بيونغ يانغ من أنه يجري التحضير لهجوم، وأن «ساعة الصفر لم تعُد بعيدة جداً».
وأول من أمس (الأربعاء)، قال ترمب إنه منفتح بشروط على إجراء مباحثات مباشرة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، وذلك خلال محادثة هاتفية بينه وبين نظيره الكوري الجنوبي. واستبعد الرئيس الأميركي أن تكون هناك تجهيزات أميركية لـ«حرب مقبلة»، وقال إن هناك تعزيزات عسكرية أميركية هدفها «ضمان السلام من خلال القوة».
تصريح ترمب جاء رداً على سؤال لصحافي نرويجي خلال مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض مع رئيسة الوزراء النرويجية إرنا سولبرغ، بشأن ما قاله جنرال أميركي لجنود أميركيين متمركزين في النرويج بأن «هناك حرباً مقبلة». وقال ترمب، كما نقلت عنه الوكالة الألمانية: «لا أتوقع ذلك.. أعتقد أننا نسعى لإحلال السلام من خلال القوة. أعتقد أنه ستكون لدينا فترة طويلة من السلام. أتمنى أن نفعل».
وأشار ترمب إلى أن تعزيزاته العسكرية هي وسيلة للحفاظ على السلام في العالم رغم «المشكلات» مع كوريا الشمالية. وأضاف أن محادثات هذا الأسبوع بين الكوريتين الشمالية والجنوبية لها «طاقة إيجابية».
منذ تولي الزعيم كيم يونغ أون السلطة في 2011 حققت كوريا الشمالية تقدماً سريعاً نحو تحقيق هدفها بتطوير صاروخ يمكن أن يُجهَّز برأس نووي، ويمكن أن يضرب الأراضي الأميركية. ومن غير المعروف إذا كانت بالفعل قادرة على إطلاق صاروخ مجهَّز بقنبلة نووية قادر على الوصول إلى البر الأميركي، لكن تقدمها التكنولوجي والعسكري أسهم في تعزيز موقفها الدبلوماسي تحسباً لاحتمال استئناف المفاوضات.
وقال كيم جون أونغ في خطابه بمناسبة رأس السنة إن كوريا الشمالية «يمكنها مواجهة أي تهديد نووي من الولايات المتحدة. إنها تملك ردعاً قوياً قادراً على منع الولايات المتحدة من اللعب بالنار».
وأكد مسؤولو إدارة ترمب عدة مرات أن الخيار العسكري مطروح على الطاولة كما أن الولايات المتحدة شاركت في 2017 في عدة مناورات مشتركة مع اليابان وكوريا الجنوبية، ونشرت في الوقت نفسه ثلاث حاملات طائرات في المنطقة. ومنذ وصوله إلى السلطة أهان ترمب الزعيم الكوري الشمالي عبر وصفه بأنه «قصير وسمين»، واعداً بصب «النار والغضب» على النظام، كما أنه عارض علناً وزير خارجيته ريكس تيلرسون، حول احتمال إجراء اتصالات مباشرة مع بيونغ يانغ.
وبذلك اعتبر عدد من المحللين أن الرئيس الأميركي يستخدم «نظرية الرجل المجنون» التي كان يلجأ إليها الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون وتقوم على أساس إعطاء الانطباع بأن رئيس الولايات المتحدة متهور وغير منطقي بهدف إخافة الخصوم وحملهم على تقديم تنازلات.
في الجمعية العامة للأمم المتحدة وصل ترمب إلى حد التهديد بـ«التدمير الكامل» للنظام الكوري الشمالي. واعتبر كيم يونغ أون آنذاك أن هذه التصريحات صادرة عن «مريض عقلي». وكتب آنذاك أحد معلِّقِي صحيفة «نيويوركر» أنه «لم يتحدث قطّ في السابق زعيمان يترأسان دولتين نوويتين بهذا الوضوح عن مواجهة».
ورأى غو ميونغ هيون من معهد «اسان» للدراسات السياسية أن البيت الأبيض تمكن من «زرع خوف كبير لدى بيونغ يانغ». وقال، لـ«الصحافة الفرنسية»، إن الكوريين الشماليين «أتوا للمحادثات مع الجنوب لاستعادة بعض المجال الاستراتيجي». وأول من أمس (الأربعاء)، شكر الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي أن نظيره الأميركي على جهوده مشيداً بدوره «المهم جداً».
لكن وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري اعتبر من جهته أن تغريدات الرئيس الأميركي خلقت «فوضى سياسية»، في حين رأى كثير من الخبراء أن موقف ترمب سيؤتي على المدى الطويل نتائج عكسية.
وكتب روبرت كيلي من جامعة بوسان الوطنية في الأيام الماضية أن الرئيس الأميركي «كان يتحدث إلى الدولة الأخطر في العالم وكأنها ولد لا يُطاق». وقال: «بصراحة أن ترمب قام ببساطة بتصعيد الأمور وخطابه أقنع بالتأكيد النخبة في نظام كيم بأن البرنامج النووي قرار حكيم».
وفي سياق متصل، رحّب مجلس الأمن الدولي بالمحادثات التي جرت بين الكوريتين، معرباً عن أمله في أن تمهد هذه الخطوة الطريق أمام جعل شبه الجزيرة الكورية خالية من السلاح النووي.
وقال سفير كازاخستان لدى الأمم المتحدة خيرت عمروف الذي تتولى بلاده الرئاسة الشهرية لمجلس الأمن في تصريح للصحافيين إن «مجلس الأمن يرحب بالخطوات والاتصالات التي جرت بين جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وجمهورية كوريا».
وأضاف، في تصريحات نقلتها «الصحافة الفرنسية»، أن «أعضاء المجلس أشاروا إلى أن حواراً مبدئياً بين الكوريتين يمكن أن يفتح إمكانيات أمام بناء الثقة في شبه الجزيرة الكورية للحد من التوترات والوصول إلى نزع السلاح النووي». ولفت عمروف إلى أن «أعضاء المجلس يعربون عن أملهم في أن يؤدي هذا التفاعل إلى جعل شبه الجزيرة الكورية منطقة خالية من الأسلحة النووية».
وقال السفير السويدي لدى الأمم المتحدة أولوف سكوغ الذي تؤدي بلاده دوراً كبيراً في العلاقات بين كوريا الشمالية والمجتمع الدولي: «نرحب بالتقدم المحرز في محادثات بانمونجوم». وأضاف سكوغ أن «احترام الهدنة الأولمبية ومشاركة جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية في الألعاب الأولمبية يمثلان تطوراً إيجابياً، وقد شددنا باستمرار على أهمية قنوات الاتصال هذه لتفادي سوء الفهم والحد من التوترات».

- الألعاب الشتوية نافذة أمل لنزع فتيل الأزمة
اتفق الجانبان على مشاركة كوريا الشمالية في أولمبياد بيونغشانغ الشتوية الشهر المقبل وتخفيف التوترات العسكرية والمضي قدماً بشكل فعال في حوارات مدفوعة بالتصميم. ومن المتوقَّع أن ترسل كوريا الشمالية ما يتراوح ما بين 400 و500 شخص إلى الألعاب، طبقاً لما ذكرته وكالة «يونهاب»، نقلاً عن رئيس الوزراء كوريا الجنوبية لي ناك يون. وما زال يتعين على الجانبين الكشف عن التفاصيل.
وكان أكبر وفد أرسلته كوريا الشمالية على الإطلاق إلى جارتها الجنوبية لأحد الأحداث الرياضية هو أكثر من 600 شخص. وإلى جانب الرياضيين والإداريين، سافر 300 مشجع إلى كوريا الجنوبية من الشمال لحضور الألعاب الآسيوية عام 2002 في مدينة بوسان بكوريا الجنوبية. وجاء الاتفاق فيما أعادت بيونغ يانغ فتح خط ساخن عسكري مع سيول، الذي كان مغلقاً منذ فبراير (شباط) 2016.