ألكسندر الجوهري... صعود «خبير» الظلال وسقوطه

لن يمكث رجل الأعمال الفرنسي - الجزائري ألكسندر الجوهري في السجن في لندن بانتظار مثوله أمام القضاء؛ تمهيداً لترحيله إلى فرنسا. فالرجل الذي تم توقيفه في مطار هيثرو يوم الأحد الماضي لدى نزوله من الطائرة قادماً من سويسرا، نجح عبر محاميه في تفادي الحبس الاحتياطي من خلال قبوله دفع مبلغ مليون جنيه إسترليني مقابل البقاء حراً بانتظار أن تقضي محكمة بريطانية بمصيره في 17 أبريل (نيسان) المقبل. وطُلب منه عدم مغادرة بريطانيا، وأن يقيم عند ابنته التي تسكن العاصمة البريطانية. وحتى حلول ذلك التاريخ، ستعقد جلسة إجرائية أواخر فبراير (شباط) المقبل.
لم يكن ألكسندر الجوهري الذي تخلى عن اسمه أحمد ليتبنى اسماً غربياً، ينتظر هذا المصير، وهو الذي عاشر كبار القوم وكان يتنقل بسهولة عجيبة بين العواصم في الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا وحتى روسيا والصين. وكيف له أن يتوقع ذلك وقد كان مدعواً لحضور حفل الاستقبال الذي أقيم للرئيس الفرنسي في الجزائر الشهر الماضي، رغم أن مذكرة توقيف أوروبية قد صدرت بحقه منذ شهور. كما أنه «يتهرب» من القضاء الفرنسي منذ نحو عام ونصف العام بعد أن رفض المثول أمام قاضي التحقيق في سبتمبر (أيلول) من عام 2016.
ومنذ ذلك التاريخ، شوهد في الجزائر وعواصم عربية وأفريقية وجنيف حيث يقيم، متنقلاً على متن طائرات خاصة. لكن في مطار هيثرو، يوم الأحد الماضي، كانت الشرطة البريطانية في انتظاره. وقامت باعتقاله إنفاذاً لمذكرة التوقيف الأوروبية بتهمتي التزوير وغسل الأموال. ويتعين القول إن «وفاء» ألكسندر الجوهري هو ما أفضى إلى وضع اليد عليه؛ ذلك أنه جاء إلى لندن لزيارة شخصية أفريقية نافذة قريبة جداً من السلطة في الغابون تعالج في العاصمة البريطانية.
قصة حياته هي سيرة رجل بالغ الطموح. هو متحدر من عائلة جزائرية متواضعة للغاية وصلت إلى ضاحية سارسيل شمالي باريس في عام 1959. وفي شبابه، تنقل الجوهري بين مهن صغيرة، ودار في فلك أشخاص متنفذين كانوا يديرون ملاهي ليلية وكازينوهات للقمار. وسبق له أن كان في مواجهة القضاء عام 1981 بسبب شبهات حول مشاركته في الهجوم على محل للمجوهرات. لكن القضاء لم يستطع إثبات التهم الموجهة ضده، فلم يعرف السجن.
وفي عام 1986، أصيب بالرصاص، وقيل وقتها إنها محاولة لاغتياله بسبب خلاف مع مجموعة منافسة في عالم الظل. وثمة قصص أخرى نسجت حول الجوهري، منها ما جاء في كتاب للكاتب والصحافي بيار بيان، المعروف بجديته وقوامه أنه كان له ضلع في محاولة للتخلص من رجل الأعمال اللبناني زياد تقي الدين. وكتبت عنه صحيفة «إكسبرس» في مارس (آذار) 2010، أنه صاحب التهديدات التي أرسلت للمستشار القانوني للرئيس ساركوزي باتريك أوارت.
لاحقاً، تعرف الجوهري المولود في ضاحية سان دوني شمالي باريس، على رجال متنفذين من عالم المال والأعمال والسياسة، أبرزهم أندريه تارالو، رئيس شركة «ألف» للبترول التي اشترتها لاحقا «توتال»، وهنري بروغليو، رئيس شركة «فيفاندي» التي تحولت إلى «فيوليا»، وتنشط في قطاع المياه. وشيئاً فشيئاً، تعرف الجوهري على عالم الأعمال وتخصص بأفريقيا والشرق الأوسط، وكانت وظيفته كسب العقود. وسريعاً، أصبح الجوهري «خبيراً» مسموع الكلمة في شؤون أفريقيا والشرق الأوسط فيما خص النفط وعقوده والصفقات، بما فيها صفقات السلاح التي تكسب من خلال العمولات متعددة الاتجاهات. وكان من الطبيعي أن يعبر من عالم الأعمال إلى عالم السياسة ليقترب من الفاعلين فيه. فظهر اسمه خلال ولايتي جاك شيراك، حيث تقرب من مستشاره، ثم وزير خارجيته ورئيس حكومته دومينيك دو فيلبان، ومن موريس غوردو مونتاني، مستشار شيراك الدبلوماسي، وأيضاً من كلود غيان، اليد اليمنى لوزير الداخلية، ثم رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي، ومن برنار سموارسيني، مدير المخابرات الداخلية، كما أنه كان مقرباً من ابن الممثل الشهير آلان ديلون المسمى أنطوني.
وفي عام 2006، تقرب الجوهري كثيراً من الدائرة الضيقة المحيطة بالمرشح الرئاسي نيكولا ساركوزي. وعندما أصبح الأخير رئيساً في ربيع عام 2007، كان المارة في شارع فوبورغ سان هونوريه، حيث يقع قصر الإليزيه يفاجأون بسيارة رياضية فاخرة متوقفة أمام مدخل القصر. كانت سيارة ألكسندر الجوهري، الذي يظن القضاء الفرنسي أنه ضالع في التمويل الليبي لساركوزي في حملته الناجحة للوصول إلى رئاسة الجمهورية.
حقيقة الأمر، أن قصة التمويل الليبي لساركوزي ليست جديدة، كما أن العلاقة بين الرئيس الفرنسي ونظام العقيد القذافي بالغة التعقيد، ووصلت إلى الذروة مع الحماسة التي أظهرها ساركوزي في الإطاحة بنظام العقيد وقتله، لا بل إن ثمة من وجّه أصابع الاتهام للأجهزة الفرنسية للإجهاز عليه مخافة أن ينشر «الغسيل الوسخ» الخاص بالأموال التي نقلت إلى باريس. وروى زياد تقي الدين أكثر من مرة وأمام القضاء، أنه نقل ملايين عدة من الدولارات بطائرة خاصة من طرابلس إلى مطار لو بورجيه القريب من العاصمة، وأنه سلمها إلى كلود غيان، اليد اليمنى لساركوزي.
وتقي الدين، كما ذكرنا، كان منافساً للجوهري في صفقات السلاح وفي الوساطة مع ليبيا. كذلك، فإن الموقع الإخباري المعروف «ميديا بارت» نشر وثائق بهذا المعنى. وثمة شهادات أخرى تفيد بأن كلود غيان الذي شغل لاحقاً منصب وزير الداخلية استأجر خزائن في أحد فروع بنك «بي إن بي» الواقع قريباً من الأوبرا لإيداع الأموال السائلة التي وصلت بالحقائب من ليبيا، وفق رواية تقي الدين.
خلال ولاية ساركوزي، رافق الجوهري كلود غيان في زيارات رسمية إلى ليبيا والجزائر. وفي طرابلس، نسج الأول علاقات قوية مع مدير مكتب القذافي بشير صالح الذي كان يشغل في الوقت عينه منصب مدير الصندوق السيادي الليبي الذي كان الذراع الضاربة للقذافي في أفريقيا والعالم.
ومنذ وصول ساركوزي إلى الرئاسة، تعززت العلاقات مع ليبيا وقدم القذافي «هدية» إلى باريس بالإفراج عن الممرضات البلغاريات اللواتي كن سجينات في ليبيا لاتهامهن بنقل مرض الإيدز إلى أطفال ليبيين. وبعد ذلك بأشهر قليلة، فرش ساركوزي السجاد الأحمر للقذافي في زيارة رسمية لباريس حرص خلالها «العقيد القائد» أن ينصب خيمته في حديقة قصر الضيافة. ومع انطلاقة «الثورة» الليبية، سارع الجوهري ومدير المخابرات الفرنسية والسفير الفرنسي في تونس بوريس بوالون إلى إخراج بشير صالح من ليبيا، وإسكانه في شقة فاخرة في باريس. لكن بعد أن بدأ الحديث بقوة عن التمويل الليبي وأبدى القضاء الليبي رغبة في استجوابه، رحل مجدداً إلى النيجر بطائرة خاصة، ومنها إلى جنوب أفريقيا، ولعب الجوهري في هذه العملية الدور الأول.
في أبريل من عام 2013، فُتح تحقيق قضائي في هذه القضية بعد أن توافرت دلائل على حصول تمويل غير شرعي يعاقب عليه القانون. وعمد المحققون إلى تفتيش منزل الجوهري في شهر مارس 2015، ومنذ ذلك التاريخ، نزح الأخير عن الأراضي الفرنسية ولم يعد إليها ولم يمثل أمام قاضي التحقيق في سبتمبر من عام 2016. اليوم، وقع الجوهري في أيدي القضاء ويرجح الكثيرون أن لندن ستسلمه لباريس، وبالتالي فإن الكثير من الملفات والفضائح ستعود إلى الواجهة؛ لما يكتنز الرجل من أسرار.