ولاء مناصري «حزب الله» السياسي لإيران ينسحب على تشجيع منتخبها في «كأس العالم»

أعلام المنتخب تجتاح الشرفات.. وكثيرون يعدون تأييدها «بديهيا»

العلم الإيراني ينافس أعلام دول أخرى مشاركة في بطولة كأس العالم لكرة القدم في منطقة الأوزاعي بضاحية بيروت الجنوبية («الشرق الأوسط»)
العلم الإيراني ينافس أعلام دول أخرى مشاركة في بطولة كأس العالم لكرة القدم في منطقة الأوزاعي بضاحية بيروت الجنوبية («الشرق الأوسط»)
TT

ولاء مناصري «حزب الله» السياسي لإيران ينسحب على تشجيع منتخبها في «كأس العالم»

العلم الإيراني ينافس أعلام دول أخرى مشاركة في بطولة كأس العالم لكرة القدم في منطقة الأوزاعي بضاحية بيروت الجنوبية («الشرق الأوسط»)
العلم الإيراني ينافس أعلام دول أخرى مشاركة في بطولة كأس العالم لكرة القدم في منطقة الأوزاعي بضاحية بيروت الجنوبية («الشرق الأوسط»)

أن ترى اللبنانيين يرفعون أعلام الدول المشاركة في بطولة كأس العالم 2014، وأن ينحاز كل منهم إلى فريق من دون سواه، فهذا أمر طبيعي. لكن أن يرفع عدد من أهالي الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله»، العلم الإيراني إلى جانب أعلام الدول الغربية التي يشجعونها، فإنها ظاهرة جديدة اجتاحت شرفات الكثير من المباني في الضاحية الجنوبية، قبل أيام معدودة على إطلاق صافرة إعلان بداية المباراة الافتتاحية في 12 يونيو (حزيران) الحالي.
وليس بغريب أن يختلط «حابل» المونديال بـ«نابل» السياسة، وفق طريقة التعبير الشعبية في لبنان. فالانقسام السياسي الحاد لم يترك مجالا إلا واخترقه. قبل يومين، تحولت مباراة كرة سلة إلى تمرين على جولة عنف ذات طابع طائفي. ومع اقتراب المونديال، يرى عدد من سكان الضاحية أن تأييد المنتخب الإيراني، وإيران من أبرز داعمي «حزب الله» في لبنان، أمر بديهي ومبدئي، إلى جانب تأييدهم لمنتخب محترف آخر.
لا شك أن لـ«المونديال» ميزة خاصة في الشارع اللبناني، الذي يبدي حماسة مفرطة في تأييد هذا الفريق أو ذاك، من خلال رفع الأعلام التي تحجب في بعض الشوارع نور الشمس وتزين السيارات والشرفات. ومن يتابع أجواء مباريات كأس العالم في لبنان ويراقب المطاعم والمقاهي الممتلئة بروادها وبشاشات عملاقة تنقل المباريات مباشرة على الهواء، يخال أن المنتخب اللبناني الوطني يشارك في التصفيات، أو أن لبنان يستضيف البطولة على أراضيه.
واللافت أن حمى كأس العالم في لبنان تزداد مع مرور الوقت؛ فأعلام الدول المشاركة معروضة في كل المحلات وفي نقاط بيع جديدة مستحدثة على نواصي الطرق والشوارع. والكل يريد أن يفوز البلد الذي يشجعه بكأس البطولة.
أثناء التجول في الشوارع الرئيسة والفرعية في الضاحية الجنوبية لبيروت، يتبين أن للمنتخب البرازيلي والألماني والإيطالي الحصة الكبرى من المؤيدين. تكتسح أعلام هذه الدول الشرفات والسيارات والمقاهي. لكن اللافت هذا العام وبعد نجاح المنتخب الإيراني لكرة القدم في الضرب بكل التوقعات عرض الحائط وتأهله إلى كأس العالم، تصدر أعلامه المشهد الكروي بكثافة في عدد من الأحياء وخاصة في المناطق ذات القاعدة الشعبية الموالية لـ«حزب الله».
ويرى حسين. ف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «المفاجآت تأتي دائما من الأحداث أو من التصرفات أو الأفعال غير المتوقعة». ويقول أثناء وجوده بمقهى يعد نفسه لموسم «المونديال»: «أحببنا أن نعبر عن تشجيعنا للمنتخب الإيراني على طريقتنا الخاصة بوضع علم إيران جنبا إلى جانب علم البلد الذي يشجعه كل منا، فتشجيع إيران هو تحصيل حاصل».
بدوره، يرى علي الشامي، أحد سكان الجنوب اللبناني، أنه «من الواجب تشجيع إيران لأنها الطريقة الوحيدة التي يمكن أن ندعم بها دولة عظمى لطالما دعمتنا على الصعد كافة»، مضيفا: «لا أثق بقدرتها على الفوز، لكن لدي أمل في انتقالها إلى الدور الثاني». ويتابع: «نشجع فريقا آخر نتوقع فوزه ونستمتع بمشاهدة لعبه، لكن نتمنى وفي حال خسرت (يقول ساخرا: «لا سمح الله»)، أكثر ما أخشاه أن يغيظني أصدقائي، خصوصا غير المؤيدين سياسيا لإيران»، لافتا إلى أنه «لا يتمتع بالروح الرياضية الكافية، وقد يخسر صداقتهم بسبب هذا الموضوع».
وتبرر فاطمة عوض تأييدها للمنتخب الإيراني بأنه «الفريق الإسلامي الوحيد المشترك في كأس العالم»، وهو ما يزيدها «فخرا» في تزيين سيارتها بالعلم الإيراني، مذكرة بأنها «سبق ورفعت العلم التونسي عندما اشتركت تونس في المونديال سابقا».
ويرى عدد من مشجعي إيران أن تأييدها أمر «بديهي». يقول مصطفى سلهب: «إيران وطني الثاني وأشعر بالانتماء إليها وتعنيني بشكل مباشر»، متابعا: «أشعر بانفصام نفسي إن كنت أحب إيران باعتبارها تحمي وجودي في هذا البلد، من خلال دعمها للبنان والمقاومة، وإذا كنت ضدها في الرياضة». ويؤكد أن «الرياضة لا تختلف عن السياسة، وعندما تخرج إيران من المونديال، فعندها سأشجع الألمان، ولذلك وضعت العلمين الإيراني والألماني على شرفتي». وفي حال تواجه الفريقان، يقول مصطفى: «لا أجد نفسي مربكا في الاختيار، لقد سبق وذكرت أن إيران وطني الثاني».
في المقابل، يرى أحمد الأحمد، أحد سكان الضاحية، أن «الغرض من رفع علم إيران هو استفزازي أكثر منه تشجيعيا ونابع من خلفية سياسية وليست رياضية»، متوقعا «إطلاق رصاص ومفرقعات في المناطق والأحياء بعد انتهاء كل مباراة تفوز بها إيران، ليس حبا بالكرة الإيرانية بل حبا بالممانعة الإيرانية وسياسة الدولة». ويوضح أن «هذه الظاهرة تفسر نظرية تسييس الرياضة التي اعتدناها في كرة القدم اللبنانية».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.