مثقفون مهدوا للتغيير في تشيكوسلوفاكيا السابقة

خمسون عاماً على ربيع براغ

فاتسلاف هافل - ميلان كونديرا
فاتسلاف هافل - ميلان كونديرا
TT

مثقفون مهدوا للتغيير في تشيكوسلوفاكيا السابقة

فاتسلاف هافل - ميلان كونديرا
فاتسلاف هافل - ميلان كونديرا

قبل خمسين عاماً، في 5 يناير (كانون الثاني) 1968، ساعد كتاب، بينهم ميلان كونديرا وقائد شيوعي هو ألكسندر دوبتشيك، في ولادة حلم عابر بالانفتاح في تشيكوسلوفاكيا الشيوعية سرعان ما سحقته الدبابات السوفياتية.
ونقلاً عن وكالة الصحافة الفرنسية، ذكرت عالمة الاجتماع ييرينا سيكلوفا التي عايشت تلك الأحداث، أن جذور تلك الفسحة من الحرية في الكتلة السوفياتية عائد إلى مؤتمر كتاب تشيكوسلوفاكيا الذي عقد في سنة 1967.
وتعتقد سيكلوفا أن كُتاباً معارضين مثل كونديرا الذي ركزت روايته الهزلية «الدعابة» الصادرة في 1967 على الحكم التوتاليتاري، وفاتسلاف هافل الذي أصبح فيما بعد رئيس تشيكيا، مهدوا الطريق من أجل مزيد من الانفتاح من خلال مطالبة النظام الشيوعي بضمان حرية التعبير.
وقالت سيكلوفا التي كانت تنتمي إلى الحزب الشيوعي حينها للوكالة إن الحزب كان بدأ يشهد انشقاقاً، وبدا واضحاً أن البلد مقبل على «أمر ما».
وتضيف: «فكرت أننا إذا اتجهنا نحو مزيد من الانفتاح، قد يدعنا الاتحاد السوفياتي وشأننا لأننا بلد صغير. لقد كانت التوقعات هائلة».
ويتذكر بيتر بتهارت الذي كان عضواً في الحزب الشيوعي حينها، وأصبح لاحقاً رئيساً لمجلس الشيوخ التشيكي كيف تطورت مواجهة بين الشيوعيين التشيكيين والسلوفاكيين، واتسعت ممهدة لحدوث التغيير.
ويقول إن «السلوفاكيين أرادوا أن يعيشوا مع التشيكيين على قدم المساواة، وفهموا أن الهجوم المباشر هو الخيار الوحيد لديهم لذلك».
وطالب الشيوعيون السلوفاكيون الذين شعروا بالتهميش في الحكومة التي يهيمن عليها التشيكيون في براغ، بدور أكبر في عملية اتخاذ القرار، وحصلوا على مطلبهم عندما حل دوبتشيك (السلوفاكي) على رأس الحزب الشيوعي مكان المتشدد أنتونين نوفوتني (التشيكي) الذي لم يكن يحظى بشعبية في أوساط السلوفاكيين ومثقفي براغ.
وسرعان ما بدا دوبتشيك ذو الابتسامة الجذابة واللمسة الإنسانية متميزاً عن أقرانه من قادة الحزب متجهمي الوجوه.
ويقول المؤرخ أولدريخ توما من معهد التاريخ الحديث في الأكاديمية التشيكية للعلوم لوكالة الصحافة الفرنسية، «خرج دوبتشيك للقاء الناس، وذهب إلى مسبح عام، وانضم إلى الناس العاديين في مشاهدة مباريات كرة القدم والهوكي».
وإزاء الاستياء الجماهيري من النقص المزمن في المواد الاستهلاكية اليومية، بدأ الحزب الشيوعي بقيادة دوبتشيك بتطبيق إصلاحات اقتصادية بصورة متأنية. وكان هذا كافياً لإثارة استياء الكرملين الذي استشاط غضباً.
وأثيرت فضيحة مدوية عندما ضُبط مسؤولون عسكريون كبار، متلبسين وهم يتلقون رشى لقاء صفقات مخالفة للقانون لبيع بذور النفل أو البرسيم من مخازن الجيش إلى مزارع الدولة.
وبات الجنرال يان سينا المقرب من الرئيس نوفوتني، وأحد المشتبه بهم الرئيسيين في الفضيحة، معرضاً للسجن، فهرب إلى إيطاليا ومنها إلى الولايات المتحدة حيث حصل على اللجوء. وأدى هرب سينا إلى سقوط الرئيس نوفوتني، وتخليه عن الحكم في 22 مارس (آذار) 1968.
وكان من شأن ذلك فتح أبواب التغيير على مصراعيها، إذ ألغت براغ الرقابة، وسمحت بحرية التعبير التي طالب بها الكتاب، في سابقة في الكتلة السوفياتية.
ويقول بتهارت «كانت فضيحة من الطراز الأول، وخلال يومين أو ثلاثة سقطت كل الحواجز، وفجأة بدأ الإعلام يكتب عن كل شيء».
وسرعان ما ظهرت منظمات جديدة غير شيوعية مثل «كي 231»، وهو ناد يضم سجناء سياسيين سابقين، أو «نادي غير الحزبيين الناشطين»، وبدا أنها ستتحول سريعاً إلى أحزاب معارضة.
ويتابع بتهارت: «آمنَّا بأن العالم يمكن أن يكون أفضل، كان شيئاً لا يُصدق»، متحدثاً عن شعور بالأمل اعترى المجتمع بأكمله مع فتح الحدود أمام التشيكيين والسلوفاكيين للسفر إلى الغرب. و«اكتشف الناس فجأة شعوراً بالتضامن، حتى أنه يمكن القول إنهم كانوا مستعدين للتضحية. كان شعوراً طاغياً بالبهجة». ولكن الأمر لم يدم طويلاً.
في 21 أغسطس (آب) 1968، دخلت الدبابات إلى براغ، مع اجتياح جيوش الاتحاد السوفياتي وبلغاريا وألمانيا الشرقية والمجر وبولندا، تشيكوسلوفاكيا «لإعادة النظام». وقتل نحو مائة شخص في الأيام الأولى للاجتياح.
وفي يناير 1969 أشعل الطالب يان بالاش النار في نفسه في براغ أملاً في إشعال الاحتجاجات، لكن الناس لم يتحركوا.
وتخلت تشيكوسلوفاكيا عن حلمها بالانفتاح لمدة عقدين حتى تمكنت «الثورة المخملية» في نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 من إرساء الديمقراطية. وبعدها بأربع سنوات، انقسمت البلاد إلى جمهوريتين.
وكانت سيكلوفا قد أمضت سنة في السجن في 1981 بعد أربع سنوات من إصدار المعارضة المضطهدة بيانها المناهض للشيوعية باسم «ميثاق 77» الذي وقعت عليه مع بتهارت.
ويعتقد بتهارت أن الشيوعية التي فرضها السوفيات في أوروبا الشرقية لم تكن سوى «الفكرة الإمبريالية الروسية» التي اتخذت أشكالاً مختلفة على امتداد القرون.
وفي رأيه، فإن «الشيوعية أصبحت من الماضي، ولكن علينا أن نخشى روسيا مجدداً، ليس لأنها شيوعية، ولكن لأن ملايين الروس مستعدون للتضحية بحياتهم من أجل هذه الفكرة الإمبريالية، وما من أمة أخرى في العالم يمكن أن تقول هذا».



افتتاح «مركز الدرعية» الوجهة الأولى لفنون الوسائط الجديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا

المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)
المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)
TT

افتتاح «مركز الدرعية» الوجهة الأولى لفنون الوسائط الجديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا

المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)
المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)

نحو إثراء المشهد العالمي لفنون الوسائط الجديدة عبر تقديم وجوه إبداعية من المنطقة، تجمع بين الفن، والتكنولوجيا، والابتكار، افتتح مركز الدرعية لفنون المستقبل أبوابه رسمياً، اليوم (الثلاثاء)، بوصفه أول مركز مخصص لفنون الوسائط الجديدة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، متخذاً من منطقة الدرعية التاريخية المسجّلة في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي موقعاً له.

ويأتي المركز في مبادرة تجمع بين وزارة الثقافة، وهيئة المتاحف، وشركة الدرعية في السعودية، في الوقت الذي انطلق ببرنامج متنوع يشمل أنشطة ومعارض فريدة ومبادرات تفاعلية مع الجمهور، مع التركيز على تمكين الفنانين والباحثين ومتخصصي التكنولوجيا من داخل المنطقة وخارجها، في بيئة إبداعية مجهزة بأحدث المختبرات والاستوديوهات الرقمية ومساحات العرض المبتكرة.

وقالت منى خزندار المستشارة في وزارة الثقافة السعودية إن «مركز الدرعية لفنون المستقبل يجسّد التزامنا بتطوير الإنتاج الفني المبتكر واحتضان أشكال جديدة من التعبير الإبداعي، فمن خلاله نسعى إلى تمكين الفنانين والباحثين ودعمهم لإنتاج أعمال بارزة والخروج بأصواتهم الإبداعية إلى الساحة العالمية».

وأشارت إلى أن المركز سيُوظّف مساحاته للتعاون والإبداع لترسيخ مكانة المملكة في ريادة المشهد الثقافي والتأكيد على رؤيتها في احتضان أشكال التعبير الفني محلياً وعالمياً.

من جانبه، بين الدكتور هيثم نوار مدير مركز الدرعية لفنون المستقبل أن افتتاح المركز يمثّل منعطفاً في السردية القائمة حول فنون الوسائط الجديدة، لكونه يخرج بالمرئيات والتصوّرات الإقليمية إلى منابر الحوار العالمية.

المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)

وقال: «إن المركز سيتجاوز حدود الإبداع المتعارف عليها نحو آفاق جديدة، وسيقدّم للعالم مساحة للابتكار والنقد الفني البنّاء عند تقاطع الفن والعلوم والتكنولوجيا».

وتتزامن انطلاقة مركز الدرعية لفنون المستقبل مع افتتاح معرضه الأول بعنوان «ينبغي للفنّ أن يكون اصطناعياً... آفاق الذكاء الاصطناعي في الفنون البصرية» خلال الفترة من 26 نوفمبر (تشرين ثاني) إلى 15 فبراير (شباط) المقبل، حيث يستكشف المعرض، الذي أشرف عليه القيّم الفني جيروم نوتر، تاريخ فن الحاسوب منذ نشأته في ستينات القرن الماضي وحتى يومنا الحاضر، من خلال أعمال فنية متنوعة تحمل توقيع أكثر من 30 فناناً إقليمياً وعالمياً.

وسيحظى الزوار بفرصة استكشاف أعمال من صنع قامات في الفن أمثال فريدر نايك (ألمانيا) وفيرا مولنار (هنغاريا/فرنسا) وغيرهما من المُبدعين في ميادين الابتكار المعاصر مثل رفيق أناضول (تركيا) وريوجي إيكيدا (اليابان).

وسيكون للفنانين السعوديين لولوة الحمود ومهند شونو وناصر بصمتهم الفريدة في المعرض، حيث يعرّفون الزوّار على إسهامات المملكة المتنامية في فنون الوسائط الجديدة والرقمية.

وبالتزامن مع الافتتاح، يُطلق المركز «برنامج الفنانين الناشئين في مجال فنون الوسائط الجديدة»، بالتعاون مع الاستوديو الوطني للفن المعاصر - لوفرينوا في فرنسا. ويهدف البرنامج، الذي يمتد لعام كامل، إلى دعم الفنانين الناشئين بالمعدات المتطورة والتوجيه والتمويل اللازمين لإبداع أعمال متعددة التخصصات.

وأعلن المركز عن برنامج «مزرعة» للإقامة الفنية، المخصص لفناني الوسائط الرقمية، في الفترة من فبراير (شباط) حتى أبريل (نيسان) 2025، ويهدف إلى استكشاف العلاقة بين الطبيعة والتكنولوجيا والمجتمع من خلال موارد المركز.

ويجسد مركز الدرعية لفنون المستقبل «رؤية السعودية 2030»، التي تسعى إلى تعزيز الابتكار، والتعاون العالمي، وترسيخ مكانة المملكة بوصفها وجهة رائدة في الاقتصاد الإبداعي العالمي.