متاهات الحكي ما بين القصص البوليسية والفانتازيا الملحمية

نماذج من بورخيس في ترجمة عربية

متاهات الحكي ما بين القصص البوليسية والفانتازيا الملحمية
TT

متاهات الحكي ما بين القصص البوليسية والفانتازيا الملحمية

متاهات الحكي ما بين القصص البوليسية والفانتازيا الملحمية

لم يعتقد القاص والشاعر الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس (1899 - 1986) أن قيمة الأدب تكمن في تهذيب أخلاقنا وحضّنا على ما هو خيِّر أو ثوري، وإنما آمن بأنه خير محوّل عن مسارنا أياً كان، مستقيماً كان أم معوجاً. وأسلوب بورخيس المتشعب المتخايل بتهكمه الضاج بالادعاء البليغ مثالٌ على منعطفات لا تخطئ في فهم فلسفة الأدب باعتباره الحياة التي ينظر إليها بصفتها أدنى من القص.
ذلك لأن من قناعات بورخيس الراسخة أن الأدب مُقدَّم على الحياة، لما فيه من ثراء ذي مرجعيات تآمرية فيما حسب الحياة عشوائية لا تفرُّد فيها، تضجرنا بعرضيتها وكأنها رواية بلا حبكة. وقلما نعثر فيها على الملامح الروحية والحمولات النفسية المرافقة للأطياف الإنسانية حسبما أعتقد.
في مجموعته القصصية «قَصَص» الصادرة عن مشروع «كلمة» للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، وهي ترجمة الباحث والمترجم العراقي سعيد الغانمي، نقارب سرديات بطولية من قصص بوليسية وفانتازيا ملحمية قصَد بورخيس بموضوعاتها ذاتها أن تصير سرديتها ونَظْمها، وغوايتها أولاً وأخيراً.
ولعل كتاباته المغالية في التنميق اللغوي كانت وراء إفلات جائزة نوبل منه، فلطالما تجاهلت قصصه الواقع المباشر ونفَت مذهب الواقعية على اعتبار أنه ليس تمثيلاً حقيقياً للواقع المعيش، اللهم إلا خلال سنوات معدودات في بداياته حين كان واقعياً ورومانسياً في الوقت ذاته، واستعصى عليه الفصل بين الاثنين! وقد قال يوماً عن تحوله هذا: «سعيت في تلك الأيام إلى غروب الشمس والضواحي والتعاسة؛ أسعى اليوم إلى الإصباح والمركز والصفاء».
لذا تنفر قصص مجموعتي «حديقة المسالك المتشعبة» و«احتيالات» التي يضمها كتابه هذا من مناطق الضوء السياسي القومي أو الراديكالي، وتذهب نحو الأقصى في التجريب عبر استبطان تمثلاث الفكر التعبيري. صاحب المجموعات القصصية التسع لا يفترض في قصة «حديقة المسالك المتشعبة» حتمية عالم يلوثه الذنب، بل يطبِّق سرديات معقدة من لحظات ما ورائية تتفتق عنها احتمالات تبدو للقارئ بلا كابح. وهو يخاطر من خلالها بإصابتنا بداء التشتت والحيرة.
وأحياناً، وعلى سبيل الدراما، يختار افتراضية «إما، أو»، ومنها تبزغ متاهة من الألغاز الخليقة بمؤلف يعلي من اللغويات بصفتها قيمة سامية. هكذا تقول إحدى شخصيات القصة، الروائي «تسو بين»: «أترك لمستقبلات عدة (لا لكلها) حديقتي من المسالك المتشعبة». فيكتشف آخر، وهو الطبيب ألبرت، أن الحديقة هي رواية «تسو بين» ذاتها، وأن التشعب ما هو إلا تشعب زمني، لا مكاني.
وعلى النقيض من شخصيات أحادية عند كُتاب القصة القصيرة في أميركا اللاتينية وقتذاك، تسلك شخصيات القصة المذكورة منعطفات متعرجة لا تنفي عن ذاتها عدة خيارات محتملة. بورخيس يثري قصصه بأبعاد لا تنقصها الريبة متسلحاً بألفاظ الاحتمال والاحتمال المضاد: «قد» و«ربما» و«لعل». وكل مستقبل يتكل على نقطة انطلاقة في الحاضر القريب.
والقصص تعج بالأدلة على قدرة النصوص على الرحابة في ضمها لكتب خيالية لا يدركها العالم الواقعي. في قصة «مكتبة بابل» التي يستهلها بكلمات «الكون (الذي يسميه الآخرون المكتبة)»، يتخيل بورخيس مكتبة تتألف من عدد أبدي من الدهاليز مُسَدَّسة الشكل. وهي «كلية» تحوي كتباً مؤلفة من «كل تراكيب الحروف الممكنة». كل ما يمكن التعبير عنه في أي لغة حية أو ميتة: «آلاف وآلاف من الكتالوجات المزيفة، والدليل على زيف تلك الكتالوجات المزيفة، والدليل على زيف الكتالوجات الصحيحة!».
وأثناء كتابة فانتازيا الكرستولوجيا «ثلاث نسخ من يهوذا»، اقتدى بورخيس، وباعترافه، بالشاعر الفرنسي ليون بلوا صاحب الفلسفة الرواقية المثالية، فلسفة ربما صرفت بورخيس عن نزعة حسية كانت ستغمر عمله لولا تعرضه لأثر الأدب الأوروبي. وكان قد وصف نفسه ساخراً بأنه «أرجنتيني ضل طريقه نحو الميتافيزيقا».
حقاً انشغل بالأسئلة الميتافيزيقية عن معنى القضاء والعقاب والنزعة الشمولية لابتذال الحياة والعمى (التحريف) في مقابل البصر (الفطنة) وكلية الوجود الإلهي. وفي قصة الفانتازيا «اليانصيب في بابل» يضعنا على طريق يحمل أسئلة تفوق الإجابات. يتبع الجملة بالجملة والكلمة بالكلمة من دون أداة ربط تَصِل بينهما أو تؤول العلاقة بينهما. وكل كلمة منها تنفتح على شبكة تصاعدية من مسالك متفرقة تكاد تعللها الرياضيات وحدها ولا تتقاطع إلا في حالات سريالية. وفيها يختلق لعبة حظ لا تكتفي بمنح المكاسب، وإنما تتدخل في نسيج المجتمع البابلي بفرض العقوبات لتعيد تعريف حرية الإرادة من خلال لعبة الوجود برمته.
ومع تكرار الوقت صارت اللعبة إجبارية عداً للنخبة. إنها تقضي على نَفْس أو تعاقب مذنباً أو تهب الثروات لأصحاب الحظوة. لذا لا تلبث أن تستحيل أداة نعمة ونقمة، مرادفة لطبيعة الحياة ذاتها بما أن العالم المنسحِب تحت وطأة فرص مبرمجة تديرها شركة «لم توجَد أبداً ولن توجَد أبداً» لا يختلف عن عالم متروك للأقدار الجزافية.
وفي إحدى نقاط التحول بالمتن يسرق عبدٌ تذكرة يانصيب حكَمت عليه بإحراق لسانه فيما كانت عقوبة سارق تذاكر اليانصيب إحراق اللسان. وعليه نشب الجدل الأفلاطوني، أينال السارق عقابه أم ينال تركة اليانصيب؟ نتيجة واحدة بمنطقين مختلفين! هكذا ينصرف وعي الشخصيات إلى الفارق بين أشكال الفشل وصنوفه. وهذا الاختلاف الافتراضي في المواقف المتماثلة لمحة من ألعاب أدبية انشغل بها بورخيس.
ومن وحي أحاجي قصصه كلية العلم والوجود وما يخالجها من هلع، رآه النقاد ممثلاً لميثولوجيا أميركا اللاتينية المحلية رغم رؤيته للواقعية بصفتها صورة أخرى للمثالية. قيل أيضاً إنه أقرب إلى كافكا صاحب «البساطة المفزعة» الذي انطلق من الاعتقاد بأن الأفكار الكبرى ثانوية، منه إلى الكاتب جوزيف روديارد كيبلنغ الذي وظّف تلك الأفكار للإجابة على معضلات الكون ومساعيه.
وسواء تشَبَّه بهذا أو ذاك، لا شك أنه حين تنسكب حكايات بورخيس على الورق، لا يخشى الاتهام بالتضليل، فالفارق بين الحقيقة والخرافة عنده هامشي. ومع تمتعه بحس غير اعتيادي بالزمن، يكرر بعض فلسفاته في ثنايا القصص، محولاً إياها إلى خيال يدلف إلى عالم الفن الأدبي الملتبس.

* كاتبة ومترجمة مصرية تعيش في بريطانيا



إدانات متجددة لمطربي «المهرجانات» بتعاطي المخدرات

مطرب المهرجانات مجدي شطة (صفحته على فيسبوك)
مطرب المهرجانات مجدي شطة (صفحته على فيسبوك)
TT

إدانات متجددة لمطربي «المهرجانات» بتعاطي المخدرات

مطرب المهرجانات مجدي شطة (صفحته على فيسبوك)
مطرب المهرجانات مجدي شطة (صفحته على فيسبوك)

تواصلت إدانات مطربي «المهرجانات» أمام القضاء بتهمة تعاطي المخدرات أو حيازتها، وكان أحدثها واقعة المطرب مجدي شطة الذي قضت محكمة الجنايات بمعاقبته غيابياً (الأربعاء) بالسجن المشدد 10 سنوات بعدما جرى ضبطه في مايو (أيار) الماضي خلال وجوده في سيارة ومعه ومرافقه السائق مواد مخدرة وسلاح.

وفي التحقيقات الأولية أخلت النيابة سبيل مطرب المهرجانات بكفالة مالية قدرها 10 آلاف جنيه (الدولار يساوي 49.70 في البنوك)، فيما غاب عن حضور جلسة محاكمته؛ مما أدى لصدور الحكم غيابياً، بينما يحق له الطعن على الحكم بموجب مواد قانون «الإجراءات الجنائية»، لكن مع اشتراط تسليم نفسه للمحكمة من أجل النظر في الطعن ودفوعه.

وشطة ليس الوحيد، من بين مطربي المهرجانات والمطربين الشعبيين، الذي يدان بأحكام قضائية في واقعة تعاطي مواد مخدرة أو حيازتها، فالأسبوع الجاري شهد الحكم على المطرب الشعبي سعد الصغير بالسجن المشدد لمدة 3 سنوات على خلفية اتهامه بحيازة مواد مخدرة وصل بها إلى مطار القاهرة قادماً من الولايات المتحدة.

كما أدين مطرب المهرجانات عصام صاصا بتعاطي المواد المخدرة، وقضت المحكمة بحبسه 6 أشهر مع الشغل في واقعة قيادته تحت تأثير المخدرات وصدمه لأحد الأشخاص خلال سيره على الطريق الدائري بالقاهرة؛ مما أسفر عن وفاة الضحية، فيما حصل على حكم مخفف بسبب التصالح وانقضاء الدعوى الجنائية في واقعة «القتل الخطأ»، ويقضي عقوبة الحبس راهناً.

مطرب المهرجانات عصام صاصا (صفحته على فيسبوك)

و«يعكس تكرار هذه الوقائع غياب وعي عدد من المطربين بما وصلوا إليه بعد الشهرة»، بحسب الناقد الفني المصري محمد عبد الرحمن، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «عدم إدراك التغيرات التي حدثت في حياتهم نتيجة الشهرة والأضواء وما يتطلبه من التزام وانضباط أخلاقي وعدم مخالفة القانون؛ يكون السبب الرئيسي في تكرار مثل هذه الوقائع».

وأضاف أن «محاولات البعض استغلال شهرته لتمرير حيازته أو تعاطيه المخدرات باعتبار أنه لن يتعرض إلى تفتيش أو إجراءات أمنية خلال الاشتباه في حيازته للمخدرات أمر قد يمر أحياناً، لكن في النهاية من ينجح في التحايل على القانون مرة لن يستطع الاستمرار في ذلك مدى الحياة، وسيضبط وينال عقابه».

وكان مطرب المهرجانات حمو بيكا قد أكد في تصريحات متلفزة سابقة تعافيه من إدمان المخدرات، معلناً أنه قرر الإقلاع عن تناول المخدرات منذ سنوات، وتوقف عن تعاطيها، ويعالج في الوقت الحالي من أضرارها وتأثيرها على حياته.

وهنا يشير أستاذ الطب النفسي الدكتور جمال فرويز إلى «ضرورة التفرقة بين النجاح في الحياة العملية والاضطراب الذي قد يعاني منه الشخص في مراحل مختلفة بحياته»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض هؤلاء المطربين تكون لديهم اضطرابات شخصية تتواصل حتى مع شهرتهم ونجاحهم في عملهم».

وتابع: «البعض يلجأ لتعاطي المواد المخدرة اعتقاداً منه أنها ستبقيه أكثر تركيزاً وتفاعلاً مع الجمهور، خصوصاً مع طبيعة أعمالهم التي تجعلهم يستمرون في العمل لساعات طويلة ليلاً، بجانب سهولة حصولهم على المخدرات من المحيطين بهم»، مشيراً إلى أن «الأمر مرتبط بالسمات الشخصية بشكل أساسي وظروف النشأة، والشعور والاعتقاد الخطأ بالتأثيرات الإيجابية للمخدرات ودورها في خلق تفاعل مع الجمهور».