واشنطن تركز على «استقرار» شرق سوريا لمنع ظهور «داعش» جديد

أسلحة أميركية جديدة تصل إلى «قوات سوريا الديمقراطية» أمس. (أخبار نداء سوريا)
أسلحة أميركية جديدة تصل إلى «قوات سوريا الديمقراطية» أمس. (أخبار نداء سوريا)
TT

واشنطن تركز على «استقرار» شرق سوريا لمنع ظهور «داعش» جديد

أسلحة أميركية جديدة تصل إلى «قوات سوريا الديمقراطية» أمس. (أخبار نداء سوريا)
أسلحة أميركية جديدة تصل إلى «قوات سوريا الديمقراطية» أمس. (أخبار نداء سوريا)

أكد بريت ماكغورك المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لمكافحة «داعش»، أن العمليات العسكرية ما زالت مستمرة في سوريا للقضاء على آخر عناصر التنظيم وإبعادهم عند وادي نهر الفرات، وتوقع أن تستمر الهجمات خلال الربع الأول من العام المقبل.
وأضاف: «بعد ذلك سيتحول التركيز على الاستقرار، وتستعد الولايات المتحدة للبقاء في سوريا حتى تتأكد أن تنظيم داعش هُزم ولن يعود مرة أخرى». وأشار إلى أن جهود تحقيق الاستقرار ستستمر، وهناك تقدم ملموس في العملية السياسية التي تعتمد على مقررات مؤتمر جنيف وقرار مجلس الأمن 2245، والتي تؤدي في النهاية إلى إصلاح دستوري وانتخابات رئاسية تشرف عليها الأمم المتحدة.
وأضاف في بيان وجهه إلى شركاء الولايات المتحدة في التحالف الدولي ضد «داعش»: «سيتطلب عملنا العام القادم على تنشيط الجهود من أجل استقرار المناطق المحررة»، مشيراً إلى أن قوات التحالف حققت تقدماً ملحوظاً خلال العام الماضي في هزيمة «داعش» وخفض حدة الحرب الأهلية في سوريا والتي هيأت المناخ لـ«داعش» والجماعات المتطرفة للنمو داخل الأراضي السورية والسيطرة على مدنها. وأوضح أن تحقيق الاستقرار في سوريا يتطلب مساهمات من دول التحالف حتى تمكن إعادة إعمار المناطق التي تمت استعادتها من «داعش»، مشيراً إلى أن ذلك يتضمن إزالة الألغام، وإعادة المياه والكهرباء والخدمات الصحية، وحماية حياة المواطنين. وأكد أن هدف أميركا هو مساعدة السوريين المشردين بسبب الحرب في العودة إلى منازلهم، وتمكين المواطنين المحليين من حماية مدنهم، بينما تقوم الولايات المتحدة بالعمل على تحقيق التسوية السياسية بين الأطراف السورية في جنيف.
وعلى الصعيد العراقي، أوضح ماكغورك أن جهود قوات التحالف خلال العام المقبل ستتركز على تحقيق الاستقرار للمناطق التي تم تحريرها من سيطرة تنظيم داعش، مشيراً إلى أن عدد العراقيين الذي عادوا إلى منازلهم بعد هزيمة التنظيم بلغ نحو 8.2 مليون شخص، ولَم يستطع «داعش» إدراك سيطرته على متر واحد من الأراضي التي تمت استعادتها منه بدءاً من الموصل حتى مدينة تكريت. وأضاف أن صمود الشعب العراقي وتعاون حكومته مع قوات التحالف الدولي أسهما بشكل كبير في إعادة الحياة إلى العديد من المدن العراقية التي تم تحريرها.
وأضاف المبعوث الرئاسي أن عملية إعادة الإعمار ستستغرق سنوات، وسيعتمد ذلك على الإصلاحات العراقية والتمويلات التي تأتي من المجتمع الدولي والتجارة الإقليمية مع الدول المجاورة، بالإضافة إلى تسهيلات إجراءات الاستثمار في العراق لجذب استثمارات أجنبية. ورحب بعودة العلاقات السعودية العراقية مرة أخرى، مؤكداً أن أهم أولويات التحالف الدولي هو استقرار العراق وإعادة إعماره، مشيراً إلى أن مبادرات البنك وصندوق النقد الدوليين والإصلاحات التي قامت بها الحكومة العراقية أسهمت في استقرار الاقتصاد المحلي وضخ مليارات الدولارات في المناطق الأكثر احتياجاً.
وتابع أن قوى التحالف ستظل تركز على مواجهة «داعش» خارج العراق وسوريا، من خلال القضاء على القنوات التمويلية للتنظيم وآلته الإعلامية التي يستخدمها في جذب المقاتلين من جميع أنحاء العالم، مشيراً إلى أن تلك الجهود أسهمت في إحباط العديد من الهجمات الإرهابية خلال العام الماضي، وسوف تزداد بشكل كبير خلال العام المقبل. وأشار إلى أن هناك 43 ألف اسم من تنظيم داعش في قواعد بيانات الإنتربول، موضحاً أن السعودية والإمارات والمملكة المتحدة بادرت بمحاربة «داعش» عبر الإنترنت وفضح الكذب الإعلامي للتنظيم الإرهابي.
وأضاف: «ندخل عام 2018 وندرك أن علينا أن نستمر في العمل المشترك: دول التحالف، والمنظمات الدولية، وهيئات تطبيق القانون، وكذلك القطاع الخاص، حتى نستمر في تقدمنا»، مشيراً إلى أن الهدف الجماعي للتحالف الدولي هو الضغط على تنظيم داعش وهزيمته ومنع أعضائه من الالتئام مرة أخرى. وأوضح أن قرار مجلس الأمن 2396 سيساعد الدول في مشاركة بيانات المسافرين عبر الحدود، واستخدام البصمات للتحقق من هويات المسافرين، وبذلك يمكن للجميع الدولي تقويض «داعش» والحد من حركته.
من جهته، أعلن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، أنه يتوقع زيادة عدد الدبلوماسيين والعاملين الأميركيين في سوريا مع اقتراب نهاية المعركة ضد «داعش»، وبدء التركيز على إعادة الإعمار. وقال ماتيس، في مؤتمر صحافي أول من أمس (الجمعة)، في وزارة الدفاع: «ما سنقوم به هو التحول مما أسمّيه نهج الهجوم والسيطرة على الأراضي إلى إحلال الاستقرار، وسترون مزيداً من الدبلوماسيين الأميركيين على الأرض». ولم يوضح ماتيس عدد الدبلوماسيين الأميركيين الذين سترسلهم واشنطن إلى سوريا ومتى سيذهبون إلى هناك. ويوجد حالياً على الأراضي السورية نحو ألفي جندي أميركي ضمن التحالف الدولي للحرب على «داعش».
وأضاف أن الفترة القادمة ستشهد مزيداً من الجهود الدبلوماسية في كلٍّ من سوريا والعراق لتحقيق الاستقرار، وستركز القوات العسكرية هناك على ضمان الاستقرار، وإخلاء المناطق التي شهدت صراعاً مع «داعش» من الألغام، حتى تمكن إعادة استخدمها مرة أخرى والعيش فيها، مشيراً إلى أن القوات الأميركية ما زالت تدرب القوات العراقية حتى تتمكن السلطات المحلية من تحقيق الأمن للعراقيين والتعامل مع مثل هذه التنظيمات إذا ظهرت مرة أخرى. وحذر ماتيس من إمكانية لجوء التنظيم الإرهابي إلى استراتيجية هجمات الذئاب المنفردة، ويقوم بإلهام أتباعه والموالين له في جميع أنحاء العالم بشن هجمات فردية في الدول التي يقيمون بها. ويستطلب ذلك من قوات التحالف تغييراً استراتيجياً في التعامل مع التنظيم.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.