سنوات السينما

جانيت غاينور وتشارلز فاريل في «السماء السابعة»
جانيت غاينور وتشارلز فاريل في «السماء السابعة»
TT

سنوات السينما

جانيت غاينور وتشارلز فاريل في «السماء السابعة»
جانيت غاينور وتشارلز فاريل في «السماء السابعة»

7th Heaven‬
(1927)‬
‬عامل بالمجاري في النهار
وقريب من النجوم في الليل‬
الأوسكار كان أمراً جديداً تماماً على هوليوود، لم يسمع به حينها أحد خارج تلك المدينة. جائزة ما اتفقت الاستوديوهات على توزيعها كل سنة. المجد جاء لاحقاً...‬
لكن في تلك الدورة الأولى التي أقيمت سنة 1929، وشملت أفلاماً صامتة من إنتاج العامين الماضيين نالت الممثلة جانيت غاينور أول أوسكار يُمنح لممثلة. المخرج فرانك بورزاج نال أوسكار أفضل فيلم درامي (وجائزة أفضل فيلم كوميدي ذهبت إلى لويس مايلستون عن «فارسان عربيان»). ‬
أما الفيلم الذي جمع بين بورزاج وغاينور فهو «السماء السابعة»: دراما جميلة تقع أحداثها في فرنسا مسحوبة من مسرحية لأوستن سترونغ ولعبت غاينور، التي كانت بدأت بتمثيل عشرات الأدوار الصغيرة في أفلام تعود إلى عام 1924، دور الشقيقة الصغرى ديانا التي تعاني من قسوة شقيقتها السكيرة نانا (غلاديز بروكوَل) فتهرب من البيت ليلاً ليجدها العامل في شبكة المجاري شيكو (تشارلز فارل) وينقذها من محاولة الانتحار. وحين يحاول البوليس اقتيادها إلى السجن يدّعي تشيكو أنها زوجته. في الليلة ذاتها، يستلم ‬شيكو ‫عمله الأول منظفَ شوارع، مرتقياً من العمل تحت الأرض لفوقها. لتفادي عواقب ادعائه أن ديانا زوجته يقرران العيش معاً في غرفته العلوية («أنا عامل مجارٍ في النهار وقريب من النجوم في الليل» كما يقول لها). ‬
بعد زيارة البوليس الثانية تتجه ديانا حزينة نحو باب الشقة لكي تترك شيكو الذي كان أخبرها أن عليها الرحيل. لكنه يوقفها ويفاتحها بحبّه، وهو الذي كان يؤمن بأنه أقوى من الوقوع في الحب، وما يلبث أن يشتري لها ثوب زفاف؛ لأنه يقرر الزواج منها.
الحرب العالمية الأولى تنشب وشيكو عليه الذهاب إلى الجبهة. تبقى الكاميرا في باريس وتمر أربع سنوات قبل أن يعود أعمى. خلال الفترة كادت زوجته، التي اعتقدت أنه مات، أن تتزوّج من ضابط كان يحوم حولها طوال تلك السنين.‬
لا يخجل المخرج بورزاج من التعبير عن حبّه للمواقف الرومانسية، وهو غالباً ما ينقذها من السقوط في الاستسهال العاطفي، باستثناء تلك النهاية التي يعود فيها شيكو فجأة قبل زواج امرأته من آخر. ‬
ثم هناك الكثير من الطروحات التي يؤمّها الفيلم أيضاً، من بينها أن بطله شيكو رجل ملحد في مواجهة زوجته المؤمنة. هذا في البداية، أما لاحقاً فيقول لها موقناً: «دائماً ما كنت بعيداً عن الله، لكني الآن قريب منه جدّاً»، ‬
كذلك، من المراجع الضمنية هنا‫ القسوة. الفقر. الآمال. الحرب العابثة بالأرواح. الخوف من المجهول، ثم الثقة القويّـة. معظم هذه المناطق البشرية تعكسها الممثلة غاينور بشحنات صادقة من العاطفة. تصدّقها حين تبكي وحين تضحك مانحة الدور تجسيداً مثيراً للتأمل والتقدير. هي أفضل أداء من شريكها في البطولة تشارلز فارل، ولو أنه لافت في منح شخصيّته ما تحتاج إليه من استعراض كونها معتدة بنفسها إلى درجة كبيرة. ويكشف التصوير، لأرنست بالمر وجوزف أ. ڤالنتاين المشغول بلقطات متوسطة وبعيدة عمق الصورة كما مقدمتها أيضاً. ‬
ليس اليوم من وسيلة لمعرفة من المسؤول بينهما عن هذا التشكيل. لكن من تلك المسائل التي تشهد بأن السينما في ذلك العقد كانت بدأت تنتقل إلى استخدام مفردات لغوية أكثر تعقيداً مما كانت عليه في العقدين الأول والثاني من القرن الماضي. ‬
علي أن أشرح أن الأوسكار الذي نالته جانيت غاينور لم يكن فقط عن هذا الفيلم، بل عن فيلمين آخرين لها، هما Street Angel (أيضاً لفرانك بورزاج) وSunrise لألماني ف.مورناو. كذلك نال «السماء السابعة» أوسكار ثالثاً في مجال السيناريو المقتبس.‬


مقالات ذات صلة

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من الفيلم تجمع «شاهيناز» وأولادها (الشركة المنتجة)

«المستريحة»... فيلم مصري يتناول النصّابين يمزج الكوميديا بالإثارة

تصدَّرت مجسّمات دعائية للأبطال دار العرض عبر لقطات من الفيلم تُعبّر عنهم، فظهرت ليلى علوي في مجسّم خشبيّ جالسةً على حافة حوض استحمام مليء بالدولارات.

انتصار دردير (القاهرة )

«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
TT

«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)

عندما يتساءل البعض أين هم النجوم الكبار؟ فهناك أكثر من جواب.

إذا كان السؤال عن عمالقة التمثيل في الفن السابع، أمثال مارلون براندو، وكلارك غيبل، وباربرا ستانويك، وجاك نيكلسن، وصوفيا لورِين، وجوليانو جيما، وهمفري بوغارت، وجيمس ستيوارت، وكاثرين دينوف، وأنتوني كوين، وعشرات سواهم، فإن الجواب هو أن معظمهم وافته المنية ورحل عن الدنيا. القلّة الباقية اعتزلت أو تجهدُ لأن تبقى حاضرة. المثال الأبرز هنا، كاثرين دينوف (81 سنة) التي شوهدت خلال عام 2024 في 3 أفلام متعاقبة.

أما إذا كان السؤال مناطاً بنجوم جيل الثمانينات والتسعينات ممن لا يزالون أحياء، أمثال سيلفستر ستالون، وأرنولد شوارتزنيغر، وسيغورني ويڤر، وسوزان ساراندون، وأنتوني هوبكنز، وميل غيبسن، وجيسيكا لانج، وكيم باسنجر، وغلين كلوز، وهاريسون فورد، وستيفن سيغال، وروبرت دي نيرو، وآل باتشينو وسواهم من الجيل نفسه، فحبّهم للبقاء على الشاشة مثالي يدفعهم للظهور إمّا في أدوار مساندة أو في أفلام صغيرة معظمها يتوفّر على منصات الاشتراكات.

أما بالنسبة للزمن الحالي، فإن الأمور مختلفة، فعلى الأقل تمتّع من ذُكروا أعلاه بأدوارٍ خالدة لا تُنسى في أنواع سينمائية متعدّدة (أكشن، دراما، كوميديا، ميوزيكال... إلخ).

الحال أنه لم يعد هناك من ممثلين كثيرين يستطيعون حمل أعباء فيلمٍ واحدٍ من نقطة الانطلاق إلى أعلى قائمة النجاح. أحد القلّة توم كروز، وذلك بسبب سلسلة «Mission‪:‬ Impossible» التي قاد بطولتها منفرداً، ولا تزال لديه ورقة واحدة من هذا المسلسل مفترضٌ بها أن تهبط على شاشات السينما في مايو (أيار) المقبل.

بطولات جماعية

بكلمة أخرى: لم يعد هناك نجوم كما كان الحال في زمن مضى. نعم هناك توم هانكس، وروبرت داوني جونيور، وجوني دَب، وسكارليت جوهانسون، ودانيال كريغ، ونيكول كيدمان، لكن على عكس الماضي البعيد، عندما كان اسم الممثل رهاناً على إقبالٍ هائل لجمهور لا يفوّت أي فيلم له، لا يستطيع أحد من هؤلاء، على الرغم من ذيوع اسمه، ضمان نجاح فيلمٍ واحدٍ.

ما يُثبت ذلك، هو استقراءُ حقيقة سقوط أفلامٍ أدّى المذكورة أسماؤهم أعلاه بطولاتها منفردين، لكنها أثمرت عن فتورِ إقبالٍ كما حال توم هانكس، وجنيفر لورنس، وجوني دَب، وروبرت داوني جونيور.

الحادث فعلياً أن «هوليوود» قضت على نجومها بنفسها.

كيف فعلت ذلك؟ وما المنهج الذي اتبعته ولماذا؟

الذي حصل، منذ 3 عقود وإلى اليوم، هو أن هوليوود أطلقت، منذ مطلع القرن الحالي، مئات الأفلام ذات الأجزاء المتسلسلة بحيث بات اهتمامُ الجمهور منصبّاً على الفيلم وليس على الممثل الذي لم يَعُد وحده في معظمها، بل يؤازره ممثلون آخرون من حجم النجومية نفسها.

كثير من هذه المسلسلات يضعُ ممثلين مشهورين في البطولة كما حال سلسلة «The Avengers»، التي ضمّت روبرت داوني جونيور، وسكارليت جوهانسن، وجوينيث بالترو، وصامويل ل. جاكسون، ومارك رافالو، وكريس إيڤانز تحت مظلّتها.

في مسلسل «كابتن أميركا»، وإلى جانب داوني جونيور، وسكارليت جوهانسون، وإيڤنز، أيضاً تناثر بول رود، وتوم هولاند، وإليزابيث أولسن. كلُ واحدٍ منهم قدّم في هذا المسلسل وسواه من أفلام الكوميكس والسوبر هيروز نمرته، وقبض أجره ومضى منتظراً الجزء التالي.

أيّ فيلم خارج هذه المنظومة مرجّح فشله. بذلك تكون «هوليوود» قد ساهمت في دفن نجومها عبر توجيه الجمهور لقبولهم الجميع معاً على طريقة «اشترِ اثنين واحصل على الثالث مجاناً».

ولا عجب أن أعلى الأفلام إيراداً حول العالم كسرت إمكانية تعزيز العودة إلى أيامٍ كان اسم ممثلٍ كبيرٍ واحدٍ، (لنقل كلينت إيستوود أو أنتوني هوبكنز)، كفيلاً بجرِّ أقدام المشاهدين إلى صالات السينما بسببه هو.

الأفلام العشرة التي تقود قائمة أعلى الأفلام رواجاً حول العالم، تتألف من 4 أفلام من «الأنيميشن» هي، «Inside Out 2»، و«Despicable Me 4»، و«Moana 2»، و«Kung Fu Panda 4».

بعض هذه الأفلام جاءت بممثلين مجهولين، وأُخرى جلبت بعض الأسماء المعروفة. في «إنسايد آوت 2»، اعتُمد على عددٍ من الممثلين غير المعروفين أمثال مايا هوك، وليزا لابيرا، وتوني هايل، ولويس بلاك.

في «مونا 2»، استُعين باسم معروف واحد هو، دواين جونسون الذي تقاضى 50 مليون دولار وأُحيط بممثلين مجهولين. نعم الإقبال على هذا الفيلم أثمر عن 441 مليونَ دولارٍ حتى الآن (ما زال معروضاً)، لكن ليس بسبب اسم بطله جونسون، بل بسبب تطبيع جمهور مستعدٍ لأن يرى الفيلم حلقةً مسلسلةً أكثر مما يهتم لو أن جونسون أو دنزل واشنطن قام بالأداء الصوتي.

سقوط وونكا

أحد الأفلام العشرة كان من بطولة وحشين كاسرين هما غودزيللا وكينغ كونغ. معهما من يحتاج لممثلين معروفين، أشهر المشتركين كانت ريبيكا هول، أما الباقون فهم مجموعة جديدة أخرى لم يعد باستطاعة كثيرين حفظ أسمائهم.

يتمتع الفيلم الخامس في القائمة «Dune 2»، بوجود ممثلين معروفين أمثال تيموثي شالامي، وزيندايا، وخافيير باردم. لكن الكل يعرف هنا أنه لو لم يكن شالامي أو زيندايا أو باردم لكان هناك آخرون لن يقدّموا أو يؤخّروا نجاح هذا الفيلم، لأن الإقبال كان، كما كل الأفلام الأخرى، من أجله وليس من أجل ممثليه.

لهذا نجد أنه عندما حاول شالامي تعزيز مكانته ببطولة منفردة في «Wonka»، سقط الفيلم وأنجز أقلَّ بكثيرٍ ممّا وعد به.

ما سبق يؤكد الحالة الحاضرة من أن نظام إطلاق أفلام الرُّسوم والمسلسلات الفانتازية أثمر عن إضعاف موقع الممثل جماهيرياً. غداً عندما ينتهي كروز من عرض آخر جزءٍ من «المهمّة: مستحيلة» سينضمُّ إلى من أفُلَت قوّتهم التجارية أو كادت. سينضم إلى جوني دَب، مثلاً، الذي من بعد انقضاء سلسلة «قراصنة الكاريبي» وجد نفسه في وحول أفلام لا ترتفع بإيرادها إلى مستوى جيد.