عصابات تجتاح حياً راقياً بكوبنهاغن... والشرطة تعلن فقدانها السيطرة

مدينة حافلة بمنازل بهيجة الألوان
مدينة حافلة بمنازل بهيجة الألوان
TT

عصابات تجتاح حياً راقياً بكوبنهاغن... والشرطة تعلن فقدانها السيطرة

مدينة حافلة بمنازل بهيجة الألوان
مدينة حافلة بمنازل بهيجة الألوان

في مدينة لا تعرف الهواجس أو الخوف، وحافلة بمنازل بهيجة الألوان تطل على الشاطئ، وتنتشر فيها المقاهي التي تعج بالحيوية، وتنجذب إليها حشود الشباب الذي يتبع أحدث الاتجاهات المجتمعية وهواة ركوب الدراجات، إنها العاصمة الدنماركية كوبنهاغن.
وتعد الدنمارك واحدة من الدول التي تولد فيها مصطلح «هيجي» الذي يعني الاستمتاع بمشاعر الراحة والاسترخاء، وهو مصطلح انتشر في الدول الإسكندنافية، ويتم تصنيف الدنماركيين بشكل منتظم على أنهم أكثر شعوب العالم سعادة، وتأتي العاصمة في مقدمة المدن الدنماركية في هذا التصنيف، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
هذا الاتجاه المجتمعي الذي ينعم بالسكينة يواجه تهديدا في الوقت الحالي، على الأقل في إحدى مناطق كوبنهاغن، ففي الصيف الماضي نقلت العصابات المتنافسة صراعاتها إلى شوارع العاصمة الدنماركية، حيث أطلق أفراد هذه العصابات الرصاص على بعضهم البعض. وأصيب بعض المارة الأبرياء بجراح خطيرة، بينما أصابت طلقات الرصاص شرفات المنازل وأبوابها، بل وصلت أحيانا إلى الأرائك داخل البيوت، وفارق الحياة ثلاثة أشخاص في غضون أسبوعين خلال الفترة الأخيرة من عام 2017.
وجاءت كل تلك الحوادث في ضاحية نوريبرو الراقية، ووقعت أعمال العنف في الساعات الأولى من المساء وأثناء الليل، وتعرف ضاحية نوربيرو بأنها حي متعدد الثقافات، ومكان اجتذب أشكالا مبتكرة من المقاهي ذات الاتجاهات الحديثة، حيث تجتمع مجموعات من الشباب الذي يتبع الاتجاهات المجتمعية الجديدة وشباب المثقفين لتناول مشروب القهوة باللبن.
وعلى الرغم من التحسن المستمر لأوضاع الحي الذي كانت تقطنه في السابق الطبقة العاملة، فإنه لا يزال محتفظا بأطرافه التي لم تشهد الدرجة ذاتها من الرقي والتطور، كما أنه لا تزال تسكنه أعراق مختلفة، فهناك مثلا متاجر أطعمة تبيع الشاورمة التركي، وقصابون يبيعون اللحوم المذبوحة وفقا للشريعة الإسلامية، كما توجد متاجر خاصة تعرض أغطية الرأس الإسلامية للنساء.
ولكن هناك أيضا كما تقول الشرطة صراع تشنه عصابة تطلق على نفسها اسم «المخلصة للعائلة» ضد عصابة أخرى تسمى «الأخوة» تنشط في منطقة مجاورة تقع على مسافة بضع مئات من الأمتار.
ويدور الصراع حول الاتجار في المخدرات إلى جانب تصفية الخلافات الشخصية والتنافس، وذلك وفقا لما يقوله القائمون بالتحريات، بينما يقول الخبراء إن عصابة «الأخوة» انضمت إلى جماعات إجرامية أخرى مؤيدة لها، ترى أن عصابة «المخلصة للعائلة» أصبحت قوية للغاية داخل العالم السفلي لكوبنهاغن.
وتقول آن أوكيلس، الخبيرة في علم الإجرام والمقيمة في كوبنهاغن، إنه بعكس الحال الغالب في اتجاهات العصابات الأخرى، فإن الصراعات لا تقع بين العصابات ذات الخلفيات العرقية المختلفة بالمدينة.
وتضيف أن «العصابات الدنماركية تتميز بأنها مختلطة العرق، وتعيش عائلات كثير من أفرادها في الدنمارك منذ أجيال كثيرة»، وترى أن هذه العائلات اندمجت في المجتمع الدنماركي، كما أن العصابات تشكلت ببساطة من شباب يقطنون في الأحياء نفسها. ولا ترى أوكيلس وجود أي رابط بين العنف الذي تمارسه عصابات كوبنهاغن، وسلسلة من عمليات القتل الغامضة التي وقعت مؤخرا في شوارع مدينة مالمو السويسرية، حيث إن عصابات كوبنهاغن تخوض معاركها بشكل علني وتطلق الرصاص من السيارات أو الدراجات النارية. ويعلم سكان حي نوريبرو أن شيئا يحدث عندما يسمعون أصوات طائرات الهليكوبتر وهي تحلق فوق المكان، وأصبح هذا التحليق أمرا معتادا خلال الأشهر الأخيرة، وأحيانا يحدث مرتين خلال أسبوع واحد. وفي الصيف الماضي بدأت الشرطة في تحذير الشباب ودعوتهم لاتخاذ الحذر عندما يتجولون في الشوارع ليلا، مما مثل صدمة لأهالي مدينة اعتادوا على السير في أمان داخل المتنزهات فيها ليلا. وبهذه النصيحة كانت شرطة كوبنهاغن تبعث برسالة تحذير مفادها بأنها لا تسيطر على هذا الصراع.
ولجأ السكان إلى القيام بمظاهرات ليلية على ضوء المشاعل في الشوارع احتجاجا على عمليات إطلاق الرصاص من جانب العصابات، وكانت النساء تشكل غالبية أعداد المحتجين. وتقول إحدى الأمهات وهي تعيش مع أطفالها الثلاثة في منطقة ميونرباركن التي احتلت عناوين الأخبار مرارا بسبب وقوع مصادمات بين العصابات فيها، إن النساء المحتجات لا يشعرن بالخوف، وعلى أبواب منازل هذه المنطقة توجد لافتات تعلن تصعيد الإجراءات من جانب الشرطة ضد العصابات. وتقول الأم الشابة إن «الحالة هنا تغيرت بالتأكيد، ولكنا ليست بالدرجة التي تدفعني إلى مغادرة المكان».
وذكرت الأنباء في أوائل ديسمبر (كانون الأول) الحالي أن زعماء العصابات اتفقوا على تنفيذ هدنة مؤقتة، وبدأ سكان نوريبرو في تنفس الصعداء. غير أنه لا يزال من غير الواضح ما الذي يمكن أن يحدث عندما تنتهي الهدنة، ولا يزال تيرجي بيك، أحد منظمي حملة الاحتجاجات بالمشاعل، يشعر بالقلق، لأن العصابات يمكنها أن تواصل عملياتها، وذلك وفقا لما قاله لوكالة أنباء «ريتساو».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».