نقلة عسكرية نوعية في العراق تتطلب حذراً

العبادي أعاد التوازن إلى العلاقات الخارجية... وتعزيز الانتصار على «داعش» يكون بمعالجة أسباب ظهوره

نقلة عسكرية نوعية في العراق تتطلب حذراً
TT

نقلة عسكرية نوعية في العراق تتطلب حذراً

نقلة عسكرية نوعية في العراق تتطلب حذراً

أعظم ما ظفر به العراق من معارك التحرير ضد «داعش» خلال 2017 هو تعاظم قدرات القوات العراقية والتفاف الشعب حولها. وأكبر نكسة ستكون عند زجها في حروب داخلية سببها سيئات الساسة، حروب لا توحّد الشعب، ولا تنصر القضية والوحدة الوطنية، حروب خاسرة مهما كانت نتائجها.
سقوط الموصل في 10 يونيو (حزيران) 2014، كان مرعباً، وصادمًا، فأرتال القوات المسلحة العراقية التي انسحبت كانت تعادل 50 ضعفاً من حيث العدة والعدد مقابل القوة الإرهابية المهاجمة، «داعش» وحده أسقط المدن واحتل 32% من مساحة العراق، وتباهى بذلك، رغم محاولات بعثيين ومجاميع تسمي نفسها «ثوار العشائر» تبنّي المشاركة، لكن الوقت كان كفيلاً بفضح كذبهم.
الدّماء التي أُريقت من أجل التحرير كانت عزيزة وكبيرة، فحسب إحصائيات غير رسمية فإن عدد القتلى في صفوف القوات المسلحة في 1280 يوماً من المعارك تجاوز الـ14 ألف قتيل و53 ألف جريح، ونفقات مالية عسكرية ولوجيستية تجاوزت 7 مليارات دولار، وبلغت خسائر القوات الساندة من الحشد الشعبي والعشائري والمناطقي والأقليات أكثر من 8 آلاف قتيل و12 ألف جريح، بينما بلغ عدد النازحين والمهجّرين 3.4 مليون. وفي صفوف الأهالي والمواطنين اقترب عدد القتلى من 6 آلاف، فيما بلغ عدد الجرحى 20 ألفاً. أما خسائر البنية التحتية فتقدَّر بـ100 مليار دولار.
وطوال فترة احتلاله مناطق واسعة من العراق، كشف «داعش» عن طبيعته الدنيئة باستخدام الأطفال والمدنيين الآخرين دروعاً بشرية وتحويل المستشفيات والمساجد والجامعات والمدارس إلى منشآت لصنع الأسلحة وتخزينها، وقواعد لعملياته الإرهابية. وحسب تقديري فإن فشل الحكومات العراقية السابقة في إدارة ملف العدالة الانتقالية، والمصالحة المجتمعية، وإدارة التنوع، والتناحر السياسي، وسوء إدارة الأزمات، أوصل العراق إلى احتلال «داعش».

السيستاني في الواجهة بفتواه
في 13 يونيو 2014 زجّت المؤسسة الدينية الشيعية بنفسها في المواجهة مع «داعش» بفتوى «الجهاد الكفائي» التي حمت بغداد من احتلال «داعش»، بعد أن عجز الجيش عن أن يقوم بدوره، وكانت الفتوى حذرة لأنها كانت تخشى وتراقب احتمالية اشتعال فتيل حربٍ طائفية. توسع عدد المتطوعين وبدأ بـ6500 متطوع وانتهى اليوم بـ110 آلاف متطوع شيعي، و30 ألف متطوع سُني عشائري ومناطقي، و12 ألف متطوع من الأقليات الدينية والعرقية في شمال العراق، وأخذ البرلمان العراقي على عاتقه تشريع قانون لـ«هيئة الحشد الشعبي»، ولا تزال الرغبات الدولية بين حلها وأخرى بين دمجها في المؤسسات النظامية، لكن حكومة رئيس الوزراء العبادي ترى تحجيمهم بإصدار تعليمات عسكرية صارمة وتشريع قانونها، وهذا التوجه تؤيده مرجعية علي السيستاني ومقتدى الصدر وعمار الحكيم.
ومنذ إصرار رئيس الوزراء السابق نوري المالكي على انسحاب القوات الأميركية من العراق عام 2011، أرادت الإدارة الأميركية معاقبته بالإهمال، ونُقل عن مقربين بمكتب القائد العام القوات المسلحة أن المالكي كان يتصل بالبيت الأبيض مرتين كل شهر في عام 2013، يذكر فيهما خطر الجماعات الإرهابية، ويطلب طائرات لقصفها، وإن هذه الجماعات احتمت بالمتظاهرين، لكن أوباما كان يرى أن المالكي يريد أن ينتقم من خصومه السُّنة، ولذلك أبدت الإدارة الأميركية موقفاً بارداً من استغاثات المالكي، مشيرةً إلى أنّ عليه أن يصلح العلاقة مع القيادات السّياسيّة إلى توافق سياسي أولاً، وألمحت إلى ضرورة كسب «ثقة السنّة والكرد». وبدأت انتخابات 2014 قبل سقوط الموصل بشهرين وأُزيح المالكي، عقوبةً على سقوط الموصل رغم استحقاقه الديمقراطية بأحقية ولاية ثالثة لرئاسة الوزراء، وبدأ عهد الدكتور العبادي، نصفه إسلامي ونصفه الآخر ليبرالي، ويعمل على منهج الصبر الاستراتيجي وترتيب المعالجات والأولويات والتعامل بالاحتواء والمسايرة مع الخصوم الأقوياء.

العبادي وتصفية تركة المالكي
في الأعوام الثلاثة الأخيرة، بدأ الكثير من الأحزاب العراقية مراجعة سياساتها تجاه حكومة بغداد. بدأ هذا التوجه في سبتمبر (أيلول) 2014، عندما كُلف العبادي بتشكيل الحكومة، وكان في أوليات برنامجه تحرير المدن من «داعش»، وإصلاح العلاقات السياسية الداخلية والخارجية، وأعطى أوامره بإعادة النظر في شأن المكاتب العسكرية التي أسسها المالكي لإدارة الجيش والشرطة ووجودها في هيكلية الدولة العراقية، وكيف يجب أن تتعامل معها الحكومة الرسمية. تطور البرنامج الحكومي، وأصبحت المنظومة العسكرية العراقية تلملم جراحاتها وتتعاظم قدراتها، وأخذت الثقة في المحافظات السُّنية والكردية ومدن الأقليات تعود بالقوات المسلحة العراقية، وأصبح الناس يقولون عنهم جيش العراق لا جيش المالكي.
وأصبحت مخازن القوات المسلحة العراقية تمتلئ بالكثير من الأسلحة الخاصة بمكافحة الإرهاب عسكرياً، وتزاحمت الدول المصنعة على العراق لعقد صفقات تسليح خاصة ومتطورة، ونجح العراق في إصدار 4 قرارات أممية لدعم حربه على الإرهاب، كما نجح العراق في توفير كل الشروط اللازمة لإخراجه من وصاية البند السابع، وهذا يعد انتصاراً دبلوماسياً كبيراً، فمجلس الأمن يخلص إلى أنه تم تنفيذ جميع التدابير المفروضة بموجب برنامج النفط مقابل الغذاء في العراق بالكامل ويتبنى القرار 1958 (2017) بالإجماع، وأيضاً أصبح العراق جزءاً رئيسياً ومحورياً من منظومة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب وفي 4 ملفات: الملف العسكري، وملف تجفيف منابع تمويل الإرهاب، وملف منع تدفق المهاجرين، وملف مكافحة إعلام وغواية «داعش» وإخوته.
ونجح العبادي في إعادة التوازن إلى العلاقات مع دول الجوار العراقي، وأصلح علاقات العراق مع الملكة العربية السعودية التي أصبحت عرّابة عودة العراق لعمقه العربي، وأيضاً جدد العلاقة مع تركيا ومصر والإمارات العربيّة، وعاد إلى اجتماعات الجامعة العربية، وأسهم في التعاون معها.

التحديات المقبلة
بعد حملة شجاعة دامت 3 سنوات من القتال المركّز، أعلن العبادي، التحرير الكامل لجميع الأراضي العراقية من سيطرة «داعش» في 10 ديسمبر (كانون الأول) 2017.‏
إن مقياس تحسن الوضع الأمني لا يعود إلى تفسير الإعلام الرسمي، لأنه متحيز ومتفائل بفعل الضوابط القانونية، ولكن المقياس هو ما نلمسه في الواقع الموصلي بعد التحرير من تحسن أمني نسبي، فهو نتيجة لتعاون الأهالي مع الأجهزة الأمنية وبقناعات ذاتية للأهالي.
وعمليات «داعش» الإرهابية في المدن المحررة التي يشنها بين فترة وأخرى انخفضت في نينوى وصلاح الدين والأنبار إلى 95‎%‎ قياساً بشهر أغسطس (آب) وما بعده، وهذا أكبر دليل على التحسن الأمني، وأيضاً تحسن ثقافة تعايش المجتمعات بعد عمليات التحرير ورغبتها الملحة في فرض نموذج المصالحة المجتمعية ولو بالقوة العسكرية.
النقلة العسكرية النوعية التي حققتها القوات المشتركة العراقية جعلت التنظيمات الإرهابية تفكر ألف مرة قبل ارتكاب أي حماقة في احتلال أي شبر من أرض العراق، وأفقدت «داعش» في العراق وسوريا خلال 3 أعوام 42 قائداً مؤسساً من أصل 43، و75 قائداً من الصف الأول من أصل 79، وتم تدمير القيادة الوسطى أكثر من مرة وعددهم 125 قائداً، وأيضاً هلاك 307 قادة ميدانيين، وتدمير 3 جيوش للتنظيم (جيش دابق، وجيش العسرة، وجيش الخلافة)، حيث هلك منهم قرابة 33 ألفاً من أصل 36 ألفاً، وحتى جيش فلول «داعش» الهاربة من معارك العراق وسوريا المسمى «جيش خالد بن الوليد» تم تدميره في المنطقة الشرقية في الجانب السوري.
بالتأكيد، إن تحرير العراق لا يعني نهاية القتال ضد الإرهاب وحتى ضد «داعش» في العراق، وعلى الأمن العراقي أن يستعد لمعركة الاستخبارات والمعلومات، وعلى الإعلام الاستعداد لهزيمة «داعش» في «خلافته الرقمية»، وعلى الجميع أن يكونوا يقظين في مواجهة جميع الآيديولوجيات المتطرفة لمنع عودة «داعش» أو ظهور تهديدات من جماعات إرهابية أخرى.



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.