مهجرون يعيشون مع «حلم العودة» من ريف إدلب الى شرق حلب

TT

مهجرون يعيشون مع «حلم العودة» من ريف إدلب الى شرق حلب

قبل عام، كانت مدينة حلب على موعد مع حملة عسكرية فتكت بمدنيين وأسدلت الستار على مرحلة مهمة من الصراع السوري، انتهى فيها وجود فصائل المعارضة المسلحة السورية، بالإضافة لآلاف المدنيين في الأحياء الشرقية من حلب وعدد من الأحياء الغربية، الذي دام قرابة 4 أعوام من عمر الثورة.
كيف يرى نشطاء حلبيون نزحوا إلى ريفي إدلب وغرب حلب تلك المرحلة والوضع الراهن بعد مرور سنة؟ تقول الناشطة عفراء هاشم لـ«الشرق الأوسط»: «كانت آخر أيامي في حلب مؤلمة جداً لنا، لا سيما بعد أن علمنا أننا سنخرج من مدينة حلب المدينة التي كبرنا وتربينا وتعلمنا فيها. لقد كانت قلوبنا تخفق بمشاعر مختلطة، لا أعرف أهي من شدة الفرح لخروجنا من قلب الحصار والموت تحت القصف؟ أم الحزن لأننا سنخرج من مدينتنا مهجرين فيما كانت الدمعة تحبس في العين لرؤية المدنيين يودعون بعضهم بعضاً؟».
وتضيف: «كنت أرى أن المدينة تبكي على خروجنا منها رغم الحصار والجوع والقصف بكل الأسلحة، وكم كنت أتمنى لو أبقى، لكننا خرجنا بتخاذل الجميع علينا، وكانت أصعب اللحظات هي عندما صعدنا بالباصات لنقلنا خارج حلب، لقد كانت دقائق صعبة على إنسان ترك منزله وترك سنين حياته وخرج مجبراً».
وتضيف ودموعها تتساقط من عينيها: «دائماً نشتاق لبيوتنا، لحارتنا المدمرة، لشوارع وأزقة حلب القديمة، وأشتاق لأصدقائي الذين استشهدوا أمامي ودفنوا بحلب، ولم نعد نراهم حتى وهم تحت التراب».
ومن بين من عايش تلك المرحلة أيضاً المصور الإعلامي باسم الأيوبي، وهو أحد الخارجين من الحصار نحو الريف الغربي. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «كانت الأيام الأخيرة التي عشتها في مدينة حلب صعبة للغاية، صعبة لأنني كنت على يقين أنها الأخيرة، وذلك لما فعلته صواريخ قوات النظام بأجساد المدنيين داخل المدينة والصمت الدولي إزاء ما حل بنا». ويتابع: «حاولت إخراج أكبر قدر ممكن من الذكريات معي لخارجها، لأنني لست على علم متى سأعود إليها ثانية، كمصور حاولت أن أوثق كل ما أستطيع رؤيته من الشوارع والأحياء اللي ترعرعت فيها، لكن للأسف لم أستطع أن آخذ معي ذكريات مادية من حلب سوى كاميرتي الخاصة والصور والمقاطع المرئية التي صورتها داخل حلب».
ويروي باسم الأيوبي لحظات التهجير نحو الريف الغربي، قائلاً: «خرجنا من المدينة بخير وسلام، وخرج معي من السكان الذين بقوا على قيد الحياة وهو الربح الأكبر الذي بقي بعد حلب، لكن مع ذلك، هذا الربح تحقق على حساب الفراق والبعد عن المنزل والحي والأرض والتراب، وهو أغلى ما كنا نملكه، فالمعادلة للأسف كانت جداً صعبة، إما الموت على أرضك أو البقاء حياً خارجها».
بدورها تتحدث الناشطة رشا نصر عن الأيام التي أمضتها داخل حلب خلال فترة الحصار، وتقول: «الأيام التي مرت على حلب لن يمر لها مثيل، لقد عانت مدينة حلب الحصار والجوع والبرد وفوق ذلك القصف، لقد قصفنا الطيران بشكل مكثف وجنوني، لقد كانت الطائرات لا تهدأ، غارات متواصلة على مدار الساعة».
وتشير إلى أن الغارات «كانت تستهدف المنشآت الصحية والمشافي بشكل متعمد للقضاء على أي وسيلة للحياة، والجميع تابع وشاهد كيف قصف مستشفى القدس الوحيد، الأمر الذي أدى لخروجه عن الخدمة بعد ارتكاب مجزرة مروعة بحق كادره من أطباء وممرضين ومراجعين».
كذلك الأمر، استهداف الأفران ومستودعات الإغاثة التابعة للمنظمات الإنسانية وإتلاف محتوياتها من مواد غذائية وأدوية وحليب أطفال لزيادة الضغط على المحاصرين.
في الأيام الأخيرة التي سبقت سقوط حلب، تصاعدت الحملة باستخدام جميع صنوف الأسلحة المحرمة دولياً من الصواريخ الارتجاجية والقنابل العنقودية والبراميل المتفجرة، الأمر الذي رفع أعداد الشهداء والجرحى خلال اليوم الواحد وشكل عبئاً هائلاً على فرق الإنقاذ والدفاع المدني.
محمد علي الحلاق وهو أحد كوادر الدفاع المدني في الأحياء الشرقية من حلب يروي أحداثاً مؤلمة عن الأيام الأخيرة في حلب، وكيف كانت فرق الإنقاذ تكابد المعاناة والألم في انتشال الضحايا أمام حجم القصف الهائل.
يقول الحلاق إن «الأيام العشرة الأخيرة كانت الأصعب علينا كفريق دفاع مدني في حلب لما شهدته من قصف عنيف جداً، حيث لم نعد باستطاعتنا مساعدة الجميع مع تقدم النظام وميليشيات إيران وحزب الله إلى منطقة جديدة، كنا نضطر إلى التراجع، حيث كانت هنالك عشرات الجثث بقيت تحت الأنقاض ولم نستطع انتشالها». ويضيف: «في الساعات الأخيرة، أصبحنا نتحرك دون آليات جراء فقدان الوقود وأصبحنا ننتشل الشهداء والجرحى بأيدينا، إضافة إلى عدم وجود سوى مشفى ميداني وحيد ولا يستقبل جميع الحالات جراء ارتفاع عدد الجرحى بشكل غير مسبوق جراء القصف العنقودي».
ويتابع الحلاق: «لنا أمل في العودة يوماً ما إلى مدينتنا حلب بعد عام من التهجير، فهي لن تنسى من ضحى من أبنائها من أجلها، وقد كتبنا على جدرانها قبل الرحيل: راجعين يا حلب».
لم يكن 22 من شهر ديسمبر (كانون الأول) 2016 يوماً عادياً في حياة أهالي شرق مدينة حلب، فهو الذي ارتبط بمأساة لا تزال حاضرة في أذهانهم في مناطق نزوحهم في ريف إدلب.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.