«لغة حوثية» لخطب جمعة تنفِّر مصلين في صنعاء

أقارب لصالح وأعضاء في حزبه يصلون إلى عمان والسعودية

طفل يحضر مناسبة استعراض أسلحة حوثية في صنعاء (رويترز)
طفل يحضر مناسبة استعراض أسلحة حوثية في صنعاء (رويترز)
TT

«لغة حوثية» لخطب جمعة تنفِّر مصلين في صنعاء

طفل يحضر مناسبة استعراض أسلحة حوثية في صنعاء (رويترز)
طفل يحضر مناسبة استعراض أسلحة حوثية في صنعاء (رويترز)

أمرت الميليشيات الانقلابية، خطباء المساجد في صنعاء والمحافظات المسيطرة عليها بتخصيص خطبة الجمعة، أمس، لحضّ المصلين على الحشد إلى جبهات القتال والتبرع بالمال والطعام، وتأكيد «التأييد الإلهي» الذي تحظى به الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي.
وطلبت منهم في تعميم رسمي مكتوب من قبل موظفيها في مكاتب «الأوقاف والإرشاد»، امتداح المقاتلين وتضحياتهم والاستدلال على أنهم موعودون بـ«النصر» لجهة صمودهم المزعوم حتى الآن في مواجهة التحالف والقوات الموالية للحكومة الشرعية.
ودأبت الجماعة منذ سيطرتها على صنعاء وغيرها من المناطق، على الإطاحة بخطباء المساجد المعتمدين والمعروفين بوسطيتهم، وتعيين موالين لها متعصبين طائفياً ومذهبياً لجهة تمكينها من السيطرة على الخطاب الديني في البلاد وتوجيهه بما يوافق أهواء ميليشياتها.
وحوّلت الميليشيا الحوثية كثيراً من المساجد في صنعاء وغيرها إلى مقرات لمسلحيها من أجل النوم والاستراحة، في حين يؤكد شهود أن بعض المساجد اتخذتها الجماعة مخازن للذخيرة والأسلحة، في سلوك وصفوه بـ«الإجرامي».
وتعلو أسوار المساجد وجدرانها الخارجية «الشعارات الخمينية» والعبارات المقتبسة من أحاديث زعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي وأخيه المؤسس حسين.
ولجأ كثير من المصلين في صنعاء إلى هجر المساجد بعد السيطرة الحوثية، مفضلين الصلاة في منازلهم بعد أن تحولت دور العبادة إلى مقرات ميليشاوية لا علاقة لها بعقيدتهم، على حد تعبيرهم.
في هذه الأثناء، أفادت السلطات العمانية عبر وكالاتها الرسمية، أمس، بأن 22 فرداً من عائلة صالح وصلوا إلى السلطنة، بينما بثت قناة الإخبارية السعودية الرسمية أسماء 19 فرداً من أقارب صالح والقيادات الموالية له، وقالت إنهم وصلوا إلى المملكة بتنسيق مع التحالف، هرباً من بطش الميليشيات.
جاء ذلك في وقت كشف فيه رئيس الحكومة الشرعية أحمد عبيد بن دغر، عن وجود تحركات جادة لإعادة ترتيب صفوف حزب «المؤتمر الشعبي» ولملمة شتات أعضائه، مؤكداً أن الرئيس عبد ربه منصور هادي يرى أن انتفاضة صالح ضد الميليشيا الحوثية وحّدت الحزب، وأن ذلك مدعاة لفتح صفحة جديدة تشمل جميع القيادات بمن فيهم نجل الرئيس السابق أحمد علي صالح.
ويستمر الحوثيون في ارتكاب أعمال القمع ضد أنصار الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح وأعضاء حزبه (المؤتمر الشعبي)، بينما لقي قرار أصدرته ميليشيا الحوثي بـ«العفو العام» عمن شارك في انتفاضة صنعاء الأخيرة استغراباً واسعاً بين مواطنين، لخلوّه من أي عفو فعلي.
وأفادت مصادر في حزب «المؤتمر» بصنعاء، بأن ميليشيا الحوثي اقتحمت منزل اللواء محمد القوسي وهو وزير داخلية حكومة الانقلاب السابق المقرب من الرئيس السابق، وقامت بنهب كل محتوياته، كما أقدمت على اقتحام منزل اللواء محمد عبد الله الإرياني.
ولا يزال مصير القوسي مجهولاً مع عدد من العسكريين الذين تتهمهم الميليشيا بـ«الخيانة» لمساندتهم انتفاضة صالح التي انتهت بمقتله في الرابع من الشهر الجاري وتصفية العشرات من أعوانه واعتقال المئات والزج بهم في معتقلات سرّية.
إلى ذلك، أمرت الميليشيات بمنع طباعة أي منشور ورقي أو صحيفة إلا بإذن مباشر من وزير إعلامها في الحكومة الانقلابية، في حين أفاد موظفون في صنعاء بأن الميليشيا فرضت على منتسبي المؤسسات حضور «دورات تثقيفية» عن نهج الجماعة الطائفي والملازم الخمينية مقابل الإبقاء عليهم في وظائفهم.
وأضافت المصادر أن الميليشيات تقوم بنقل الموظفين ممن هم في مستوى رئيس قسم فما فوق على متن حافلات بعد ربط أعينهم والتوجه بهم إلى أماكن سرّية يرجَّح أنها في ضواحي صنعاء لتلقي عمليات «غسيل الأدمغة» التي تعتمد عليها الجماعة في «حوثنة» اليمنيين.
وأصدر صالح الصماد رئيس المجلس السياسي الانقلابي، ليل أول من أمس (الخميس)، قرار «عفو عام» عمن قال إنهم شاركوا فيما سماها «فتنة الخيانة» من المدنيين، وإطلاق سراح الموقوفين منهم، في إشارة إلى أنصار الرئيس السابق وحزبه، إلا أن قرار العفو عاد ليستثني مَن زعم أنه عفا عنهم، إذ لا يشمل مَن «قتل، أو حمل السلاح، أو شارك بالتخطيط أو التخابر» وهو ما جعل القرار، حسب ناشطين «مفرغاً من مضمونه»، وشكلياً أكثر من كونه عملياً.
في غضون ذلك كشفت مصادر في حزب «المؤتمر» أن الجماعة حاولت ترغيب القيادي قاسم الكسادي نائب رئيس مجلس الانقلاب الموالي لصالح، للعودة إلى صنعاء لممارسة مهام منصبه بعد أن نجح في الفرار إلى مسقط رأسه، محافظة البيضاء.
وقالت المصادر إن الكسادي رفض عرض الميليشيات رفضاً قاطعاً واشترط عليهم للموافقة عودة القيادي عارف الزوكا إلى الحياة ليتلقى منه أمر العودة. وكانت الجماعة قد قامت بتصفية الأخير مع الرئيس السابق قبل أن تسمح لاحقاً بنقل جثمانه رفقة عائلته ليوارى التراب في مسقط رأسه بمحافظة شبوة الجنوبية.
وترفض قطاعات واسعة من القاعدة الشعبية لحزب «المؤتمر الشعبي» (جناح صالح) في صنعاء والمحافظات التي تسيطر عليها الميليشيات، موالاة الحوثي، رغم الضغوط المستمرة علي قيادات الحزب في صنعاء لـ«حوثنة» الحزب وتحويله مع كتلته النيابية ذات الأكثرية إلى ذراع سياسية وقانونية لخدمة أجندة الجماعة المدعومة إيرانياً.
ولجأت الميليشيات بعد مقتل صالح إلى الإطاحة بكبار القيادات في الحزب الرافضين لمشروع الجماعة، من مناصبهم، وأخيراً عيّنت القيادي المؤتمري الموالي لها أميناً للعاصمة، وعيّنت خلفاً له في محافظة ذمار الزعيم القبلي محمد حسين المقدشي، في سياق سعيها لمكافأة الأشخاص الذين تخلوا عن الرئيس السابق والسكوت عن الثأر لدمه المهدور.
وفي ظل المخاوف السائدة لدى المكونات اليمنية من تفكك حزب «المؤتمر» كتب رئيس مجلس وزراء الحكومة الشرعية أحمد عبيد بن دغر مقالاً نشره أول من أمس على «فيسبوك» وجزّأه في تغريدات على «تويتر» بعنوان «أحمد علي عبد الله صالح منا ونحن منه» وهي عبارة مقتبسة -حسب بن دغر- من حديث للرئيس هادي.
وكشف بن دغر أن المؤتمريين «يقتربون» من موقف واحد مشترك وهو عدم السماح بأي انشقاقات داخل الحزب، باعتباره «المؤسسة الديمقراطية الأكثر جماهيرية»، مشيراً إلى أن الرئيس هادي يرى أن الانتفاضة التي قادها صالح «ضد الحوثي قد وحّدت المواقف، ووحّدت الحزب وجماهيره على مبادئ استعادة الدولة، والدفاع عن الجمهورية، والمضيّ نحو دولة اتحادية... وهزيمة الحوثي».
وقال بن دغر: «استقبلنا معاً الرئيس والنائب وأنا، الشيخ سلطان البركاني، الذي أكد أن زملاءنا في أبوظبي والقاهرة يتوحدون خلف مبادئ استعادة الدولة وهزيمة الانقلاب والحفاظ على الجمهورية والوحدة»، وأضاف: «كان أهم ما قاله الأخ الرئيس للشيخ سلطان (أحمد علي عبد الله صالح مننا، ونحن منه، وعفا الله عما سلف)».
وفي سياق التماس العذر لقيادات الحزب في صنعاء، قال بن دغر: «نتعامل مع هذه القضية بمسؤولية، وندرك حجم المخاطر التي يواجهها قادة المؤتمر المعتقلون أو المحاصرون أو الملاحقون، وسنترك لهم حق اتخاذ القرار الذي يتناسب مع وضعهم المأساوي الجديد. سيبقون في نظرنا ونظر شعبنا مناضلين كباراً، لكل واحد منهم تاريخ وطني مستقل بذاته».



​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
TT

​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

كشف مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط» عن جهود عربية - أميركية جديدة لدفع جهود التهدئة في السودان. وقال المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن دول «السعودية ومصر والإمارات تعمل مع الولايات المتحدة، على التنسيق على أمل حلحلة الأزمة السودانية».

وأفاد المصدر المصري بأن «اجتماعاً ضم مسؤولين من الدول الأربع، استضافته السعودية نهاية الأسبوع الماضي، ناقش دفع الجهود المشتركة؛ لتحقيق انفراجة بالأزمة».

وسبق أن شاركت الدول الأربع في اجتماعات «جنيف»، التي دعت لها واشنطن لإنهاء الحرب بالسودان، منتصف أغسطس (آب) الماضي، إلى جانب ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، غير أنها لم تحقق تقدماً، في ظل مقاطعة الحكومة السودانية المحادثات.

غير أن المصدر المصري، قال إن «اجتماع السعودية، الذي عقد يومي الخميس والجمعة الماضيين (ليس امتداداً لمبادرة جنيف)، وإن الآلية الرباعية الحالية هي للدول صاحبة التأثير في المشهد السوداني، وتستهدف دفع الحلول السلمية للأزمة». ورجح المصدر «انعقاد اجتماعات أخرى؛ لدفع جهود الدول الأربع، نحو وقف الحرب، وإيصال المساعدات الإغاثية للمتضررين منها».

صورة جماعية بختام اجتماعات جنيف حول السودان في أغسطس الماضي (إ.ب.أ)

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 حرباً داخلية، بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت «ما يفوق 10 ملايين سوداني للفرار داخلياً وخارجياً لدول الجوار»، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

وعقب اندلاع الحرب، استضافت مدينة جدة العام الماضي، بمبادرة سعودية - أميركية، محادثات بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، أفضت إلى توقيع «إعلان جدة الإنساني»، الذي نصّ على حماية المدنيين، والمرافق الخاصة والعامة، والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية. وتتمسك الحكومة السودانية بتنفيذ مخرجات «اتفاق جدة»، قبل الانخراط في أي مفاوضات مباشرة مع «قوات الدعم السريع».

توحيد الجهود

وترى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفيرة منى عمر، أن «توحيد جهود الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة السودانية، سيسهم في تحريك حلول وقف إطلاق النار»، موضحة: «أدى تضارب الرؤى والمسارات الدولية، بسبب كثرة المبادرات والتدخلات التي خرجت من دول أفريقية وإقليمية ودولية، إلى إضعاف أي تحركات لوقف الحرب السودانية».

وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «التنسيق الرباعي بين مصر والإمارات والسعودية والولايات المتحدة، سيسهم في دفع جهود إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب على الأقل بصورة أكثر فاعلية»، مشيرة إلى أن «هناك مناطق مثل الفاشر في دارفور وولاية الجزيرة، تعاني من أوضاع إنسانية مأساوية».

ودعت إلى ضرورة تركيز تحرك الرباعي الدولي على «جهود وقف إطلاق النار، وأعمال الإغاثة، وصياغة خريطة طريق سياسية، تنهي الأزمة السودانية».

سودانيون يتلقون العلاج في مستشفى ميداني أقيم بمدينة أدري التشادية المحاذية للحدود مع السودان أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

ويواجه السودان «واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية حالياً»، حسب تقديرات الأمم المتحدة، وأشار مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم، إلى أن «أكثر من نصف سكان السودان، يواجه خطر المجاعة والكوارث الطبيعية، مما يؤدي لانتشار الأوبئة»، وخلال زيارته لمدينة بورتسودان، في سبتمبر (أيلول) الماضي، شدّد على أن «الأزمة الإنسانية بالسودان، لا تجد اهتماماً كافياً دولياً».

دول مؤثرة

وباعتقاد الباحث السياسي السوداني المقيم في مصر، صلاح خليل، فإن «تشكيل رباعية من الدول صاحبة التأثير في الساحة السودانية، قد يحرك مسار الحلول السلمية، وتفعيل مسار جدة»، مشيراً إلى أن «توحيد جهود هذه الأطراف، سيسهم في تغيير مسار الأزمة السودانية»، منوهاً بأن «الدول الأربع تؤيد العودة لمسار جدة».

ورجح خليل، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، مشاركة الحكومة السودانية في مسار مفاوضات «الآلية الرباعية حال العودة إلى مسار جدة، ولن تقاطعه كما فعلت في مبادرة جنيف».

وأشار إلى أن «فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية، قد يغير من معادلة التأثير الدولي في الحرب داخل السودان».

وكان السفير السوداني في القاهرة عماد الدين عدوي، شدّد على «تمسك بلاده بمسار جدة، بوصفه آلية للتفاوض لوقف الحرب»، وقال في ندوة استضافتها نقابة الصحافيين المصرية نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن «بلاده ترفض المشاركة في أي مبادرة أفريقية، إلا بعد عودة عضوية السودان للاتحاد الأفريقي».