«بيتكوين» تفرض نفسها على جدول أعمال مجموعة العشرين

ستطلب دول أوروبية أبرزها فرنسا من رئاسة مجموعة العشرين، التي هي الأرجنتين الآن، وضع قضية العملات الرقمية عموماً و«بيتكوين» خصوصاً على جدول أعمال اجتماع مرتقب للمجموعة في أبريل (نيسان) المقبل. وسيُفتح نقاش حول كيفية تنظيم ومراقبة هذه العملة، التي أثار ارتفاع سعرها على نحو مثير أسئلة حول العالم عن ماهيتها، وما إذا كانت فقاعة ستنفجر وتسبب أزمة مالية جديدة.
وقالت مصادر وزارة الاقتصاد الفرنسية إن «فرنسا ودول أوروبية أخرى ستدفع باتجاه نقاش عميق حول القضية، لا سيما تقييم مخاطر هذه العملة واحتمالات تنظيم تداولها». وأضافت أن «على وزراء مالية مجموعة العشرين بحث حماية أصحاب المدخرات والاستثمارات، لأن مخاطر المضاربات القائمة حالية واضحة للعيان ولا لبس فيها».
إلى ذلك، أكدت المصادر عينها أن هناك مسألة استخدام العملات الرقمية المشفرة في عمليات تجارة المخدرات وتمويل الإرهاب، فضلاً عن غسل الأموال وأنشطة غير شرعية أخرى.
كانت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد اتفقت الجمعة الماضية، على تعزيز مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي تجري على منصات العملات الرقمية.
وبين الإجراءات التي طُرحت، إعلان نهاية سرّية المعاملات على تلك المنصات، بعدما أكد محققون أوروبيون أن اعتداءات إرهابية مُوِّلت جزئياً بتلك الوسيلة. لذا قرر الأوروبيون أن على منصات عمليات «بيتكوين» -بالإضافة إلى مورّدي مَحافظ تلك العملة وحامليها لحساب العملاء- إعلان أسماء المستخدمين بكل شفافية، بما في ذلك أصحاب البطاقات المسبقة الدفع بهذه العملات المشفرة.
وهذه الإجراءات يفترض أن تقرها الدول الأوروبية رسمياً على مستويات الحكومات والبرلمانات، لتتحول إلى قانون في المرحلة القريبة المقبلة.
ويُذكر أن أشهر عملة رقمية الآن، وهي «بيتكوين»، سجلت مع نهاية الأسبوع الماضي مستويات أسعار قاربت 18 ألف دولار للوحدة.
ويأتي هذا القرار الأوروبي بعد أن كسبت عملة الـ«بيتكوين» 1700 في المائة منذ بداية العام، و«غذّى صعودها الصاروخي المخاوف من فقاعة مضاربية قابلة للانفجار على نحو مدمر»، حسب تعبير أحد المفوضين الأوروبيين.
ويذكر أن ذلك الاتفاق احتاج إلى سنة كاملة من النقاشات بين البرلمانيين والمفوضين الأوروبيين للوصول إلى قناعات مشتركة تمخض عنها تقرير اتخاذ إجراءات. علماً بأن بعض الدول كانت مترددة أو معارضة للإجراءات الرامية إلى الشفافية، خشية أن يؤثر ذلك سلباً في شركات ومصارف. وبين تلك الدول كانت بريطانيا ومالطا وقبرص ولوكسمبورغ وآيرلندا، أي الدول التي تعتمد اقتصاداتها كثيراً على القطاع المالي، وهي عادةً تتجنب تعقيدات التشدد في هذا المجال وتفضل تحرير الأسواق منها.
وبعد صدور القانون سيمكن للسلطات والأشخاص ادعاء حق شرعي بالوصول إلى معلومات وبيانات المستفيدين من عمليات العملات الرقمية.
ويؤكد اقتصاديون أوروبيون أن «عملة بيتكوين شكلت فقاعة بارتفاع أسعارها على النحو الذي شهده تداولها خلال 2017. وهي لا ترتكز إلى شيء ملموس بعكس الذهب والأسهم على سبيل المثال... لكن نجاحها يعتمد على إمكانية الدفع بها مباشرة من دون المرور بالقنوات التقليدية اعتماداً على تقنية (بلوكتشين)».
ويقول رئيس مجلس إدارة بنك «يو بي إس» السويسري، آكسا ويبير، إنه على السلطات المالية والنقدية الإسراع إلى التدخل لأن «(بيتكوين) ليست عملة» برأيه، وأضاف محذراً المستثمرين من «استقلال القطار وهو سائر بسرعة خيالية»، مؤكداً أنها فقاعة وستنفجر، لأن لأي عملة تقليدية جملة وظائف أساسية، و«بيتكوين» لا تلبي أي واحدة منها.
لكن هل تهدد هذه العملة الدول والبنوك المركزية التي ستجد نفسها مسلوبة سلطات الإدارة النقدية مع كل المخاطر التي يمكن أن تنتج عن ذلك؟ الجواب برأي بعض كبار المصرفيين الأوروبيين أنه «لا سبب وجيهاً للخوف بتاريخ اليوم، وحتى إلى أمد مقبل غير قصير». ويضيف هؤلاء: «هي وحدة حساب خاصة تُستبدل بعملات كلاسيكية على العديد من المنصات، ومخزونها يصعد بوتيرة ثابتة مع الوقت مع حد أقصى يبلغ 21 مليون وحدة، وهو سقف المعادلات الرياضية والحسابية الذي يحكم (إنتاج أو تعدين) هذه العملة، أي أن مخاطرها يفترض أن تكون محسوبة».
وعند إطلاقها في عام 2009، كانت قيمة الوحدة الواحدة من «بيتكوين» 12 دولاراً، وهي الآن تحوم حول مستويات 18 ألف دولار. ومع ذلك، فإن هذا الصعود الهائل والتقلب المثير لم يؤثر في أي سياسة نقدية ولا في أي نشاط اقتصادي. كل ما في الأمر أن المتعامل بها يمكن أن يثري أو يفتقر، وهذا كل شيء، برأي اقتصاديين شاركوا في نقاشات في المفوضية الأوروبية.
وأضافوا: «أن (بيتكوين) لا تلبي أي شرط من شروط العملة الحقيقية: عملة صرف، ورواتب، ومخزون قيمة... بيد أنه في الشرط الأول تقترب (بيتكوين) من التلبية، لكنها بعيدة جداً عن كونها عملة صرف ودفع عالمية مثل الدولار أو اليورو، حتى لو أن نحو 100 ألف متجر وشركات مثل (باي بال، ومايكروسوفت، وديل، وتيسلا) تقبل (بيتكوين)... ومع ذلك هذه العملة بعيدة عن أن تكون مثل أي عملة كلاسيكية أخرى تُقبل لشراء وبيع خدمات وسلع. وبالنسبة إلى الوظيفتين الأخريين، فبالنظر إلى تقلباتها العالية جداً، من البديهي ألا تلبي شروط العملة الكلاسيكية، خصوصاً مخزن القيمة الموثوق وشبه الثابت على مر الزمن».
وبرأي غير القلقين، يجب التوقف عن الهلع والخوف من هذه العملة الجديدة التي هي أصل مالي بميزات خاصة جداً، ومضاربية بامتياز، لكنها ليست عملة. وعلى البنوك المركزية ألا تهتم بشكل استثنائي حتى لو تشكلت فقاعة. في المقابل، على منظمي أسواق المال وهيئات رقابة البورصات الالتفات إلى كيفية تجنب المخاطر النظامية، إذا تبين أن هناك مخاطر في التداول، علماً بأن قيمة «بيتكوين» حالياً لا تشكل 1% من الكتلة النقدية الأميركية. ومع الوصول إلى سقف الـ21 مليون وحدة، وبالأسعار الأعلى كما هي الآن، لن تشكل «بيتكوين» أكثر من 1.5% من تلك الكتلة النقدية، أي أنها بعيدة مسافات ضوئية عن حجم عملة مثل الدولار.
ويُذكر أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يُجري تحقيقاً حول العملات الرقمية في الوقت الراهن، لكنه ليس متحمساً لفكرة إصدار تعليق علني حول «بيتكوين» لأن القضايا الفنية المتعلقة بالتكنولوجيا ما زالت قائمة، وأن الحوكمة وإدارة المخاطر ستكونان حاسمين في هذا الشأن، لكنه يرى أن قضايا الخصوصية المتعلقة بالعملات الرقمية تشكل تحدياً كبيراً.
أما البنك المركزي الأوروبي، فحذر مراراً وتكراراً من مخاطر الاستثمار في العملات الرقمية، وشبهها بهوس التوليب في هولندا خلال القرن السابع عشر. لكن رئيس البنك ماريو دراغي أكد أن «تأثير العملات الرقمية على اقتصاد منطقة اليورو محدود، ولا يشكل أي تهديد، لسيطرة البنوك المركزية على الأموال».
من جهتها، أكدت الصين بسط سيطرتها الكاملة على العملات الرقمية، وأنشأت فريقاً بحثياً لتطوير الأموال الافتراضية، ويؤكد بنك الشعب الصيني أن الظروف باتت مواتية لاحتضان التكنولوجيا الجديدة. لكن ذلك يجري في موازاة حملة ضد مصدّري العملات الرقمية.
وفي اليابان، قال البنك المركزي إنه لا يملك أي نيات لإصدار عملات رقمية، معتبراً الخطوة تستدعي إعادة النظر في القضايا الأساسية للبنوك المركزية، مؤكداً في الوقت ذاته أهمية تعميق المعرفة بها. وبينما يرى بنك إنجلترا (المركزي) أن العملات الرقمية جزء من ثورة محتملة في القطاع المالي، يحذر «المركزي» الفرنسي بشدة من ثغرة عدم وجود مؤسسة عامة وراء «بيتكوين» لتوفير الثقة لها؛ وبها.