الجزائر: قيادي إسلامي يشكو الحكومة بسبب {تجاوزات} الأمن

بن حاج قال إنه ممنوع من التنقل خارج ولاية العاصمة

TT

الجزائر: قيادي إسلامي يشكو الحكومة بسبب {تجاوزات} الأمن

قال علي بن حاج، القيادي الإسلامي الجزائري المثير للجدل، لـ«الشرق الأوسط» إنه رفع أمس بلاغا للنائب العام، يشكو فيه الحكومة «التي تمنعني من أبسط حقوقي كمواطن، وهي الحق في التنقل خارج ولاية العاصمة، والحق في حرية التعبد واختيار المساجد، التي أرغب الصلاة فيها، والحق في حضور الجنائز والولائم، والحق في زيارة الأقارب والأصهار خارج ولاية العاصمة، بالإضافة إلى حق حضور التجمعات والوقفات المظاهرات والمسيرات».
وذكر نائب رئيس «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» سابقا في البلاغ: «أيها النائب العام، أعلم أنني منذ خروجي من السجن العسكري في 2 يوليو (تموز) 2003 وأنا أتعرض لمظالم وتجاوزات، وأنا تحت المراقبة الأمنية اللصيقة صباح مساء، ما تسبب لي في متاعب ومشاكل ومصادمات واعتقالات، وذلك لمدة قرابة 15 سنة، بعد أن قضيت مدة سجن 12 سنة ظلما وعدوانا»، في إشارة إلى إدانته عام 1992 بتهمة «تهديد أمن الدولة»، ومعه رئيس «الجبهة» سابقا عباسي مدني، المقيم في قطر حاليا مع أبنائه.
وحمّل بن حاج، النائب العام «المسؤولية القانونية والشرعية عما يحدث لي من مضايقات وتجاوزات، وأنت المسؤول عن الشرطة التي تفرض علي القيود».
وتحدث بن حاج عن «معاملة قاسية فريدة من نوعها، تخالف أحكام الشريعة ومواد الدستور بشأن حقوق المواطنين المشروعة، فهذا اعتداء وعدوان على حقوق المواطن والإنسان. والرقابة القضائية أو السوار الذي يوضع للمساجين، هو أهون بكثير مما أتعرض له يوميا صباحا ومساء من مطاردة وملاحقة وعراك في الشوارع مع رجال قوات الأمن. فأين أنت من هذا التصرف الشائن البغيض الممقوت، أم أنك شريك في هذه العملية؟».
ونقل بن حاج عن رجال الأمن الذين يقتفون أثره: «قالوا هذه تعليمات فوقية لا نقدر على مخالفتها وإلا سنصبح عرضة للعقوبة، ودخلت معهم في عراك ومشادات مما جعلهم يستخدمون القوة، بدعوى الإكراه البدني في مرات كثيرة، وقد تم كسر ساقي في إحدى المشادات».
ودرج بن حاج على تبليغ مواقفه ومواقف حزبه «جبهة الإنقاذ» (تم حلها بقرار قضائي صادر في 1992)، في المساجد خاصة أيام الجمعة، حيث يجمع حوله المصلين بعد صلاة الجمعة، وهو ما يسبب إزعاجا للأئمة الذين تطالبهم وزارة الشؤون الدينية بمنع القيادي الإسلامي من إلقاء الدروس. ومنعت السلطات بن حاج من العودة إلى السياسة بموجب «قانون المصالحة» الصادر في 2006 دون ذكره بالاسم، بذريعة أن قادة «الإنقاذ» مسؤولون عن الدماء التي سالت فيما يعرف بـ«العشرية السوداء»، أي تسعينات القرن الماضي.
وكان بن حاج قد دعا إلى «جمعية تأسيسية منتخبة»، لصياغة دستور جديد يعرض على الاستفتاء الشعبي، بحجة أن الدستور الحالي «غير شرعي».
وكان رئيس الوزراء الحالي أحمد أويحيى قد طلب من رئيس الشرطة ورئيس الدرك مطلع 2017 (كان حينها مديرا للديوان برئاسة الجمهورية)، منع بن حاج من حضور جنائز وولائم الإسلاميين على أساس أنه يتخذها فرصة لمخاطبة أنصاره، ويشجعهم على معارضة النظام.
وقال بن حاج في شكواه: «اعلم أيها النائب العام أن أي دولة تخرق حقوق الناس ولا تقيم العدالة، فهي تدفع الناس إما لعدالة الشارع أو لعدالة الخارج في غياب عدالة الداخل، فالظلم سبب خراب الدول والعمران».
يشار إلى أن نجل بن حاج، عبد القهار التحق قبل سنوات بـ«تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، وظهر في شريط فيديو بمعية خمسة من رفاقه في غابة، أحدهم كان يستعد لتنفيذ عملية انتحارية بواسطة عربة معبأة بالمتفجرات. وهدد عبد القهار السلطات بـ«مزيد من الهجمات». وأشيع مؤخرا أنه قتل في عملية عسكرية شرقي العاصمة، وصرح والده بأنه لا يصدق مقتله إلا في حالة تسلم جثته.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.