كيف يصبح الشباب المنحرف إرهابياً؟

الإرهاب والجريمة المنظمة في عصر «الهجانة»

عناصر من {قوات سوريا الديمقراطية} في الرقة بعد هروب فلول {داعش} في أغسطس (آب) الماضي (رويترز)
عناصر من {قوات سوريا الديمقراطية} في الرقة بعد هروب فلول {داعش} في أغسطس (آب) الماضي (رويترز)
TT

كيف يصبح الشباب المنحرف إرهابياً؟

عناصر من {قوات سوريا الديمقراطية} في الرقة بعد هروب فلول {داعش} في أغسطس (آب) الماضي (رويترز)
عناصر من {قوات سوريا الديمقراطية} في الرقة بعد هروب فلول {داعش} في أغسطس (آب) الماضي (رويترز)

يعتقد عالِم الإجرام جان فرنسوا جيرو في كتابه الذي صدر له أخيراً بعنوان «من الإرهاب إلى العصابات... الهجانة: الوجه الجديد للعنف»، أن الإرهاب اليوم يعيش حقبة جديدة استطاعت من خلالها الجريمة المنظمة كسر الحدود القائمة بين عالمها المافيوي والإرهاب. ومن هنا ينطلق الخبير الدولي الفرنسي ليؤكد أن الحدود التقليدية بين الطرفين قد تلاشت تماماً، وأن الانفصال الذي نعيشه اليوم بين الإرهاب والجريمة المنظمة هو في الحقيقة إجرائي، وجاء بعد فترة طويلة كان كل منهما يعيش باعتباره فئة ضيقة، ليجدا نفسيهما اليوم في طفرة غريبة تجسد نوعاً جديداً من الاتصال الشبكي بين الجانبين.
وليس من الغريب أن نجد المقاتلين الماركسيين الثوريين يعيشون من الاتجار بالكوكايين، بينما المجموعات القومية المسلحة تدعم وتمارس أعمال اللصوصية، كما تحول رجال العصابات إلى الإرهاب المتطرف. كل ما سبق يؤكد أننا في حقبة جديدة أطلق عليها مستشار التنسيق الوطني للاستخبارات ومكافحة الإرهاب (المتصل بالرئاسة الفرنسية) جان فرنسوا جيرو «التهجين»، مما يفيد بأن التشابك والاختلاط بين الجريمة المنظمة والإرهاب أصبح قاعدة، وأن كل منهما محفز للآخر، وأن تفسير أسباب انتشار أحدهما بمعزل عن تطور الآخر لا يقدم تحليلاً علمياً لما نعيشه من تهديد كبير للاستقرار والسلم العالمي.
في هذا السياق التبادلي المعقد بين الجريمة والإرهاب، يمكن فهم الانتقال السلس للشباب من عالم الجريمة إلى حضن الجماعات الإرهابية، مثل «القاعدة» و«داعش»، كما يمكننا هذا التحول الجديد من تفسير ظهور الميليشيات على سطح الأحداث السياسية لمناطق التوتر الدولي، فبشكل مفاجئ ظهرت قوى غير نظامية مقاتلة، مع نهاية الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي والغرب.
واليوم، فرض فاعل جديد نفسه في ساحة القتال المسلح، وتميز بأنه لا يخضع للجيوش الوطنية، وهو يعبر عن نفسه عبر تنظيمات معقدة التركيب ولها دهاء كبير، وتوحدها خاصية «الهجانة»، بمعنى المزج بين النشاط السياسي وممارسات العصابات.
وتبعاً لذلك، يجب أن نستغرب كون الشباب المنحرف والمحترف للجريمة المنظمة يمارسون الإرهاب بالغطاء الديني المزيف، ذلك أن «الفاعلين السياسيين»، مثل الإرهاب أو الميليشيات، وكذا الجهات الفاعلة في «القانون العام»، مثل العصابات أو الكارتلات أو المافيا، الذين عاشوا بالأمس انفصالاً حقيقياً، في الفضاءات العامة بفعل منطق الحرب الباردة، وجدوا أنفسهم، فجأة، على مسرح موحد لهم هو «العنف المفترس».
لم يكن هذا ليحدث لولا قدرة كل من الجريمة المنظمة والتنظيمات الإرهابية على تجنيد الشباب، غير أن التجنيد نفسه يعيش على الاقتيات من الظروف التي أنتجتها العولمة بعد الحرب الباردة، كما ينتعش التجنيد في مناطق التوتر والصراعات الأهلية الدينية والسياسية، وهذا هو سرّ تنامي دور الميليشيات والتنظيمات الإرهابية على المستوى الدولي.
لقد أصبح العنف اليوم معتقداً ذا وجهين، مثل الإله يانوس بيفرون. وهذا التطور الذي انخرطت فيه الجريمة والإرهاب مسلحين بجيش من الشباب المتعدد الجنسيات، والأحوال الاجتماعية، والطوائف والمهارات العلمية والنوازع الآيديولوجية، جعل الخبير جان فرنسوا جيرو يقترح اعتماد شبكة جديدة جذرياً لتحليل العنف ما بعد الحرب الباردة، على اعتبار أن التحولات الجوهرية التي حدثت على ساحة العنف السياسي والإجرامي تشكل طفرة غير مسبوقة من حيث تجنيد الشباب، ومن حيث القدرة الفائقة على التعاون والاتصال بين عالم الجريمة والإرهاب، وعليه، فلم يعد من المقبول علمياً، وواقعياً، اليوم، الحديث عنهما باعتبارهما فضاءين منفصلين، كما كانا قبل سنوات مضت.
فنظرية «الهجانة» التي يطرحها جيرو اليوم باعتبارها نظرية علمية تفسر التداخل بين الجريمة والإرهاب، تجد في الأحداث الإرهابية التي ضربت كلاً من فرنسا وبلجيكا سنتي 2015 و2016 سندها الكبير، بل يمكن القول إن هذه الموجة من الهجمات هي مثال لتطبيق هذه النظرية. فماذا حدث فعلاً؟ إن الذي وقع، هو أن لجميع الشباب مرتكبي هذه الهجمات تقريباً تاريخاً من الإجرام قبل اللجوء إلى الإرهاب، وقد سُجلت ضد مجملهم جرائم، وتحتفظ الشرطة الفرنسية والبلجيكية بسجلات هؤلاء الشباب المتطرفين باعتبارهم مجرمين، لكنهم فاجأوا الجهات الأمنية بقفزهم وبسلاسة، في وقت وجيز، من عالم الإجرام إلى تنفيذ أعمال إرهابية وحشية.
أكثر من ذلك، عندما نرجع بالبحث والتقصي العلمي للبيانات الاجتماعية، والمسار الفردي للإرهابيين، نجد أن التحول من مجرم إلى إرهابي، ليس حالة معزولة وشاذة ووليدة ظروف معينة. بل تجد أن الهجانة كما تطرح هنا لها قوة تفسيرية قوية وتتجاوز غيرها من النظريات التفسيرية المعاصرة التي عالجت ظاهرة الإرهاب المعاصر بشقه الميليشياوي والتنظيمي الديني. فالشباب الذين تحولوا إلى إرهابيين لم يكونوا ممن تلقى تعليماً عالياً، ولا هم من الطبقة الميسورة، بل هم من المهمشين والمنبوذين اجتماعياً الذين يهاجمون مقرات الشرطة ويمارسون السرقة والاتجار في المخدرات وغيرها.
وهؤلاء الشباب في الواقع، ومن الناحية الذهنية، هم أقرب لأعضاء عصابات شوارع لوس أنجليس، أو أعضاء في فرق موسيقى الهيب هوب العنيفة المعروفة عند العصابات الأميركية، وهم في المقابل أبعد عن ذهنية خريجي الأزهر بالقاهرة.
في هذا الإطار يجب فهم «الهجرة المعاكسة» التي أدت لاستقبال تنظيم داعش لأكثر من 40 ألف مقاتل شاب من 110 دول في سنة 2014، أما الإنتربول فقد أفاد في سبتمبر (أيلول) 2017 بأنه تأكد من أن 19000 شخص انضموا إلى «داعش». ولم يكن هذا العدد ليصل للعراق وسوريا لولا التداخل والتشابك الكبير بين التنظيمات المافيوية والإرهاب، واستغلالها لوسائل التواصل الاجتماعي وشبكات الهجرة غير الشرعية الدولية.
وبحسب التقرير الذي أعده منسق الاتحاد الأوروبي لقضايا الإرهاب، جيل دو كيرشوف، نهاية 2016م، فإن إجمالي المقاتلين الأوروبيين الداعشيين نحو 2500 مقاتل. وبحسب المرجع ذاته، فقد قتل منهم 15 إلى 20 في المائة، بينما عاد نحو 30 إلى 35 في المائة إلى دولهم، في الوقت الذي لا يزال ما يقرب من 50 في المائة إلى حدود النصف الأول من 2017 في سوريا والعراق.
وفيما يخص الشباب الفرنسي المسلم الملتحق بـ«داعش»، فعلينا أن نعلم أن الأمر لا يتعلق بأسلمة التطرف أو تطرف الإسلام، هذا الموضوع ناقشه البروفسور والخبير في الجماعات الإرهابية أوليفي روا بتفصيل وهي وجهة نظر محترمة.
بالنسبة لجيرو عالم الإجرام، ومستشار التنسيق الوطني للاستخبارات ومكافحة الإرهاب المرتبطة بقصر الإليزيه، فإن إدراك أبعاد المشكلة يتطلب تجاوز النقاش الرسمي المتعلق بـ«أسلمة التطرف والتطرف الإسلامي».
ما تطرحه نظرية «الهجانة» هو تصور خارج هذا التفسير، لذا فهي تقف على أرضية أخرى وتنظر بعيداً. فمن الواضح أن الواقع الآيديولوجي للسلفية أمر حاسم، و«الخطأ الكبير الذي ارتكب في فرنسا، هو أننا سمحنا بانتشار هذه الآيديولوجية، مما يعني تكريس صورة من صور الانفلات من العقاب».
غير أنه من السذاجة حصر مصدر الإرهاب في العامل الديني، وفي الوقت ذاته، لا يمكن القول إن الإسلام لا علاقة له بذلك، ومن هنا يجب الاهتمام بالجريمة، وبالتفسير الذي تطرحه نظرية «الهجانة». ففي الواقع الفرنسي والأوروبي، نجد آلاف الشباب في الأحياء المهمشة، مثل حي مولنبيك بضواحي بروكسل، وضواحي باريس، يعيشون في عالم الجريمة، ويتعرضون للعقوبات، كما يتعرضون لخطر التجنيد والتحول المفاجئ لمربع الإرهاب.
وهكذا، يمكن الاستدلال بضاحية العاصمة البلجيكية باعتبارها مثالاً لمنطقة تحولت إلى «مولنبيكستان»، تعيش على وقع ثلاث حقائق إجرامية أبطالها هم الشباب بالدرجة الأولى، وهي: أولا: اقتصاد إجرامي مكثف يستند أساساً إلى الاتجار بالمخدرات، وثانياً، تعايش قائم على خلفية للأخلاق التي تشكل أرضاً خصبة للعمل الإرهابي، وثالثاً، سياسات محلية متواطئة مع الوضع القائم، مقابل ضمان السلم الاجتماعي والأصوات الانتخابية. وهذا التهجين السياسي - الإجرامي لا يمكن أن يتجذر إلا في سياق إنكار الواقع، الذي يطرح بشكل ملح انتشار مواضيع العنصرية وكراهية الأجانب، والإسلاموفوبيا.
بكلمة يعتقد صاحب كتاب «من الإرهاب إلى العصابات... الهجانة: الوجه الجديد للعنف»، بأن نظرية «الهجانة» تملك قوة تفسيرية تتجاوز الأطروحات التي درست الظاهرة الإرهابية المعاصرة، وأن تطبيق هذه «النظرية» على كثير من الحالات الإجرامية، في أماكن وسياقات مختلفة جداً، يثبت تطور العلاقة بين الإرهاب والإجرام في المسار والتاريخ، غير أنه لا بد من الاعتراف كذلك بأن بعض الأعمال الإجرامية، تبقى غامضة، ربما لأسباب وظروف وملابسات سياسية، مما يعقِّد الأمر ويجعله صعب التفسير.
وبحسب الرؤية التفسيرية التي كانت سائدة والمنتشرة نظرياً، فمن المفتَرَض أن يشير الاختلاف بين عصابات الإرهاب والجريمة المنظمة إلى تعارُض واضح في الأهداف، والوسائل، على اعتبار أن للإرهاب غرضاً سياسياً، في حين أن المنظمة الإجرامية تسعى فقط إلى الربح. بينما يريد الأول تدمير أو قهر السلطة لأغراض مختلفة (الآيديولوجية والدينية والعرقية)، فإن الجريمة تهدف إلى افتراس المجال الاقتصادي والمالي، وتحقيق تراكم الثروة.
أما اليوم فلم يعد ممكناً اعتماد التصنيف الذي يفصل عالم العصابات والجريمة المنظمة عن الإرهاب وتنظيماته، فالأهداف والوسائل، وطرق الاشتغال نفسها تعرضت للتشابك والاندماج بين الجانبين، ومن هنا تقدم نظرية التهجين نموذجاً تفسيرياً، لتوضيح هذه الظاهرة المعقدة. وبدءاً من تحليلات لويز شيلي وجون بيكاريلي، يقترح كتاب «من الإرهاب إلى العصابات... الهجانة: الوجه الجديد للعنف»، نموذجاً لمسار التحول في العلاقة بين الإرهاب والجريمة، عبر دينامية تاريخية أنتجت التهجين، وتمت عبر أربع عمليات وهي: أولاً، عملية التعاون، ثانياً، التقارب، ثالثاً تحقيق عملية التحول، ورابعاً إنجاز التعايش في المجال الجغرافي. وهكذا وصلنا في الواقع الدولي اليوم إلى الاندماج والتشابك، وبعبارة أخرى، وصنا لمرحلة تم فيها تسييس الجريمة وتجريم السياسة، وعليه يستحيل فصل الإرهاب عن الجريمة المنظمة.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية
في جامعة محمد الخامس - الرباط



العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
TT

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تقوّض وحدة القرار السيادي للدولة، وتمنح الجماعة الحوثية المدعومة من إيران فرصة لمراكمة المكاسب على حساب الاستقرار الوطني.

وجاءت تصريحات رئيس مجلس القيادة اليمني قبل مغادرته العاصمة المؤقتة عدن، الجمعة، متوجهاً إلى السعودية لإجراء مشاورات رفيعة مع شركاء إقليميين ودوليين، في ظل تطورات حساسة تشهدها المحافظات الشرقية، وعلى رأسها حضرموت.

وأكّد العليمي في تصريحات رسمية التزام المجلس والحكومة بنهج الشراكة الوطنية، والمسؤولية الجماعية في استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بموجب مرجعياتها المتفق عليها، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

كما أكّد مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، والإضرار بالأمن والاستقرار، وتعميق المعاناة الإنسانية، أو تقويض فرص التعافي الاقتصادي، والثقة المتنامية مع المجتمع الدولي.

وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني: «إن معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية، وتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، ستظل في صدارة الأولويات الوطنية». وحذّر من أن أي انشغال بصراعات جانبية، لا يخدم سوى المشروع الإيراني، وأدواته التخريبية، ومضاعفة معاناة اليمنيين، وفق ما نقلته عنه وكالة «سبأ» الرسمية.

تغليب مصلحة حضرموت

وأشاد العليمي في تصريحاته بجهود السعودية التي قادت إلى التوصل لاتفاق التهدئة الأخير في محافظة حضرموت (شرق)، مؤكداً أهمية الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والبناء على هذه الجهود الحميدة، وتغليب مصلحة حضرموت وأبنائها، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في اليمن، والمنطقة.

كما جدد دعمه الكامل لقيادة السلطة المحلية والشخصيات والوجاهات القبلية في قيادة مساعي الوساطة، والتسريع بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم المحلية، إنفاذاً لتعهدات مجلس القيادة، وخطته لتطبيع الأوضاع في المحافظة.

مظاهرة في صنعاء حيث العاصمة اليمنية المختطفة دعا إليها زعيم الجماعة الحوثية (أ.ب)

ووجّه العليمي في هذا السياق، قيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، والجهات المعنية في الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والأضرار التي طالت المواطنين، والممتلكات العامة والخاصة، خصوصاً في مديريات الوادي والصحراء، واتخاذ ما يلزم لجبر الضرر، وعدم إفلات المتورطين من العقاب.

كما دعا رئيس مجلس القيادة اليمني جميع المكونات الوطنية إلى نبذ الخلافات، والتحلي بأعلى درجات المسؤولية، وتوحيد الصف في مواجهة التحديات، وإسناد الحكومة للوفاء بالتزاماتها الحتمية، وجعل مصلحة المواطنين، وكرامتهم الإنسانية، فوق كل اعتبار.


تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
TT

تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

عدَّت مصر التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عن فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان قطاع غزة فقط، دون الدخول، عودة لمخطط التهجير المرفوض لديها.

ووسط صخب الانتقادات المصرية الحادة لإسرائيل، أفادت تقارير عبرية بحدوث تأهب إسرائيلي على الحدود مع سيناء، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «تصعيداً إسرائيلياً جديداً وفقاعة إعلامية بلا أي صدى».

وذكرت قناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية، الخميس، أن خلافاً دبلوماسياً حاداً اندلع بين إسرائيل ومصر بعد إعلان الأولى نيتها فتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة لإخراج الفلسطينيين من غزة باتجاه مصر.

وأضافت أن الموقف المصري الذي نفى ذلك أثار ردود فعل حادة في الأوساط الإسرائيلية، حيث علّق مصدر إسرائيلي بلهجة غير معتادة قائلاً: «إسرائيل ستفتح المعابر لخروج الغزيين. إذا لم يرغب المصريون باستقبالهم فهذه مشكلتهم». وقال مصدر أمني إسرائيلي: «رغم بيان المصريين، تستعد إسرائيل لفتح المعبر كما خطط له».

شاحنة بترول مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)

واندلعت شرارة التصعيد الجديد بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء: «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت هيئة الاستعلامات المصرية عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام».

وقالت مصادر مصرية لقناة «القاهرة الإخبارية» إن مصر تؤكد التزامها بمقررات اتفاق وقف إطلاق النار، «بما فيها تشغيل معبر رفح في الاتجاهين، لاستقبال الجرحى والمصابين من غزة، وعودة الفلسطينيين إلى القطاع»، وحذرت من أن «فتح معبر رفح في اتجاه واحد يكرس عملية تهجير الفلسطينيين».

«خطة تهجير مرفوضة»

وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في تصريحات، مساء الأربعاء، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسرياً أو طوعياً خط أحمر بالنسبة لمصر».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أكد رشوان أن بلاده «لن تشارك في مؤامرات تهجير الفلسطينيين»، وذلك رداً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استعداده لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني الخاضع لسيطرة إسرائيل بهدف إخراج الفلسطينيين.

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من الشهر، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إن على «حماس» الالتزام بإعادة جميع الرهائن الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعادت «حماس» جميع الرهائن الأحياء، وعددهم 20، مقابل نحو ألفي معتقل فلسطيني وسجين مدان، لكن لا يزال هناك رفات رهينة واحدة في غزة.

جانب من الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ويرى رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي التصعيد الإسرائيلي «مجرد ضغوط وفرقعة إعلامية ومناوشات متكررة لا تحمل قيمة وليس لها مستقبل، في ضوء معرفتهم الجيدة بالموقف الصارم لمصر برفض تهجير الفلسطينيين خارج البلاد، وأن ذلك لن يحدث تحت أي ثمن»، مضيفاً: «ما تسعى له إسرائيل ضد خطة ترمب، ولن يؤدي لتغيير المواقف المصرية».

فيما يرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن أن ما تثيره إسرائيل «دون داع» يعد أموراً «استفزازية»، يحاول نتنياهو من خلالها الهروب من أزماته الداخلية والتزاماته بشأن اتفاق غزة الذي يشترط فتح المعبر من الاتجاهين للدخول والخروج، مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين تريد العودة، «ولن يكون للإسرائيليين حجة لعدم تنفيذ الاتفاق بعد تسلم آخر جثة».

واستطرد: «موقف مصر حاسم ولا تراجع فيه، حفاظاً على الأمن القومي المصري، وحقوق القضية الفلسطينية».

تأهب على الحدود

بالتزامن مع ذلك، كشفت صحيفة «معاريف»، الخميس، عن أن الجيش الإسرائيلي يعزز استعداداته على حدود مصر والأردن تحسباً لأي تطورات أمنية، لافتة إلى أن الجيش يتعامل مع سيناريوهات قد تتحول فيها التهديدات التكتيكية إلى تحديات استراتيجية.

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن رئيس الأركان إيال زامير قام، مساء الأربعاء، بزيارة ميدانية للواء 80 على الحدود مع مصر، مشيراً إلى «وجود تحديات في الحدود مع مصر والأردن».

وتوترت العلاقات المصرية - الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزة قبل أكثر من عامين، لا سيما مع رفض مصر احتلال إسرائيل محور فيلادليفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدوديين، وإصرارها على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين إليها، وكذلك مع تلويح إسرائيلي مستمر بتعطيل اتفاقية للغاز مع مصر.

وقال العرابي: «تلك الإجراءات الإسرائيلية هي والعدم سواء، وإسرائيل تعلم أنها لا تملك قوة التصعيد، ولا فتح جبهة جديدة؛ لأن الداخل الإسرائيلي سيكون بالأساس ضد أي تصعيد مع مصر، وبالتالي الصدام مستبعد».

وأشار إلى أن هذا النهج متكرر منذ بداية حرب غزة «لتشتيت الاهتمامات والأولويات، وبات لعبة معروفة ولا جدوى منها، وليس أمام إسرائيل سوى تنفيذ الاتفاق، ونسيان أي خطط لتنفيذ التهجير المرفوض مصرياً وعربياً وأوروبياً ودولياً».

واستبعد حسن حدوث أي صدام بين مصر وإسرائيل؛ «لاعتبارات عديدة متعلقة باستقرار المنطقة»، معتبراً التأهب الإسرائيلي على الحدود «مجرد مناوشات لا قيمة لها».


جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
TT

جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)

في خطوة تعكس اشتداد القبضة الحوثية على الحليف الشكلي لها داخل صنعاء، بدأت الجماعة خلال الأيام الماضية الترويج لقيادي في جناح حزب «المؤتمر الشعبي العام» لترؤس حكومتها المقبلة، في وقت أبدت فيه قيادة ذلك الجناح رضوخاً جزئياً لشروط الحوثيين، وعلى رأسها إقالة أمينه العام غازي الأحول من منصبه، بعد اعتقاله واتهامه بالتواصل مع قيادة الحزب المقيمة خارج اليمن.

وكانت أجهزة الأمن الحوثية قد اعترضت في 20 من أغسطس (آب) الماضي سيارة الأمين العام لفرع «المؤتمر» في مناطق سيطرتها، واقتادته إلى المعتقل ومرافقيه مع عدد من القيادات الوسطية، متهمةً إياهم بالتواصل المباشر مع قيادة الحزب في الخارج والتخطيط لإثارة الفوضى داخل تلك المناطق.

وبعد أيام من الاحتجاز، اشترط الحوثيون لعقد أي تسوية عزل الأحول وتعيين القيادي الموالي لهم حسين حازب بديلاً عنه، وهو اسم يلقى معارضة واسعة داخل قواعد الحزب، ويتهمه الكثيرون بالتنكر لمبادئ الحزب ومؤسسه الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، خصوصاً بعد مقتله برصاص الحوثيين نهاية عام 2017.

الحوثيون اشترطوا عزل الأحول من موقعه بصفته أميناً عاماً لجناح حزب «المؤتمر» (إعلام محلي)

وقد سمح الحوثيون لأسرة الأحول بزيارته لأول مرة قبل أيام، غير أنهم تجاهلوا تماماً مطالب الجناح المحسوب على «المؤتمر» بالإفراج عنه أو وقف ملاحقة قياداته. ويشارك هذا الجناح فيما يسمى «المجلس السياسي الأعلى» بثلاثة ممثلين، إلا أن دوره ظل شكلياً، بينما تحرص الجماعة على اختيار رؤساء الحكومات المتعاقبين من شخصيات تنتمي إلى هذا الجناح لكنها تدين لها بولاء كامل.

ومع استمرار ضغوط الحوثيين، أصدر رئيس فرع «المؤتمر» في صنعاء صادق أبو رأس قراراً بتكليف يحيى الراعي أميناً عاماً للحزب إلى جانب موقعه نائب رئيس الحزب، في خطوة عُدت استجابة جزئية لمطالب الجماعة. إلا أن الحوثيين ردوا على هذه الخطوة بفرض حصار محكم على منزل أبو رأس في صنعاء، ما زال مستمراً منذ خمسة أيام، وفق مصادر محلية تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

وتشير مصادر سياسية في صنعاء إلى أن الجناح «المؤتمري» رضخ لهذه الخطوة أملاً في إطلاق سراح الأحول ومرافقيه، إلا أن الجماعة لم تُظهر أي تجاوب، بل صعّدت من قيودها على قيادة الحزب بهدف استكمال السيطرة على هذا الجناح الذي قدّم تنازلات كبيرة ومتتالية منذ مقتل صالح.

تصعيد وضغوط متواصلة

اللجنة العامة، وهي بمثابة المكتب السياسي للحزب في جناحه الخاضع للحوثيين، عقدت اجتماعاً برئاسة الراعي، خُصص لمناقشة الأوضاع الداخلية وتطورات المشهد السياسي. وخلاله جدد الراعي التزام الجناح بوحدة الجبهة الداخلية وتماسكها مع الحوثيين لمواجهة «المؤامرات التي تستهدف استقرار البلاد»، حسب ما أورده الموقع الرسمي للحزب.

وأيدت اللجنة العامة بالإجماع قرار تعيين الراعي أميناً عاماً، مؤكدة تمسكها بوحدة الحزب وضرورة الالتفاف خلف قيادته التنظيمية والسياسية. غير أن اللافت كان غياب رئيس الحزب أبو رأس عن الاجتماع، في ظل استمرار فرض طوق أمني حول منزله، ما يعكس حجم الضغط الذي تمارسه الجماعة لإجبار الجناح على قبول بقية شروطها.

وتشير المصادر إلى أن قيادة «المؤتمر» لا تزال تراهن على إقناع الحوثيين بالاكتفاء بإقالة الأحول، وعدم فرض تغيير كامل في تركيبة القيادة، رغم أن الجماعة لم تُبد أي مرونة حتى الآن، وتواصل استغلال الانقسام الداخلي للحزب لإعادة تشكيله وفق متطلبات مشروعها السياسي.

إعادة إبراز لبوزة

تزامنت هذه التطورات مع تحركات حوثية متسارعة لتسمية رئيس جديد لحكومتهم غير المعترف بها، بعد مقتل رئيس الحكومة السابق أحمد الرهوي وتسعة من وزرائه في غارة إسرائيلية استهدفت اجتماعاً لهم قبل أسابيع.

ولاحظ مراقبون قيام الجماعة بإعادة إظهار القيادي المؤتمري قاسم لبوزة، الذي يشغل موقع «نائب رئيس المجلس السياسي» بصفة رمزية، بعد تغييب إعلامي دام عاماً ونصف العام.

وخلال الأيام الماضية، كثّف لبوزة من زياراته للوزراء الناجين من الغارة، بينما نشطت حسابات حوثية في الإشادة بـ«قدراته ومواقفه»، في خطوة يرى فيها البعض تمهيداً لتسميته رئيساً للحكومة الجديدة.

الحوثيون أعادوا إظهار لبوزة وتغطية تحركاته بعد عام ونصف العام من التجاهل (إعلام محلي)

وتقول مصادر سياسية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن عودة ظهور لبوزة ليست مصادفة، بل هي مؤشر واضح على اختياره من قبل قيادة الجماعة لتولي رئاسة الحكومة، خصوصاً أنه كان أحد أبرز المرشحين للمنصب ذاته قبل تشكيل الحكومة السابقة.

كما أن الجماعة تحرص على استقطاب قيادات جنوبية ضمن جناح «المؤتمر» لتغطية طبيعة الحكومة المقبلة والظهور بمظهر التنوع المناطقي، رغم أن السلطة الفعلية تبقى في يد الجماعة حصراً.

ويرى المراقبون أن إعادة تدوير القيادات الموالية للجماعة داخل «المؤتمر»، ومنحها واجهات سياسية جديدة، يعكس أن الحوثيين ماضون في إحكام السيطرة على ما تبقى من الحزب، وتحويله إلى واجهة شكلية تبرر خياراتهم السياسية والعسكرية، خصوصاً مع ازدياد عزلة سلطة الجماعة داخلياً وخارجياً.