كيف يصبح الشباب المنحرف إرهابياً؟

الإرهاب والجريمة المنظمة في عصر «الهجانة»

عناصر من {قوات سوريا الديمقراطية} في الرقة بعد هروب فلول {داعش} في أغسطس (آب) الماضي (رويترز)
عناصر من {قوات سوريا الديمقراطية} في الرقة بعد هروب فلول {داعش} في أغسطس (آب) الماضي (رويترز)
TT

كيف يصبح الشباب المنحرف إرهابياً؟

عناصر من {قوات سوريا الديمقراطية} في الرقة بعد هروب فلول {داعش} في أغسطس (آب) الماضي (رويترز)
عناصر من {قوات سوريا الديمقراطية} في الرقة بعد هروب فلول {داعش} في أغسطس (آب) الماضي (رويترز)

يعتقد عالِم الإجرام جان فرنسوا جيرو في كتابه الذي صدر له أخيراً بعنوان «من الإرهاب إلى العصابات... الهجانة: الوجه الجديد للعنف»، أن الإرهاب اليوم يعيش حقبة جديدة استطاعت من خلالها الجريمة المنظمة كسر الحدود القائمة بين عالمها المافيوي والإرهاب. ومن هنا ينطلق الخبير الدولي الفرنسي ليؤكد أن الحدود التقليدية بين الطرفين قد تلاشت تماماً، وأن الانفصال الذي نعيشه اليوم بين الإرهاب والجريمة المنظمة هو في الحقيقة إجرائي، وجاء بعد فترة طويلة كان كل منهما يعيش باعتباره فئة ضيقة، ليجدا نفسيهما اليوم في طفرة غريبة تجسد نوعاً جديداً من الاتصال الشبكي بين الجانبين.
وليس من الغريب أن نجد المقاتلين الماركسيين الثوريين يعيشون من الاتجار بالكوكايين، بينما المجموعات القومية المسلحة تدعم وتمارس أعمال اللصوصية، كما تحول رجال العصابات إلى الإرهاب المتطرف. كل ما سبق يؤكد أننا في حقبة جديدة أطلق عليها مستشار التنسيق الوطني للاستخبارات ومكافحة الإرهاب (المتصل بالرئاسة الفرنسية) جان فرنسوا جيرو «التهجين»، مما يفيد بأن التشابك والاختلاط بين الجريمة المنظمة والإرهاب أصبح قاعدة، وأن كل منهما محفز للآخر، وأن تفسير أسباب انتشار أحدهما بمعزل عن تطور الآخر لا يقدم تحليلاً علمياً لما نعيشه من تهديد كبير للاستقرار والسلم العالمي.
في هذا السياق التبادلي المعقد بين الجريمة والإرهاب، يمكن فهم الانتقال السلس للشباب من عالم الجريمة إلى حضن الجماعات الإرهابية، مثل «القاعدة» و«داعش»، كما يمكننا هذا التحول الجديد من تفسير ظهور الميليشيات على سطح الأحداث السياسية لمناطق التوتر الدولي، فبشكل مفاجئ ظهرت قوى غير نظامية مقاتلة، مع نهاية الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي والغرب.
واليوم، فرض فاعل جديد نفسه في ساحة القتال المسلح، وتميز بأنه لا يخضع للجيوش الوطنية، وهو يعبر عن نفسه عبر تنظيمات معقدة التركيب ولها دهاء كبير، وتوحدها خاصية «الهجانة»، بمعنى المزج بين النشاط السياسي وممارسات العصابات.
وتبعاً لذلك، يجب أن نستغرب كون الشباب المنحرف والمحترف للجريمة المنظمة يمارسون الإرهاب بالغطاء الديني المزيف، ذلك أن «الفاعلين السياسيين»، مثل الإرهاب أو الميليشيات، وكذا الجهات الفاعلة في «القانون العام»، مثل العصابات أو الكارتلات أو المافيا، الذين عاشوا بالأمس انفصالاً حقيقياً، في الفضاءات العامة بفعل منطق الحرب الباردة، وجدوا أنفسهم، فجأة، على مسرح موحد لهم هو «العنف المفترس».
لم يكن هذا ليحدث لولا قدرة كل من الجريمة المنظمة والتنظيمات الإرهابية على تجنيد الشباب، غير أن التجنيد نفسه يعيش على الاقتيات من الظروف التي أنتجتها العولمة بعد الحرب الباردة، كما ينتعش التجنيد في مناطق التوتر والصراعات الأهلية الدينية والسياسية، وهذا هو سرّ تنامي دور الميليشيات والتنظيمات الإرهابية على المستوى الدولي.
لقد أصبح العنف اليوم معتقداً ذا وجهين، مثل الإله يانوس بيفرون. وهذا التطور الذي انخرطت فيه الجريمة والإرهاب مسلحين بجيش من الشباب المتعدد الجنسيات، والأحوال الاجتماعية، والطوائف والمهارات العلمية والنوازع الآيديولوجية، جعل الخبير جان فرنسوا جيرو يقترح اعتماد شبكة جديدة جذرياً لتحليل العنف ما بعد الحرب الباردة، على اعتبار أن التحولات الجوهرية التي حدثت على ساحة العنف السياسي والإجرامي تشكل طفرة غير مسبوقة من حيث تجنيد الشباب، ومن حيث القدرة الفائقة على التعاون والاتصال بين عالم الجريمة والإرهاب، وعليه، فلم يعد من المقبول علمياً، وواقعياً، اليوم، الحديث عنهما باعتبارهما فضاءين منفصلين، كما كانا قبل سنوات مضت.
فنظرية «الهجانة» التي يطرحها جيرو اليوم باعتبارها نظرية علمية تفسر التداخل بين الجريمة والإرهاب، تجد في الأحداث الإرهابية التي ضربت كلاً من فرنسا وبلجيكا سنتي 2015 و2016 سندها الكبير، بل يمكن القول إن هذه الموجة من الهجمات هي مثال لتطبيق هذه النظرية. فماذا حدث فعلاً؟ إن الذي وقع، هو أن لجميع الشباب مرتكبي هذه الهجمات تقريباً تاريخاً من الإجرام قبل اللجوء إلى الإرهاب، وقد سُجلت ضد مجملهم جرائم، وتحتفظ الشرطة الفرنسية والبلجيكية بسجلات هؤلاء الشباب المتطرفين باعتبارهم مجرمين، لكنهم فاجأوا الجهات الأمنية بقفزهم وبسلاسة، في وقت وجيز، من عالم الإجرام إلى تنفيذ أعمال إرهابية وحشية.
أكثر من ذلك، عندما نرجع بالبحث والتقصي العلمي للبيانات الاجتماعية، والمسار الفردي للإرهابيين، نجد أن التحول من مجرم إلى إرهابي، ليس حالة معزولة وشاذة ووليدة ظروف معينة. بل تجد أن الهجانة كما تطرح هنا لها قوة تفسيرية قوية وتتجاوز غيرها من النظريات التفسيرية المعاصرة التي عالجت ظاهرة الإرهاب المعاصر بشقه الميليشياوي والتنظيمي الديني. فالشباب الذين تحولوا إلى إرهابيين لم يكونوا ممن تلقى تعليماً عالياً، ولا هم من الطبقة الميسورة، بل هم من المهمشين والمنبوذين اجتماعياً الذين يهاجمون مقرات الشرطة ويمارسون السرقة والاتجار في المخدرات وغيرها.
وهؤلاء الشباب في الواقع، ومن الناحية الذهنية، هم أقرب لأعضاء عصابات شوارع لوس أنجليس، أو أعضاء في فرق موسيقى الهيب هوب العنيفة المعروفة عند العصابات الأميركية، وهم في المقابل أبعد عن ذهنية خريجي الأزهر بالقاهرة.
في هذا الإطار يجب فهم «الهجرة المعاكسة» التي أدت لاستقبال تنظيم داعش لأكثر من 40 ألف مقاتل شاب من 110 دول في سنة 2014، أما الإنتربول فقد أفاد في سبتمبر (أيلول) 2017 بأنه تأكد من أن 19000 شخص انضموا إلى «داعش». ولم يكن هذا العدد ليصل للعراق وسوريا لولا التداخل والتشابك الكبير بين التنظيمات المافيوية والإرهاب، واستغلالها لوسائل التواصل الاجتماعي وشبكات الهجرة غير الشرعية الدولية.
وبحسب التقرير الذي أعده منسق الاتحاد الأوروبي لقضايا الإرهاب، جيل دو كيرشوف، نهاية 2016م، فإن إجمالي المقاتلين الأوروبيين الداعشيين نحو 2500 مقاتل. وبحسب المرجع ذاته، فقد قتل منهم 15 إلى 20 في المائة، بينما عاد نحو 30 إلى 35 في المائة إلى دولهم، في الوقت الذي لا يزال ما يقرب من 50 في المائة إلى حدود النصف الأول من 2017 في سوريا والعراق.
وفيما يخص الشباب الفرنسي المسلم الملتحق بـ«داعش»، فعلينا أن نعلم أن الأمر لا يتعلق بأسلمة التطرف أو تطرف الإسلام، هذا الموضوع ناقشه البروفسور والخبير في الجماعات الإرهابية أوليفي روا بتفصيل وهي وجهة نظر محترمة.
بالنسبة لجيرو عالم الإجرام، ومستشار التنسيق الوطني للاستخبارات ومكافحة الإرهاب المرتبطة بقصر الإليزيه، فإن إدراك أبعاد المشكلة يتطلب تجاوز النقاش الرسمي المتعلق بـ«أسلمة التطرف والتطرف الإسلامي».
ما تطرحه نظرية «الهجانة» هو تصور خارج هذا التفسير، لذا فهي تقف على أرضية أخرى وتنظر بعيداً. فمن الواضح أن الواقع الآيديولوجي للسلفية أمر حاسم، و«الخطأ الكبير الذي ارتكب في فرنسا، هو أننا سمحنا بانتشار هذه الآيديولوجية، مما يعني تكريس صورة من صور الانفلات من العقاب».
غير أنه من السذاجة حصر مصدر الإرهاب في العامل الديني، وفي الوقت ذاته، لا يمكن القول إن الإسلام لا علاقة له بذلك، ومن هنا يجب الاهتمام بالجريمة، وبالتفسير الذي تطرحه نظرية «الهجانة». ففي الواقع الفرنسي والأوروبي، نجد آلاف الشباب في الأحياء المهمشة، مثل حي مولنبيك بضواحي بروكسل، وضواحي باريس، يعيشون في عالم الجريمة، ويتعرضون للعقوبات، كما يتعرضون لخطر التجنيد والتحول المفاجئ لمربع الإرهاب.
وهكذا، يمكن الاستدلال بضاحية العاصمة البلجيكية باعتبارها مثالاً لمنطقة تحولت إلى «مولنبيكستان»، تعيش على وقع ثلاث حقائق إجرامية أبطالها هم الشباب بالدرجة الأولى، وهي: أولا: اقتصاد إجرامي مكثف يستند أساساً إلى الاتجار بالمخدرات، وثانياً، تعايش قائم على خلفية للأخلاق التي تشكل أرضاً خصبة للعمل الإرهابي، وثالثاً، سياسات محلية متواطئة مع الوضع القائم، مقابل ضمان السلم الاجتماعي والأصوات الانتخابية. وهذا التهجين السياسي - الإجرامي لا يمكن أن يتجذر إلا في سياق إنكار الواقع، الذي يطرح بشكل ملح انتشار مواضيع العنصرية وكراهية الأجانب، والإسلاموفوبيا.
بكلمة يعتقد صاحب كتاب «من الإرهاب إلى العصابات... الهجانة: الوجه الجديد للعنف»، بأن نظرية «الهجانة» تملك قوة تفسيرية تتجاوز الأطروحات التي درست الظاهرة الإرهابية المعاصرة، وأن تطبيق هذه «النظرية» على كثير من الحالات الإجرامية، في أماكن وسياقات مختلفة جداً، يثبت تطور العلاقة بين الإرهاب والإجرام في المسار والتاريخ، غير أنه لا بد من الاعتراف كذلك بأن بعض الأعمال الإجرامية، تبقى غامضة، ربما لأسباب وظروف وملابسات سياسية، مما يعقِّد الأمر ويجعله صعب التفسير.
وبحسب الرؤية التفسيرية التي كانت سائدة والمنتشرة نظرياً، فمن المفتَرَض أن يشير الاختلاف بين عصابات الإرهاب والجريمة المنظمة إلى تعارُض واضح في الأهداف، والوسائل، على اعتبار أن للإرهاب غرضاً سياسياً، في حين أن المنظمة الإجرامية تسعى فقط إلى الربح. بينما يريد الأول تدمير أو قهر السلطة لأغراض مختلفة (الآيديولوجية والدينية والعرقية)، فإن الجريمة تهدف إلى افتراس المجال الاقتصادي والمالي، وتحقيق تراكم الثروة.
أما اليوم فلم يعد ممكناً اعتماد التصنيف الذي يفصل عالم العصابات والجريمة المنظمة عن الإرهاب وتنظيماته، فالأهداف والوسائل، وطرق الاشتغال نفسها تعرضت للتشابك والاندماج بين الجانبين، ومن هنا تقدم نظرية التهجين نموذجاً تفسيرياً، لتوضيح هذه الظاهرة المعقدة. وبدءاً من تحليلات لويز شيلي وجون بيكاريلي، يقترح كتاب «من الإرهاب إلى العصابات... الهجانة: الوجه الجديد للعنف»، نموذجاً لمسار التحول في العلاقة بين الإرهاب والجريمة، عبر دينامية تاريخية أنتجت التهجين، وتمت عبر أربع عمليات وهي: أولاً، عملية التعاون، ثانياً، التقارب، ثالثاً تحقيق عملية التحول، ورابعاً إنجاز التعايش في المجال الجغرافي. وهكذا وصلنا في الواقع الدولي اليوم إلى الاندماج والتشابك، وبعبارة أخرى، وصنا لمرحلة تم فيها تسييس الجريمة وتجريم السياسة، وعليه يستحيل فصل الإرهاب عن الجريمة المنظمة.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية
في جامعة محمد الخامس - الرباط



الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
TT

الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)

أدلى الناخبون في الصومال، الخميس، بأصواتهم في انتخابات محلية مثيرة للجدل، تُعدّ الأولى التي تُجرى بنظام الصوت الواحد منذ عام 1969. ويقول محللون إن هذه الانتخابات تُمثل خروجاً عن نظام مفاوضات تقاسم السلطة القائم على أساس قبلي.

وقد نظمت الحكومة الاتحادية في البلاد التصويت لاختيار أعضاء المجالس المحلية، في أنحاء المناطق الـ16 في مقديشو، ولكنه قوبل برفض من جانب أحزاب المعارضة التي وصفت الانتخابات بالمعيبة والمنحازة.

يذكر أن الصومال انتخب لعقود أعضاء المجالس المحلية والبرلمانيين من خلال المفاوضات القائمة على أساس قبلي، وبعد ذلك يختار المنتخبون الرئيس.

يُشار إلى أنه منذ عام 2016 تعهّدت الإدارات المتعاقبة بإعادة تطبيق نظام الصوت الواحد، غير أن انعدام الأمن والخلافات الداخلية بين الحكومة والمعارضة حالا دون تنفيذ هذا النظام.

أعضاء «العدالة والتضامن» في شوارع مقديشو قبيل الانتخابات المحلية وسط انتشار أمني واسع (إ.ب.أ)

وجدير بالذكر أنه لن يتم انتخاب عمدة مقديشو، الذي يشغل أيضاً منصب حاكم إقليم بانادير المركزي، إذ لا يزال شاغل هذا المنصب يُعيَّن، في ظل عدم التوصل إلى حل للوضع الدستوري للعاصمة، وهو أمر يتطلب توافقاً وطنياً. غير أن هذا الاحتمال يبدو بعيداً في ظل تفاقم الخلافات السياسية بين الرئيس حسن شيخ محمود وقادة ولايتي جوبالاند وبونتلاند بشأن الإصلاحات الدستورية.

ووفق مفوضية الانتخابات، هناك في المنطقة الوسطى أكثر من 900 ناخب مسجل في 523 مركز اقتراع.

ويواجه الصومال تحديات أمنية، حيث كثيراً ما تنفذ جماعة «الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» هجمات دموية في العاصمة، وجرى تشديد إجراءات الأمن قبيل الانتخابات المحلية.

وذكر محللون أن تصويت مقديشو يمثل أقوى محاولة ملموسة حتى الآن لتغيير نظام مشاركة السلطة المعتمد على القبائل والقائم منذ أمد طويل في الصومال.

وقال محمد حسين جاس، المدير المؤسس لمعهد «راد» لأبحاث السلام: «لقد أظهرت مقديشو أن الانتخابات المحلية ممكنة من الناحية التقنية».


اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق، بعد لقاء موسع في مدينة ميامي الأميركية قبل نحو أسبوع بحثاً عن تحقيق اختراق جديد.

تلك الاجتماعات الجديدة في مصر وتركيا، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها بمثابة مساعٍ لتفكيك عقبات الاتفاق المتعثر، وشددوا على أن إسرائيل قد لا تمانع للذهاب للمرحلة الثانية تحت ضغوط أميركية؛ لكنها ستعطل مسار التنفيذ بمفاوضات تتلوها مفاوضات بشأن الانسحابات وما شابه.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بيان: «بتوجيه من رئيس الوزراء، غادر منسق شؤون الأسرى والمفقودين، العميد غال هيرش، على رأس وفد ضم مسؤولين من الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك)، والموساد إلى القاهرة».

والتقى الوفد الإسرائيلي مسؤولين كباراً وممثلي الدول الوسيطة، وركزت الاجتماعات على الجهود وتفاصيل عمليات استعادة جثة الرقيب أول ران غوئيلي.

وسلمت الفصائل الفلسطينية منذ بدء المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء ورفات 27 آخرين، فيما تبقى رفات ران غوئيلي الذي تواصل «حماس» البحث عن رفاته، وتقول إن الأمر سيستغرق وقتاً نظراً للدمار الهائل في غزة، فيما ترهن إسرائيل بدء التفاوض لتدشين المرحلة الثانية من الاتفاق بتسلمها تلك الجثة.

وبالتزامن، أعلنت حركة «حماس»، في بيان، أن وفداً قيادياً منها برئاسة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية، قد التقى في أنقرة مع وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في لقاء بحث «مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب على غزة والتطورات السياسية والميدانية».

وحذر الوفد من «استمرار الاستهدافات والخروقات الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة»، معتبراً أنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق وتقويض التفاهمات القائمة».

وجاء اللقاءان بعد اجتماع قبل نحو أسبوعٍ، جمع وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة ميامي الأميركية، وأفاد بيان مشترك عقب الاجتماع بأنه جارٍ مناقشة سبل تنفيذ الاتفاق.

ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، أن اجتماعي القاهرة وأنقرة يأتيان في توقيت مهم بهدف دفع تنفيذ الاتفاق وإنهاء العقبات بشكل حقيقي، والوصول لتفاهمات تدفع واشنطن لزيادة الضغط على إسرائيل للدخول للمرحلة الثانية المعطلة، مشيراً إلى أن مسألة الرفات الأخير تبدو أشبه بلعبة لتحقيق مكاسب من «حماس» وإسرائيل.

فالحركة تبدو، كما يتردد، تعلم مكانها ولا تريد تسليمها في ضوء أن تدخل المرحلة الثانية تحت ضغط الوسطاء والوقت وفي يدها ورقة تتحرك بها نظرياً، وإسرائيل تستفيد من ذلك بالاستمرار في المرحلة الأولى دون تنفيذ أي التزامات جديدة مرتبطة بالانسحابات، وفق عكاشة.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن هذه الاجتماعات تبحث كيفية سد الفجوات، خاصة أن الجثة تمثل عقبة حقيقية، مشيراً إلى أن لقاء «حماس» في تركيا يهدف لبحث ترتيبات نزع السلاح ودخول القوات الدولية، خاصة أن أنقرة تأمل أن يكون لها دور، وتعزز نفسها وعلاقاتها مع واشنطن.

صورة عامة للمنازل المدمرة في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا تزال إسرائيل تطرح مواقف تعرقل الاتفاق، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إن بلاده «لن تغادر غزة أبداً»، وإنها ستقيم شريطاً أمنياً داخل قطاع غزة لحماية المستوطنات، مشدداً على أنه يجب على «حماس» أن تتخلى عن السلاح، وإلا «فستقوم إسرائيل بهذه المهمة بنفسها»، وفق موقع «واي نت» العبري، الخميس.

فيما سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء، إلى تحميل حركة «حماس» المسؤولية عن إصابة ضابط بالجيش الإسرائيلي في ‌انفجار عبوة ناسفة ‍في رفح، وانتهاك اتفاق ‌وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن الحركة الفلسطينية أكدت أن الانفجار وقع في منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالكامل، ورجحت أن يكون الحادث ناجماً عن «مخلفات الحرب».

وجاء اتهام نتنياهو لـ«حماس» قبل أيام من لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الولايات المتحدة. ونقلت تقارير عبرية أن نتنياهو يريد إقناع ترمب بتثبيت «الخط الأصفر» حدوداً دائمة بين مناطق سيطرة إسرائيل و«حماس»؛ ما يعني احتلال إسرائيل لـ58 في المائة من مساحة القطاع.

ويتوقع عكاشة أن تعلن إسرائيل بعد لقاء ترمب أنها لا تمانع من دخول المرحلة الثانية، ولكن هذا سيظل كلاماً نظرياً، وعملياً ستطيل المفاوضات بجدولها وتنفيذ بنودها، ويبقي الضغط الأميركي هو الفيصل في ذلك.

ووفقاً لمطاوع، فإن إسرائيل ستواصل العراقيل وسط إدراك من ترمب أنه لن يحل كل المشاكل العالقة مرة واحدة، وأن هذه الاجتماعات المتواصلة تفكك العقبات، وسيراهن على بدء المرحلة الثانية في يناير (كانون الثاني) المقبل، تأكيداً لعدم انهيار الاتفاق.


«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)
مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)
TT

«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)
مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)

أعاد الاتفاق اليمني لتبادل المحتجزين الذي أُبرم في العاصمة العُمانية مسقط، برعاية أممية، ملف الأسرى والمختطفين إلى صدارة المشهد، مثيراً موجة من التفاؤل الحذر بين اليمنيين، في ظل آمال واسعة بأن يضع حداً لمعاناة آلاف الأسر التي تنتظر منذ سنوات عودة ذويها من السجون ومراكز الاحتجاز.

ويشمل الاتفاق الإفراج عن نحو 2900 محتجز ومختطف لدى طرفي الصراع، في خطوة وُصفت بأنها الأكبر منذ سنوات، وتتقدمها قضية السياسي البارز محمد قحطان، المشمول بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، ما منح الاتفاق بُعداً سياسياً وإنسانياً في آن واحد، ورفع سقف التوقعات بشأن إمكانية تحويله إلى مدخل لإجراءات بناء ثقة أوسع.

وفي هذا السياق، استقبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الخميس، رشاد العليمي، الوفد الحكومي المفاوض المعني بملف المحتجزين، برئاسة عضو مجلس الشورى هادي هيج، حيث استمع إلى إحاطة حول نتائج الجولة الأخيرة من المفاوضات مع الجماعة الحوثية، والمسار الذي قاد إلى توقيع الاتفاق في مسقط.

العليمي يستقبل في الرياض الوفد الحكومي المفاوض بخصوص الأسرى والمحتجزين (سبأ)

وأشاد العليمي بنتائج المفاوضات، عادّاً أن الاتفاق يمثل خطوة إنسانية مهمة، من شأنها التخفيف من معاناة آلاف الأسر اليمنية التي عاشت لسنوات على وقع الغياب والانتظار.

وأكد أن مجلس القيادة الرئاسي والحكومة يضعان ملف المحتجزين وحماية المدنيين ولمّ شمل الأسر ضمن أولويات ثابتة، بوصفها مسؤولية أخلاقية ووطنية لا تقبل المساومة.

كما ثمّن الجهود التي بذلها الفريق الحكومي المفاوض، والدور الذي لعبته السعودية وعمان، إلى جانب الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، مؤكداً أن هذه المساعي أسهمت في كسر جمود أحد أكثر الملفات تعقيداً في الأزمة اليمنية.

وشدّد رئيس مجلس القيادة اليمني على أن الحكومة لن تدخر جهداً في سبيل الإفراج عن جميع المحتجزين والمختطفين والمخفيين قسراً في سجون الحوثيين، داعياً إلى الالتزام بقاعدة «الكل مقابل الكل» دون انتقائية أو شروط، ومطالباً المجتمع الدولي بممارسة أقصى الضغوط لضمان تنفيذ الاتفاق، وإنهاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة بالقوة.

بين الأمل والشك

أثار الإعلان عن الاتفاق حالة من التفاؤل الحذر في أوساط سكان العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى، الذين أنهكتهم سنوات الحرب والانقلاب، وما خلّفته من أزمات إنسانية متفاقمة، يتصدرها ملف المحتجزين.

ويرى سكان تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أن الاتفاق، في حال تنفيذه الكامل دون عراقيل أو تمييز، قد يخفف من معاناة آلاف الأسر، مؤكدين أن ملف الأسرى يُعد من أكثر الملفات إيلاماً في الصراع، حيث لا تكاد تخلو أسرة من قصة احتجاز أو اختفاء قسري.

أسرى يمنيون أفرج عنهم سابقاً على متن طائرة دولية في مطار مأرب (رويترز)

ويقول سامي (اسم مستعار)، وهو عامل بالأجر اليومي من حي مذبح بصنعاء، إن الاتفاق يُنظر إليه بعيداً عن الحسابات السياسية، بوصفه «فرصة حقيقية لعودة آباء وإخوة وأبناء غابوا عن أسرهم لسنوات». لكنه في الوقت ذاته يُبدي تشككه في مدى التزام الجماعة الحوثية، في ظل تجارب سابقة لم تُنفذ كما أُعلن عنها.

من جانبه، يؤكد «أبو عبد الله»، وهو مدرس حكومي في ريف صنعاء، أن أي خطوة تعيد إنساناً إلى عائلته «تستحق الترحيب والدعم»، معبّراً عن أمله في أن يكون الاتفاق بداية لمعالجة بقية الملفات الإنسانية العالقة، وفي مقدمتها رواتب الموظفين وفتح الطرقات.

أسر تنتظر

تعكس شهادات ذوي المحتجزين في صنعاء مشاعر مختلطة بين الأمل والخوف من تكرار خيبات سابقة. تقول أم خالد، والدة أحد المحتجزين منذ تسعة أعوام، إن الأسر «سمعت كثيراً عن اتفاقات لم ترَ النور»، مطالبة بضمانات أممية حقيقية تضمن تنفيذ ما تم التوافق عليه.

أما سامية، زوجة أحد المحتجزين، فتشير إلى أن المعاناة لا تقتصر على غياب المعيل، بل تمتد إلى ضغوط نفسية واقتصادية قاسية، مؤكدة أن الأطفال «كبروا وهم محرومون من آبائهم»، وأن الأسر لم تعد تحتمل مزيداً من الوعود.

اجتماع يمني سابق في عمان بشأن الأسرى والمعتقلين (الأمم المتحدة)

ويرى مراقبون أن اتفاق مسقط جاء في ظل ضغوط دولية كبيرة لدفع الأطراف اليمنية نحو خطوات بناء ثقة، في وقت لا يزال فيه المسار السياسي الشامل متعثراً.

ويجمع المراقبون الحقوقيون على أن نجاح الاتفاق قد يخفف من حدة التوتر، ويفتح نافذة أمل في جدار الأزمة اليمنية الممتدة منذ أكثر من أحد عشر عاماً، شرط أن يُترجم الاتفاق إلى أفعال لا بيانات.