التعاون الأفريقي مع كوريا الشمالية تحت ضغط العقوبات الدولية

تحت شعار محاربة الإمبريالية القديم، أبقت بعض الدول الأفريقية أبوابها مفتوحة مع كوريا الشمالية ومكنت بيونغ يانغ من الحصول على عملة أجنبية لمقاومة الحصار. بيد أن التحدي الكبير في الأشهر الأخيرة الذي واجه به الزعيم كيم يونغ أون العالم من خلال تجاربه النووية وصواريخه، أجبرت بعضاً من أصدقائه على الابتعاد عنه.
لكن يشير تقرير لخبراء الأمم المتحدة نشر في سبتمبر (أيلول) 2017 إلى الاشتباه في استمرار 11 دولة أفريقية في شراكة عسكرية مع بيونغ يانغ. وبحسب التقرير، كما جاء في تحقيق وكالة الصحافة الفرنسية، فإن كوريا الشمالية سلمت أسلحة خفيفة لإريتريا والكونغو الديمقراطية وصواريخ أرض - جو لموزمبيق وحدثت صواريخ ورادارات في تنزانيا ودربت جنودا وشرطيين في أنغولا وأوغندا. وفي ناميبيا ركز الخبراء على شركتين كوريتين شماليتين «مانسوداي أوفرسيز بروجكت» و«كوميد» اللتين شيدتا مقر أجهزة المخابرات ومصنعاً للذخيرة.
وتشهد التحالفات التي أبرمت خلال الحرب الباردة فترة صعبة، كما يبدو، حيث ابتعدت عدة دول أفريقية عن كوريا الشمالية بضغط عقوبات الأمم المتحدة والتهديدات الأميركية، لكن ليس إلى حد القطيعة معها. وتصعب إزالة بصمة بيونغ يانغ في القارة الأفريقية بعد إفساح المجال لها في عدة عواصم. وكثيرة هي القصور والتماثيل التي شيدها مهندسون معماريون كوريون شماليون على النمط الستاليني في ويندهوك ودكار ومابوتو وكينشاسا.
بيد أن التعاون بين كوريا الشمالية وأفريقيا يتجاوز بكثير هذه المعالم اللافتة. وبمرور السنين نسجت بين الطرفين علاقات أوسع بكثير. وتقدر قيمة المبادلات التجارية بين الشريكين بنحو 200 مليون دولار سنوياً. وأهم القطاعات هي المناجم والصيد البحري ثم التسلح. ورغم العقوبات الأممية منذ 2006 ضد بيونغ يانغ بسبب برنامجها النووي العسكري، فإن التعاون استمر. ويقول غراهام نيفيل من مركز البحوث البريطاني «شاتام هاوس»: «إن كثيراً من الدول أبقت على علاقات وثيقة مع كوريا الشمالية»، مضيفاً «أن أكثر من نصف الدول الأفريقية أي نحو 30، ما زالت لديها مبادلات معها». ويتركز قلق المجتمع الدولي على المساعدة العسكرية المحظورة تماماً على الورق.
لكن قطع السودان الجسور معها وطردت أوغندا مستشاريها العسكريين ووعدت بـ«الامتثال التام» للعقوبات الدولية. وأكدت تنزانيا أنها قلصت علاقاتها «للحد الأدنى». وقال وزير خارجيتها أوغستين ماهيغا، لوكالة الصحافة الفرنسية: «نحن لسنا في نزاع مع كوريا الشمالية، لكن برنامجها لصنع أسلحة دمار شامل ليس جيداً لأمن العالم». وتؤكد ناميبيا أنها ألغت كل عقودها مع الشركات الكورية الشمالية. وقال الوزير المكلف شؤون الرئاسة فرنز كابوفي: «تمت القطيعة وحتى مواطنيهم طردوا... انتهى الأمر». بيد أن الأمر ما زال يحتاج إلى تأكيد بحسب الأمم المتحدة، وعبر خبرائها، كما جاء في التقرير عن الأسف لكون معظم الدول المعنية «لم تقدم حتى الآن أجوبة جوهرية».
ومنذ حروب التحرير والاستقلال، كانت كوريا الشمالية حليفاً عسكرياً موثوقاً للأنظمة الماركسية في أفريقيا. ويقول صامويل راماني المحلل في جامعة أكسفورد: «أثناء الحرب الباردة كسبت كوريا الشمالية سمعتها من خلال توفير تدريب ناجع ومضمون للجنود الأفارقة».
وكانت مشاركة الكتيبة الخامسة الزيمبابوية التي دربت بعض الضباط الكوريين الشماليين في القمع الذي أمر به روبرت موغابي بداية من 1982 لمعارضيه، أبرز الأمثلة على هذا التعاون. بيد أن التحالفات مضت أبعد من ذلك.
وبشكل أشمل، فإن العواصم الأفريقية تبدو مترددة في القطع مع كوريا الشمالية رغم ضغوط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية. وغادر 150 خبيراً كورياً شمالياً أنغولا الشهر الماضي، وقالت السلطات إن عقودهم انتهت. وقال وزير الخارجية الأنغولي مانويل أوغوستو لوكالة الصحافة الفرنسية: «علينا احترام تعهداتنا الدولية (...) لكن لا يتعلق الأمر بقطع العلاقات (...) إنه بلد صديق واكب (جهودنا) طوال تاريخنا الطويل كله». وبالتالي يبدو أن كوريا الشمالية لم تخسر آخر «رفاقها» الأفارقة.
وأشار المحلل نيفيل إلى أن «غياب ماضٍ استعماري لكوريا الشمالية ورغبتها في تحدي المضطهدين الغربيين ما زالت بلا شك موضع إعجاب بعض القادة الأفارقة». وأضاف أنه «علاوة على ذلك، فإن إبرام صفقات مع كوريا الشمالية يمكن أن يكون جيداً لبعض الأنظمة، لأنها لا تفرض شروط حوكمة رشيدة مثل الغربيين. وهذا صحيح في مجال التسلح بشكل خاص».