جون بورمان.. المخرج الذي حلق فوق الجوائز

«مملكة ووطن» دراما من السيرة بنكهة كوميدية

المخرج جون بورمان أثناء التصوير  -  من «ملكة ووطن»
المخرج جون بورمان أثناء التصوير - من «ملكة ووطن»
TT

جون بورمان.. المخرج الذي حلق فوق الجوائز

المخرج جون بورمان أثناء التصوير  -  من «ملكة ووطن»
المخرج جون بورمان أثناء التصوير - من «ملكة ووطن»

ليس واضحا بعد ما الذي حدث تماما، فجرى استبعاد الفيلم الجديد للمخرج جون بورمان من المسابقة في مهرجان «كان» الأخير. ليس أن الفيلم، وعنوانه «ملكة ووطن»، ليس جديرا بالتسابق، بل هو أفضل شأنا من ثلاثة أو أربعة أفلام مشتركة بكل تأكيد، وليس أنه وصل متأخرا أو أي شيء من هذا القبيل. على ذلك، جرى عرض هذا الفيلم، الذي يودع فيه المخرج البريطاني حياته المهنية، مؤكدا أنه سيكون فيلمه الأخير، خارج الاختيارات الرسمية كلها.. استقبلته مظاهرة «نصف شهر المخرجين» المستقلة عن الجسد الرسمي للمهرجان ونعمت به.
جون بورمان ليس غريبا عن المهرجان الفرنسي مطلقا إذ شارك عدة مرات وفاز من المرة الأولى بجائزة أفضل مخرج، وذلك عن فيلمه «ليو الأخير» عام 1970. نال كذلك الجائزة نفسها سنة 1998 عن فيلم «الجنرال»، ودخل متسابقا أربع مرات أخرى.
بعيدا عما حدث في المهرجان المنطوي الذي لا يفصح عن أسباب قراراته بطبيعة الحال، فإن جون بورمان، الذي ولد في لندن قبل 81 سنة، من تلك الأسماء التي لا يعيبها إذا ما اشترك الفيلم في مسابقة دولية أم لا. ولا إذا ما فاز بجائزة رئيسة خلال هذا الاشتراك أم لم يفز. من بين أترابه العاملين بالأمس، مثل كن راسل وبيتر ياتس ورتشارد لستر وألفرد هيتشكوك، ومن بين أترابه اليوم كمايك لي وكن لوتش، هو ذلك السينمائي الذي حقق أعمالا رائعة. لا أحد يذكر أي دورة لأي مهرجان أقيم عام 1972. لكنه يعلم أن العام المذكور كان عام فيلم «خلاص» لجون بورمان. ما الفيلم الفائز بمهرجان برلين أو كان أو فينسيا أو القاهرة سنة 1987؟! عليك أن تعود إلى الأرشيف، لكن أحد الأفلام التي التقت عليها قوائم نقاد السينما في ذلك العام وبشدة، هو «أمل ومجد» لبورمان.

* خلاص فلسفي
ميـز جون بورمان السينما البريطانية في الحقبة التي كثر نشاطه فيها (السبعينات والثمانينات) وبرز كأحد أمهر مخرجي تلك الفترة على الصعيد العالمي كذلك. بعد أن عمل في أشغال صغيرة (واحدة منها في مغسلة عمومية) كتب النقد السينمائي وعمل مؤلفا في تلفزيون «BBC» في مطلع الستينات. في عام 1962 ترأس وحدة الإنتاج التسجيلي في فرع المحطة في مدينة بريستول، ثم أخرج للتلفزيون بضعة أفلام من ذلك النوع. أول فيلمين للسينما كانا تسجيليين أيضا (القائمة)، وبعد ذلك انتقل مباشرة إلى هوليوود، وحقق فيها ثاني فيلم روائي له «بوينت بلانك»، بوليسي مختلف من بطولة لي مارفن. فيلمه التالي («جحيم في الباسيفيك») كان أيضا أميركيا، ومن بطولة لي مارفن أيضا (وتاشيرو مفيوني). عاد إلى بريطانيا وأخرج «ليو الأخير» عام 1970، ثم عاد مجددا إلى هوليوود ليقدم أحد أفضل أعماله «خلاص» (1972).
«خلاص» Deliverance كان مفاجأة على صعيد كبير؛ دراما حول أربع شخصيات رجالية تعيش في المدينة (التي لا نراها في الفيلم) تنطلق بقاربين لخوض مغامرة رياضية في نهر منطوٍ على ذاته، عميق بين جبال تلك الولاية الجنوبية البعيدة عن العمران. ما بدأ رحلة استكشاف للطبيعة ورياضة تجديف في نهر قد لا يبقى طويلا على حاله بسبب السد الذي سيقام عليه، يتحول إلى كابوس عندما يعترض قوم من مواطني المنطقة اثنين من هؤلاء، ويعتدون على أحدهم جنسيا. بوصول القارب الثاني تنقلب المعادلة، ويجري إنقاذ الرجلين من آسريهما، ولو أن ذلك سيكون بداية مواجهة حتمية أخرى بين الفريقين، كما بين أبطال الفيلم ومفاهيم الحضارة والحرية والقانون.
الفيلم كان حتميا، رمزيا وفلسفيا، كما كان عنيفا، والممثلون الأربعة، وهم بيرت رينولدز وند بيتي وجون فويت وروني كوكس، تحدثوا عنه طويلا بوصفه أحد أفضل أعماله.
السبعينات كانت فترة مراوحة لجون واين بين السينما الأميركية والأوروبية، وقد انتهت بعد خلافاته مع شركة «وورنر»، عندما حقق لها «طارد الأرواح 2» سنة 1977. أعماله بعد ذلك حافظت على عالميـتها، إنما من دون غطاء هوليوودي. فيها مارس بورمان طموحه الفني على نحو أكثر تحررا هذا من دون التقليل من قيمة أفلامه الأميركية المباشرة التي بدأت بفيلمه البوليسي «بوينت بلانك»، وانتهت بفيلم الرعب «طارد الأرواح 2».
لفترة تالية شهدت «الغابة الزمردية» (1985) و«أمل ومجد» (1987) و«ما وراء رانغون» (1995) و«الجنرال» (1998) ثم «خياط باناما» (2001) و«في بلدي» (2004).
ومع أن كل فيلم من أعماله يختلف عن الآخر كموضوع وكنوع، كما معالجة، إلا أننا نجد أنه وقف وراء أعمال تتعمـق في البحث الصعب؛ عن مفهوم الحياة بلا قوانين في «خلاص» و«جحيم في الباسيفيك»، وعن الروحانيات الفالتة من عقالها الأخلاقي في «طارد الأرواح 2»، وعن الرجل الباحث عن ابنه المفقود في «الغابة الزمردية»، ثم عن الأمل في النجاة من الموت المحتم في «ما وراء رانغون». ثلاثة من هذه الأفلام تقع معظم أحداثها في الغابات، وهي «خلاص» و«الغابة الزمردية» و«وراء رانغون»، رغم ذلك كل منها له قوامه المختلف، مما يجعل من الصعب تحديد نقاط اللقاء بينها.
«ملكة ووطن» Queen ‪&‬ Country هو فيلمه الأخير كما أكد. لكن لا سنوات خبرته، ولا عمره المديد ولا شهرته ونجاحاته ساعدته في تحقيق هذا الفيلم المستقل بسهولة. في إحدى المراحل شهد مشروعه يتفكك إلى أن أنقذه صديق له التقاه في أحد الأيام، وسأله عن أخباره. في اليوم التالي، تسلم بورمان منه حوالة بـنحو 200 ألف جنيه إسترليني ساعدته على المواصلة. لكن النتيجة الماثلة على الشاشة كانت تستحق كل الجهد المبذول في سبيل تحقيق هذا الفيلم الوداعي.
إنه بمثابة مواصلة لما قام به المخرج ذاته قبل 27 سنة عندما حقق فيلمه البيوغرافي السابق «أمل ومجد». حكى آنذاك جزءا من حياته صبيا خلال أحداث تقع تحت وطأة الغارات الألمانية على لندن خلال الحرب العالمية الثانية.
معالجة درامية حانية بنكهة كوميدية لأحداث من الصعب التفريق بين ما هو شخصي وقع فعلا في حياة المخرج وما هو نتاج خيالي لا بد منه. نحن هنا في الخمسينات عند أعتاب أحداث كبرى أخرى، من بينها موت الملك جورج السادس ونشوء حروب ما بعد نهاية الحرب الكبرى. ويليام (كالوم تيرنر) المنضم حديثا للجيش وبيرسي (كالين لأندري جونز) صديقان حميمان برتبة عريف في مواجهة ضابط أول (ديفيد ثيوليس) يمارس قوانين الخدمة العسكرية بالنص الحرفي، مما يتسبب في النهاية بإرساله إلى المصحة النفسية، أو كما يقول الطبيب المعالج: «كان تنفيذ تفاصيل القانون طريقته في حماية نفسه من الانهيار». في مناخ من رفض النظام العسكري، يقوم بيرسي بسرقة راديو آمر المعسكر انتقاما، وهي حادثة تنتهي بإرساله إلى السجن الانفرادي بعد سلسلة أحداث تكشف عن مفارقات وشخصيات أخرى. خارج المعسكر، يأخذنا الفيلم إلى منزل والدي ويليام الجميل (بيت فوق جزيرة وسط نهر التيمس خارج لندن) ويعرفنا بعائلته، وإلى حكاية حب أول في حياة بطله مع امرأة أكبر منه سنـا (ذكرتني قليلا بفيلم حققه روبرت موليغن سنة 1971 بعنوان «صيف 42»). الذروتان هنا هما أيضا محدودتا التأثير الدرامي، لكن المعالجة بأسرها جميلة. في سياق ذلك يقدم المخرج شخصية ويليام شابا يحب السينما فيمر «ملكة ووطن» على أفلام مثل «راشومون» (أكيرا كوروساوا‫ - 1950) و«سنست بوليفارد» (بيلي وايلدر - 1950) من بين أخرى وينتهي بويليام وقد جلب كاميرا تصوير ليبدأ بها مشوار حياته الخاصة. ‬

* أفضل خمسة أفلام لبورمان
1968: (*3)Hell in the Pacific
1970: (*4)Leo the Last
1972: (*4)Deliverance
1987: (*4)Hope and Glory
1998: (*4)The General
:1967(*4)Point Blank



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز