مكاسب قوية لبورصة مصر بفضل آمال الاستقرار عقب فوز السيسي

عرض لشراء 20 في المائة من أسهم «هيرميس» زادها دفعا

جانب من التداولات في البورصة المصرية (أ ب)
جانب من التداولات في البورصة المصرية (أ ب)
TT

مكاسب قوية لبورصة مصر بفضل آمال الاستقرار عقب فوز السيسي

جانب من التداولات في البورصة المصرية (أ ب)
جانب من التداولات في البورصة المصرية (أ ب)

شهدت بورصة مصر قفزة قوية خلال معاملات أمس، وسط آمال بحدوث استقرار سياسي واقتصادي في البلاد، عقب فوز وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي برئاسة البلاد. كما تعززت مكاسب البورصة بفضل عوامل، أبرزها الدعم الخليجي السياسي والاقتصادي للبلاد، وانخفاض الدولار في السوق الموازية، والإعلان اليوم عن عرض شراء لنحو 20 في المائة من أسهم «هيرميس» أكبر بنك استثمار في الشرق الأوسط.
وقفز المؤشر الرئيس لبورصة مصر أكثر من أربعة في المائة، في بداية التعاملات، وزادت القيمة السوقية للأسهم بنحو 12 مليار جنيه (7.‏1 مليار دولار) لتصل إلى نحو 482 مليار جنيه (الدولار يساوي 15.‏7 جنيه مصري).
وبحسب «رويترز»، قال هاني حلمي من «الشروق للوساطة في الأوراق المالية»: «هناك حالة شديدة من التفاؤل في السوق والبلد بشكل عام.. الناس تشتري المستقبل الآن في البورصة».
وحملت الانتخابات بعض الآمال في تحقيق الاستقرار السياسي والإصلاح، خاصة من أجل تقليص تكلفة دعم بعض السلع، مثل الطاقة التي تزيد على نفقات التعليم والرعاية الصحية، وتلتهم ربع ميزانية الدولة.
وأعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية المصرية، أول من أمس، فوز السيسي برئاسة مصر بحصوله على 91.‏96 في المائة من الأصوات الصحيحة في الانتخابات التي جرت، الأسبوع الماضي.
وقال حلمي: «هناك تراجع في سعر الدولار في السوق الموازية، ودعم كبير من الخليج.. الناس متفائلة حقا».
ومنذ انتفاضة عام 2011، وما تلاها من اضطرابات سياسية واقتصادية ظهرت فجوة كبيرة بين السعر الرسمي للجنيه المصري وسعره في السوق السوداء، حيث تباع العملة سرا في متاجر وأزقة بعيدا عن أعين السلطات. لكن منذ الإعلان عن فوز السيسي بالرئاسة تشهد العملة الخضراء تراجعا في السوق الموازية.
ودعا العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، يوم الثلاثاء، إلى عقد مؤتمر للمانحين لمساعدة مصر في تجاوز أزمتها الاقتصادية، وذلك فور الإعلان رسميا عن فوز السيسي في انتخابات الرئاسة.
وقال أحمد سمير من «مينا لتداول الأوراق المالية»: «الدعم الخليجي من الأسباب الرئيسة في صعود السوق بجانب الإعلان، أمس، عن عرض لشراء أسهم من (هيرميس)».
وأعلنت الهيئة العامة للرقابة المالية المصرية، أمس، أن شركة هولندية تدعى «نيو إيجيبت إنفستمنت فاند»، و«بلتون» المصرية، أودعتا، أمس، عرض شراء اختياريا لشراء 20 في المائة من أسهم «هيرميس» بسعر 16 جنيها للسهم، سواء من السوق المحلية أو شهادات الإيداع الدولية. وبارتفاع اليوم تكون السوق قد تعافت بشكل كبير جراء الخسائر الجسيمة التي تكبدتها، بعد الإعلان، الأسبوع الماضي، عن موافقة الحكومة على فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية للسوق والتوزيعات النقدية. وقال محمد جاب الله من «التوفيق لتداول الأوراق المالية»: «إذا زادت قيم التداول أمس عن 2.‏1 مليار جنيه فسيستهدف المؤشر الرئيس مستوى 9300 نقطة، وإذا انخفض التداول عن هذا الحد، فسنستهدف فقط مستوى 8700 نقطة».
وقال سمير: «مؤشرات الاستقرار السياسي ستنعكس بالتأكيد على الاقتصاد والبورصة». وتعمل مصر على تغيير عدد من قوانين الاستثمار وتذليل العقبات من أجل تشجيع المستثمرين الأجانب على العودة من جديد للاستثمار في مصر، بعد فرار عدد منهم، إثر انتفاضة يناير 2011.
وقال حلمي: «من الآن الخبر الاقتصادي هو الذي سيؤثر في السوق».
وفي تحليل لها قالت «رويترز» إنها للمرة الثانية خلال عامين تصبح المجموعة المالية «هيرميس» المصرية هدفا لعرض شراء، مما يبرز جاذبية أكبر بنك استثمار في الشرق الأوسط، لكن التوقيت والسعر هذه المرة دفعا عددا من الخبراء للاعتقاد بأن الصفقة قد لا تعدو مجرد «زوبعة في فنجان».
وقالت «بلتون القابضة»، أمس، في بيان إلى البورصة المصرية إن مجلس إدارتها وافق على تقديم عرض شراء اختياري للرقابة المالية للاستحواذ مع مجموعة مستثمرين على 20 في المائة من أسهم «هيرميس» مقابل 835.‏1 مليار جنيه (6.‏256 مليون دولار) بسعر 16 جنيها للسهم.
وارتفع سهم «هيرميس» سبعة في المائة إلى 48.‏14 جنيه في المعاملات الصباحية، أمس.
وجاء الإعلان بعد يوم من التكهنات المحمومة التي أدت إلى ارتفاع السهم بشدة، مما دفع البورصة لوقف التداول عليه، قبل أن تعلن، أمس، إلغاء كل الصفقات المبرمة، أمس.
وبحسب «رويترز»، فوفقا لمصدرين مطلعين، فإن قطب الأعمال المصري نجيب ساويرس ضمن المستثمرين الذي يسعون مع «بلتون» للاستحواذ على 20 في المائة من أسهم «هيرميس»، سواء من بورصة مصر أو من خلال شهادات الإيداع الدولية.
وقال وائل عنبة من «الأوائل لإدارة المحافظ المالية»: «هذه هي المرة الثانية من ساويرس الذي يحاول فيها الاستحواذ على حصة من (هيرميس). وقد تكون هذه المرة أيضا زوبعة في فنجان، وتفشل الصفقة».
وفي عام 2012 سعى ساويرس مع مجموعة «بلانيت للاستثمار» للاستحواذ على «هيرميس»، ولكن الصفقة توقفت آنذاك ولم تكتمل.
وبحسب «رويترز»، امتنع ساويرس أمس عن التعليق على عرض الشراء الجديد.
وتعد «بلتون» من أكبر المؤسسات المالية في مصر، ويتبعها نحو 17 شركة متخصصة في أنشطة الاستثمار وإدارة الأصول والأوراق المالية وتغطية الاكتتابات، وتبلغ قيمتها السوقية 6.‏216 مليون جنيه، في حين تبلغ القيمة السوقية لـ«هيرميس» في البورصة 063.‏8 مليار جنيه.
ويرى عنبة أنه لا بد من إيقاف التداول على سهم «هيرميس» تماما لحين البت في الصفقة، تلافيا لقفزات غير مبررة في السعر.
وارتفع سهم «هيرميس» في البورصة المصرية 8.‏6 في المائة إلى 06.‏14 جنيه، قبل إيقاف التداول.
وقررت إدارة البورصة أن يكون سعر فتح السهم اليوم 17.‏13 جنيه.
وقال إبراهيم النمر من «نعيم للوساطة في الأوراق المالية»: «العرض قريب من مستهدف سهم (هيرميس) عند 20.‏17 جنيه».
وبحسب «رويترز»، فإن «هيرميس» أكبر بنك استثمار في الشرق الأوسط وتمتلك كثيرا من الشركات التابعة وحصة في بنك الاعتماد اللبناني، وتعمل في أسواق مصر والسعودية والإمارات والكويت والأردن ولبنان وعمان وقطر.
وقال ولاء حازم من بنك الاستثمار المصري (إتش سي): «السعر عادل وتوقيت العرض يراهن على عودة الاستقرار السياسي لمصر ونمو السوق، وبالتالي إمكانية تحقيق عائد له مستقبليا من العرض».
وقال مصدر في «هيرميس» لـ«رويترز»، بشرط عدم نشر اسمه: «لم يتحدث أحد معنا في (هيرميس) لتقديم عرض الشراء، ولم تصل إلينا أي عروض بعد. ولكننا (هيرميس) نرحب بأي مستثمر يتمتع بملاءة مالية مثل ساويرس يريد الاستثمار في (هيرميس) بنحو 250 مليون دولار».
وأضاف المصدر أن «ضح ساويرس استثمارات في (هيرميس) يدل على ثقته في المجموعة وإدارتها الجديدة».
وتولى فريق جديد إدارة مجموعة هيرميس في أواخر العام الماضي بعد استقالة الرئيس التنفيذي المشارك حسن هيكل.
ووافقت الحكومة المصرية هذا الأسبوع على فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية للبورصة، وعلى التوزيعات النقدية، وهو ما كبد السوق خسائر جسيمة، وسط عمليات بيع من قبل المتعاملين الأفراد.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».