كلفة بشرية ومادية {عالية} لتخليص الرّقة من «داعش»

مقتل 3271 مدنياً بينهم 562 طفلاً... وتشريد قرابة نصف مليون شخص

مدنيون هربوا من معارك الرقة مع داعش في أكتوبر الماضي باتجاه سلطة قوات سوريا الديمقراطية (أ.ف.ب)
مدنيون هربوا من معارك الرقة مع داعش في أكتوبر الماضي باتجاه سلطة قوات سوريا الديمقراطية (أ.ف.ب)
TT

كلفة بشرية ومادية {عالية} لتخليص الرّقة من «داعش»

مدنيون هربوا من معارك الرقة مع داعش في أكتوبر الماضي باتجاه سلطة قوات سوريا الديمقراطية (أ.ف.ب)
مدنيون هربوا من معارك الرقة مع داعش في أكتوبر الماضي باتجاه سلطة قوات سوريا الديمقراطية (أ.ف.ب)

دفعت محافظة الرقة شمال سوريا وسكانها المدنيون كلفة عالية جداً للتخلص من تنظيم داعش. فقد قتل 3271 مدنياً، بينهم 562 طفلاً، وشُرِّد قرابة نصف مليون شخص في المعارك التي شهدتها المحافظة في غضون قرابة عام. وجاء في التقرير الذي أصدرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أمس، أنَّ محافظة الرّقة شهدت تقاسما واضحاً وإن كان غير معلن، من قِبَل أطراف النزاع على مناطق مُعيَّنة فيها، ففي حين تركَّزت هجمات قوات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية على الريف الشمالي والغربي والجنوبي وعلى مدينة الرقة، كانت هجمات قوات الحلف السوري الروسي تُنفَذ على الريف الشرقي، ولا سيما القرى الواقعة جنوب نهر الفرات (قرى شامية).
بحسب التقرير فقد تسببت العمليات العسكرية التي شنَّتها أطراف النِّزاع في مدة لا تتجاوز 11 شهراً تشريداً لقرابة 450 ألف نسمة كانت هجمات قوات التحالف الدولي الجوية وقوات سوريا الديمقراطية مسؤولة عن نزوح قرابة ثُلثَيهم، بينما تسببت هجمات قوات الحلف السوري الروسي بتشريد قرابة الثلث.
واستندَ التقرير على عمليات التوثيق والرَّصد والمتابعة اليومية التي يقوم بها فريق الشبكة بشكل يومي تراكمي مستمر، وعلى روايات لناجين وشهود عيان ونشطاء إعلاميين محليين؛ إضافة إلى تحليل عدد كبير من المقاطع المصوَّرة والصُّور التي نُشرت عبر الإنترنت، أو التي أرسلها لنا نُشطاء محليون عبر البريد الإلكتروني أو برنامج السكايب أو عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وسجَّل التقرير انتهاكات الأطراف المتصارعة في معركة الرقة الأولى التي امتدَّت بين 6 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 و19 أكتوبر (تشرين الأول) 2017 حيث نتجَ عنها مقتل 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، و346 امرأة، وما لا يقل عن 99 مجزرة. قتلت قوات التحالف الدولي 1321 مدنياً، بينهم 383 طفلاً، و247 امرأة، وارتكبت 87 مجزرة، في حين قتلت قوات سوريا الديمقراطية 309 مدنياً، بينهم 51 طفلاً، و50 امرأة وارتكبت 4 مجازر. أما تنظيم داعش فقد قتل 693 مدنياً، بينهم 109 أطفال، و49 امرأة وارتكب 8 مجازر.
ووثَّق التقرير في المدة ذاتها ما لا يقل عن 100 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنيَّة 81 منها على يد قوات التحالف الدولي، و7 على يد قوات سوريا الديمقراطية، و12 على يد تنظيم داعش.
ووفق التقرير فقد تم اعتقال ما لا يقل عن 1896 شخصاً، بينهم 28 طفلاً، و33 امرأة في المدة ذاتها، اعتقلت منهم قوات سوريا الديمقراطية 1279 شخصاً، بينهم 19 طفلاً، و22 امرأة، بينما اعتقل تنظيم داعش 617 شخصاً، بينهم 9 أطفال، و11 امرأة.
واستعرض التقرير تفاصيل معركة الرّقة الثانية التي شنَّتها قوات الحلف السوري الروسي بين يوليو (تموز) وأكتوبر 2017. واستطاعت من خلالها السيطرة على معظم مناطق الريف الشرقي الواقع جنوب نهر الفرات، وبحسب التقرير فقد قتلت قوات الحلف السوري الروسي 48 مدنياً، بينهم 19 طفلاً و8 سيدات، كما ارتكبت ما لا يقل عن 5 مجازر، وما لا يقل عن 11 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية في المدة ذاتها.
أكَّد التقرير أنَّ اﻷﻃﺮاف ﻓﻲ معركﺔ الرّقة ارﺗﻜﺒﺖ اﻧﺘﻬﺎﻛﺎت ﺧﻄﻴﺮة ومتعددة ﻟﻠﻘﺎﻧﻮن اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن وﻟﻠﻘﺎﻧﻮن اﻟﺪوﻟﻲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺗﺮﻗﻰ إﻟﻰ ﺟﺮاﺋﻢ ﺣﺮب، ووجَّهت الأطراف هجمات عديدة ضد سكان مدنيين، شملت عمليات قصف جوي أو بري لمناطق مأهولة بالسكان، ولم تَقم هذه القوات بحسب التقرير بتوجيه تحذيرات قبل الهجوم بحسب ما يشترطه القانون الدولي الإنساني.
وجاء في التقرير أنَّ الهجمات التي نفَّذتها قوات الحلف (التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية)، وقوات الحلف السوري الروسي، بصورة عرضية في حدوث خسائر طالت أرواح المدنيين أو إلحاق إصابات بهم أو في إلحاق الضرر الكبير بالأعيان المدنية. وهناك مؤشرات قوية جداً تحمل على الاعتقاد بأنَّ الضَّرر كان مفرطاً جداً إذا ما قورن بالفائدة العسكرية المرجوة.
أوضحَ التقرير أنَّ تنظيم داعش ارتكب انتهاكات واسعة للقانون الدولي الإنساني بحق الأهالي في المناطق الخاضعة لسيطرته عبر عمليات القتل والاعتقال والتعذيب كما سجل منعَ التنظيم الأهالي منَ النزوح من المناطق التي يُسيطر عليها؛ بغرض الاحتماء بهم واستخدامهم دروعاً بشرية.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.