مورينيو المسؤول الأول عن الأداء السلبي ليونايتد في «الديربي»

قبل نهاية الشوط الأول بنحو 10 دقائق، تعالت الصيحات بمختلف أرجاء استاد «أولد ترافورد»: «هاجم! هاجم! هاجم!» ويعود تاريخ هذه الصيحات إلى ستينات القرن الماضي، وكانت جلية على سبيل المثال داخل استاد «ويمبلي» عام 1968، عندما فاز مانشستر يونايتد على بنفيكا في نهائي بطولة كأس أندية أوروبا، مع سيطرة مشاعر الإثارة والحماس على الجماهير، لرفض الفريق بقيادة المدرب مات بسبي الاكتفاء بالتقدم بهدف واحد مقابل لا شيء، في مباراة على قدر هائل من الشحن العاطفي والأهمية.
وبحلول فترة تولي الهولندي لويس فان غال مهمة تدريب مانشستر يونايتد، اتخذت الصيحات نبرة مختلفة، تنتمي لنقطة وسطى بين السخرية من أسلوب في كرة القدم يتركز على الاستحواذ على الكرة، على نحو يخلو من المخاطر، والمطالبة بتقديم كرة قدم أكثر إثارة.
أما الصيحات الأخيرة التي انطلقت من حناجر الجماهير خلال «الديربي» الأخير أمام الجار مانشستر سيتي، فمن المتعذر طرح تفسير لها سوى أنها كانت بمثابة شكوى.
الملاحظ أن جوزيه مورينيو مدرب يونايتد دائماً ما يسعى لتمركز لاعبيه في العمق، ولطالما كان ذلك أسلوبه المميز في اللعب خلال المباريات الكبرى. وعند إمعان النظر في المباريات الثلاث الأخيرة لمانشستر سيتي في إطار الدوري الممتاز، وصعوبة التعامل مع الفرق التي لا تخالجها طموحات تذكر، سوى حرمانه من مساحة للعب، أعرب المدرب جوسيب غوارديولا عن امتعاضه تجاه هذا التوجه الخططي. وبدا التوجه الذي انتهجه مورينيو متوقعاً ومن الممكن تفهمه إلى حد ما؛ لأن استعانته في التشكيل الأساسي بماركوس راشفورد وجيسي لينغارد وأنتوني مارسيال خلف روميلو لوكاكاو، كانت تشير إلى توجه هجومي، ولكن ظهر أنها تشكيلة مضللة. في الحقيقة، المشاركة بأربعة مهاجمين تبدو أمراً إيجابياً؛ لكن سبق له الإقدام على هذا التكتيك مع إنتر ميلان أيضاً، عندما كان يدفع بغوران بانديف وويسلي شنايدر وصامويل إيتو خلف دييغو ميليتو. وفي المباريات الكبرى، كان يهمه اضطلاعهم بمهام دفاعية بانضباط شديد. وربما تكمن موهبة مورينيو الكبرى في قدرته على إقناع المهاجمين بالاضطلاع بأدوار دفاعية، إضافة إلى مهارته في إدارة التوقعات.
وبالفعل، اضطلع اللاعبون الأربعة المتقدمون في صفوف مانشستر يونايتد بأدوار دفاعية، إلا أن أداءهم جاء على نحو أخرق، واتضح بمرور الوقت أنه أتى بنتائج عكس المرجوة تماماً، وبالتحديد فيما يخص لوكاكو. في المقابل، جاء الأداء جيداً ويقظاً فيما يتعلق باللاعبين الذين تولوا اللعب في مساحات واسعة ومراقبة لاعبي الظهير الكامل.
بحلول نهاية الشوط الأول، بلغت نسبة استحواذ مانشستر سيتي على الكرة 75 في المائة، بينما لم يصوب لاعبو مانشستر يونايتد الكرة باتجاه مرمى الخصم سوى ثلاث مرات فقط.
لذا، فإنه من غير المثير للدهشة أن بعض الجماهير صاحبة الأرض أصابها الغضب والتوتر، بينما تشاهد سلسلة من التمريرات الطويلة التي يبدو أنها موجهة بصورة مبهمة باتجاه لوكاكو، أو على الأقل نصف الملعب الذي يجري داخله على نحو يبعث على الشعور بالأسى. وفي نهاية الأمر لا يسعنا سوى الاتفاق مع ما ذكره الكاتب الروسي العظيم ليف فيلاتوف، حول أن كرة القدم القائمة على رد الفعل هي فقط سبيل وحق الضعفاء.
بيد أن مانشستر يونايتد ليس ضعيفاً، وإنما هو النادي الأكثر ثراءً على وجه الأرض. ومع هذا يلعب الفريق بأسلوب لا يتماشى مع صورة النادي القوية والعظيمة. الحقيقة أن ما قد ينجح داخل تشيلسي أو بورتو أو حتى الإنتر، حيث يمكن تقبل فكرة الاعتماد على رد الفعل في مواجهة الخصوم الكبار، ربما لا ينجح بالضرورة عندما تكون أنت واحداً من هؤلاء الخصوم الكبار، مثلما الحال مع مانشستر يونايتد، وكذلك ريال مدريد.
اللافت أن مانشستر يونايتد لعب على هذا النحو أمام توتنهام هوتسبر، وانتظر وقوع لاعبي الخصم في خطأ ما، الأمر الذي تحقق أخيراً. كما لعب بالأسلوب ذاته أمام ليفربول، وظل لاعبو مانشستر يونايتد في انتظار الخطأ الذي لم يأت. هنا، وقعت أخطاء سلطت الضوء على الفرص التي كان باستطاعة مانشستر يونايتد فرض مزيد من الضغوط على الخصم خلالها في وقت مبكر من المباراة. في الواقع، بعد نجاح مانشستر سيتي في الهيمنة على المباراة، فإن مستوى أدائه تراجع على نحو لافت خلال الدقائق الخمس الأخيرة من الشوط الأول.
وجاء الهدف الأول للفريق في أعقاب تمريرتين رديئتين، وبدا كأن اللاعبون فتنوا باستحواذهم على الكرة على نحو أثر سلباً على تركيزهم في إنهاء الهجمات. وجاء هدف التعادل نتيجة ثلاثة أخطاء في التعامل مع تمريرة واحدة بسيطة. وعلى امتداد المباراة، بدا مانشستر سيتي غير مستريح إطلاقاً في التعامل مع الكرات المباشرة التي يوجهها لاعبو يونايتد.
من جهة أخرى، بدا ذلك واحداً من الأيام غير السعيدة بالنسبة لنيكولاس أوتامندي، بينما بدا فابيان ديلف كأنه لاعب خط وسط يلعب في الدفاع، مثلما فعل فيرناندينيو على امتداد ربع ساعة، قبل أن ينقذه الدفع بإلياكيم مانغالا. من ناحيتهما، سنحت فرص أمام لوكاكو وراشفورد حتى قبل تدخل إدرسون حارس سيتي البطولي، ليمنع هدفاً محققاً من دخول مرماه.
وخلال الدقائق الخمس الأخيرة من المباراة، بلغ مانشستر سيتي حداً من التوتر جعله يدفع الكرات نحو أطراف الملعب، رغم تأكيد مدربه المستمر على التزامه بالفكر الهجومي.
في الواقع، ثمة نقاط ضعف ظهرت في صفوف مانشستر سيتي، لكن مانشستر يونايتد، مثلما فعل تماماً أمام ليفربول، لم يكتف بعدم استغلال هذه النقاط، بل لم يسع من الأساس لاستغلالها. وهنا يتضح أن ثمة خيطاً رفيعاً يفصل بين اللعب على أساس رد الفعل والسلبية، والمؤكد أن أداء مانشستر يونايتد خلال الشوط الأول كان يميل للسلبية أكثر.
وعندما تحرك مورينيو أخيراً، جاء ذلك التحرك متأخراً عن موعده المناسب ساعتين، واشتكى المدرب من صوت الموسيقى المرتفع داخل غرفة تبديل الملابس. وهنا ينبغي التأكيد على أن مانشستر يونايتد ليس بـ«الحصان الصغير»، الصورة المجازية ذاتها التي استخدمها مورينيو نفسه خلال موسمه الأول، بعد عودته إلى تشيلسي، في محاولة لشرح السبب وراء إخفاق جهود المنافسة على البطولة.
الحقيقة أن مانشستر يونايتد أكبر وأكثر الفرق نجاحاً على مستوى كرة القدم الإنجليزية، ويبلغ إجمالي ما أنفقه النادي على ضم لاعبين جدد خلال العامين اللذين قضاهما مورينيو معه 250 مليون جنيه إسترليني. وعليه، فإن فريقاً بمثل هذه المكانة الرفيعة لا يمكنه الاعتماد على بول بوغبا (الموقوف 3 مباريات) وحده، وبالتأكيد ليس على مروان فيلايني أيضاً.
وحتى في إطار المناخ الحديث داخل «أولد ترافورد» الذي يهيمن عليه التفكير التجاري، تنتظر الجماهير أكثر من هذا الأداء. والواضح أن الجماهير ستقبل بأي وسيلة ما دامت الغاية تتحقق. والحقيقة أن سير أليكس فيرغسون ذاته لم يكن البطل الخارق مثلما يحلو لكثيرين تصويره؛ لكنه كان قادراً على تحقيق الفوز.
وحتى اليوم، تبدو المعارضة في وجه مورينيو محدودة؛ لكن كلما اتسعت الفجوة في قمة جدول ترتيب أندية الدوري الممتاز، ستزداد التساؤلات التي تطرح حول فاعلية أسلوب لعب الفريق، وسيبقى التساؤل الأكبر: لماذا يتعين على مانشستر يونايتد خيانة صورته الذاتية العظيمة، إذا كانت النتيجة لا شيء سوى الهزيمة؟ خاصة إذا كانت هناك مؤشرات قوية توحي بأن اتخاذه أسلوباً أكثر نشاطاً داخل الملعب ربما يحقق فاعلية أكبر، ويفضح نقاط الضعف لدى الخصم؟.
دعونا لا ننسى أن هذا هو الموسم الثاني لمورينيو الذي عادة ما يبلغ خلاله ذروة تألقه، قبل أن تعاوده أعراض الانحسار في الموسم الثالث، التي لطالما اتسمت بها مسيرته في مجال التدريب.