مصر تعول على «المؤتمرات» لتعويض خسائر السياحة

شرم الشيخ استعادت بريقها كواجهة مفضلة للتجمعات الدولية

ممر «سوهو» السياحي الذي يعتبر أحد أهم أسواق شرم الشيخ يعاني من ضعف الإقبال («الشرق الأوسط»)
ممر «سوهو» السياحي الذي يعتبر أحد أهم أسواق شرم الشيخ يعاني من ضعف الإقبال («الشرق الأوسط»)
TT

مصر تعول على «المؤتمرات» لتعويض خسائر السياحة

ممر «سوهو» السياحي الذي يعتبر أحد أهم أسواق شرم الشيخ يعاني من ضعف الإقبال («الشرق الأوسط»)
ممر «سوهو» السياحي الذي يعتبر أحد أهم أسواق شرم الشيخ يعاني من ضعف الإقبال («الشرق الأوسط»)

تتطلع مصر لاستثمار النجاح اللافت، الذي حققته مؤتمرات دولية مهمة عقدت مؤخرا بمدينة شرم الشيخ (جنوب سيناء)، في إنعاش القطاع السياحي، أحد أبرز الأعمدة في اقتصاد الدولة، والذي شهد تراجعا كبيرا خلال السنوات الماضية، بسبب الاضطرابات الأمنية والسياسية.
وتعاني السياحة المصرية، المصدر المهم للعملة الصعبة إلى جانب إيرادات قناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج، من صدمات وتراجعات كبرى منذ ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، وأصبحت السياحة في حالة متردية، أجهز عليها حادث تفجير طائرة الركاب الروسية في سيناء أواخر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015 الذي قتل فيه 224 شخصا.
يقول اللواء خالد فودة، محافظ جنوب سيناء، لـ«الشرق الأوسط» إن «سياحة المؤتمرات باتت حاليا عنصر جذب مهم للمدينة، وتوجها جديدا لتعويض النقص السياحي الكبير التي تعانيه مصر منذ سنوات، بسبب تداعيات الإرهاب، خاصة في الجزء الشمالي من سيناء... فرغم البعد الجغرافي بين الشمال والجنوب وقوة تأمين المنتجعات السياحية في الجنوب، إلا أنه لا يمكن أن ننكر تأثير تلك الهجمات الإرهابية التي تحدث في جزء صغير في الشمال، على تدفق السياح في المدن الرئيسية في جنوب سيناء ومنها شرم ودهب والطور وغيرها».
وبدأت شرم الشيخ، أهم منتجع سياحي على البحر الأحمر، والملقبة بـ«مدينة السلام»، منذ نحو ثلاثة أعوام في استعادة بريقها كواجهة مميزة للمؤتمرات الإقليمية والدولية، وذلك مع انعقاد المؤتمر الاقتصادي العالمي والقمة العربية عام 2015.
ثم توالت الفعاليات، وآخرها كل من منتدى الشباب العالمي، مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بحضور أكثر من 3000 شاب يمثلون 86 دولة حول العالم، و«منتدى أفريقيا 2017»، الذي اختتم أخيرا، برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وشارك فيه رؤساء 6 دول أفريقية و500 شركة أفريقية ودولية.
يشير اللواء فودة، إلى أن «الدولة تسعى إلى جعل شرم الشيخ مدينة المؤتمرات الأولى على مستوى العالم»، مشيرا إلى أنها «في الوقت الراهن تعد ضمن المراكز الدولية الكبرى للمؤتمرات، وهدفا للمنظمات الدولية والإقليمية لإقامة فعاليات بها».
وأوضح أن «عائد سياحة المؤتمرات على مصر كبير جدا ومهم في ظل الظروف السياسية التي تعيشها البلاد، فمن خلال تلك المؤتمرات، تقدم مصر صورة حقيقة للخارج عنها من حيث مستوى الأمان والاستقرار، وجمال المناظر الطبيعية والسياحية، إضافة إلى تشجيع الاستثمار فيها».
وتابع محافظ جنوب سيناء، أن «تكلفة تنظيم هذه المؤتمرات لا تشكل عبئا على ميزانية الدولة بالنظر إلى العوائد المباشرة وغير المباشرة لتلك التجمعات»، منوها إلى أن «شرم الشيخ تقدم ميزة كبيرة لا تتوافر في كثير من بلدان منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، فهي تتمتع بتجهيزات عالمية لتنظيم المؤتمرات، تشمل بنية أساسية على أعلى طراز، وخدمات فندقية ووسائل ترفيه، وبيئة ذات مناخ متميز طوال فصول العام».
وتتمتع شرم الشيخ بطبيعة ساحرة، وعادة ما تتزين بالزهور والتشجير والأنوار اللافتة في استقبال ضيوف تلك المؤتمرات. يقول الدكتور سلمان بن محمد، الأستاذ بجامعة السلطان قابوس، الذي زار المدينة للمشاركة في ملتقى تعليمي نظمه مكتب اليونيسكو ببيروت، إن «المدينة بالفعل تحتل موقعا متميزا جدا، وتستحق وضعا أكثر من ذلك، فهي لا تقل جمالا عن كبرى المدن السياحية الأوروبية، كما أن مستوى التأمين عال جدا فهي بعيدة كل البعد عن الهجمات الإرهابية».
وتعقد المؤتمرات في ظل تأمين أمني واسع لقوات الجيش والشرطة، مع حملات تمشيطية للوديان والتجمعات البدوية لضبط مخارج ومداخل المحافظة وإحكام القبضة الأمنية من كل الاتجاهات.
وتبذل مصر جهودا حثيثة لتعزيز الأمن في تلك البقعة في إطار مساعي إنعاش قطاع السياحة ورفع حظر الطيران الروسي إلى مصر. إلا أن الهجمات الإرهابية في شمال سيناء، وآخرها مقتل 310 من المصليين في هجوم مسلح على مسجد نهاية شهر نوفمبر الماضي، عادة ما يحبط تلك الجهود.
ويستبشر أهالي شرم الشيخ والعاملون بها، خاصة من أصحاب المحال والبازارات والمقاهي مع انعقاد المؤتمرات الكبرى، فهي بمثابة رسالة طمأنينة على استقرار الأوضاع بالمدينة، حيث تشهد المحال والمناطق التجارية رواجا ملحوظاً، في تلك الأيام.
يقول عم جمال، سائق التاكسي الخمسيني، الذي يرتدي بدلة رسمية منمقة وزعتها المحافظة على السائقين من أجل استقبال لائق للضيوف: «الوضع أصبح صعبا جداً مع توقف التدفق السياحي الروسي لشرم الشيخ، فالأوضاع الاقتصادية لجميع العاملين في انهيار منذ سنوات، لكن ما يعيننا على تلك الصعاب، هي تلك المؤتمرات التي تقام بين الحين والآخر، والتي تحدث رواجا في الانتقالات، خاصة عندما يكون الضيف سخيا في دفع الأجرة».
إسلام، الشاب الثلاثيني، صاحب متجر لبيع الإكسسوار والملابس الشعبية البدوية، يقول: «مع كل حدث كبير نمني النفس دائما ببيع عدد من الهدايا، حيث يتجه الضيوف عادة للتمتع بجمال المدينة ومزاراتها... نتمنى استمرار تلك المؤتمرات لكي يتدفق الزائرون وتعود السياحة إلى سيناء كما كانت».
وبرزت شرم الشيخ (نحو 600 كيلومتر شرق العاصمة القاهرة) كمحطة مهمة لزيارات الكثير من الشخصيات العالمية، في السياسة وعالم الفن والتجارة. وتتميز بكونها مدينة سياحية من طراز رفيع، تضم منتجعات سياحية متنوعة، وهي أحد ثلاث مواقع غوص موجودة في مصر ولها سمعتها الدولية على مستوى العالم، إضافة إلى رحلات السفاري في الصحراء مع بدو سيناء.



السعودية... نظام جديد للبتروكيماويات لتعزيز كفاءة قطاع الطاقة وتحقيق الاستدامة

أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)
أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)
TT

السعودية... نظام جديد للبتروكيماويات لتعزيز كفاءة قطاع الطاقة وتحقيق الاستدامة

أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)
أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)

يمثل إقرار مجلس الوزراء السعودي «نظام الموارد البترولية والبتروكيماوية» خطوة استراتيجية على طريق تعزيز المنظومة التشريعية لقطاع الطاقة في البلاد، وتنفيذ مستهدفاتها الوطنية، وتحقيق أمن الطاقة، وضمان استدامة وموثوقية الإمدادات، ودعم توطين سلسلة القيمة في القطاع، وخلق فرص عمل جديدة، وفق ما صرح به مختصون لـ«الشرق الأوسط».

والسعودية من بين أكبر منتجي البتروكيماويات في العالم، وهو القطاع الذي توليه أهمية في إطار عملية التنويع الاقتصادي. من هنا، فإنه يمثل حصة كبيرة من صادراتها غير النفطية. ويبلغ الإنتاج السنوي من البتروكيماويات في السعودية نحو 118 مليون طن.

وكان الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة، قال إن «نظام الموارد البترولية والبتروكيماوية يأتي ليحقق عدداً من المستهدفات، في مقدمتها؛ تنظيم العمليات البترولية والبتروكيماوية، بما يسهم في النمو الاقتصادي، ودعم جهود استقطاب الاستثمارات، وزيادة معدلات التوظيف، ورفع مستويات كفاءة استخدام الطاقة، ويُسهم في حماية المستهلكين والمرخص لهم، ويضمن جودة المنتجات، وإيجاد بيئة تنافسية تحقق العائد الاقتصادي العادل للمستثمرين».

زيادة التنافسية

يقول كبير مستشاري وزارة الطاقة السعودية سابقاً، الدكتور محمد سرور الصبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «(نظام الموارد البترولية والبتروكيماوية) سيلعب دوراً كبيراً في إعادة هيكلة وبناء المنظومة التشريعية لقطاع الطاقة، والاستفادة من التجارب العالمية الناجحة وأفضل الممارسات الدولية، بما يسهم في تحقيق الأهداف الوطنية في تطوير هذا القطاع الحيوي وتعظيم الاستفادة منه»، مضيفاً أنه «سيزيد من القدرة التنافسية بين شركات البتروكيماويات وسيدعم جهود السعودية لتعزيز أمن الطاقة؛ سواء للاستخدام المحلي ولتصدير بعض المنتجات والنفط الخام إلى الأسواق العالمية».

وأشار الصبان إلى أن النظام الجديد سيساهم في استقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى السوق السعودية؛ «مما سيعزز معدلات التوظيف، ويرفع كفاءة استخدام الطاقة، ويساعد في ترشيد استهلاك الطاقة ومنتجات البتروكيماويات واقترابها من المعدل الفردي العالمي»، لافتاً إلى أن «تنظيم العمليات النفطية والبتروكيماوية يساهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي وتحقيق المستهدفات السعودية في أمن الطاقة».

أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)

تنظيم العمليات التشغيلية

من جهته، قال محمد حمدي عمر، الرئيس التنفيذي لشركة «جي وورلد» المختصة في تحليل بيانات قطاعات الاستثمارات البديلة، لـ«الشرق الأوسط»، إن النظام «يُسهم في تحقيق أهداف متعددة، تشمل رفع كفاءة الأداء في القطاع، وتحقيق المستهدفات الوطنية، وتنظيم العمليات النفطية والبتروكيماوية. كما تكمن أهمية النظام في تلبية احتياجات القطاع عبر تطوير الإطار القانوني بما يواكب أفضل الممارسات العالمية».

وأضاف أن النظام «يمثل نقلة نوعية، ويحل محل نظام التجارة بالمنتجات النفطية السابق، ويهدف إلى تنظيم العمليات التشغيلية، بما في ذلك أنشطة البيع، والشراء، والنقل، والتخزين، والاستيراد، والتصدير، كما يضمن الاستخدام الأمثل للموارد النفطية والبتروكيماوية، مما يعزز من حماية المستهلكين والمستثمرين، ويدعم توفير بيئة تنافسية عادلة».

وأشار حمدي إلى أن النظام يضمن حماية المستهلكين والمرخص لهم؛ «مما يعزز من ثقة السوق ويضمن جودة المنتجات، بالإضافة إلى دعم استقطاب الاستثمارات من خلال توفير بيئة تنظيمية واضحة وشفافة، تعزز ثقة المستثمرين المحليين والدوليين، كما يُسهم في تحقيق أمن الطاقة عبر ضمان استدامة وموثوقية الإمدادات، فضلاً عن دعم توطين سلسلة القيمة في القطاع، وخلق فرص عمل جديدة».

ويرى حمدي أن النظام يعكس التزام السعودية بتحقيق أهداف «رؤية 2030»، عبر «تعزيز كفاءة قطاع الطاقة، وتنظيم عملياته، وحماية حقوق المستهلكين والمستثمرين، مما يُسهم في تحقيق التنمية المستدامة ودعم الاقتصاد الوطني»، مشيراً إلى «أننا سنرى تحولاً كبيراً في القطاع بعد العمل بهذا النظام، ودخول استثمارات أجنبية جديدة أكثر مع وضوح الرؤية المستقبلية للاستثمار في هذا القطاع الحيوي».

مواكبة التحولات الكبيرة

أما المحلل الاقتصادي طارق العتيق، فقال لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا النظام «خطوة استراتيجية في مواكبة التحولات الكبيرة التي يشهدها قطاعا الطاقة والبتروكيماويات عالمياً والقطاعات المرتبطة بهما. كما يسهم في دعم الصناعات التحويلية وتعزيز قيمتها وإضافتها إلى الاقتصاد المحلي والمنتج الوطني، بما يخدم مصلحة تعزيز الصناعات ذات القيمة المضافة والتنويع الاقتصادي وتحقيق أهداف (رؤية 2030) في هذا السياق».

وأشار العتيق إلى أن النظام ستكون له مساهمات مهمة في تحفيز وتنمية الصناعات المحلية بقطاع البتروكيماويات، «مثل صناعات البلاستيك والمطاط وقطع الغيار... وغيرها، وفي الاستفادة من الميزة التنافسية التي تمتلكها السعودية في إنتاج المواد الأولية، وأهمية استغلالها في تصنيع منتجات نهائية تلبي الطلب المحلي والإقليمي. كما أنه سيسهم في رفع التنافسية بالقطاع ويزيد مساهمته في خلق الوظائف والتوطين، ونقل المعرفة والخبرات إلى سوق العمل السعودية».