مادورو يعاقب المعارضة ويقصيها من الانتخابات الرئاسية المقبلة

في غياب مشاركة أبرز أحزاب المعارضة فإن الانتخابات البلدية في فنزويلا، التي أعلن جزء من نتائجها أمس، هي بمثابة الاقتراع المهم الأخير قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في 2018 والتي يطمح الرئيس الاشتراكي نيكولاس مادورو للفوز فيها بولاية ثانية، ولهذا فقد قرر إقصاء المعارضة من المشاركة بها كعقاب لها على مقاطعتها. وقال مادورو الذي شكّلت الانتخابات البلدية الاقتراع المهم الأخير له قبل الاستحقاق الرئاسي: «علينا أن نستعد منذ الآن للانتخابات الرئاسية».
وقررت أحزاب المعارضة الثلاثة بزعامة إنريكي كابريليس وليوبولدو لوبيز وهنري رامون الوب عدم تقديم مرشحين لانتخابات الأحد، منددة بـ«غياب الضمانات» ومعربة عن تخوفها من أن يتكرر سيناريو انتخابات الحكام التي جرت في أكتوبر (تشرين الأول) وحقق فيها المعسكر الرئاسي فوزا كبيرا على الرغم من الاتهامات الكثيرة بالتزوير. وبعدها أعلن مادورو أن الأحزاب الرئيسية في المعارضة سيتم إقصاؤها من المشاركة في انتخابات المقررة في ديسمبر (كانون الأول) 2018، والتي يرجح محللون أنه سيتم تقريب موعدها إلى الربع الأول من العام المقبل.
وقال مادورو خلال مؤتمر صحافي، كما نقلت عنه الصحافة الفرنسية، إن «كل حزب لم يشارك ودعا إلى مقاطعة الانتخابات لن يتمكن من المشاركة» في الانتخابات المقبلة. وأدلى الرئيس الفنزويلي بهذا التصريح إثر إدلاء الناخبين بأصواتهم لاختيار رؤساء بلدياتهم في اقتراع شهد إقبالا ضعيفا للغاية ويبدو معسكر مادورو واثقا من الفوز فيه بمواجهة معارضة مشرذمة دعت أحزابها الرئيسية الثلاثة إلى مقاطعتها. وأعلن مادورو أمام حشد من أنصاره في كراكاس في ختام النهار الانتخابي الطويل الذي بلغت نسبة المشاركة فيه 47.32 في المائة بحسب السلطات الانتخابية: «لقد فزنا بأكثر من 300 بلدية في البلاد من أصل البلديات الـ335».
وجاء تصريح مادورو بعد إعلان المجلس الوطني الانتخابي أن الحزب التشافي (نسبة للرئيس الراحل هوغو تشافيز الذي حكم البلاد منذ 1999 ولغاية وفاته في 2013) اكتسح عشرين على الأقل من بلديات عواصم الولايات الـ23.
وكان النهار الانتخابي جرى بهدوء وبقي الكثير من المراكز الانتخابية شبه مقفر في العاصمة كراكاس ومدن أخرى كسان كريستوبال قرب الحدود مع كولومبيا، بحسب ما أفاد صحافيو الصحافة الفرنسية.
وبعد ثلاثة أشهر من المظاهرات التي طالبت باستقالته، وقتل خلالها 125 شخصا، في هذا البلد النفطي الذي يشهد أزمة اقتصادية حادة بسبب تراجع أسعار النفط، ما زال رئيس الدولة الاشتراكي ثابتا وحتى في موقع أقوى على ما يبدو. وفي مواجهته، تبدو المعارضة الممثلة في «تحالف الطاولة الديمقراطية» الذي يضم نحو ثلاثين حزبا منقسمة. وبعد سنتين على انتصارها التاريخي في الانتخابات التشريعية والذي أتاح لها الفوز للمرة الأولى منذ 1999 بالأكثرية في البرلمان، تبدو المعارضة ممزقة بين تيارين يدعو أحدهما إلى الحوار بينما يريد الآخر اتباع خط أكثر تشددا.
وكان نائب الرئيس الفنزويلي طارق العيسمي أعلن في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن مادورو المنتخب في 2013 سيترشح لولاية ثانية في 2018، وذلك على الرغم من تراجع شعبيته وفي خضم أزمة اقتصادية خانقة وتنديد المجتمع الدولي بطريقة إدارته للأزمة في البلاد. وبعد موجة الغضب والاحتجاجات منذ الربيع يبدو أن الإحباط وجد طريقه إلى الفنزويليين في مواجهة أزمة نقص حاد في المواد الغذائية والأدوية، كما وتسارع التضخم الذي يتوقع صندوق النقد الدولي أن تبلغ نسبته 2300 في المائة في 2018.
ويقول فيكتور توريس وهو يعمل سائقا في ماكارايبو (شمال - شرق) لوكالة الصحافة الفرنسية «ذهبت ذلك اليوم لشراء موزة: صباحا كان ثمنها 1900 بوليفار ليصبح في المساء 3000 بوليفار. والإحباط تسببت به المعارضة أيضا، فبعد سنتين على انتصارها التاريخي في الانتخابات التشريعية في البرلمان، تبدو المعارضة ممزقة بين تيارين يدعو أحدهما إلى الحوار بينما يريد الآخر اتباع خط أكثر تشددا. وهي لم تستفق بعد من صدمة الانتخابات المحلية في أكتوبر (تشرين الأول) والتي حقق فيها الحزب الحاكم فوزا كاسحا على الرغم من الاتهامات بحصول تزوير.
وبحسب استطلاع للرأي أجراه مركز فينيبارومترو بين أكتوبر ونوفمبر فقد ارتفعت نسبة الامتعاض من المعارضة من 46.1 في المائة إلى 65.7 في المائة، فيما ارتفعت شعبية مادورو من 24.4 في المائة إلى 31.1 في المائة.
ولم تنجح أي استراتيجية «لتحالف الطاولة الديمقراطية» سواء بالمواجهة في الشارع أو بالتفاوض في زعزعة النظام الذي لا يزال يسيطر على غالبية المؤسسات. وتعتبر الجمعية التأسيسية بصلاحياتها الواسعة مثالا لهذه الهيمنة، وهي صادرت سلطات البرلمان الذي كان السلطة الوحيدة بيد المعارضة. وعلى رؤساء البلديات الفائزين في الانتخابات لكي يتمكنوا من تولي مناصبهم أداء القسم أمام الجمعية التأسيسية التي حصدت إدانات قسم كبير من المجتمع الدولي.