الاشتراكيون ينتظرون «تنازلات» من ميركل لتفادي انتخابات جديدة

قرر الحزب الديمقراطي الاشتراكي، في مؤتمره، الدخول في مباحثات تشكل حكومة التحالف العريض مع الاتحاد المسيحي. وفي حين ينتظر الاشتراكيون أن تقدم المستشارة أنجيلا ميركل بعض التنازلات للتخلص من ورطة إعادة الانتخابات، ترى المستشارة المخضرمة أنها غير مستعدة لإحياء صيغة التحالف الكبير بأي ثمن.
وعلى أي حال، لا ينتظر أحد أن تشق المفاوضات طريقها بسهولة، ويقدر أكثر المتفائلين فيها أن تصل إلى صيغة مشتركة في نهاية يناير (كانون الثاني) المقبل. وهذا يعني أن تشكيل الحكومة، بعد اختتام ناجح للمفاوضات، لن يتم قبل مارس (آذار) المقبل، خصوصا أن الحزب الديمقراطي الاشتراكي سيطرح نقاط الاتفاق المحتمل على قاعدته للتصويت.
ويشارك في هذا الاستفتاء الداخلي أكثر من 440 ألف عضو في الحزب الديمقراطي الاشتراكي، سيرسلون أصواتهم بريدياً. وهي عملية يقدر رئيس الحزب مارتن شولتز أن تستغرق ثلاثة أسابيع، وأن تكلف الحزب نحو مليوني يورو.
وقبل بدء المفاوضات، عرض الحزب الديمقراطي الاشتراكي طلباته في «قائمة» تنازلات ينتظر من ميركل تحقيقها، وردت المستشارة المحافظة بأن وضعت خطوطاً حمراء قائلة إن على الاشتراكيين ألا يتخطوها.
ودعت ميركل إلى مباحثات مركزة وحثيثة، وقالت إن العالم يراقب كيف سيتصرف الطرفان. ورفضت المستشارة مقدماً النقطة البرنامجية التي يعتبرها الاشتراكيون أساسية، وهي «التأمين الصحي الشعبي». وتقوم هذه الفكرة على أساس توحيد شركات التأمين الصحي الرسمية والخاصة، وجعلها اجتماعية أكثر لصالح ضعيفي الدخول.
وترى المستشارة أن توحيد نظامي التأمين الصحي لن يكون أفضل في كافة الأحوال. وتحدثت عن إصلاح نظام التأمين الصحي كبديل، مشيرة إلى «ثغرات» في بنية هذا النظام.
ووضعت ميركل أيضاً خطا أحمر تحت فكرة تشكيل حكومة أقلية تقودها ميركل مع الخضر أو الليبراليين، و«يتحملها» الاشتراكيون أثناء التصويت على القرارات في البرلمان دون أن يشاركوا فيها. وأكدت أنها تسعى إلى حكومة ثابتة على مدى أربع سنوات تتصدى للتحديات الداخلية والأوروبية، وأن حكومة الأقلية ليست حكومة مستقرة.
ورغم الخلافات المعروفة بين الطرفين، فإن ميركل ذكرت أنها ترى نقاط تفاهم كثيرة مع الاشتراكيين، وخصوصاً في قضايا تأمين الرفاهية الاجتماعية والسياسة الرقمية (ديجيتال) والسياسة الأوروبية. مع ملاحظة أن ميركل ترفض أيضاً صيغة «الولايات المتحدة» الأوروبية، التي طرحها الزعيم الاشتراكي مارتن شولتز.
ورد لارس كلنغبايل، من قيادة الحزب الاشتراكي، بالقول إن «الكرة الآن في ملعب ميركل»، وإذا كانت غير مستعدة لتوظيف المليارات في التعليم والتأمين الصحي ورعاية المسنين، فإن الحزب الديمقراطي الاشتراكي سيعتذر عن مواصلة المباحثات.
وأيده بذلك ماتياس ميرش، من قيادة الحزب أيضاً، الذي قال إن على ميركل أن تتوقع مقترحات واضحة على مستوى التأمين الصحي وتحديد إيجارات البيوت ورعاية المسنين، وأن الحزب لن يتنازل عن هذه المطالب. وأضاف أن الحزب يدرس كافة البدائل التي تمتد بين تشكيل حكومة أقلية وإعادة الانتخابات.
يوليا كلوكنر، نائبة ميركل في قيادة الحزب الديمقراطي المسيحي، طالبت الحزب الاشتراكي وزعيمه مارتن شولتز «بالتواضع» في طلباتهم. واعتبرت كلوكنر طلبات الاشتراكيين محاولة منهم لإعادة توحيد مواقفهم، وذكّرت بنتائجهم الانتخابية الضعيفة، وقالت إنها غير مستعدة لتحمل ثمن الفوضى الداخلية في الحزب الديمقراطي الاشتراكي.
إن احتمالات الاتفاق في السياسة الخارجية، تجاه تركيا مثلاً، وفي السياسة من الهجرة واللاجئين والسياسة الأوروبية، كبيرة برأي معظم المراقبين؛ إلا أن الاتفاق في قضايا التأمين الصحي ورعاية المسنين والتقاعد وشروط العمل، صعب، وربما يؤدي هذا إلى انهيار المباحثات.
ومع تصاعد المقاومة داخل الحزب الاشتراكي لقيام التحالف الكبير، ومع تصلب الجبهتين داخل الحزبين الكبيرين، يبدو احتمال عودة الليبراليين إلى طاولة المباحثات مع المسيحيين والخضر قائماً.
ورغم تعنت رئيس الحزب كريستيان ليندنر ورفضه العودة إلى طاولة المفاوضات من دون شروط مسبقة، تبدو قيادة الحزب الليبرالي أكثر ميلاً للعودة إلى المفاوضات. وهذا ما صرح به نائب رئيس الحزب فولغانغ كوبيكي، الذي قال: «لسنا دوغمائيين» في هذا الموضوع. ونقلت صحيفة «تاغيسشبيغل» البرلينية عن أعضاء داخل الحزب، جهوداً يبذلها كوبيكي لإعادة الحزب إلى طاولة المفاوضات مع المسيحيين والخضر.
يعزز هذه الحقيقة أن الحزب الليبرالي عاد إلى البرلمان الألماني محققاً نسبة 12 في المائة، بعد أن كان قد فشل في تخطي حاجز الـ5 في المائة سنة 2013. ويعود كثير من الفضل في ذلك إلى سياسة رئيس الحزب ليندنر وشخصيته، إلا أن تسببه في انهيار المفاوضات الأخيرة مع المسيحيين والخضر أضر كثيراً بسمعته. وبعد شهرين فقط من الانتخابات الأخيرة في سبتمبر (أيلول) الماضي، تراجعت شعبية الحزب كثيراً، ولم يسجل في آخر استطلاعات الرأي أكثر من 8 في المائة.