روسو ورومانسية الفكر الشمولي

من أهم الفلاسفة السياسيين تأثيراً على أنظمة الحكم في أوروبا

جان جاك روسو
جان جاك روسو
TT

روسو ورومانسية الفكر الشمولي

جان جاك روسو
جان جاك روسو

إذا كان الفيلسوف الإنجليزي هوبز هو الذي قد وضع قاعدة الفكر السلطوي، ونظيره لوك قد شيد أسس المنظومة الليبرالية، كما تابعنا في المقالين السابقين، فإن الفيلسوف السويسري - الفرنسي، جان جاك روسو، يمثل قاعدة أو انطلاقة فكر ليبرالي مختلف تماماً وصل في دعواته أو تطبيقاته إلى حد الشمولية السياسية، فعانت من أفكاره فرنسا في مرحلة الثورة، اعتباراً من عام 1792، لتتحول شعاراتها الرنانة الداعية إلى «الإخاء والمساواة والحرية» إلى نظام شمولي تحكمه نخبة متطرفة على يد اليعاقبة (Jacobins)، تستند في صياغة وتشريع الهيكل السياسي الثوري لفرنسا إلى أطروحات روسو بشكل يكاد يكون لفظياً، بل إن روبسبيير مهندس هذا النظام كان يستخدم ألفاظ روسو نفسها، لتبرير قتل ما يربو على خمسة وعشرين ألف فرنسي فيما عرف بـ«حكم الإرهاب» في هذا الفصل الدموي من تاريخ فرنسا الحديثة.
واقع الأمر أن روسو يعد من أهم وأكثر الفلاسفة السياسيين تأثيراً على أنظمة الحكم في أوروبا، فكان متأثراً بشكل كبير بإطار الحكم في مدينة جنيف مسقط رأسه، التي كانت تُحكم في ذلك الوقت على أساس تزاوج فكري بين المذهب «الكالفيني» المتشدد والإدارة السياسية القابضة على الشأن الداخلي، وهو ما كان له أكبر الأثر على تطور فكره، فخرج عن منظومة معاصريه التنويرية تماماً، فأسس تيار الثقافة السياسية الرومانسية التي تناقضت بشكل فج مع المنهج التجريبي السائد في أوروبا والتيارين السلطوي والليبرالي، ولعل هذا ما يبرر صعوبة تطبيق أفكاره بصفة عامة. لقد كانت أهم مؤلفاته كتابه الشهير «العقد الاجتماعي» الذي بدأ بجملته الشهيرة «إن الإنسان ولد حراً ولكنه صار مكبلاً في كل مكان»، فبدأ أطروحته الفكرية على أساس موحد مع التيار الليبرالي، مؤكداً الحقوق الأساسية للمواطن وعلى رأسها حقه في الحرية والملكية، ولكنه انحرف عن هذا التيار بالتأكيد على أن هذه الحقوق منبعها في الأساس المجتمع وليس الطبيعة، فالمجتمع هو أساس كل الحريات وأساس كل شيء ومعيار كل شيء، فصحيح أن الإنسان يُولد بحقوق، ولكنها الحقوق التي يجب أن تتواءم مع الجمع الذي يعيش فيه، ومن هذا المنطلق وضع أساسه الفكري الذي يمكن بصعوبة السعي لصياغته في النقاط التالية:
أولاً: أن المجتمع أصبح مسلوب الإرادة بحكم تعاقب الأنظمة الحاكمة وسلوكياتها الفاسدة التي سعت لتكريس وتشريع الوضع القائم لمصالحها المتناقضة مع الفرد والمجتمع، وهو ما برر السلطوية التي حُكمت بها المجتمعات وسُلبت من خلالها الحريات، مما يبرر التفاوت الرهيب بين طبقات المجتمع، وهو الأمر الذي يجب أن ينتهي وفق ما جاء في كتابه الشهير «أطروحات حول جذور عدم المساواة».
ثانياً: أن العقد الاجتماعي هو الأداة لبناء المجتمع، بحيث يضع الفرد من خلاله نفسه وأملاكه تحت إمرة الجسد السياسي المنبثق عن هذا العقد الاعتباري، الذي يمنح بدوره الإطار العام لممارسة الفرد لحقوقه وحرياته، فالجسد السياسي هو الذي يخلق النظام الذي يُحكم به المجتمع، وتكون المصلحة الجماعية هي أساس كل شيء، وتتم الموازنة بين المصالح الفردية والجماعية التي لو تناقضت تكون الأولوية للثانية وليست للفرد.
ثالثاً: الجسد السياسي هو الذي يحول المجتمع من أداة اجتماعية إلى أداة سياسية، فهو الذي يحول الفرد من مخلوق اجتماعي إلى مواطن، فالفرد غالباً ما ينظر إلى مصالحه الضيقة، بينما المواطن ينظر في الغالب لمصلحة المجتمع الذي يعيش فيه، وعندما يتحول المجتمع إلى كيان سياسي عبر الجسد السياسي فإنه يكون بذلك قد بدأ أولى خطوات نحو الكينونة الجماعية الحقيقية.
رابعاً: وهنا يبرز أخطر مفاهيم روسو على الإطلاق والممثلة في «الإرادة الجماعية أو العامة»، التي قصد منها بشكل عام وسيلة استشفاف مجموع الإرادات الفردية للمجتمع ككل، وحقيقة الأمر أن هذا المفهوم الفيصلي كان سبباً في انحراف هذا الفكر عند تطبيقه، فلقد أكد روسو أن أفضل وسيلة للتعرف على الإرادة الجماعية هي الديمقراطية المباشرة، التي كانت مطبقة في أثينا عندما يجتمع المواطنون ليخرجوا إراداتهم، ولكن نظراً لصعوبة التطبيق وللبعد الرومانسي الغالب عليه فقد اقترح فكرة استشفاف هذه الإرادة من قبل أعضاء من المجتمع، ولكن مَن الذي يمكن له أن يستشف؟ وبالتالي فُتح الباب على مصراعيه نحو الانحراف للشمولية.
خامساً: أن إدارة الجسد السياسي تكون من خلال الحكومة بشقيها، التشريعي والتنفيذي، لكنها تكون بالضرورة واقعة تحت إطار الإرادة العامة، وهنا كانت النقطة المفصلية التي جعلت أفكاره أساساً للفكر الشمولي في مرحلة معينة الثورة الفرنسية.
لا خلاف على أن روسو قدم للفكر السياسي رؤية جديدة لنوع من الثقافة الليبرالية، ولكنها وفقاً لأحد الفلاسفة كانت «محاولة لإعادة اكتشاف المجتمع»، ومنحه السلطة المطلقة في إطار ما سماه «السيادة الجماهيرية»، خصوصاً مع اقتناعه بأن المجتمع لا يخطئ أبداً، لأنه يمثل مجموع الإرادات العاقلة لأفراده، وهو ما سهل الانجراف نحو الشمولية، لغموض بعض مفاهيمه التي تصل إلى حد استحالة تطبيقها على أرض الواقع، ومع ذلك فقد مثل فكر روسو نموذجاً لتجربة سياسية عانت منها الشعوب الأوروبية كثيراً، خصوصاً عندما قرر استخدام الوسائل القسرية مع معارضي الإرادة العامة، وهكذا أصبح الدواء الليبرالي لروسو هو في واقع الأمر السم السياسي للشعوب، ولكن هكذا تكون خطورة الثقافة الرومانسية في عالم السياسة.



حبس سعد الصغير يجدد وقائع سقوط فنانين في «فخ المخدرات»

المطرب الشعبي سعد الصغير (حسابها على «فيسبوك»)
المطرب الشعبي سعد الصغير (حسابها على «فيسبوك»)
TT

حبس سعد الصغير يجدد وقائع سقوط فنانين في «فخ المخدرات»

المطرب الشعبي سعد الصغير (حسابها على «فيسبوك»)
المطرب الشعبي سعد الصغير (حسابها على «فيسبوك»)

جدد حبس المطرب المصري سعد الصغير الحديث عن وقائع مشابهة لسقوط فنانين في «فخ المخدرات»، وكانت محكمة جنايات القاهرة قضت، الاثنين، بالحكم على الصغير بالسجن المشدد 3 سنوات، وتغريمه 30 ألف جنيه (الدولار يساوي 49.65 جنيه مصري).

الحكم بسجن سعد الصغير وتغريمه جاء على خلفية اتهامه بحيازة «سجائر إلكترونية» تحتوي على مخدر «الماريوانا»، بعد تفتيش حقائبه أثناء عودته من أميركا «ترانزيت» عبر أحد المطارات العربية، عقب إحياء حفلات غنائية عدة هناك.

وكشف الصغير خلال التحقيقات التي جرت أمام الجهات المختصة بمصر، أنه لم يكن على دراية بأن المادة الموجودة في «السجائر الإلكترونية» ضمن المواد المحظور تداولها، مؤكداً أنها للاستخدام الشخصي وليس بهدف الاتجار، وأرجع الأمر لعدم إجادته اللغة الإنجليزية.

الفنانة المصرية برلنتي فؤاد التي حضرت جلسة الحكم، على الصغير، أكدت أن الحكم ليس نهائياً وسيقوم محامي الأسرة بإجراءات الاستئناف، كما أوضحت لـ«الشرق الأوسط» أن «حالة سعد النفسية ليست على ما يرام»، لافتة إلى أنه «بكى بشدة خلف القضبان بعد النطق بالحكم، كما أنه يعيش في توتر شديد نتيجة القضية».

وقبل سعد الصغير وقع عدد من الفنانين في «فخ المخدرات»، من بينهم الفنانة دينا الشربيني، التي تعرضت للسجن سنة مع الشغل وغرامة 10 آلاف جنيه لإدانتها بتعاطي «مواد مخدرة».

الفنان أحمد عزمي (حسابه على «فيسبوك»)

وكذلك الفنان المصري أحمد عزمي الذي تم القبض عليه مرتين ومعاقبته بالحبس في المرة الثانية بالسجن 6 أشهر، بينما أعلن مقربون من الفنانة شيرين عبد الوهاب وقوعها في الفخ نفسه، مما جعلها تختفي عن الأنظار حتى تتعافى، كما أن طبيبها المعالج طالب جمهورها بدعمها. وحُكم على الفنانة منة شلبي بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ وتغريمها 10 آلاف جنيه، في مايو (أيار) الماضي، في قضية اتهامها بـ«إحراز جوهر الحشيش بقصد التعاطي في أماكن غير مصرح لها باستخدامها».

وقبل أشهر قضت محكمة الاستئناف بمصر بقبول معارضة الفنان المصري أحمد جلال عبد القوي وتخفيف عقوبة حبسه إلى 6 أشهر بدلاً من سنة مع الشغل وتغريمه 10 آلاف جنيه، بتهمة حيازة مواد مخدرة بغرض التعاطي.

«ليس كل مشهور مدمناً»

من جانبها، أوضحت الاستشارية النفسية السورية لمى الصفدي أسباب وقوع بعض المشاهير في «فخ المخدرات» من الناحيتين النفسية والاجتماعية، وأثره على المستوى المهني.

وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «التعميم على جميع المشاهير أمر خاطئ، فليس كل مشهور مدمناً أو خاض تجربة الإدمان»، موضحة أن «ذلك ينطبق أحياناً على بعض الفئات التي حصلت على الشهرة والمال والمعجبين لكنهم في الوقت نفسه يطالبون بامتيازات أكثر».

وأشارت إلى أن «الفكرة تكمن في أن المخدرات ربما تساهم بطريقة أو بأخرى في زيادة مستويات هرمون (الدوبامين) الخاص بالسعادة، وهذا جزء نفسي يدفع البعض للسقوط في فخ المخدرات».

الفنانة منة شلبي (حسابها على «فيسبوك»)

وتستكمل الصفدي: «ربما الوقوع في هذا الفخ نتيجة رفاهية أكثر أو البحث عن المزيد والسعي للمجهول أو الأشياء المتوفرة عن طريق السفر أو الوضع المادي».

واختتمت الصفدي كلامها قائلة إن «هذا الأمر لا يخص الفنانين وحدهم، لكنه يتعلق أيضاً بالكثير من المهن والتخصصات، لكن المشاهير يتم تسليط الضوء عليهم أكثر من غيرهم».