العيسى: الجهود السعودية الحازمة لمكافحة الفساد صححت المسار وعكست صورة إيجابية

قال الشيخ الدكتور محمد العيسى عضو هيئة كبار العلماء السعودية الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، إن الجهود السعودية الحازمة لمكافحة الفساد صححت المسار وعكست صورة إيجابية، مشيرا إلى أنها سلكت المنهج النبوي الكريم في ترسيخ مفهوم محاربة الفساد من الأعلى.
جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها كمتحدث رئيس خلال احتفالية الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد السعودية باليوم العالمي لمكافحة الفساد في إطار منتدى "النزاهة في مؤسسات العدالة الجنائية"، واللقاء الإعلامي المصاحب.
وأوضح العيسى أن مفردة الفساد تشمل عدة معان مثل الفساد في الدين؛ فالتطرف في مفاهيمه المنغلقة والمحرِّفة لدلالات النصوص يمثل فساداً فكرياً، لافتا إلى أن الفساد يطال كذلك جانب الأخلاق فالانحراف المسلكي فساد في الأخلاق، كما يشمل مفهوم قيم العدالة من خلال ممارسات الظلم، مؤكداً أن هناك فساداً يطال الإدارة والمال، وأنه لا يوجد فساد مالي إلا وهو في غالبه مسبوق بفساد إداري.
وأضاف أن عالمنا الكوني غير مبرمج فهو عالم الاختيار والاختبار والتفاعل بحرية غير مبرمجة وبالتالي فقضايا الفساد واردة وهو ما يتعين مواجهتها بكافة السبل.
وتابع بأن الفساد هو الثقب الأسود في التنمية، وأن محاربته مقياس نهضة الدول ولذلك توجد قياسات تنافسية تتعلق بعدة مؤشرات كثير منها تصب في موضوع محاربة الفساد وتسهيل الإجراءات والقضاء على البيوقراطية وتعزيز الشفافية.
وأشار العيسى إلى ما أسماه بالفساد المركب وهو ممارسة الفساد مع تسويغه وكذلك الفساد المنقع أو المغلف في متوشحاً برداء السياق اللفظي المضلل كالإكرامية والتشجيع والتسهيلات الخاصة وأوسع أبوابه وأخطرها في هذا السياق غسل الأموال.
وذكر أن للفساد أسباباً من بينها: الثغرات النظامية والإجرائية وعلاجها بالتقويم والتحديث المستمر، وبيروقراطية بعض الإجراءات، مؤكداً أنه كلما توسعت الإجراءات وتعقدت كلما فتحت باباً للفساد، وعدم تفعيل النظام والإجراء بكسل أو عدم كفاءة أو تعمد وأن التطبيق الحازم لتشريعات مكافحة الفساد هو العلامة الفارقة بين النظام وفعالية النظام.
ومنها أيضاً عدم شفافية بعض الإجراءات التنفيذية، وتجاهل الشكاوى حيث أن كل شكوى يفترض أن تكون بمثابة قضية مرفوعة لا بد أن تُسمع ويصدر فيها قرار، وكذلك احتجاب المسؤول وهو ما يصرفه عن مشهد عمله التنفيذي، مبينا أن إصغاء الإدارة للجميع يدعم الجهود في هذا المجال.
وتابع العيسى: كذلك التساهل الإداري وأن كل تساهل إداري يقود لفساد مالي، وضعف أو عدم وضوح الإجراءات الداخلية الخاصة والسياسة الداخلية للمنظومة الإدارية وفق السلطة التقديرية للمسؤول، حيث تتطلب كل منظومة ذلك بما ينسجم مع طبيعة عملها وما يلزم له من مرونة تتيحها صلاحية السلطة التقديرية في إطار إمكاناتها المتاحة.
ومن الأسباب أيضا ضعف الوازع وهو في مسارين: وازع تربوي ثقافي عام يشترك فيه المؤمن وغير المؤمن ولذلك توجد دول لا دينية سجلت معدلات متدنية في مقاييس الفساد بسبب الثقافة النابعة من قناعتها القِيَمية والمادية بأن مواجهة الفساد مرتكز البناء والتنمية والتحضر والتقدم في إطار ما يسمى بأخلاقيات العقل المعيشي، والمسار الثاني كذلك لكنه يرتكز على قيم ديننا الحنيف وبالتالي يجعلنا أكثر مسؤولية في هذا المجال، والأسوأ أن تجد من يُنظّر دينياً أو محسوب على أي منظومة دينية أياً كان مجالها في أي مستوى إداري فيها، ويُسهب في التنظير التربوي والمسكلي وهو مع ذلك أمام حالة انفصام قيمي فتجده مع الأسف يباشر نوعاً من أنواع الفساد أياً كان تأويله له وسيكون سيئاً للغاية إذا كان من جملة الفساد المركب الذي تحدثنا عنه وهذا وإن كان بحمد الله قليلاً جداً لكن لا بد من أخذه في الاعتبار ولا عصمة لأحد فما كل من يُنظر دينياً وقيمياً معصوم بمجرد الطرح والتنظير لكن حسن الظن والثقة هي الأصل بل والسائد بحمد الله، مؤكداً أن قيمنا الدينية وقدوتنا في هذا تمثل نموذجاً مشرفاً.
ودعا العيسى إلى وضع تصنيف جنائي لوقائع الفساد تفيد في مسار هدف منتدى اليوم، مبيناً أن هناك السرقة والاختلاس والتأويل الفاسد والخطأ الإداري والتساهل الإداري والعرف الفاسد وكلها تنتج تكييفاً مهماً يفيد في مباشرة وقائع الفساد في كافة مساراتها، ومع أن هذه لا تشكل فراغاً في السياقات الحالية لكن تحتاج للمزيد من الدراسات والبحوث والمقارنات بحكم التحول والتنوع في وقائع الفساد وهذا يفيد كثيراً للمستقبل.
وأشار إلى أن الفساد الإداري بريد الفساد المالي، وأن الجهود الحازمة في مكافحة الفساد من الأعلى صححت المسار وعكست صورة إيجابية مستحقة ومُلْهِمَة داخلياً وخارجياً، وأن المملكة سلكت المنهج النبوي الكريم في ترسيخ مفهوم محاربة الفساد من الأعلى، وهذا يعطي رسالة للجميع بأن لا حصانة لأحد في هذا لكن متى بدأت بالأدنى فربما شعر الأعلى أو غيره بأن الأعلى له حصانة، وفي العكس ستصل الرسالة الوقائية والرادعة للأدنى تلقائياً.
وأضاف: بأن الحديث عن وقائع الفساد هي فقط لجهة الاختصاص بما تملكه من أدلة مادية وليس لغيرها، وأن مؤسسات العدالة الجنائية في السعودية تضطلع بدور كبير وجاد في مواجهة جرائم الفساد، وأن تفاعل المملكة مع اليوم العالمي لمكافحة الفساد إسهام مهم في الإثراء والتبادل وتأكيد على العزيمة في مختلف مساراتها.