عندما وصل المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا إلى مانشستر قبل عامين، كان حجم التوقعات التي ينتظرها الجمهور مفهوما تماما. وفي نفس الوقت، كان المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو يظهر بشخصيته العنيدة التي تروج لفكرة أن المدير الفني هو المعلم والقائد والحكيم الذي تتمحور حوله كل الأشياء المتعلقة بكرة القدم، ولذا كان الجميع يتشوق لتلك المواجهة المنتظرة بين مورينيو بطريقته البراغماتية وغوارديولا بفلسفته التي تعتمد على الكرات القصيرة وكرة القدم الجميلة.
ومنذ ذلك الحين، كان يتم تصوير مباراة مانشستر يونايتد ومانشستر سيتي وكأنها مواجهة من نوع خاص بين غوارديولا ومورينيو، أو بمعنى آخر بين «إدغار» النبيل الطاهر وشقيقه «إدموند» الوغد عديم الرحمة، في مسرحية الملك لير للكاتب الإنجليزي الشهير شكسبير! لكن الواقع كان مختلفا بعض الشيء، فقد قضى كل مدير فني منهما معظم فترات الموسم الأول في ترميم الفريق وتدعيم الصفوف وعلاج المشكلات التي ورثها من سلفه، في الوقت الذي كان يحقق فيه تشيلسي الانتصار تلو الآخر ويغرد منفردا في صدارة ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز ليحصل على اللقب في نهاية المطاف. وفي آخر لقاء جمع الفريقين في الدوري الإنجليزي الممتاز والذي انتهى بالتعادل السلبي على ملعب «أولد ترافورد» في أبريل (نيسان) الماضي، كان الفريقان يلعبان من أجل ضمان المركز الرابع! أما الآن، فقد صحح الفريقان مسارهما وبات كل منهما في أفضل مستوى له ويمتلك الكثير من نقاط القوة والقليل من نقاط الضعف.
ولعل أفضل شيء في تلك المواجهة القوية بين غوارديولا ومورينيو يتمثل في أن المديرين الفنيين اللذين لا يحبان بعضهما البعض يعتمدان على خطط تكتيكية حقيقية تهتم بأدق التفاصيل من أجل إفساد خطة الفريق المنافس، وليس على مجرد خطط تقليدية. ويعمل كل مدير فني على التحكم في رتم وسرعة المباراة ولكن بطريقة مختلفة، حيث يعمل مورينيو على تقليل السرعات في مناطق معينة وهامة داخل الملعب من أجل خنق قدرات لاعبي الفريق المنافس في المقام الأول، قبل أن يحاول تحقيق الفوز بالمباراة عن طريق استغلال نقاط القوة لدى لاعبيه. وعلى الجانب الآخر، يبدو غوارديولا وكأنه يقوم بالضبط بما يراهن مورينيو على إيقافه، بمعنى خلق المساحات في مناطق غير تقليدية من أجل تمرير الكرات البينية وخلخلة دفاعات الفريق المنافس.
ومع وضع كل ذلك في الاعتبار، من المثير أن نفترض أننا سنرى اليوم مباراة بين فريقين يلعبان بطريقتين مختلفتين تماما. ويعد الفرنسي بول بوغبا هو حلقة الوصل في أداء مانشستر يونايتد واللاعب القادر على قيادة فريقه داخل المستطيل الأخضر. لكن بوغبا سوف يغيب عن تلك المباراة بداعي الإيقاف بعد حصوله على البطاقة الحمراء في المباراة الماضية، وهو ما يعني أن خيارات مانشستر يونايتد سوف تقل كثيرا، وهو ما ينبئ بأننا قد نرى مباراة شبيهة بمباراة عام 2010 الشهيرة بين إنتر ميلان الإيطالي بقيادة مورينيو وبرشلونة الإسباني بقيادة غوارديولا، بمعنى أن نرى هجوما كاسحا من جانب مانشستر سيتي ودفاعا محكما من جانب مانشستر يونايتد.
ولعب إنتر ميلان لمدة ساعة كاملة في تلك المباراة بعشرة لاعبين بعد طرد تياجو موتا وكانت المباراة تُلعب في معقل برشلونة في «كامب نو». وفي بعض الأوقات، كان لاعبو إنتر ميلان يشتتون الكرة بعيدا من أجل الحصول على بعض الوقت لإعادة تنظيمهم الدفاعي. ولم يسدد إنتر ميلان أية تسديدة على مرمى برشلونة وخسر المباراة بهدف مقابل لا شيء وتأهل للدور التالي من دوري أبطال أوروبا على حساب برشلونة، الذي ودع المسابقة. وقد تكون هذه هي أكثر مباراة يعتز بها جوزيه مورينيو في مشواره الكروي على الإطلاق!
ويجب علينا أن نستعد لرؤية مباراة مماثلة اليوم، وإن كان مانشستر سيتي قد أصبح أقل شراسة في المباريات الأخيرة في الدوري الإنجليزي الممتاز وهدأت وتيرة لعبه كثيرا بسبب التنظيم الدفاعي المحكم للفرق المنافسة، وهو ما أجبر لاعبيه على تناقل الكرات فيما بينهم والتحرك بهدوء خلال الـ90 دقيقة من أجل فتح ثغرات في خط الدفاع. وبصورة أو بأخرى، يمكن اعتبار المباريات الأخيرة لمانشستر سيتي على أنها كانت خير إعداد للفريق على الطريقة الدفاعية البحتة التي يعتمد عليها مورينيو، والتي تحقق أهدافها بصورة كبيرة أمام الفرق التي تلعب بعدم تنظيم هجومي واضح. لكن يبدو أن غوارديولا سيكون مستعدا لتلك المباراة وسيتحلى هو ولاعبوه بالصبر والالتزام من أجل فك طلاسم الدفاعات القوية لمانشستر يونايتد.
وقد يهاجم مانشستر يونايتد بشكل أكبر مما يتوقعه البعض، بالشكل الذي قدمه مورينيو مع إنتر ميلان أيضاً أمام برشلونة ولكن في مباراة العودة في دوري أبطال أوروبا 2010 في ميلانو، وهي المباراة التي فاجأ فيها إنتر ميلان برشلونة بالأداء القوي والقوة البدنية الكبيرة والضغط المتواصل بطول الملعب. وكان لاعبو برشلونة منهكين في تلك المباراة بعد أن سافروا بالحافلة إلى ميلان بسبب مشكلات في السفر نتيجة اندلاع بركان في آيسلندا. لكن في هذه المباراة، قدم إنتر ميلان أداء رائعا ومثاليا وكان يضغط على لاعبي برشلونة في جميع أنحاء الملعب ويجبرهم على ارتكاب أخطاء. وطلب مورينيو من لاعبيه أن يفرضوا رقابة صارمة على النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي ويمنعوا تشافي من الاستحواذ على الكرة، بنفس الطريقة التي سيتبعها غالبا مع كيفين دي بروين، وديفيد سيلفا في حال مشاركته في المباراة.
وقد تبنى مانشستر يونايتد نهجا مماثلا في آخر مباراتين له في الدوري الإنجليزي الممتاز خارج ملعبه أمام واتفورد وآرسنال، حيث ضغط بقوة في بداية المباراة وتمكن من إحراز أهداف في الدقائق الأولى من أخطاء مدافعي الفرق المنافسة بسبب الضغط المستمر عليهم. وعند مواجهة فريق مثل مانشستر سيتي يعتمد في المقام الأول على الاستحواذ على الكرة، فإن مورينيو سوف يركز على استغلال نقاط الضعف بنفس تركيزه على تعطيل نقاط القوة. وفي ظل عدم وجود جون ستونز في دفاع مانشستر سيتي فإن الفريق قد يواجه مشكلة دفاعية كبيرة عندما يلعب بطريقته المعتادة. وبدلا من التركيز فقط على كيفية تعامل أندير هيريرا ونيمانيا ماتيتش مع سيلفا ودي بروين، من المرجح أن يركز مورينيو أيضاً على كيفية استغلال انشغال نيكولاس أوتاميندي وزميله في خط الدفاع في محاولة الاستحواذ على الكرة بأكبر قدر ممكن. وهناك سؤال آخر، وهو: كيف سيتعامل مانشستر سيتي مع سرعة مانشستر يونايتد في الهجمات المرتدة، في ظل تألق أنتوني مارسيال في بعض الأوقات في الأسابيع الأخيرة.
وفي ضوء الأداء القوي الذي يقدمه وطريقة اللعب التي يتبعها، يعد مانشستر سيتي هو المرشح الأوفر حظا لحصد نقاط المباراة الثلاث، خاصة وأن الفريق يحاصر الفرق المنافسة في منتصف ملعبها ويواصل الضغط عليها من عمق الملعب، كما يلعب على أطراف الملعب بشكل رائع. لكن على الجانب الآخر، من المرجح أن يطلب مورينيو من ظهيري فريقه أن يضغطا على رحيم ستيرلينغ وليروي ساني بهدف إجبارهما على عدم التقدم للأمام. وستتوقف خطة غوارديولا في تلك المباراة بشكل كبير على الأداء الذي سيقدمه هذان اللاعبان المهمان ومدى الدعم الهجومي الذي سيقدمانه لخط الهجوم، كما ستتوقف أيضاً على كيفية تعامل الدفاع مع مهاجمي مانشستر يونايتد. وفي الحقيقة، ستكون هذه المباراة إحدى اللحظات المثيرة في الموسم الحالي من الدوري الإنجليزي الممتاز.
ويعتقد نجم مانشستر سيتي يايا توريه أنه في حال تحقيق مانشستر سيتي للفوز وتصدره للمسابقة بفارق 11 نقطة كاملة أمام مانشستر يونايتد، فإن بطولة الدوري لم تنته بعد. وكان توريه أحد لاعبي مانشستر سيتي الفائز ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز في موسم 2011 / 2012، وأشار إلى الطريقة التي فاز بها فريقه بهذا اللقب بعدما كان متخلفا عن مانشستر يونايتد بثماني نقاط كاملة. وقال توريه: «أتذكر عام 2012 عندما فزنا باللقب، كان مانشستر يونايتد يغرد في صدارة الترتيب بفارق ثماني نقاط كاملة، لكننا نجحنا في العودة من الخلف. يتعين عليك أن تتسم بالحذر لأن الدوري الإنجليزي الممتاز بطولة قوية للغاية، ولا يمكنك أن تتهاون فيها. وستكون المسابقة أقوى وأشرس في النصف الثاني من الموسم، وخصوصاً أمام الفرق التي تحاول الهروب من شبح الهبوط. يجب علينا أن ندرك ذلك جيدا.»
ورغم أن توريه يعتقد أن مانشستر يونايتد سوف يدخل المباراة بحذر شديد، فإنه حذر من أن جوزيه مورينيو سيحاول اللعب على الهجمات المرتدة. وقال: «يمكن لهذه المباراة أن تعطينا دفعة كبيرة في المستقبل. اعتقد أن مانشستر يونايتد سوف يشعر بالقلق عند مواجهتنا خلال العام الحالي. وهذا سيجعلهم أكثر خطورة في الهجمات المرتدة ويتعين علينا أن نكون جاهزين لذلك. وعندما نرى مباراتهم أمام آرسنال والتي حققوا فيها الفوز بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد قبل أيام قليلة، فإن ما حدث في المباراة يجعل لزاما علينا نتسم بالحذر.» وأضاف: «ستكون مباراة قوية للغاية، خاصة وأنها مباراة ديربي. لا يتعين علي أن أوضح ما تعنيه مباريات الديربي، فالكل يعرف طبيعة مثل هذه المباريات.»
وكان مانشستر سيتي قد خسر أمام شاختار دونيتسك الأوكراني في دور المجموعات بدوري أبطال أوروبا يوم الأربعاء الماضي بهدفين مقابل هدف وحيد، وهي الهزيمة الأولى للفريق خلال 227 يوما، وتأتي بعد إراحة غوارديولا للكثير من لاعبيه الأساسيين واللعب بالصف الثاني. يقول توريه: «لقد لعبنا أمام فريق جيد. وكانوا رائعين في الهجمات المرتدة، ولذا يتعين علينا أن نكون أفضل من ذلك. لدينا لاعبون صغار في السن وما زالوا يتعلمون. لم يكن الأمر سهلا عليهم لأن دوري أبطال أوروبا مسابقة قوية للغاية وكان شاختار بحاجة إلى الفوز». وأضاف: «دعونا نرى الفرق بين مانشستر سيتي ومانشستر يونايتد بعد مباراة الديربي، لأن كل شيء ممكن أن يحدث في عالم كرة القدم. يتعين عليكم فقط أن تفهموا طبيعة كرة القدم، إذ يمكننا أن نخسر في بعض الأحيان. ويتعين علينا أن نقدم أداء قويا يوم الأحد. ستكون المباراة صعبة لأن مانشستر يونايتد يلعب بنفس الطريقة التي كان يلعب بها شاختار، وهي الاعتماد على الهجمات المرتدة والسرعة الفائقة واللعب بكل قوة. يتعين علينا أن نتحلى بالحذر، وسوف نتدرب بكل قوة ونحاول أن نكون على أهبة الاستعداد». وتابع: «لا نريد أن نخسر. يتعين علينا أن نتسم بالحذر الشديد لأن مانشستر يونايتد يلعب أمام الفرق الكبيرة على استغلال الأخطاء والهجمات المرتدة».
وفي الوقت نفسه، أشارت تقارير إلى أن مانشستر سيتي ومانشستر يونايتد قد يلعبان سويا الصيف المقابل في الولايات المتحدة الأميركية، كما فعلا في شهر يوليو (تموز) الماضي. وما زال مانشستر سيتي يفكر في المكان الذي سيقيم فيه فترة الإعداد للموسم المقبل. وقد تكون الصين هي المكان الأقرب حتى الآن، لكن غوارديولا يفضل إقامة المعسكر التدريبي في الولايات المتحدة. ومن شبه المؤكد أن مورينيو سوف يقيم فترة إعداد الموسم المقبل في الساحل الغربي للولايات المتحدة، وبالتحديد في لوس أنجليس، كما فعل الصيف الماضي. وقد يتمثل العائق في المكان الذي يتفق عليه الفريقان لإقامة المباراة. وكانت هذه هي المشكلة أيضاً الصيف الماضي حتى اتفق الفريقان على خوض المباراة في ملعب «ريلاينت» بمدينة هيوستن الأميركية. وأقيمت المباراة وسط حضور جماهيري بلغ 67401 وانتهت بفوز مانشستر يونايتد بهدفين مقابل لا شيء.
مواجهة قطبي مانشستر اليوم... لحظة من اللحظات المثيرة في تاريخ الدوري الإنجليزي
غالبية النقاد تتوقع هجوماً كاسحاً لسيتي ودفاعاً محكماً ليونايتد... فلمن تكون الغلبة في النهاية؟
مواجهة قطبي مانشستر اليوم... لحظة من اللحظات المثيرة في تاريخ الدوري الإنجليزي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة