جلسة طارئة لمجلس الأمن ترفض الموقف الأميركي

اعتبرت قرار ترمب حول القدس غير منسجم مع قرارات الأمم المتحدة

TT

جلسة طارئة لمجلس الأمن ترفض الموقف الأميركي

أعرب مجلس الأمن الدولي، أمس، رفضه الشديد للقرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن الاعتراف الأحادي الجانب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها.
وأوضح سفراء السويد وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا لدى الأمم المتحدة أن قرار دونالد ترمب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل «لا يتطابق مع قرارات مجلس الأمن الدولي»، مؤكدين أن القدس الشرقية جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وشددوا في إعلان صدر في بيان إثر اجتماع طارئ لمجلس الأمن على «أن وضع القدس يجب أن يحدد عبر مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تختتم باتفاق حول الوضع النهائي»، وأكدوا أنه في هذا الإطار «يجب أن تكون القدس عاصمة لدولتي إسرائيل وفلسطين. وفي غياب اتفاق، لا نعترف بأية سيادة على القدس. وبناء على القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، خصوصاً القرارات 467 و478 و2334، نعتبر القدس الشرقية جزءاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة». كما شددوا على أن «الاتفاق على الحدود بين الدولتين يجب أن يتم على أساس خطوط الرابع من يونيو (حزيران) 1967، وفق تبادل أراض يتفق عليه الجانبان. والاتحاد الأوروبي لن يعترف بأي تغيير لحدود 1967، بما فيها في القدس، إلا باتفاق الطرفين».
وأكد السفراء أن قرار ترمب «لا يخدم فرص السلام في المنطقة»، ودعوا «كل الأطراف والفاعلين الإقليميين إلى العمل معاً للحفاظ على الهدوء».
وبدأت الجلسة الطارئة بإحاطة قدمها نيكولاي ملادينوف، المنسق الخاص الأممي لعملية السلام في الشرق الأوسط، بدلاً من الأمين العام أنطونيو غوتيريس، التي كان مقرراً أن يلقيها نظراً لخطورة الموقف، خصوصاً بعد أن طٌلب منه ذلك عندما تقدمت الدول الأعضاء الـ8 بطلب عقد جلسة طارئة. وفي هذا الصدد، قال المندوب السويدي أولف سكود: «لقد طلبنا عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن اليوم (أمس) لمناقشة القرار الأميركي الأحادي الجانب بشأن القدس»، باعتباره «يغذي التوترات، ويزيد عدم الاستقرار في منطقة متقلبة ومضطربة بالفعل».
وشدد ملادينوف على قلق المنظمة الدولية البالغ «إزاء مخاطر تصاعد العنف جراء قرار ترمب»، مؤكداً أن القدس «قضية وضع نهائي، ويتعين التوصل إلى حل بشأنها عبر المفاوضات بين الجانبين»، كما شدد على أن موقف الأمم المتحدة واضح، وهو أنه يتعين التوصل إلى حل شامل وعادل ودائم بشأن القدس عبر المفاوضات بين الجانبين، وعلى أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة والاتفاقات المشتركة.
وفي السياق ذاته، أكد ملادينوف على أهمية الحفاظ على آفاق تحقيق السلام الآن أكثر من أي وقت مضى، موضحاً أن الأمم المتحدة ما زالت ملتزمة بقوة بدعم كل الجهود الهادفة إلى تطبيق حل الدولتين المتفاوض عليه. وقال عبر دائرة تلفزيونية مغلقة إن «هذه هي الطريقة الوحيدة لتحقيق التطلعات الوطنية المشروعة للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني. والأمين العام أعاد بوضوح التأكيد على هذه النقطة، وأنا أشدد عليها مرة أخرى: لا توجد خطة بديلة لحل الدولتين».
من جانبها، دافعت المندوبة الأميركية نيكي هايلي عن قرار الرئيس ترمب، وهددت بعدم السماح لاستخدام المنظمة الدولية كمنصة للهجوم على إسرائيل، موضحة أن الأمم المتحدة أضرت بعملية السلام، وكانت منبراً للعداء والكراهية لإسرائيل. وقالت هايلي بهذا الخصوص: «نرفض التلقين من بعض الدول حول مواقفنا. وقرار ترمب مرتبط بتحقيق رؤية الشعب الأميركي، وتم بناء على الأمر الواقع لمدينة القدس»، مشددة على أن بلادها «تبقى ملتزمة بعملية السلام في الشرق الأوسط، وتحركاتنا تهدف إلى دفع قضية السلام... ونحن نريد اتفاقاً عبر التفاوض»، كما أوضحت أن ترمب «لم يتخذ موقفاً بشأن الحدود... والوضع القائم مستمر على حاله في الأماكن المقدسة».
من جهته، أعرب المندوب الفرنسي عن أسفه للقرار الأميركي الأحادي الخاص بالقدس، مؤكداً أن بلاده «لن تعترف بمحاولات تغيير وضع القدس والتركيبة السكانية فيها، وستظل بالنسبة لنا أرضاً محتلة، ونحن نعتبر أي محاولة لتغيير وضعها باطلة، وينبغي التخلي عنها».
بدوره، قال مندوب روسيا إن قرار ترمب «يعقّد الأزمة»، مؤكداً دعم بلاده ووقوفها مع التسوية العادلة بين طرفي النزاع، بما في ذلك وضع مدينة القدس، موضحاً: «نحن مع حل الدولتين، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين».
وعلى مستوى أميركا الجنوبية، طالب مندوب الأوروغواي بمواصلة الجهود للعودة إلى المفاوضات، سعياً للتوصل إلى السلام من خلال حل الدولتين، فيما شدد مندوب بوليفيا على أن قرار ترمب يقوض عملية السلام، ويفاقم الصراع في الشرق الأوسط، مطالباً بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ووقف بناء المستوطنات.
وفي السياق ذاته، شدد مندوب كازاخستان على أهمية استئناف المفاوضات للوصول إلى حل الدولتين، وعلى تمتع شعبيهما بالأمن والسلام، فيما دعا مندوب السنغال إلى الالتزام بالوضع الحالي لمدينة القدس، والالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة. أما المندوب الإيطالي، فقد رفض القرار، مؤكداً أنه لا بديل لحل الدولتين.
وفي غضون ذلك، سلم وفد السعودية الدائم في نيويورك رسالة إلى السفير الياباني كورو بيشو، رئيس مجلس الأمن، موجهة إلى أعضاء المجلس، أرفق بها البيان الصادر عن الديوان الملكي السعودي بشأن وضع القدس.
وأكدت الرسالة مجدداً الحاجة الماسة إلى إيجاد حل عادل ومستدام لقضية فلسطين، وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة. وقالت الرسالة إن الخطوة الأميركية «لن تغير الحقوق الثابتة والمصانة للشعب الفلسطيني في القدس والأراضي الفلسطينية، ولن تتمكن من فرض واقع جديد عليها، إلا أنها (أي الخطوة) تعد تراجعاً كبيراً في جهود الدفع بعملية السلام، وإخلالاً بالموقف الأميركي المحايد (تاريخياً) من مسألة القدس؛ الأمر الذي سيضفي مزيداً من التعقيد على النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي».
وشاركت في الجلسة الدول الأعضاء بالمجلس، والأردن وفلسطين وإسرائيل. وبعد رفع الجلسة مباشرة، عقد سفراء الدول الأوروبية الأعضاء في المجلس (إيطاليا وفرنسا وألمانيا والسويد وبريطانيا) مؤتمراً صحافياً حول القدس، أكدوا فيه مواقف بلادهم الرافضة للقرار الأميركي، جملة وتفصيلاً.



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.