السودان يستعين بـ«إنتربول» لمحاصرة نزيف الدولار

توقيف «تجار عملة»... وتوجيهات للبنوك داخلياً وخارجياً لجذب التحويلات

السودان يستعين بـ«إنتربول» لمحاصرة نزيف الدولار
TT

السودان يستعين بـ«إنتربول» لمحاصرة نزيف الدولار

السودان يستعين بـ«إنتربول» لمحاصرة نزيف الدولار

اتخذ الاجتماع الرئاسي السوداني الثالث، أول من أمس، في العاصمة الخرطوم برئاسة الرئيس عمر البشير، وحضور 7 وزراء في القطاع الاقتصادي، قرارات بتوقيف 37 تاجر عملة، وسيتم مقاضاتهم كمن يتعامل في غسل الأموال، وذلك في إطار معالجة التسرب الكبير للدولار خارج الجهاز المصرفي.
ووجه الاجتماع الرئاسي المصارف السودانية بفتح نوافذ في جميع فروع البنوك التي تعمل في البلاد، لاستقطاب وتسهيل وجذب تحويلات المغتربين السودانيين، التي تحول 90 في المائة منها خارج النظام المصرفي داخل البلاد أو خارجها، وتقدر بنحو 9 مليارات دولار. وكذلك وجه البنوك السودانية التي لديها فروع في بعض الدول العربية بأن تنشط في استقطاب تحويلات المغتربين، التي تتسرب بنسبة 99 في المائة عبر السوق الموازية.
ووجه الاجتماع الرئاسي بإبلاغ البوليس الدولي (الإنتربول) وتسليمه قائمة المطلوبين في مخالفات تجارة العملة، وهي 4 مواد منصوص عليها في القوانين السودانية، بما فيها قانون غسل الأموال، ومادة حول تشبيه الفعل بتخريب الاقتصاد الوطني.
كما أصدر الاجتماع توجيهات لوزارة التجارة بوقف استيراد العديد من السلع، والتشديد على منح تراخيص السجلات التجارية، بجانب إجراءات اتخذها بنك السودان الأسبوع الماضي بإلزام شركات تصدير الذهب بدفع حصة له، وقرارات أخرى جرى التباحث حول سير تنفيذها في الاجتماع، وكيفية تطبيقها على أرض الواقع.
وتشير مصادر «الشرق الأوسط» إلى أن حملات بنك السودان على تجار العملة بالداخل والخارج قد أثرت كثيرا على العرض والطلب، لكنها لن تثني التجار عن مزاولة مهنتهم، وسيجدون ثغرات ومنافذ لتنفيذ عمليات تحويل الدولار وكل العملات بسهولة، بالاستفادة من تقنيات الاتصالات التي تسيطر على العالم.
ووفقا لمصادر حكومية تحدثت أمس لـ«الشرق الأوسط» عقب الاجتماع الرئاسي، فإن الذين تم القبض عليهم قد ثبت تورطهم في الاتجار غير الشرعي بالعملات الأجنبية ومعاندتهم للالتزام بالإجراءات الاقتصادية الأخيرة، الهادفة إلى محاربة السوق السوداء للدولار وإعادة التوازن للاقتصاد السوداني.
وتشن قوات الأمن في السودان منذ نحو أسبوعين حملة لكبح السوق الموازية للدولار، الذي بلغ سعره أمس نحو 25.5 جنيه سوداني، بعد أن بلغ 28 جنيها مع بداية تنفيذ الحملة قبل أسبوعين. والتي تقرر فيها كذلك وقف تمويل المصارف للتجارة المحلية إلا بعد التأكد من سلامة السجلات، وحصر التمويل المصرفي للإنتاج والصادر والصناعات التحويلية، وتحديد سقف لتحويل الرصيد وفق ما يتم الاتفاق عليه بين بنك السودان والهيئة القومية للاتصالات، والذي حدد بألف جنيه يوميا.
ويحذر المحلل الاقتصادي السوداني قرشي بخاري من الوصول إلى مرحلة ندرة بعض السلع أو هبوط كبير في إيراداتها نتيجة هذه السياسات الترشيدية لسعر الصرف، والتي أدت إلى حالة «عدم يقين» لدى المستوردين، حيث أحجم معظمهم عن البيع، ما يتطلب تحديد السلع التي سيشملها قرار الترشيد بدقة شديدة لإزالة حالة الغموض.
وأوضح بخاري أن «نجاح الإجراءات الأخيرة مرهون بقيام الجهاز المصرفي بدوره كبديل حقيقي للسوق الموازية، خاصة فيما يتعلق بمدخرات وتحويلات المغتربين، حيث نجد أن انتشار البنوك السودانية ومنافذها ووكلائها في الدول العربية ضعيف، وينحصر في السفارة والقنصلية، بينما تتم حركة التحويلات يوميا من كل الأنحاء... كما لا توجد أي عمليات تسويق وترويج مصرفي لجذب مدخرات المغتربين، كودائع استثمارية، وهذا مهدد كبير لنجاح هذه السياسات»، مقترحا أن يركز الاجتماع الرئاسي الأسبوعي المقبل على دفع البنوك للخروج من «حالة السلبية» التي تنتابها منذ أمد بعيد، على حد قوله.



وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 
TT

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة)، قبل أن تصبح اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وحاصلة على 9 شهادات قياسية من «غينيس».

وسميت «الكنداسة» اشتقاقاً من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

وفي عام 1926، وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم إلى جدة، إذ كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجهم من الماء.

أما نقطة التحول فكانت في 1974، العام الذي أنشئت فيه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية (الهيئة السعودية للمياه حالياً). وتدير حالياً 33 محطة تحلية، من بينها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر.

وتنتج هذه المحطات 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يعادل نحو 70 في المائة من إنتاج المياه المحلاة في المملكة، ما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وقد سجّلت في فبراير (شباط) الماضي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعة أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة «غينيس» العالمية، وذلك لإنتاجها ما يزيد على 11.5 مليون متر مكعب يومياً.

استثمارات ضخمة

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف (كوب 16) المقام حالياً في الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن العاصمة الرياض على سبيل المثال تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

ولم تدخر السعودية الخبرات التي جمعتها منذ أن تحولت تحلية المياه من «الكنداسة» إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

فقد وقّعت في يوليو (تموز) 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً.

وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وتسعى البلاد إلى مساعدة الدول الأخرى في تحسين كفاءة قطاع المياه وتطوير حلول مستدامة، ما يحقق الهدف السادس لهيئة الأمم المتحدة: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، وفق البيان.

تقنيات الطاقة

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80 في المائة، وتهدف إلى أن تصبح 83 في المائة من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

آل الشيخ متحدثاً للحضور خلال إحدى الجلسات على هامش مؤتمر (كوب 16) بالرياض (الشرق الأوسط)

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

و«قد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في بعض الفصول».

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بتكاليف الإنتاج، أكد آل الشيخ أن تكلفة تحلية المياه قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ كانت تكاليف إنتاج متر مكعب واحد من الماء تتجاوز 4 ريالات (1.06 دولار) في الماضي، بينما الآن لا تتجاوز التكلفة 2.5 ريال (نحو 0.67 دولار)، مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل.

وخلال الجلسة الحوارية على هامش «كوب 16»، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار خلال الجلسة الحوارية (الشرق الأوسط)

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.