مارتن لوثر والإصلاح الديني الكبير

الألمان وعلى رأسهم ميركل يحتفلون به على مدار العام

مارتن لوثر
مارتن لوثر
TT

مارتن لوثر والإصلاح الديني الكبير

مارتن لوثر
مارتن لوثر

بتاريخ 31 من شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 1517، أي قبل 500 سنة بالضبط، علق مارتن لوثر 95 أطروحة لاهوتية ثورية تحريرية على باب كنيسة ويتنبيرغ، فهز العالم المسيحي هزّاً وقسمه إلى نصفين: نصف مع الإصلاح الديني ونصف ضده، نصف كاثوليكي ونصف بروتستانتي. وهو الحدث التاريخي الأعظم الذي تحتفل به ألمانيا حالياً على مدار العام برئاسة أنجيلا ميركل. ويرى المؤرخون المختصون أن الإصلاح الديني الذي حصل في القرن السادس عشر، وتزامن مع عصر النهضة وإشراقة الشمس الرائعة، يشكل لحظة حاسمة ليس فقط بالنسبة للأمة الألمانية، وإنما للشعوب الأوروبية بمجملها. فهو الذي جدد فهم الدين وقوم اعوجاجه وانحرافاته. ومن الذي فعل ذلك وتجرأ عليه؟ إنه المصلح الكبير مارتن لوثر (1483 - 1546). ولهذا السبب يحتفل به الألمان حالياً وعلى رأسهم المستشارة العتيدة. ومعلوم أن والدها كان قساً لوثرياً بروتستانتياً. فهذا الرجل - أي مارتن لوثر - هو الذي أعلن العصيان على روما واتهم البابا ورجال الدين بالانحراف عن المبادئ الإنجيلية والمثالية العليا للدين. كما واتهمهم باستغلال العقيدة لأغراض شخصية انتهازية ما أنزل الله بها من سلطان. وهو الذي أيقظ الألمان من سباتهم الطويل أو غفوتهم العميقة وأشعرهم بهويتهم وشخصيتهم التاريخية. وهو الذي أسس اللغة الألمانية عندما ترجم الكتاب المقدس إليها. نعم ترجمة كتاب واحد دشنت تاريخ ألمانيا! فقبل ذلك كانت اللغة الألمانية تعتبر مجرد لهجة محلية أو لغة عامية سوقية لا ترتفع إلى مستوى اللغة الثقافية المحترمة. كانت لغة الثقافة آنذاك هي اللاتينية في كل أنحاء أوروبا. وكان لوثر كاتباً عظيماً وخطيباً مفوهاً يهز الألمان هزاً. ويقال بأن أسلوبه البركاني المتفجر لا مثيل له في تاريخ ألمانيا باستثناء نيتشه.
والواقع أن الفاتيكان كان يستغل الشعب الألماني مادياً، بل ويضحك عليه إذا جاز التعبير. كيف؟ عن طريق اللعب على وتر العاطفة الدينية المسيحية وإقناعه بالبقاء في حضن الكنيسة، من أجل ابتزازه و«حلبه» وسحب عشرات الملايين منه سنوياً، بغية بناء القصور في روما للكرادلة والمطارنة وبقية رجال الدين الأثرياء (بين قوسين: من يتجرأ على التحدث عن الثروات الفاحشة لبعض رجال الدين ونجوم الفضائيات عندنا؟ لقد أصبحوا مليونيريين بفضل المتاجرة بالدين! ما علاقة هؤلاء المكتظين المتخمين بالتقى والورع ومكارم الأخلاق؟ ما علاقتهم بجوهر الدين الحنيف؟ ومتى سيظهر لوثر إسلامي جديد لكي يفضحهم؟).
ثم جاء لوثر وقال للألمان: هذا البابا يضحك عليكم منذ مئات السنين، ويمص دمكم مصاً باسم الدين، وهو أبعد ما يكون عن الإيمان الحقيقي والتقى والورع. هل تعلمون بأنه يعيش حياة البذخ والثراء الفاحش الذي نهى عنه المسيح والإنجيل قطعياً؟ وبالتالي كفاكم غباءً واتباعاً للبابا والفاتيكان. فكبار رجال الدين خرجوا على الدين في أغلبيتهم وأفسدوه وأصبحوا أثرياء جداً، ولم تعد طاعتهم واجبة أبداً. ينبغي أن يعود الدين إلى نقائه الأولي وقيمه الأخلاقية والإنجيلية العليا. ثم شن لوثر هجوماً صاعقاً على صكوك الغفران التي كان الفاتيكان يبيعها للشعب الفقير الجاهل موهماً الناس بأنهم سيدخلون الجنة ما إن يشتروها. لكأن الجنة تُشترى بالفلوس! عندئذ جن جنون لوثر وانطلق بثورته العارمة التي غيرت وجه العالم. ومعلوم أن البابا كان يرسل رجالاته إلى كل أنحاء ألمانيا لبيع هذه الصكوك السخيفة التي لا علاقة لها بالإيمان ولا بالدين الصحيح، من أجل جبي الضرائب أو الزكاوات المقدسة والأموال الطائلة من الشعب الفقير الجاهل. وكان الإنسان المسيحي يعتقد فعلاً أنه سيدخل الجنة بمجرد شرائها. وعلى هذا النحو كانت ثروات الشعب الألماني وأمواله تنتقل بمعظمها إلى بلاد أجنبية أخرى، هي روما وإيطاليا والفاتيكان. نعم لقد أشعر لوثر الشعب الألماني بهويته وشخصيته القومية وكرامته الإنسانية. وبدءاً من تلك اللحظة لم تعد أموال الشعب تذهب إلى قصور الفاتيكان وإنما أصبحت تستخدم لبناء نهضة ألمانيا ذاتها. لقد كشف لوثر الغطاء عن فضائح رجال الدين وألاعيبهم. وقال للشعب: احذروا هؤلاء الناس الفاسدين الذين يستغلون الدين لغايات شخصية انتهازية مضادة لجوهر الدين ذاته. ألا ترون كيف يكنزون الذهب والفضة والثروات الطائلة؟ فهل هذا ما دعا إليه الإنجيل؟ ألم يقل العبارة الشهيرة: «مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله»؟
ثم قال: أنتم لستم بحاجة إلى رجال الدين، لكي تفهموا دينكم، أو لكي تفسروا الكتاب المقدس. فالمؤمن له علاقة مباشرة مع ربه وليس بحاجة إلى وسيط. لقد انتهى عهد الوسطاء والسماسرة الذين يتاجرون بالدين والدين الحق منهم براء. إنهم يزيدون الشعب جهلاً على جهل وفقراً على فقر. ثم قال لا نعترف إلا بالإنجيل وكل ما عداه كلام بشري عرضة للأخذ والرد والغربلة والتمحيص. فكلام البابوات بشري وليس معصوماً على الإطلاق كما يزعمون. (بين قوسين: لحسن الحظ فإن الفاتيكان تغير كثيراً وتجدد وقام بثورته اللاهوتية الرائعة عام 1962 - 1965. ولم يعد المذهب الكاثوليكي تكفيرياً ظلامياً كما كان في السابق. أبداً، أبداً. كل هذا أصبح في ذمة التاريخ الآن. وبالتالي فنحن نتحدث عن الماضي لا عن الحاضر).
لقد تجرأ لوثر على ترجمة الكتاب المقدس إلى لغة عامية سوقية، وأسس بذلك اللغة الألمانية بالمعنى المتعارف عليه اليوم. وبالتالي فلوثر ليس فقط زعيم الإصلاح الديني، وإنما هو أيضاً مؤسس اللغة الألمانية والآداب الألمانية ذاتها. فبضربة معلم قل نظيرها في التاريخ استطاع أن يؤسس لغة جديدة ومذهباً جديداً. بل واستطاع أن ينفخ الروح في الأمة الألمانية! ولذلك يعتبرونه أعظم شخصية ظهرت في تاريخهم... لقد طهّر الدين من الشوائب التي لحقت به على مر العصور. ثم انتقلت أفكار لوثر إلى كل أنحاء أوروبا، وانتشرت انتشار النار في الهشيم. وعندئذ انقسمت كل البلدان إلى قسمين كما قلنا سابقاً: قسم مع لوثر وقسم مع عدوه اللدود بابا روما. وعموماً فإن بلدان الشمال الأوروبي قلبت كلها في جهة لوثر والإصلاح الديني، نذكر من بينها ألمانيا الشمالية بطبيعة الحال والبلدان الإسكندنافية مثل السويد والنرويج والدنمارك وفنلندا... هذا بالإضافة إلى قسم كبير من هولندا وإنجلترا وسويسرا. وهي من أرقى بلدان أوروبا وأكثرها تطوراً وحضارة. فالعقلية البروتستانتية مشهورة بصرامتها الأخلاقية واستقامتها ونزاهتها. ولا ينبغي أن ننسى الولايات المتحدة الأميركية أكبر بلد بروتستانتي في العالم. وبهذا الصدد ينبغي العلم بأن كبار فلاسفة ألمانيا من أمثال كانط وهيغل وفيخته ونيتشه وسواهم كانوا لوثريين بروتستانتيين. هذا دون أن ننسى غوته بطبيعة الحال. وحده هيدغر كان كاثوليكياً.
أما بلدان الجنوب الأوروبي فقد بقيت كاثوليكية في معظمها ومخلصة لبابا روما. نذكر في طليعتها إيطاليا بطبيعة الحال ثم فرنسا وإسبانيا والبرتغال. وهي الدول التي تكره لوثر كرهاً شديداً، وتعتبره المسؤول عن تقسيم المسيحيين. وبعدئذ اندلعت الحروب المذهبية بين الطرفين طيلة القرنين السادس عشر والسابع عشر بل وحتى الثامن عشر والتاسع عشر إلى حد ما. وفيما يخص آيرلندا الشمالية حتى أواخر القرن العشرين. واجتاحت حرب الثلاثين عاماً معظم أنحاء أوروبا، ولم يبق فيها زرع ولا ضرع. وذهبت ضحيتها عشرات الملايين. نصف الشعب الألماني قتل فيها أو ثلثه على الأقل. وهذا يعني أن الحروب الطائفية من أخطر الحروب وأكثرها فتكاً وتدميراً. ولذلك فعندما يقول لك بعض المثقفين العرب بأننا لسنا بحاجة للمرور بالمرحلة التنويرية للخروج من المغطس الحالي، فهذا يعني أنهم يغالطون ويكابرون ويرفضون الاعتراف بحجم المشكلة أو حتى بطبيعتها وخطورتها. إنهم مصرون على التشبث بالفهم القديم الراسخ للدين، بحجة أن الشعب مرتبط به أو متشبع به. ولكن الشعوب الأوروبية كانت أيضاً مشبعة بهذا المفهوم الأصولي القديم. وهذا لم يمنع فلاسفة الأنوار من الثورة عليه وتفكيكه من أساساته. على العكس لقد دفعهم إلى ذلك دفعاً. وأصلاً لم تقلع أوروبا حضارياً إلا بعد أن تجاوزت هذا الفهم الطائفي والظلامي للدين.
وعندئذ ظهر تأويل جديد للدين المسيحي غير ذلك الذي كان موروثا عن العصور السابقة. وقد لعب جان جاك روسو دوراً كبيراً في بلورة المفهوم العقلاني التنويري للدين المسيحي. ولهذا السبب هاجمه الإخوان المسيحيون الأشداء بعنف ولاحقوه في كل مكان وأقضوا مضجعه. بل وحاولوا اغتياله أكثر من مرة. ولكنه لم يهن ولم يتراجع، واعتبر أن مفهومهم الظلامي للدين هو سبب الحروب الطائفية التي دمرت أوروبا ومزقت نسيجها الاجتماعي. فلم يعد أحد يثق بأحد وأصبح كل شخص يخشى جاره. بهذا المعنى فقد شكل روسو قفزة جديدة - وأي قفزة! - قياساً إلى مارتن لوثر وكالفن وكل زعماء الإصلاح الديني. وذلك لأنه علْمَن المسيحية تماماً وأخرجها من انغلاقها اللاهوتي وتقوقعها المذهبي الضيق. لقد حرر الإيمان من النزعات الطائفية والمذهبية المتعصبة. وقل الأمر ذاته عن فولتير وكانط وبقية فلاسفة التنوير الكبار. كلهم قدموا تفسيراً تنويرياً وروحانياً جديداً عن الدين. كلهم اشتبكوا مع التفسير الطائفي القديم الراسخ، أي التفسير التكفيري الظلامي، وفككوه من جذوره وأطاحوا به تدريجياً. وبالتالي فهناك الإصلاح الديني، وهناك التنوير الفلسفي الذي تلاه وتجاوزه وبينهما قرن ونصف القرن أو قرنان. والآن العرب مطالبون بتحقيق الشيئين معاً. إلا أنه هول دونه الهول! وعلى هذا النحو استطاعت أوروبا أن تخرج من ظلماتها اللاهوتية وفتاواها التكفيرية ومذابحها الطائفية. على هذا النحو راحت تدخل رويداً رويداً في مناخ العصور الحديثة. على هذا النحو راحت تحقق انطلاقتها الصاروخية بعد أن تخلصت من الحشو وحشو الحشو والتراكمات التراثية. على هذا النحو راحت تشكل الدولة المدنية الحديثة والمواطنة الحقة الجامعة التي تساوي بين الجميع أقلية كانوا أم أكثرية، بروتستانتيين أم كاثوليكيين. ولم يعد هناك مواطن درجة أولى ولا مواطن درجة ثانية. كلهم متساوون أمام القانون. هذه هي القفزة الفكرية والسياسية الهائلة التي حققها فلاسفة الأنوار الكبار. وهذا هو سبب نجاح الربيع الأوروبي في القرن التاسع عشر على عكس الربيع العربي الذي لم يحظ بأي تنوير فكري أو ديني قبل اندلاعه فكانت الكارثة والفشل الذريع. كان أن سيطرت عليه التيارات الإخوانجية الداعشية وقضت عليه قضاء مبرماً وأدخلتنا في حروب أهلية دموية لا تبقي ولا تذر. وبالتالي فإذا ما عرف السبب بطل العجب. وها نحن نعود إلى نقطة الصفر مجدداً. ماذا يعني كل ذلك؟ إنه يعني ما يلي: إذا لم ينجح التنوير العربي الإسلامي يوماً ما فلا حل ولا خلاص. ما دام اللاهوت الديني التكفيري القديم مسيطراً على عقول الجماهير بل وحتى نصف المثقفين إن لم يكن ثلاثة أرباعهم! فلا يمكن أن يتحقق السلم الاجتماعي ولا الوحدة الوطنية في أي بلد عربي. ولا يمكن للنهضة العربية أن تنطلق ولا أن تقوم للعرب قائمة في المدى المنظور. ولا يمكن للعصر الذهبي أن يعود مرة أخرى. وبالتالي فإما أن نتخلص من أفكار التطرف الأعمى التي جعلتنا في مواجهة مكشوفة مع العالم كله وإما أن نخضع لها صاغرين إلى أبد الآبدين. باختصار شديد: إما الفارابي وابن سينا وإما الغزالي وابن تيمية، إما طه حسين وإما حسن البنا، إما عباس محمود العقاد وإما الإخوان المسلمون الذين حاولوا اغتياله. أما محمد أركون وإما يوسف القرضاوي. إما العفيف الأخضر وعبد الوهاب المؤدب وإما راشد الغنوشي، إما عبد النور بيدار وإما طارق رمضان. أما إسلام الأنوار وإما إسلام الظلام. ولكم الخيار! المعركة فكرية إذن قبل أن تكون سياسية. ولن تُحسم سياسياً قبل أن تُحسم فكرياً.



اكتشاف بقايا معبد الوادي لحتشبسوت في الأقصر

اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)
اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)
TT

اكتشاف بقايا معبد الوادي لحتشبسوت في الأقصر

اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)
اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)

أعلن عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس، الأربعاء، عن اكتشاف بقايا معبد الوادي للملكة حتشبسوت بالأقصر (جنوب مصر)، مع عدد من الاكتشافات الأثرية الأخرى، من بينها مقبرة المشرف على قصر الملكة تتي شيري، وجزء من جبَّانة بطلمية.

جاء الكشف في إطار عمل البعثة الآثارية المشتركة التابعة لـ«مؤسسة زاهي حواس للآثار والتراث» بالتعاون مع «المجلس الأعلى للآثار» التابع لوزارة السياحة والآثار المصرية. وأشار حواس، في مؤتمر صحافي بالأقصر، إلى أن «البعثة تعمل في المنطقة منذ عام 2022، وتمكنت خلال ثلاث سنوات من التوصل عبر الحفائر إلى عدد من الاكتشافات الأثرية المهمة في المنطقة الواقعة عند بداية الطريق الصاعدة لمعبد الملكة حتشبسوت بالدير البحري».

وكشفت البعثة عن جزء من أساسات معبد الوادي للملكة حتشبسوت التي تولت الحكم بين (1479 و1458 قبل الميلاد)، ويقع الجزء المكتشف عند مشارف الوادي، وهو بوابة الدخول الرئيسية للمعبد الجنائزي للملكة حتشبسوت المسمى «جسر جسرو»، الذي يعدّ «أجمل المعابد الفرعونية على الإطلاق»، بحسب حواس.

وقال حواس إن «البعثة عثرت على عدد كبير من نقوش معبد الوادي، التي تعدّ من أندر وأجمل نماذج فن النحت في عصر الملكة حتشبسوت وتحتمس الثالث، حيث لا يوجد مثيل لها في المتاحف المصرية سوى نماذج قليلة في متحفي (الأقصر) و(المتروبوليتان) في نيويورك»، مشيراً إلى أن «مجموعة النقوش الملكية المكتشفة حديثاً هي الأكمل على الإطلاق من بقايا معبد الوادي، الذي تعرَّض للهدم خلال عصر الرعامسة والأسرة التاسعة عشرة».

الدكتور زاهي حواس يعلن عن الكشف الأثري (البعثة الآثارية)

بدوره، قال الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد إن «البعثة عثرت أيضاً على أكثر من مائة لوحة من الحجر الجيري والرملي مسجل عليها أسماء وخراطيش الملكة حتشبسوت (اسم الميلاد واسم التتويج على العرش)، تُعدّ جزءاً من ودائع الأساس، التي تؤكد على ملكية صاحب المعبد».

ومن بين اللوحات الحجرية المكتشفة، لوحة من الحجر الجيري تحمل بالنقش البارز اسم المهندس المعماري المختص بقصر الملكة حتشبسوت واسمه سنموت، ولقبه «المشرف على القصر».

وقال حواس إن «مجموعة ودائع الأساس الكاملة للملكة حتشبسوت تُعدّ من أهم مكتشفات البعثة، لا سيما أنها تأتي بعد مرور ما يقارب القرن من الزمان منذ أن كشف العالم الأميركي هيربرت وينلوك عن آخر مجموعة كاملة من ودائع الأساس للملكة حتشبسوت في موقع المعبد الجنائزي في الفترة من (1923 - 1931)».

عدد من اللقى الأثرية في الكشف الأثري الجديد (البعثة الآثارية)

وعثرت البعثة على مقبرة شخص يدعى جحوتي مس، وهو المشرف على قصر الملكة تتي شيري، وأوضح حواس أن «الملكة تتي شيري هي جدة الملك أحمس محرر مصر من الهكسوس، وأم والدة الملك سقنن رع، أول ملك شهيد في حرب الكفاح والتحرير»، وقال: «المقبرة تلقي كثيراً من الضوء على تلك الفترة المهمة من تاريخ مصر».

وتؤرخ المقبرة بالعام التاسع من حكم الملك أحمس الأول (1550 - 1525 قبل الميلاد)، وهي عبارة عن حجرة مربعة منحوتة في الصخر تتقدمها مقصورة من الطوب اللبن المكسو بطبقة من الملاط الأبيض ولها سقف مقبى.

وداخل حجرة المقبرة عُثر على بقايا رسوم ملونة باللون الأحمر على طبقة من الملاط الأبيض، وفي أرضية الحجرة عُثر على بئر مستطيلة تؤدي إلى حجرتَي دفن، وفي البئر تم العثور على مائدة قرابين من الحجر الجيري، وكذلك على اللوحة الجنائزية لصاحب المقبرة.

الاكتشافات تضمنت مقابر بطلمية (البعثة الآثارية)

وعلى الرغم من اللقب المهم الذي كان يحمله صاحب المقبرة، فإن «هيئة وبساطة المقبرة تعطي الكثير من المعلومات عن الحالة الاقتصادية في بدايات الأسرة الثامنة عشرة، التي جاءت بعد حروب مريرة من أجل التحرير استنزفت اقتصاد الدولة»، وفق حواس.

أعلن حواس أيضاً الكشف عن «جزء من جبانة بطلمية ممتدة شغلت موقع الطريق الصاعدة ومعبد الوادي، وشُيّدت مقابرها من الطوب اللبن وأجزاء من حجارة معبد الملكة حتشبسوت». وأوضح أن «هذه الجبَّانة كان قد تم الكشف عن بعض أجزائها عن طريق بعثات أجنبية في بدايات القرن الماضي ولم يتم توثيقها بشكل مناسب».

وتضمن الكشف العثور على عدد كبير من الآثار التي توثق تلك الفترة التاريخية، بينها عملات برونزية تحمل صورة الإسكندر الأكبر، وتعود لعصر بطلميوس الأول (367- 283 قبل الميلاد)، كما تم العثور على ألعاب أطفال من التراكوتا (الطين المحروق)، بأشكال آدمية وحيوانية، وكذلك عدد من قطع الكارتوناج والماسكات الجنائزية التي كانت تغطي المومياوات، وعدد من الجعارين المجنحة والخرز والتمائم الجنائزية.

الجعارين والنقوش الجنائزية من المكتشفات الجديدة (البعثة الآثارية)

كما أعلن حواس أن «البعثة عثرت أيضاً على عدد من المقابر الصخرية من عصر الدولة الوسطى (2050 - 1710 قبل الميلاد)»، مشيراً إلى أن «البعثة كشفت بموقع معبد الوادي عن التسلسل التاريخي للموقع، الذي بدأ إشغاله في عصر الدولة الوسطى، واستمر حتى بداية الأسرة الثامنة عشرة عندما أمر المهندس سنموت بوقف الدفن في المنطقة، واختاره موقعاً لتشييد معبد الوادي».

وقد عمل سنموت على دفن الجبانة أسفل كميات كبيرة من الرمال، ضمن أعمال تمهيد الموقع لتشييد معبد الوادي، وفق حواس.

وتضمن الكشف الأثري أيضاً عدداً من المقابر الصخرية التي تعود لعصر الدولة الوسطى، بداخلها عدد من القطع الأثرية، من بينها موائد القرابين المصنوعة من الفخار وعليها مجسمات للقرابين من خبز ونبيذ ورأس وفخذ الثور، وقال حواس: «هذه الموائد من الآثار المميزة لعصر الدولة الوسطى».

كشفت البعثة أيضاً، بحسب حواس، عن عدد من أبيار الدفن من عصر الأسرة السابعة عشرة (1580 - 1550 قبل الميلاد)، منحوتة في الصخر، وبداخلها عدد من التوابيت الخشبية بالهيئة الإنسانية، التي تُعرَف بالتوابيت الريشية.

من بين التوابيت المكتشفة، تابوت لطفل صغير مغلق وموثق بالحبال، التي لا تزال على هيئتها منذ دفنها قبل 3600 سنة، بحسب حواس، الذي أشار إلى العثور، بجانب تلك التوابيت، على «حصير ملفوف تعدّ البعثة حالياً برنامجاً خاصاً لترميمه ونقله للعرض بمتحف الحضارة».

وكانت البعثة قد نقلت إلى متحف الحضارة في موسم الحفائر الماضي (2023 - 2024)، أحد اكتشافاتها، وهو سرير من الخشب والحصير المجدول يعود إلى عصر الأسرة السابعة عشرة، كان يخصّ أحد حراس الجبانة.

وعدّ حواس «العثور على أقواس الرماية الحربية، أحد المكتشفات المهمة للبعثة، لا سيما أنها تشير إلى وظيفة أصحاب هذه المقابر، وخلفيتهم العسكرية وكفاحهم لتحرير مصر من الهكسوس».