خبر «كاذب» عن ملاحقة فاسدين يُغضب نواب الرئيس العراقي

حملة مكافحة الفساد في بغداد تلقى صدى في كردستان

TT

خبر «كاذب» عن ملاحقة فاسدين يُغضب نواب الرئيس العراقي

جوبهت «هفوة» ارتكبتها جريدة «الصباح» شبه الرسمية بردود فعل غاضبة من الجهات الرسمية المعنية بالخبر الذي ورد في عددها الصادر، أمس، والمتعلق بخبر نقلته الجريدة عن رئيس هيئة النزاهة حسن الياسري، بشأن إحالة نواب رئيس الجمهورية (نوري المالكي، إياد علاوي، أسامة النجيفي) إلى القضاء بدعوى «الكسب غير المشروع».
ورغم الاعتذار الذي قدمه رئيس تحرير الجريدة عباس عبود، الذي أجرى اللقاء مع رئيس هيئة النزاهة، عما سماه «خطأ مطبعياً» ارتكبته الجريدة، وأوردت فيه أسماء نواب الرئيس سهواً، فإن ذلك لم يوقف موجة الغضب والبيانات المنددة والمكذِّبة للخبر، حيث ندد حزب «الدعوة» الذي يتزعمه المالكي و«استنكر بشدة» ما ورد في الجريدة، معتبراً أنها «حماقة وكذب وتزوير بحق أمينه العام نوري المالكي». وقال بيان صادر عن الحزب، أمس، إن «ما نشرته (الصباح) على أوراقها الصفراء من تحريف واضح لحديث السيد رئيس هيئة النزاهة الدكتور حسن الياسري، المحترم، يشكل إساءة صارخة».
بدوره، اعتبر نائب الرئيس أسامة النجيفي، الخبر «فعلاً غير مسؤول»، ويأتي في إطار «استهداف سياسي واضح». وقال النجيفي، في بيان أصدره أمس، إنه «من المؤسف حقاً أن تتناقل وسائل الإعلام خبراً مختلقاً لا أساس له من الصحة». وأضاف النجيفي أن «هذا الفعل غير المسؤول يكشف الضعف وعدم المهنية، وينبغي ألا يمر هذه الفعل دون حساب وتحقيق».
إلى ذلك، نفت هيئة النزاهة، أمس، المعلومات التي أوردتها جريدة «الصباح»، وقالت في بيان إن «موضوع إحالة نواب رئيس الجمهورية إلى القضاء بدعوى الكسب غير المشروع نُقل خطأً». وبيّنت الهيئة أن «رئيس الهيئة أشار في اللقاء إلى أن الهيئة كانت قد قامت بفتح ملف الكسب غير المشروع لأول مرة في العراق نهاية عام 2015 وفي عام 2016، إذ أسفر فتح هذا الملف عن إحالة نواب رئيس الوزراء السابقين إلى القضاء في وقتها، وليس نواب رئيس الجمهورية».
إلى ذلك، يبدو أن ما يحصل اليوم في العراق هذه الأيام من حملة قوية ضد الفساد وجد صدى في إقليم كردستان، الذي أكد رئيس هيئة نزاهته أحمد أنور، في تصريحات صحافية، أن الهيئة «تتطلع إلى التنسيق والتعاون مع النزاهة العراقية من أجل مكافحة الآفة في كردستان أيضاً، وأن الهيئة ترحب باسترجاع الأموال المسروقة من الإقليم، شرط أن يستفيد شعب كردستان من تلك الأموال المستعادة».
وفي السياق ذاته شجعت الإجراءات الأخيرة للحكومة العراقية لملاحقة الأموال المهربة ومحاسبة المسؤولين عن الفساد، الكتل البرلمانية الكردية، منها كتلة حركة التغيير في البرلمان العراقي، للتقدم بعدة مشاريع ومقترحات من أجل شمول إقليم كردستان بتلك الإجراءات. وكشف النائب عن كتلة التغيير أمين بكر، في اتصال معه من بغداد أن «الكتلة سبق أن أعدت مشروعاً بهذا الصدد منذ عام 2015 وقدمته لهيئة رئاسة البرلمان التي شكلت لجنة للمتابعة برئاسة نائب رئيس البرلمان همام حمودي، ولكن الصراعات والتحالفات حالت دون أن يرى ذلك المشروع النور في ذلك الوقت، ولذلك مع ظهور نيات جدية من الحكومة الحالية باتجاه مكافحة الفساد تشجعنا مرة أخرى وأحيينا ذلك المشروع وقدمناه لهيئة الرئاسة التي حوّلته إلى اللجنة القانونية لاستكمال الإجراءات بغية عرضه على المناقشة البرلمانية». وكشف النائب الكردي عن ملامح المشروع قائلاً: «المشروع يدعو إلى تشكيل هيئة خاصة مهمتها إجراء تدقيق شامل بحسابات الإقليم، بحيث يشمل التحقيق في حسابات كبار المسؤولين في العراق وإقليم كردستان مسألة الإثراء غير المشروع والصفقات التجارية، والفساد المتعلق بالملفات النفطية والاستثمارات، وغيرها. ويدعو المشروع إلى شمول الشركات والمستثمرين الأجانب الذي شاركوا مع الجهات المحلية في مشاريع مشتركة أو استفادوا من الجو العام من التسيب وعدم المحاسبة وجنوا أموالاً طائلة جراء الفساد المستشري في كردستان خلال السنوات الماضية في ظل غياب الرقابة المالية والمحاسبات القانونية». وأشار أمين بكر إلى أن «كتلة التغيير دعمت أيضاً مشروعاً آخر قدمته كتلة الجماعة الإسلامية بمجلس النواب تحت اسم قانون (من أين لك هذا؟) وهو بدوره يحقق في الإثراء غير المشروع باستغلال السلطة وهيمنة الأحزاب والشخصيات السياسية على المقدرات الاقتصادية بإقليم كردستان، فنحن نعلم أن هيئة النزاهة في كردستان كانت عاجزة عن متابعة ملفات فساد المسؤولين بسبب تدخلات السلطة وتسترها على الفاسدين، وأن الكثيرين من مسؤولي السلطة استغلوا غياب الرقابة البرلمانية وضعف دور هيئة النزاهة هناك للإثراء والتكسب غير المشروع».
من جانبه أكد رئيس هيئة النزاهة بإقليم كردستان الدكتور أحمد أنور أن «الإقليم هو جزء من النظام الاتحادي في العراق وفقاً للدستور، ومع ذلك فإن الإقليم له سلطاته القضائية والقانونية والإدارية المستقلة، ولذلك لا يمكن للحكومة الاتحادية أن تتدخل بشؤونه بذريعة مكافحة الفساد، ومع ذلك فنحن نرحب بالإجراءات التي تقوم بها الحكومة الاتحادية في هذا المجال، ويسعدنا أن تتمكن من استعادة الأموال المهربة إلى الخارج في إطار الفساد، ونأمل أن تشجع إجراءات الحكومة العراقية لإطلاق حملات مماثلة هنا في كردستان».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.