خلفيات فك الارتباط بين الظواهري والجولاني

«القاعدة» تهاجم «تحرير الشام» وتتوعد بالرد

عناصر من «جبهة النصرة»  قبل انفصالها عن «القاعدة» («الشرق الأوسط»)
عناصر من «جبهة النصرة» قبل انفصالها عن «القاعدة» («الشرق الأوسط»)
TT

خلفيات فك الارتباط بين الظواهري والجولاني

عناصر من «جبهة النصرة»  قبل انفصالها عن «القاعدة» («الشرق الأوسط»)
عناصر من «جبهة النصرة» قبل انفصالها عن «القاعدة» («الشرق الأوسط»)

تأتي حملة الاعتقالات التي طالت «جهاديين» بارزين في سوريا، والتي شنتها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً)، لتؤكد الانفصال الآيديولوجي للهيئة عن تنظيمها الأم أي تنظيم القاعدة. فهذا المسار الانفصالي الذي بدأت تلوح بوادره منذ شهر يوليو (تموز) 2016، والذي يندرج ضمن استراتيجية زعيم «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني الساعي إلى إعطاء الهيئة طابعاً سياسياً سورياً محضاً، يمكن أن يشكل سابقة على ساحة المتشددين الدولية، كما يأتي ليبرهن أن «جهاد القاعدة» فشل للمرة الثانية في سوريا، بعد أن قطع أواصر صلته في عام 2014 بتنظيم داعش.
ففي 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، تناقل بعض من أنصار «هيئة تحرير الشام» خبر توقيف سامي العريدي وأبو جليبيب بعد اجتماع تمت الدعوة إليه من قبل الهيئة. ويبدو أن الاعتقال استهدف عدداً من أعضاء «جبهة النصرة» التي كانت ذراع تنظيم القاعدة في سوريا سابقاً، والتي حُلَّت في يوليو (تموز) 2016 عندما انفصلت عن تنظيمها الأم، وأعيد تسميتها باسم جبهة «فتح الشام». وإلى جانب الدكتور سامي العريدي وأبو جليبيب الأردني، ألقى القبض أيضاً على أعضاء بارزين آخرين مثل أبو خديجة الأردني، وأبو مصعب الليبي، وفق الخبير المتخصص بالساحة «الجهادية» السورية حسن دغيم.
كما انتشرت معلومات عن توقيف أبو همام السوري، القائد العسكري السابق في «النصرة»، وأبو القاسم الأردني، نائب أبو مصعب الزرقاوي عضو تنظيم القاعدة السابق في العراق، الذي أعلن مقتله في غارة أميركية عام 2006. ويشير الشيخ دغيم إلى أن جميع هؤلاء الأعضاء كانوا يعارضون انتقال الهيئة من الثوب «الجهادي» السلفي إلى الثوب المدني. وكان قد سبق عمليات الاعتقال هذه حملة اغتيالات طويلة بحيث كشف المحلل السوري هايد هايد من «المجلس الأطلسي» عن أكثر من 35 عملية اغتيال طالت أعضاء المنظمة.
وأكد هايد أن معظم الهجمات استهدفت زعماء وقادة بارزين، غالبيتهم من الأردنيين والتونسيين، مثل أبو طلحة الأردني وأبو عبد الرحمن المهاجر وأبو سليمان المغربي وأبو يحيى التونسي وسراقة المكي وأبو محمد الشرعي، فضلاً عن عدد من القادة المحليين مثل أبو إلياس البانياسي ومصطفى الزهري وسعيد نصر الله وحسن بكور. وفي السياق نفسه، أشارت مصادر من إدلب إلى أن العديد من الهجمات يمكن أن تكون نتيجة حملة داخلية ضد المتشددين في التنظيم. وعلى الأرجح فهذه الاغتيالات والتوقيفات تندرج في إطار قرار زعيم الهيئة أبو محمد الجولاني قطع أي علاقات خارجية للهيئة بتنظيم «القاعدة».
إن التطور السريع لهذه الأحداث يعكس التبدل في الفكر الآيديولوجي الذي تبنته «جبهة النصرة» السابقة، وأدى إلى الانقسام في سوريا. وفي هذا الصدد يشير دغيم إلى أن الاعتقال قد يكون خطوة مكلفة قامت بها «هيئة تحرير الشام» التي سعت لأكثر من عام ونصف العام، لأن تنأى بنفسها عن التفسير الذي يعطيه تنظيم القاعدة لـ«الجهاد الدولي»، محاولة بذلك إعادة تصويب مسارها. وقد اتسم هذا الاختلاف الآيديولوجي بين «هيئة تحرير الشام» وتنظيم القاعدة بثلاثة تواريخ رئيسية.
ففي يوليو 2016 أعلنت «جبهة النصرة» أنها انفصلت عن «القاعدة»، وعن تشكيل «جبهة فتح الشام». وحظيت هذه الخطوة بدعم قادة الفكر المؤثرين مثل الشيخ عبد الله محيسني. وأشادت الفصائل الإسلامية السورية مثل «أحرار الشام» و«أجناد الشام» بقرار «جبهة النصرة». في المقابل تُرجم انفصال «النصرة» عن تنظيم القاعدة باستياء المتشددين ضمن الجماعة، وأثار نقاشاً حاداً داخل «الشبكة الجهادية السورية»، رغم أن ذلك فسح المجال أمام «جبهة فتح الشام» للتخلي عن مفهوم «العدو البعيد» (أي العدو خارج المنطقة المباشرة) الذي كان في صلب آيديولوجية «القاعدة» منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
من ثم، جاء إنشاء «هيئة تحرير الشام» في يناير (كانون الثاني) 2017، ليشكل نقطة الانعطاف الثانية. فهذا التطور الثاني سمح للهيئة بالانضمام إلى فصائل المعارضة الشمالية التي تضم حركات منفتحة وحركات متشددة مثل: «نور الدين زنكي» و«لواء الحق» و«جبهة أنصار الدين» و«جيش السنة»، فضلاً عن المنشقين من «أحرار الشام» الذين شكلوا «جيش الأحرار». وفي حين كان يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة من قبل «جبهة النصرة» السابقة لتوطيد سلطتها، إلا أن أثرها الآيديولوجي كان أكبر بكثير، بحيث أدى انضمام العناصر الأكثر اعتدالاً إلى تأجيج حدة الخلافات بين المتشددين والمفكرين البراغماتيين. وفي يونيو (حزيران) 2017، اعتبر «الجهاديون» أن التعليق الذي أدلى به هشام الأطرش، أحد قادة الهيئة الذي كان يتبع سابقاً «لواء زنكي»، أنه «ارتداد» حين دعا الأطرش في سلسلة من التغريدات جماعات الثوار، بما في ذلك هيئة «تحرير الشام»، إلى حل مجموعاتهم والانضمام إلى حكومة مؤقتة للمعارضة من شأنها أن تحكم المناطق المتمردة. انتُقدت هذه التغريدات بشدة من قبل أعضاء سابقين من «جبهة النصرة» كانوا قد انفصلوا عنها حين أعلنت المجموعة انشقاقها عن «القاعدة» على غرار أبو خديجة وأبو جليبيب والدكتور سامي العريدي.
وطبقاً لقناة «وريث الزرقاوي» التي تعنى بنشر كتابات زعماء من «القاعدة» و«النصرة»، فإن العلاقات بين المتشددين السابقين في «جبهة النصرة» و«هيئة تحرير الشام» تفاقمت لدرجة أن المنظمة عمدت إلى ملاحقة أبو خديجة وأبو جليبيب. كما نشرت الصفحة مقالاً للدكتور العريدي، الشخصية المؤثرة في صفوف «جبهة النصرة» سابقاً، دان فيه الرد الضعيف لـ«هيئة تحرير الشام» على بيان الأطرش، إذ اكتفت الهيئة باعتبار أن بيان الأطرش هو «رأي فردي». وندد الدكتور العريدي برد فعل «شقيقيه» في إشارة إلى محمد الجولاني والشيخ عبد الرحيم عطون، مضيفاً أنه خلال مناقشة سابقة مع الرجلين، قال الجولاني رداً على سؤال عما سيفعله إذا أيد أعضاء جدد من حركته شكلاً من أشكال الحكم الديمقراطي، «بأنه سيقتل أي شخص يقدم مثل هذا الاقتراح». واعتبر العريدي أن الجولاني غيّر رأيه، أو فقد السيطرة على منظمته. وبالإضافة إلى ذلك، وفي بيان آخر، انتقد الشيخ مقدسي أيضاً بشكل غير مباشر الهيئة لـ«تمييع» القضية «الجهادية السورية».
أما نقطة الانعطاف الثالثة عن «النصرة»، فجاءت مع اعتقال حرس «النصرة» القديم. وهنا يشير الشيخ دغيم إلى «أن الجولاني يسعى إلى الحصول على دعم دولي، وتبييض صفحته». كما يُعتقد أن دخول تركيا إلى إدلب في أكتوبر (تشرين الأول)، بالتنسيق مع الهيئة، قد سرّع الطلاق بين الهيئة وتنظيم القاعدة، إلا أنه وبغض النظر عن دخول تركيا، فإن الطلاق الآيديولوجي كان في طور الإنجاز.
في المقابل، هاجم زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، «هيئة تحرير الشام» على خلفية الاعتقالات التي بدأتها ضد مناصري «القاعدة»، واعتبر أن إعلان فك ارتباط «جبهة النصرة» منفي وغير مقبول. وفي تسجيل صوتي قال الظواهري إن «العقود والبيعات من الأمور العظيمة، وأوجب الشرع الوفاء بها»، مؤكداً «لم نحل (جبهة النصرة) ولا غيرها من بيعتنا». وأضاف أن تنظيم القاعدة لم يقبل سابقاً أن تكون بيعة «جبهة النصرة» سرية، واعتبرها من الأخطاء القاتلة. وحذّر من «خطر الاجتياح التركي المقبل، ومحاولات الإيرانيين»، عدا عن سياسة التضييق على المتمسكين ببيعة «قاعدة الجهاد في الشام»، والذين تعرضوا للاعتقال والتحقيق.
إن رد فعل تنظيم القاعدة القوي على تطور مسار «هيئة تحرير الشام» الأخير يمكن فهمه بسهولة، إذ يبدو أن «جهاد القاعدة في سوريا» باء بالفشل، أضف إلى أن انفصال «هيئة تحرير الشام» عن «القاعدة» ليس الأول من نوعه، بعد أن سبقه فك ارتباط تنظيم القاعدة بتنظيم داعش في فبراير (شباط) 2014، حين أعلن تنظيم القاعدة قطع علاقاته بتنظيم داعش، وعدم تبني أي مسؤولية عن أعمالها.



انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.