موسكو تطالب المعارضة بـ «الواقعية» في جنيف

لافروف يدعو إلى خروج القوات «غير المدعوة»

TT

موسكو تطالب المعارضة بـ «الواقعية» في جنيف

حملت موسكو المعارضة السورية مسؤولية تعثر المرحلة الأولى من الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، واكتفت على الطرف الآخر بتوجيه رسائل عامة للنظام السوري، بينما شدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على ضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية الموجودة في سوريا بصورة «غير شرعية»، ودعا إلى الحذر في التعامل مع مناطق خفض التصعيد كي لا تتحول إلى خطوة لتقسيم سوريا، في إشارة منه إلى منطقة خفض التصعيد في التنف التي أقامتها الولايات المتحدة.
هذا في الوقت الذي طالبت فيه واشنطن موسكو بممارسة الضغط على النظام وعبرت عن أملها في توسيع مناطق خفض التصعيد. ويتوقع أن يبحث وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الأزمة السورية مع نظيره الروسي سيرغي لافروف خلال لقاء متوقع لهما في فيينا على هامش اجتماع وزراء خارجية دول منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في 7 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.
وبحث ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي المرحلة الأولى من مفاوضات «جنيف - 8» خلال لقاء أمس مع السفير السوري في موسكو رياض حداد. وفي بيانها حول لقاء بوغدانوف - الحداد، قالت الخارجية الروسية إن المحادثات شهدت «تبادلاً صريحاً لوجهات النظر حول تطور الوضع في سوريا»، بما في ذلك النتائج المرحلية للجولة الثامنة من المفاوضات في جنيف، التي وصفها بيان الخارجية بـ«مشاورات سورية - سورية في جنيف برعاية الأمم المتحدة». وكان لافتاً أن استخدم البيان عبارة «تبادلاً صريحاً لوجهات النظر»، وجرت العادة سابقاً أن تستخدم الخارجية في بيانات كهذه عبارات مثل «تبادل معمق» أو «تبادل على أساس الثقة لوجهات النظر»، أو مجرد «تبادل لوجهات النظر».
إلى ذلك، حمل أليكس بورودافكين وفد المعارضة المسؤولية عن عدم تحقيق نتائج حتى الآن في «جنيف - 8». وقال إن الأمم المتحدة بذلت جهدا هائلا لتحقيق النجاح، إلا أنه لا يوجد أي نجاح ملموس، بسبب الوفد الموحد للمعارضة، وأضاف: «هم أتوا إلى جنيف لبحث استقالة الأسد»، وشدد على أن «هذا أمر لا يمكن القبول به، ويشكل استفزازا واضحا لوفد الحكومة»، ولفت إلى أن الأنباء حول قتل تنظيم داعش الإرهابي لعسكريين سوريين وتسرب وثائق حساسة يجري نقاشها في جنيف، أثرا كذلك على النتائج. وكان دي ميستورا طرح على الوفدين السوريين وثيقة من 12 بنداً، ورأى بشار الجعفري رئيس وفد النظام أن دي ميستورا بطرحه مثل هذه الوثائق تجاوز صلاحياته. غير أن بورودافكين أشار إلى أن وفد النظام «منذ البداية أعلن أن هذه النقاط الـ12 تشكل أساساً جيداً للعمل». وأكد دعم موسكو لدعوة دي ميستورا مواصلة المفاوضات الأسبوع القادم، الأمر الذي رأى فيه مراقبون رسالة روسية للجعفري، رئيس وفد دمشق، الذي قال إن «المفاوضات بالنسبة لنا انتهت». أما وفد المعارضة السورية، فقد دعاهم بورودافكين إلى مراجعة الوضع السياسي والميداني في سوريا، وعلى هذا الأساس تعديل موقفهم جذريا في المفاوضات.
في شأن متصل دعا لافروف القوات الأجنبية إلى مغادرة سوريا، وأشار في مداخلة خلال منتدى «الحوار المتوسطي» في روما، إلى إعلان الولايات المتحدة نيتها الحفاظ على قواتها العسكرية في سوريا فترة أطول، وقال: «نرى أنه بعد انتهاء الحرب ضد (داعش)، فإن جميع الوحدات الأجنبية، التي لم تحصل على دعوة من السلطات الشرعية، أو تلك الموجودة على الأراضي السورية دون تفويض من الأمم المتحدة، وهي لا تملك مثل هذا التفويض لأنه غير موجود أساساً، هذه الوحدات ستغادر سوريا». وشدد على ضرورة «التعامل بحذر وعدم السماح لمناطق خفض التصعيد بالتحول إلى خطوة لتقسيم سوريا»، وفي هذا السياق عدَّ «منطقة الـ55 كيلومتراً التي أقامها الأميركيون في التنف، لا حاجة إليها مطلقاً».
من جانبها، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن «المسألة السورية ملحة للغاية» ورأت أن «المهمة الأساسية في أن نلفت مجدداً انتباه الشركاء الروس على عملية جنيف، وتوسيع مناطق خفض التصعيد الناجحة جداً، التي سمحت بإنقاذ حياة الكثيرين». وأكدت أن وزير الخارجية ريكس تيلرسون يخطط لعقد لقاء مع الوزير سيرغي لافروف الأسبوع القادم في فيينا، لبحث الملف السوري، وكذلك لبحث الملفين الكوري والأوكراني.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم