التونسية ليلى منشاري تضيء «لوغران باليه» في باريس

«هيرميس» تقيم معرضاً شاملاً للفنانة التي صممت أبهى واجهاتها

جانب من واجهة المحل الذي صممته ليلى منشاري
جانب من واجهة المحل الذي صممته ليلى منشاري
TT

التونسية ليلى منشاري تضيء «لوغران باليه» في باريس

جانب من واجهة المحل الذي صممته ليلى منشاري
جانب من واجهة المحل الذي صممته ليلى منشاري

ليس من المألوف أن يحتفي القصر الكبير أو «لوغران باليه»، أبرز صالات العرض التاريخية في فرنسا، بفنانة تخصصت في تصميم الواجهات. لكن من يسعده الحظ بالمرور أمام متاجر «هيرميس» للجلود والحرائر الفاخرة، لا بد أن يقف مبهوراً أمام استعراض فني متكامل الأشكال والألوان والمواد، يختلف عن المفهوم التقليدي للواجهة الزجاجية التي تعرض بضاعة مرتبة كيفما اتفق. وطوال أكثر من 30 عاماً، تمكنت دار «هيرميس» من أن تستحضر لواجهتها الرئيسية في باريس، ولفروعها في كبريات العواصم، مشاهد من الصحارى الرملية وسواحل الجزر البعيدة والغابات الاستوائية، بكل حمولتها من سروج وحقائب وأوشحة وأحذية تشكل في مجموعها دعوات للسفر والاستكشاف. من كان يتوقع أن وراء هذه العروض المبهرة سيدة تونسية تتوارى في الظل، تدعى ليلى منشاري؟
اليوم، تخرج المصممة من مخبئها في الفترينات بمناسبة المعرض الشامل الذي تؤدي فيه دار «هيرميس» التحية لها. لقد واصلت عملها مع الدار منذ 1978 حتى 2013، وقد صدر عن منشورات «آكت سود» مجلد كبير عنها في محاولة للإلمام بعوالمها الاستثنائية والثرية. ويتضمن المعرض سلسلة من المشاهد التي تروي حكايات منشاري مع الواجهات ومع الحرفيين الذين يعملون معها. ومثل كل فنان، فإن الأمر يبدأ على شكل حلم يدور في المخيلة، لكنه يحتاج إلى تعاون العديد من الأيدي والمهارات لكي يتحقق ويفترش المساحة العريضة لواجهة تطمح أن تكون خشبة مسرح.
عمل مع ليلى فريق من أفضل الحرفيين بينهم الرسام، والنحات، ودباغ الجلود، وحائك القش، وقاطع الأحجار، وفنان الفسيفساء، ونافخ الزجاج، كلٌّ يجتهد لكي يحوِّل الصور التي في خيالها إلى بانوراما تستوقف المارة، لا لهدف تجاري فحسب بل لرغبة جمالية هي سر أسرار هذه الجنية المسماة باريس، العاصمة العالمية للموضة. وفي قلب شارع الموضة «سانت هونوريه»، تتخذ دار «هيرميس» موقعاً لمتجرها الرئيس، يجتذب أنيقات العالم من كل البلاد؛ ملكات وأميرات ورئيسات حكومات ونجمات سينما ومغنيات أوبرا، وآلاف السياح الذين يقصدون ذلك العنوان لكي يتفرجوا على واجهاته الساحرة التي تشبه مشاهد سينمائية تتعاقب كتعاقب فصول السنة. وهي الواجهات التي جعلت من ليلى منشاري أشهر تونسية في العاصمة الفرنسية، ومبدعة حظيت بالتكريم ونالت أرفع الأوسمة.
كيف وصلت ليلى منشاري إلى ما وصلت؟ وُلدت في ضاحية الحمامات، وكان والداها منفتحين على ثقافات العالم، أرسلاها لتتعلم اللغة الفرنسية في مدرسة للراهبات في تونس. وهي تقول إن والدتها كانت سيدة عصرية بمفهوم زمانها وأول امرأة خلعت العباءة التونسية التقليدية «السفساري» وقدمت محاضرات حول ضرورة مساهمة المرأة في الحياة الاجتماعية. وعندما أبدت البنت رغبتها بدراسة الفنون الجميلة، دخلت معهداً في العاصمة يديره الرسام الفرنسي أرمان فيرجو، درست على يده لمدة 3 سنوات. كانت تريد أن تعمل ممرضة أو مساعدة اجتماعية. ثم وجدت نفسها في باريس، بفضل مصادفة لم تكن تحلم بها. وكانت باريس في تلك السنوات من أربعينات القرن الماضي تفور بالحركات الوجودية والسريالية وغيرها من الصراعات، وهي قد ارتضت أن تسكن في غرف الخدم، رغم أنها اعتادت عيشة القصور، لمجرد أن تتعلم على أيدي فنانين كبار، بينهم أستاذها النحات الشهير سيزار.
عندما أنهت دراستها بدأت تعمل في وظائف صغيرة. وفي تلك الأثناء كانت دار «هيرميس» تبحث عن رسامة ومصممة. تقدمت ليلى منشاري لتلك الوظيفة ولم تكن تدري أن اسمها سيرتبط بتلك الدار للباقي من عمرها. وجدت نفسها على أهبة مشروع جديد كأن شعلة سرية تكويها من الداخل وتبقيها حية. وبتلك الحماسة راحت ترسم للدار حدائق وغابات وأشجار ياسمين، وتستوحي ذاكرتها التونسية في كل رسومها. وشيئاً فشيئاً تعلمت أسرار المهنة، وتعرفت على أسطوات صناعة الجلد والتطريز والفضة والحرير، وصارت عموداً من أعمدة الدار التي تحتفي اليوم بمسيرتها من خلال هذا المعرض.


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.